للهلع مفاعيل… تبون يُشرِع أبواب الجزائر أمام ترامب
تاريخ النشر: 14th, March 2025 GMT
بقلم : د. طالع السعود الأطلسي
القيادة الجزائرية ضيّقت على “عقلها الاستراتيجي” موارد تغذيته حين جعلت من حساسيته تجاه المغرب المجال المحوري، لدوران موَلِّداتِه. كتبتُ، وكتبَ غيْري، مِرارا، أن تلك ليست حالة عرضية أو مجرد انفعالات مُتقطعة ومُتفرقة، بل هي خلل في تركيبة ذلك “العقل” منذ نشأته و”تجهيزه” في معامِل حكومات “جبهة التحرير” الأولى، بُعيدٓ استقلال الجزائر، وإلى اليوم، القيادة الجزائرية، بشقَّيْها، الظاهر المُعتلي لمنصات الرئاسة والحكومة، والشق المتواري، المهم، المشَكَّل من جنرالات أركان الجيش وامتداداتهم في الأمن والمخابرات، تُواصل تمرين “تفكيرها” السياسي على المرور إلى العالم من معبر المغرب… تعوّدتْ أن يكون حقدها على المغرب هو وقود “عقلها” في ترتيب حاجات وأولويات علاقاتها مع دوَل العالم… وحتى في تدبير شؤونها الداخلية الاجتماعية.
هي حكاية قديمة، أدمنت عليها قيادة الجزائر… يطول الحديث فيها، والبراهين عليها مُتوَفِّرة، بل متدفقة من بين شقوق السياسات الجزائرية، وهي كثيرة… نجم عن ذلك أن تلك القيادة انشغلت بمحاولات الحدّ من تفوّق المغرب، بتاريخه العريق، بممكناته البشرية والطبيعية وبتقدّمه في مساره التنموي… والأهم بقيادته الملكية المتبصرة، وهي التي نهجت سياسات مُنتجة للتقدّم اجتماعيا واقتصاديا،وحكيمة، منفتحة وواقعية في علاقات المغرب الخارجية… تلك المحاولات انتظمت في سياسات مُشبعة بالحقد ليس إلا، وأهدرت لعقود فُرص القيادة الجزائرية بأن تكون مفيدة أوّلا وأخيرا لشعبها ولتقدّم الجزائر…
لعقود وتلك القيادة “تستثمر” عائدات الطاقة الأحفورية الضّخمة والمقدرة بعشرات الملايير من الدولارات سنويا (مُعدل مبيعات الجزائر من البترول والغاز في السنوات الأخيرة حوالي 50 مليار دولار أمريكي) فيما لا ينفع الجزائر، ولا يُفيد شعبَها ولا يبقى في أرضها… والاستثمار هنا ليست الكلمة المناسبة، بالأصح، تنفقها، أو تبذرها في اتجاهين… اتجاه إفادة جنرالات القيادة من ذلك الريع وتأمين اغتنائهم منه، فيما يشبه “أتعاب” تحمُّلهم “مَشاق” القيادة، أو هي “جِزية” من الشعب الجزائري لهم، يقتطعونها بأنفسهم. وكان الرعيل الأول منهم سنوات ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وزع الغنيمة على “شلته” بأن كان للجزائر جنرال الرّمل وجنرال البنِّ وجنرال الساعات وجنرال النسيج وجنرال الاسمنت وجنرال المشروبات الكحولية إلى غير ذلك من المواد، التي، في أغلب الحالات، الدولة هي التي كانت تحتكر استيرادها أو إنتاجها وتوزيعها. في نوع من “اشتراكية الدولة” هجينة، مائعة ومكذوب عليها، لتكون الاسم المستعار للنهب…
الاتجاه الآخر الذي امتص ويمتص ملايير من الريع البترولي الجزائري، هو تشغيل القيادة المفرط لآليات الدَّولة وسياستها تربُّصا بالمغرب ومُشاغبَة ضده والتآمر عليه… بدءًا من شجع القيادة في التسلح وشحن الثكنات بالأخضر واليابس من السلاح الروسي، أساسا، وإلى حد التخمة، المُضيعة للفطنة، بِعِلّة الاستعداد للتصدي للعدوّ المغربي، وهي ما تبرر به القيادة العسكرية حكمها للجزائر وامتصاصها لثروات البلد، ليس إلا… فهي تعرف أن المغرب لن يُبادِر أبدًا بالهجوم على الشقيقة الجزائر، لأنه دائما وأبدا يقدر الأخوة مع الشعب الجزائري… وقد كان للمغرب، دولة وشعبا، إسهامه، المثبت في التاريخ، في انتصار الكفاح التحرري الجزائري من الاستعمار. والمغرب لا يضمر للجزائر إلا الخير، ويدعو قيادتها، بإلحاح وسبق إصرار، إلى التفاهُم والتضامُن والتعاوُن… لأن المغرب، فضلا عن اعتبارات الأخوة وحسن الجوار، يُلحُّ على المصلحة الواقعية للبلديْن في التعاون والتكامل ثنائيا وفي الإطارالمغاربي الأعمّ… القيادة الجزائرية تعرف ذلك وتتجاهله وتتعامى عنه لأنها تسعى أن تستفز في المغرب عدوانية لتبرِّر عُدوانيتها وتؤججها… وفي جانب من هذا السلوك ما لا يُحلِّله إلا المختصون في علم النفس السياسي،والمرضي خاصة منه… لذلك السفَه في الانفاق العدواني ضد المغرب، بالملايير السائلة مَصبّات أخرى، رديفة، في الرشوة “الديبلوماسية” مع بعض الدول الإفريقية، لاستمالتها لصالح الجزائر…. وهي ممارسة “عريقة” لدى القيادة الجزائرية منذ ستينيات القرن الماضي. رشوة بأشكال متنوِّعة، منها النقدي في حقائب ومنها العيني الملفوف في زعم “تعاون” اقتصادي وتجاري…
التآمر الاستخباراتي، العملياتي والدعائي مجرى آخر لنزيف عائدات ثروة الجزائر النفطية والغازية… والجزء الأكبر من ذلك الهدر يذهب إلى إعاشة البوليساريو، خاصة بعد انقطاع التحمّل المالي الليبي لها منذ 1984، لمّا وقّع العقيد القذافي مُعاهدة وجدة مع الملك الحسن الثاني… إعاشة البوليساريو في مُخيّمات تندوف والتكفُّل بمستلزمات تحكريك قادتها وممثليهم وأعوانهم ومليشياتها ضد المغرب. ويذهب جزء آخر من استنزاف المخابرات الجزائرية للرصيد المالي الوطني إلى التّحريض ضد المغرب دعائيا، عبر رعاية تناسل الذباب الإلكتروني المعادي للمغرب، ودعْمه بالحمَلات الإعلامية، خاصة في الإعلام الجزائري وإنطاق عُمَلاء في بعض المواقع الغربية، ومنها لمُرتزقة مَغاربة لفظتهم مخابرات عدة دول لنتانتهم…
أهملت قيادة الجزائر شعبها وأبقته في وضعية خصاصات سياسية، اقتصادية واجتماعية مُتعدِّدة ومُريعة… تحتاج إلى إرادة وجُهد حثيث لسدها من حيث الحريات وتحرر الاقتصاد الوطني من “أسر” الريع البترولي (90% من صادرات الجزائر مواد نفطية) واستدامة توفير المواد الغذائية الضرورية هيكليا، فضلا على ملائمة الاقتصاد الوطني مع تطورات الاقتصادات الإفريقية الصاعدة ومن بينها اقتصاد المغرب، الذي يؤرق تطوره قيادة الجزائر…
قيادة الجزائر انقادت “غريزيا”، مع انْفعالات مُعاداتها للمغرب، وخاصمَت بل واسْتَعْدَتْ، مجّانا، دولاً عدة، أهمها الإمارات العربية وفرنسا وقبلهما إسبانيا، بسبب المغرب. وهي اليوم في حالة توتر، صامت، مع موريتانيا أيضا بسبب المغرب، وحالة عداوة مُعْلَنة مع النيجر ومالي، ما يجعل البلَد في وضعية تشنُّج مع مُحيطه الجيوسياسي، بينما قيادته تكابِر بأنها “قوة ضاربة” و”فاعل محوري” في الاستقرار والسلم والتعاون في المنطقة. الوقائع وحدَها تبطل الادِّعاء.
خسارات قيادة الجزائر من “انشغالها” المرضي بالمغرب كبيرة… خسارات تُوَسِّع الفارق بينها وبين المغرب. المغرب راكم من التطورات في مساره التنموي درجات نوعية، بينما تغتاض قيادة الجزائر من ذلك، وتواصل تخبُّطها في محاولات اللحاق به، أو حين تسعى إلى تدارك تشنجاتها مع دول انحازت إلى عدالة القضية الوطنية المغربية.
لن أقف هنا عند أزمة الجزائر مع إسبانيا، بسبب موقفها من المغرب وكيف أن قيادة الجزائر لحست غضبها من إسبانيا وتجاهلت سببه، لتستجدي وِدّ إسبانيا… وما مصير أزمتها الحادة اليوم مع فرنسا إلا على شاكلة ما حدث مع إسبانيا… الأزمة مع فرنسا تبدو حادة غير أن مؤشرات كثيرة في الإعلام الجزائري تكشف عن أمل جزائري في تجاوزها… الإعلام الجزائري هذه الأيام ينقب في تصريحات المسؤولين الفرنسيين عن أي بارقة تهدئة… فرنسا تسكن مخيِّخ القيادة الجزائرية، ولن تصبر على تجاهلها لفائدة المغرب... سنرى قريبا فصلا جديدا من اللهاث الجزائري وراء فرنسا…
وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في واشنطن سُمع وقعه مُزَلْزلاً في قصر المرادية بالجزائر… وتملِك الجزائر أكثر من سبب للارتياب من نظر ترامب جهتها… والمغرب وصِلة ترامب به في أساس ذلك الارتياب أو ذلك الهلع…
هذه المرة استبقت قيادة الجزائر احتمال هبوب “الترامبية” عليها، وكلفت سفيرها في واشنطن (الوزير الأسبق للخارجية) صبري أبوقدوم، بأن يعرض على ترامب “السماء حدودا للتعاون بين البلدين”… والتعاون هنا كلمة لا تقول الواقع… الواقع أن الجزائر تُهدي نفسها لأمريكا… السفير في حوار صحفي (أقرب إلى منشور العلاقات العامة منه إلى حوار صحفي) مع موقع أمريكي، تمنى أن تبيع أمريكا السلاح للجزائر، وعرض عليها منحها مساحات أرضية حسب حاجتها وحرّضها للدخول إلى إفريقيا عبر البوابة الجزائرية ضدَّ الحضور الروسي فيها… وأشْرع لتعاون الجزائر مع أمريكا ليس مجرد أبواب، لا، بل فتح لها “السماء حدودا”…
كانت الجزائر وهي تسير، تغمز بشارة الانعراج إلى اليسار بينما هي تتجه يمينا… كانت توظف لغة “مُتيَاسرة” بينما هي أعجز من أن تكون في مستواها… اليوم تعلن عن استعدادها للتخلي حتى عن قناع المكابرة والشعاراتية… تنحني “للترامبية” قبل هزيزها عليها… مجرد تخيلها لما هي ذاهبة إليه من بَرد عزلة أضيق أرعبها… فتحت لترامب السماء، فقط لأنها ضد المغرب،مسكونة بالعداء، ولله في دًوله أو ما يشبهها شؤون… وكان الله في عون الشعب الجزائري.
المصدر: زنقة 20
كلمات دلالية: القیادة الجزائریة قیادة الجزائر م الجزائر ضد المغرب
إقرأ أيضاً:
توترات جديدة في العلاقات بين فرنسا والجزائر بعد قرار السلطات الجزائرية طرد 12 موظفا في السفارة الفرنسية
عاد التوتر ليكبل مجددا العلاقات بين فرنسا والجزائر بعد إعلان باريس عن قرار السلطات الجزائرية طرد 12 موظفا في السفارة الفرنسية وتهديدها بالرد على هذه الخطوة في حال الإبقاء عليها.
لكن بالرغم من هذه التوترات المستجدة، « ما زالت الاتصالات قائمة » وتسعى باريس إلى « التهدئة »، وفق ما أفادت مصادر ديبلوماسية فرنسية.
وطلبت الجزائر من الموظ فين الفرنسيين مغادرة أراضيها، بحسب ما أعلن الإثنين وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو مشيرا إلى أن هذا القرار جاء ردا على توقيف ثلاثة جزائريين في فرنسا.
ويعمل بعض هؤلاء الموظفين الفرنسيين في وزارة الداخلية، على ما كشف مصدر دبلوماسي لوكالة فرانس برس.
والجمعة، وجه الاتهام في باريس إلى ثلاثة رجال أحدهم موظف في إحدى القنصليات الجزائرية في فرنسا، على خلفية التوقيف والخطف والاحتجاز التعسفي على ارتباط بمخطط إرهابي، بحسب ما أكدت النيابة العامة الوطنية الفرنسية في قضايا مكافحة الإرهاب.
ووجه الاتهام إلى الرجال الثلاثة للاشتباه في ضلوعهم في اختطاف المؤث ر والمعارض الجزائري أمير بوخرص نهاية أبريل 2024 على الأراضي الفرنسية.
ووضع الثلاثة رهن الحبس الموقت وهم متهمون أيضا بتشكيل عصابة إجرامية إرهابية.
وكانت وزارة الخارجية الجزائرية اعتبرت في بيان مساء السبت أن « هذا التطو ر الجديد وغير المقبول وغير المبرر من شأنه أن يلحق ضررا بالعلاقات الجزائرية-الفرنسية »، مؤكدة عزمها على « عدم ترك هذه القضية بدون تبعات أو عواقب ».
وشد دت على « هشاشة وضعف الحجج التي قدمتها الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية الفرنسية خلال التحقيقات، حيث تستند هذه الحملة القضائية المرفوضة على مجرد كون هاتف الموظف القنصلي المتهم قد يكون تم رصده بالقرب من عنوان منزل المدعو أمير بوخرص ».
وأمير بوخرص الملقب بـ »أمير دي زد » مؤث ر جزائري يبلغ 41 عاما ويقيم في فرنسا منذ 2016، وقد طالبت الجزائر بتسليمه لمحاكمته.
وأصدرت الجزائر تسع مذكرات توقيف دولية في حقه متهمة إياه بالاحتيال وارتكاب جرائم إرهابية. وعام 2022، رفض القضاء الفرنسي تسليمه وحصل على اللجوء السياسي عام 2023.
وتعر ض بوخرص الذي يتابع أكثر من مليون مشترك حسابه على تيك توك « لاعتداءين خطرين، واحد في 2022 وآخر مساء 29 نيسان/أبريل 2024 » يوم اختطافه في الضاحية الجنوبية لباريس قبل الإفراج عنه في اليوم التالي »، على ما قال محاميه إريك بلوفييه.
ورد ا على قرار السلطات الجزائرية طرد موظ فين من السفارة الفرنسية في الجزائر، قال وزير الخارجية الفرنسي حان-نويل بارو « أطلب من السلطات الجزائرية العودة عن إجراءات الطرد هذه التي لا علاقة لها بالإجراءات القضائية الجارية » في فرنسا.
وأضاف « في حال الإبقاء على قرار طرد موظفينا لن يكون لنا خيار آخر سوى الرد فورا ».
وتتعارض هذه التطو رات المشحونة مع إعلان البلدين مؤخرا عزمهما إحياء العلاقات الثنائية التي شهدت عدة تقلبات دبلوماسية في العقود الأخيرة.
وقبل أيام، كلف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الجزائري وزيري الخارجية بطي صفحة أزمة امتد ت على ثمانية أشهر كادت تصل حد القطيعة الدبلوماسية.
وبدأت هذه الأزمة في أواخر يوليو مع إعلان الرئيس الفرنسي عن دعمه الكامل لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية للصحراء الغربية التي تطالب جبهة بوليساريو باستقلالها منذ 50 عاما بدعم من الجزائر. فبادرت الجزائر إلى سحب سفيرها من باريس.
وتأز م الوضع بعد ذلك، خصوصا بسبب مسألة الهجرة وتوقيف الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال في الجزائر.
واحتج ت الجزائر السبت على توقيف أحد معاونيها القنصليين في قضية المؤثر بوخرص أمام السفير الفرنسي ستيفان روماتي، منددة خصوصا بعدم إبلاغها بالأمر عبر القنوات الديبلوماسية.
وقال وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو الأحد إنه « تم التثبت من الاختطاف بما في ذلك بمبادرة من فرد يعمل في كريتاي (ضاحية باريس) في القنصلية العامة للجزائر ».
وتوخى روتايو الحذر إزاء الإشارة إلى احتمال ضلوع السلطات الجزائرية، قائلا إن « الارتباط بالبلد لم يثبت » لكن مع التشديد على « أننا كبلد سيادي… نتوقع أن تحترم قواعدنا على الأراضي الفرنسية ».
ويزور روتايو الرباط حيث تطرق الإثنين مع نظيره المغربي إلى التعاون في مجال الجريمة المنظمة ومسألة التصاريح القنصلية بعد تحسن العلاقات بين البلدين.
وندد جوردان بارديلا زعيم حزب « التجمع الوطني » اليميني المتطرف في فرنسا بالتطورات الأخيرة في العلاقات بين بلده والجزائر، مستهزئا على « اكس » بـ »النتائج اللامعة لاستراتيجية التهدئة لإيمانويل ماكرون ».
واستنكر النائب اليميني لوران فوكييه من جانبه « إذلالا جديدا »، مطالبا « الحكومة بالدفاع عن شرف فرنسا وإلزام الجزائر على استعداة كل مواطنيها الذين صدرت في حق هم أوامر بمغادرة الأراضي الفرنسية ».
كلمات دلالية الجزائر الصحراء المغرب