لجريدة عمان:
2025-04-16@03:01:47 GMT

استعادة أسامة أنور عكاشة

تاريخ النشر: 14th, March 2025 GMT

استعادة أسامة أنور عكاشة

في كل عام، وفي الأيام الأولى من الشهر الفضيل، أتصفح الفضائيات، لعلي أعثر على مسلسل أتابعه أو مسلسلين، لكنني للأسف أعود بخفيّ حنين. وبالرغم من ذلك أجدني أتابع هنا وهناك، لعلي أرى مواضيع المسلسلات، بحثا وراء مضامين ميلودراما عربية تتعلق بقضايا الإنسان العربي، وتحولات الأوطان، باتجاه الخلاص الجمعي.

ونحن نشاهد هذه الأعمال، نجد أنفسنا منشدين لحنين العقود الثلاثة آخر القرن العشرين، ولربما جزء من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وهكذا فقد وجدت نفسي، في رمضان هذا، أمام السيناريست العربي أسامة أنور عكاشة، ابن مصر الثقافة والفنون، الذي عشنا معه معظم سنوات عمرنا، والذي، رحمه الله، كان جزءا غاليا ومهما من تكويننا الفكري والثقافي.

كنت طالبا في مصر أوائل التسعينيات، وكانت القناة الأولى تبث مسلسل ليالي الحلمية، وكنا نحن الطلبة غالبا ما نلتقي لنشاهد الحلقات. وكنت أستغرب، كيف كانت تخف بشكل ملحوظ حركة السيارات والناس في الشوارع، حتى لكأن هناك ما يشبه منع التجول. حدث ذلك في أكثر من مدينة في مصر، مثل طنطا والإسكندرية، والقاهرة. لم يكن صعبا تفسير ذلك، فقك كان الناس أمام شاشات التلفزيون، خاصة بعد تأدية صلاة التراويح. بادرت السائق الذي أقلنا إلى بيت أحد الأصدقاء:

- وأنت ألا تتابع ليالي الحلمية؟

- إنها هنا؟

وأشار إلى جهاز تلفزيون صغير، ثبته السائق في التكسي. وقتها عرفت أن سحر عكاشة قد بلغ مبلغه، خاصة وأنا أشاهد المارة، وقد وقفوا أو جلسوا يتابعون الحلقات على جانبي الشوارع، من خلال تلفزيونات الباعة والمحلات.

ترى ما الذي شدّ الملايين في مصر والعالم العربي لهذه الأعمال الدرامية، والتي صارت تعيش معنا في البيوت، وظلت كذلك تعيش في وجداننا. ترى كيف استطاع هذا الكاتب جذب الملايين؟

كتب عكاشة القصة، والرواية، وقصص الأفلام ومسرحيات، ومقالات رأي، لكن الذي اشتهر به أنور عكاشة هو كتابة سيناريو أهم المسلسلات العربية، حيث اعتبر واحد من أهم كتابا الدراما في الشرق الأوسط، ما يعني العالم أيضا. كان أربعينيا، عندما بدأت رحلته في كتابة الدراما التلفزيونية، كواحد من أشهر الكتاب العرب؛ فقد بدأ رحلته قويا ناضجا، وصاحب رؤية حتى وإن كان ناقدا حادا أحيان.

لقد عشنا ذلك الزمن أطفالا وفتيانا وشبابا، وصولا الى زمن ابيضت به مفارقنا. وهكذا يصعب ألا يحضر أنور عكاشة، وتلك الطواقم الفنية من إخراج وتمثيل وموسيقى وغناء، و"منين يجينا الشجن من اختلاف الزمن".

لماذا نجح أنور عكاشة وانتشر في مصر والعالم العربي الى درجة أنه نافس باسمه أسماء كبار النجوم؟

هي منظومة الإبداع معا، من إتقان اختيار القصة، والتعبير الحقيقي غير المتكلف، وبناء الشخصيات بناء ناضجا، وإظهار أثر التحولات الاجتماعية عليها، كذلك والعلاقات بينها، مع إظهار الدوافع النفسية المرتبطة بالتاريخ الشخص لها، واشتباكها مع التاريخين الاجتماعي والسياسي.

وهنا يحضر الصدق الفني، النفسي والاجتماعي والسياسي في إطار تاريخي، بحيث يقدم الشخصيات والتاريخ الذي كان ويكون، تاركا مسافة بينه وبينها، بما يتيح الشرط الموضوعي، وهكذا نجح عكاشة، ربما باستثناء جلده الزائد لعصر الانفتاح الذي حملّه معظم الإفرازات السلبية للمجتمع.

إنا رحلته الفكرية من خلال الدراما التلفزيونية، ورحلتنا حسب أعمارنا، على مدار أربعة عقود حتى رحيله عام 2010.

على أبواب المدينة، الشهد والدموع، بوابة الحلواني، رحلة أبو العلاء البشري، الراية البيضا، ليالي الحلمية، أرابيسك، ضمير أبله حكمت، زيزينيا، وما زال النيل يجري....كل واحد من تلك الأعمال يحتاج وقفة. والمثير بالأمر أننا حين نعود اليوم الى هذه الأعمال، خصوصا التي شاهدناها في مراحل تكون الفكر والوعي، نكتشف أننا كأننا نراها من جديد، حيث نتجاوز الآن متعة المشاهدة الى إغراء التفكير وربما الكتابة أيضا. كل عمل من تلك الأعمال له تاريخ معنا حسب عمرنا حين شاهدناه أول مرة، وحين تكررت المشاهدة في مراحل عمرية مختلفة.

كان الجامع الناظم في الأعمال التلفزيونية هو رصد أثر التحولات على الشخصيات، ثم اختبار العلاقة بين الشخصية المصرية (العربية) الأصيلة وتلك المنفتحة على العصر.

لقد الكاتب مرّ نفسه في تحولات، من خلال ما مرّت به بلده مصر، والعالم العربي؛ فقد كان ابن 7 سنوات حين حدثت حرب عام 1948، و26 عاما حين حدثت الهزيمة عام 1967، و32 في حرب رمضان أكتوبر عام 1973، ثم ما كان من تحولات سياسية واقتصادية ما بعد ذلك. لذلك فقد عاصر عكاشة تلك الأحداث فكان شاهدا بصدق، كذلك حين عاد الى ما قبل ذلك، منذ ثورة عام 1919، مرورا بالواقع السياسي والاجتماعي في مصر وصولا الى ثورة عام 1952. لذلك كانت آخر أعماله التليفزيونية مسلسل المصراوية، الذي عُرض في أيلول من عام 2007، والذي جسّد من خلاله تاريخ الشعب المصري منذ العام 1914.

كان يحيا ويصغي لما يعيشه، وحين عاد الى ومن لم يعشه، فقد استقصى ما أمكنه من واقع حقيقي، دون تحيّز، وبذلك فقد وصلت أعماله الى قلوبنا وعقولنا، حتى مع الذين اختلفوا بالرؤية الفكرية معه.

كان التلفزيون جهازا سحريا وصل من خلاله الكاتب الى الملايين، ممن يقرؤون ولا يقرؤون، على اختلاف مستوياتهم، مقدما رسالته الفكرية من جهة، ودافعا لنا للتأمل بما كان ويكون، باتجاه مستقبل أكثر وعيا وعدالة.

إن تأمل سيرة أنور عكاشة، يجد أنه تأثر بدراسته وسياق حياته كمواطن مصري وعربي، فقد حصل على ليسانس الآداب من قسم الدراسات النفسية والاجتماعية بجامعة عين شمس عام 1962. ثم عمل بعد تخرجه أخصائيًا اجتماعيًا في مؤسسة لرعاية الأحداث، كما عمل مدرسًا في مدرسة بمحافظة أسيوط وذلك بالفترة من عام 1963 إلى عام 1964، ثم انتقل للعمل بإدارة العلاقات العامة بديوان محافظة كفر الشيخ وذلك بالفترة من عام 1964 إلى عام 1966، ثم انتقل بعدها للعمل كأخصائي اجتماعي في رعاية الشباب بجامعة الأزهر وذلك من عام 1966 إلى عام 1982 عندما قدم استقالته ليتفرغ للكتابة والتأليف.

مرة أخرى. لماذا نستعيد أسامة أنور عكاشة اليوم بعد 18 عاما على آخر عمل إبداعيّ له؟ وبعد 15 عاما على رحيله؟

في ظل غياب قضايا الإنسان المصيرية التي تتعلق بالخلاص العام والفردي، فإننا نتذكر الأعمال الفنية الدرامية، سواء أكانت تلفزيونية أو سينمائية أو مسرحية؛ فحين نستعيد مثلا مسلسلات عكاشة، نجد كيف سبر الكاتب عمق التحولات بين الريف والمدينة في "على أبواب المدينة" كمقاربة رمزية للمجتمع على أبواب الحداثة، وتلك التحديات الاجتماعية ومسؤولية المجتمع. في "الشهد والدموع" نجد كيف أثرت التحولات على الأسر وما ظهر من ظلم لذوي القربى، منتقدا بذلك ما ظهر من تمايزات. كذلك كان مسلسل "الراية البيضا" من أكثر الأعمال الفنية نقدا لعصر الانفتاح الذي كانت "فضة المعداوي" ممثلة له، أما مسلسل "ليالي الحلمية"، بأجزائه الأربعة فكان بحق خير مصور للمجتمع على مدار عقود، في حين طرح مسلسل "ضمير أبله حكمت"، دور الوعي في مناهضة الآثار السلبية لرأس المال غير المنتمي. في حين كان مسلسل "زيزينيا"، خير عمل عبر عن التعددية التي شهدتها مدينة الإسكندرية، كمدينة كوزموبوليتانية.

نحن نستعيد زمن عكاشة وإبداع لأننا نفتقد الجدية والمسؤولية والرسالة، على أمل أن تتجدد الميلودراما العربية باتجاهات أكثر مسؤولية باتجاه التحرر والعدالة والارتقاء والتغيير الإيجابي لحياتنا معا.

ورمضان كريم، يجمعنا على الخير والوعي معا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: لیالی الحلمیة أنور عکاشة فی مصر من عام

إقرأ أيضاً:

عودة المَلكية بمشتملاتها.. والمعنى في بطن أسامة الغزالي حرب!

أول الرقص حنجلة!

وقد قام أسامة الغزالي حرب بحنجلة، تمثلت في دعوته لعودة الألقاب، فمن العبث ألا نتعامل مع ما فعل بالجدية اللازمة، والاندفاع في اتجاه السخرية والتسخيف، مع أن دعوته قد تكون "جس نبض" للوصول لمرحلة الرقص، وإن بدت "عربون" محبة، وتطوعا من جانبه لأولى الأمر منه، تمكنه من الخروج من القمقم، وليس من بين الحافّين من حول العرش الرئاسي كفاءات يمكنها أن تقدم مثل هذه المبادرات، لأن الاختيار لهذه المواقع للأضعف مهنيا، على نسق اختيار "عساكر المراسلة"، وقد أثبت لهم الغزالي حرب أن الدهن في العتاقي!

عندما تذكرك مبادرة عودة الألقاب (البك والباشا) بأسامة العزالي حرب (الألقاب محفوظة)، الرجل الذي دخل للسرداب ضمن كثيرين كانوا ملء السمع والبصر بعد الثورة ويمارسون معارضة الحد الأقصى ضد الرئيس محمد مرسي، لا يمكنك إلا أن تتحسر على حال الدنيا التي إذا أينعت نعت، وإذا كست أوكست. ومن المؤسف أن تكون هذه النهاية الأليمة لهؤلاء، ومن بينهم الغزالي حرب، الذي انحدر به الحال لحد أنه عندما يظهر للناس بعد اختفاء، يكون حيث المناطق الآمنة. والرجل ضمن آخرين، مثل جابر نصار، هم في عداد الموتى، وقد انتهوا سياسيا على هذا النحو، وليتهما ومعهما آخرون انتهوا نهاية المستشارة تهاني الجبالي، فقد صنعت جميلا في نفسها عندما ماتت!

الذين ماتوا بالحياة:

كانت المستشار الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية، والمعينة بالمحكمة بتوصية مرفوعة للسيدة سوزان مبارك من المستشار فتحي نجيب، رئيس المحكمة، بدون إجراءات تعيين موضوعية، قد ادعت الثورية بقيام ثورة يناير، واندفعت تهاجم الرئيس محمد مرسي بما يمثل خروجا على مقتضى الواجب الوظيفي، لكنها كانت في حماية المجلس العسكري، فلما كان دستور 2012 الذي أخرجها من المحكمة الدستورية، فقد وجدت في الانقلاب العسكري فرصة للعودة، وكان هذا طبيعيا بمجرد الإعلان عن وقف العمل بالدستور!

وقد حذرتُها من أن تعيش الحلم، وأعلنتُ مبكرا أنها لن تعود، وبدا هذا مغامرة مني، لكنها كانت مغامرة محسوبة، لأن القاضية السابقة محسوبة على الفريق سامي عنان، والذي كان يوظفها في عرض بعض الأفكار والتصدي لمطالب المعارضة في الاجتماعات الأولى للمجلس العسكري مع القوى المدنية، والجنرال المنقلب هو ضمن دائرة المشير طنطاوي، الذي لم يكن على وفاق مع عنان، وهذه كانت فلسفة مبارك في الاختيار!

ولم تعد تهاني لوظيفتها القضائية، كما توقعت، ثم وصل التجاوز معها إلى الحدود الخشنة عندما أصروا أن تخلع نعليها في مطار القاهرة، وعندما هاجت وماجت، كان إصرارهم على ذلك أكبر، فخضعت للتفتيش المهين، لتموت بعدها، ويبقى على قيد الحياة من ماتوا بالحياة!

رحلة أسامة الغزالي السياسية:

وفي اعتقادي أن أسامة الغزالي حرب (المقامات محفوظة) يعيش أسوأ أيام حياته، وهو الذي عاش في الأحضان الدافئة لنظام مبارك، وعُين لدورات عدة في مجلس الشورى، فمنذ أن وعيت على ظهر الدنيا وهو عضو بالتعيين في مجلس الشورى، ضمن الثلث الذي يعينه رئيس الدولة، ثم كان من رجال لجنة السياسات التي شكلها نجل الرئيس، ومع هذا فاجأ الجميع باستقالته من اللجنة وقيامه بتشكيل حزب مع القانوني والوزير السابق يحيى الجمل!

وكم أدهشني حصوله على الموافقة بتأسيس الحزب (الجبهة الوطنية) من لجنة شؤون الأحزاب بسهولة وييسر، وهي لجنة حكومية تضم عددا من الوزراء، وعددا من القضاة السابقين (يختارهم وزير العدل) ويرأسها رئيس مجلس الشورى، وهي لجنة تخصصت في رفض الأحزاب، إلا عدد قليل منها، ومنذ تأسيسها كانت الموافقة تصدر من جانب محكمة الأحزاب (بتشكيلها المعيب أيضا)، فكيف لهذه اللجنة أن توافق على تأسيس حزب ممن استقال من اللجنة الأقوى في تاريخ الحزب الحاكم والتي يرأسها نجل الرئيس!

الأكثر غرابة أن برنامج الحزب الجديد كان يتضمن إلغاء جهاز مباحث أمن الدولة، ومن كانوا معنا في هذه المرحلة يدركون أنه طلب يتجاوز الخطوط الحمر، وكان اللافت أنه في اجتماع المناقشة بلجنة الأحزاب، فإن حبيب العادلي، وزير الداخلية وعضو اللجنة، طلب إلغاء هذا البند من البرنامج، لكن الغزالي حرب رفض طلبه، ومع ذلك خضعت اللجنة ومنحت الحزب الترخيص القانوني، فمن هذا الذي يواجه العادلي على هذا النحو فلا يملك حياله إلا أن يأخذ على خاطره وفقط!

زالت الدهشة عندما علمت أن الموافقة على الحزب كانت منذ الشروع في تأسيسه بناء على ضغوط أمريكية، وفي المرحلة التي شهدت اطلاق عدد من الصحف الخاصة، وكان هذا الباب مغلقا منذ سنوات، ولم يسمحوا إلا بصدور عدد محدود من الصحف منذ إصدار قانون تنظيم الصحافة لسنة 1996، الذي خفف من شروط التأسيس المبالغ فيها والواردة بقانون سلطة الصحافة لسنة 1981، والذي لم تصدر بمقتضاه سوى صحيفة مايو (شارك السادات في تأسيسها واستولى عليها الحزب الوطني)، وإن استوفت شركة أخرى هي "الحرية" شروط التأسيس ولم تصدر صحيفتها، وكان من بين المؤسسين فيها رموز المجتمع ونذكر منهم الشيخ الشعراوي، ويحيى الجمل الذي أشرف على كتاب "الحرية" الدوري!

بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، ومن بين العناصر في التنفيذ وتنظيم القاعدة مصريون، فقد رأى الأمريكان أن الاستبداد في مصر سبب في هروب ضحاياها ليمثلوا تهديدا للولايات المتحدة الأمريكية في عقر دارها، ومن هنا كانت الضغوط بضرورة توسيع هامش التعبير، وإصدار الصحف، وتأسيس أحزاب جديدة، فكان حزب أسامة الغزالي حرب وصاحبه الجمل!

ومن المفارقات أن الاتفاق بين وكيلي المؤسسين (حرب والجمل) كان يقضي بأن يتولى الأخير رئاسة الحزب لمدة سنة، ثم تؤول الرئاسة للغزالي حرب، فلما انتهت السنة بدا أن يحيى الجمل لا يرغب في الانصراف، وظهر في مقابلة تلفزيونية وهو يبكي استدرارا للعطف لكن لا حياة لمن تنادي، وفي مثل هذه الأجواء تتدخل السلطة لافتعال انشقاق داخل الحزب، لكن حزب الجبهة الوطنية كان محصنا من التدخلات الأمنية التي لم يسلم منها حزب معارض واحد، لأن الحزب الوليد كان يخضع للحماية الأمريكية!

وكان الرجل المؤيد للتطبيع من الشخصيات المحسوبة على الأمريكيين، لكنه مارس هذا بعقل، وليس كما فعلت زميلته الباحثة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام هالة مصطفى، التي لم تأخذ كل ما تريد، فقررت استغلال علاقتها هذه في ملاعبة القوم، فحلت عليها اللعنة الأمنية، فأفقدتها اتزانها وفشلت في لملمة أشلائها المبعثرة سواء بعد الثورة أو بعد الانقلاب العسكري عليها! أين اختفت هالة؟!

دهشة السفير الأمريكي:

عندما بدأت المحاولة الأمريكية لغزو العراق، كان أسامة الغزالي حرب ضمن المؤيدين لذلك والمعتمدين لشرعية الشعارات الأمريكية من أن الهدف من خطة الاحتلال هو الانتصار لحرية الشعب العراقي وعزل الديكتاتور صدام حسين، ومن مكتبه في جاردن سيتي إلى مكتب أسامة الغزالي حرب بشارع الجلاء بمؤسسة الأهرام الصحفية، مر السفير الأمريكي بميداني التحرير وعبد المنعم رياض، وبنقابة المحامين، وشاهد مظاهر الرفض للاحتلال، فأبدى تعجبه لأسامة الذي نقل هذا التعجب لنا، حيث سأله السفير كيف يفضل العرب الاستقلال على الحرية؟!

وقد رددت عليه حينئذ في مقال أو أكثر بجريدة "الراية" القطرية، بأن حديث الحرية هو احتيال تمارسه الولايات المتحدة الغازية، فأمريكا هي الراعي الرسمي للاستبداد في المنطقة، و"الحداية لا تحدف كتاكيت"!

ما علينا، فقد قامت ثورة يناير، وكان أسامة الغزالي حرب هو أفضل حالا من شخصيات مرتبطة بالنظام البائد، وبلجنة سياساته واستغلت جهل الناس بها في أن تتمدد في المشهد الثوري (جابر نصار نموذجا)، بجانب شخصيات جاءت من المجهول السياسي ليمكّنها بعض العاملين في أقسام المقابلات في القنوات التلفزيونية في أن تبدو كما لو كانوا من "شهداء الثورة"، فمن هؤلاء؟!

فالغزالي حرب (الألقاب محفوظة) قامت الثورة وهو في مقعد المعارضة، ولم يسأل أحد عن ملابسات هذا المقعد الممنوح له، كما قامت وهو من قدم استقالته من لجنة السياسات، لكن أحدا لم يكن مشغولا بأنه عضو في مجلس الشورى لدورات كثيرة بقرار من مبارك!

وكان يعتبر نفسه ممثلا للثورة، بل ويزايد (من منطلق هذا التمثيل) على شخصيات مثل الشيخ حازم أبو اسماعيل، وبدا البلد في حالة فوضى بلا ذاكرة!

وفي الانتخابات البرلمانية بعد الثورة خاض حزبه الانتخابات ضمن تحالف الكتلة الذي كان يتصدره حزب نجيب ساويرس (المصريين الأحرار)، وفي مرحلة تالية اندمج حزبه في حزب نجيب ساويرس، والذي كان يدير بجانب هذا مجموعة من الأحزاب الحليفة، حتى أن الدكتور محمد الجوادي وصف ساويرس بأنه رئيس الشركة القابضة للأحزاب!

وجاء الانقلاب ليقضي على مستقبلهما السياسي، ودعنا من نجيب ساويرس، فهو ليس أكثر من صاحب مال، يعتقد أن بإمكانه أن يشتري حضورا سياسيا بالدعاية والمال، فهو محدود الكفاءة المهنية، منتحل صفة سياسي، بيد أن أسامة الغزالي حرب مختلف عنه، ويعجب المرء كيف لشخص ليبرالي أن يتصور أن أمانه السياسي يمكن أن يكون في الحكم العسكري، وأن الحكم المنتخب ولو كان إخوانيا هو الخطر على الديمقراطية وليس العسكرة!

ومن أين جاء لهم التصور أن الجيش يمكن أن يقوم بانقلاب ويسلم الحكم للقوى المدنية "بيضة مقشرة"، وليس هناك أمارة واحدة على أن عبد الفتاح السيسي هو سوار الذهب مثلا؟!

المعنى في بطن أسامة:

يدرك أسامة حرب أن الحكم العسكري الحالي ليس هو حكم الإخوان أو حتى حكم مبارك، فاختفى من المشهد ولا يظهر إلا نادرا، وبعد أن نكون قد حسبناه في عداد الموتى، وهو يظهر متحسسا موضع قدميه من أن يذل أو يُذل، أو يجهل أو يجهل عليه، لكنه هذه المرة ذهب بعيدا!

إنه يطالب بعودة الألقاب (الباشا والبك) ويقترح منحها لعدد من رجال الأعمال مثل هشام طلعت مصطفى، ونجيب ساويرس "أنت مرة أخرى؟" (عنوان رواية الأديب خالد شلقامي)!

الألقاب ملغاة في مصر منذ حركة ضباط الجيش، وينتقل النص بإلغائها بين الدساتير المتعاقبة، ولا يوجد هناك مبرر لعودتها إلا أن المعنى في بطن الشاعر!

إنها الرغبة في الظهور، مع البعد عن المخاطر ولو في حدود مناورات حسام بدراوي، فكان الوقوف في المساحة الآمنة، وفي نفس الوقت يذكر به، في مرحلة توحي بأن هناك من يترقب تغييرا في بنية الحكم، فيريد أن يقول إنه هنا!

ثم إن الجنرال سبق له أن طالب بمقترحات من خارج الصندوق لحصد المال، وها هو يقدم خدمة جليلة، من خلال قيام السلطة ببيع الألقاب!

والنقطة الأهم أنه في حال نجاح مهمة "جس النبض" ستكون مبررا لتعديل الدستور، فعودة الألقاب لا تكون إلا بتعديل هذا النص الدستوري المانع، ومن المؤكد أن النظام يفكر حاليا في مدخل منطقي لتعديل الدستور، لتعديل النص المقيد لخوض الجنرال الانتخابات الرئاسية لتكون رئاسة مدى الحياة أو نحو ذلك، فهل يعتقد أحد أن الجنرال لو بقي في موقعه وبعافيته، سيكتفي بهذا القدر ويغادر الرئاسة لكائن من كان؟!

عودة الحكم الملكي:

وهناك هدف بعيد، يجري التمهيد له على استحياء ومنذ عهد مبارك، وهو عودة المَلكية، لدرجة إجازة مسلسل عن الملك فاروق، عرض في رمضان 2007، في ذروة الحديث عن التوريث، وهو وإن كان من إنتاج سعودي، فقد استهدف المنتج الإشادة بالنظام الملكي لأمر يخصه، الا أن تمرير العمل الدرامي للكاتبة لميس جابر للعرض التلفزيوني المصري لم يكن إلا لدوافع مصرية خالصة، وكان غريبا أن يجري التمجيد في فترة حكم الملك فاروق، في ظل نظام يستمد شرعية وجوده من ثورة يوليو التي قام حكمها على أنقاض الحكم الملكي، وبإلغائه وبإعلان الجمهورية انتهى دور الملك الطفل أحمد فؤاد، وهو حي يرزق حتى الآن!

وفي هذه الأثناء اختارت السيدة سوزان مبارك اسم "فريدة" لأول مولودة في العائلة، بما يُذكر بالملكة فريدة، زوجة الملك فاروق!

وبدأت الدعاية لعظمة النظام الملكي في بعض الكتابات، مما كان حريا بي أن أكتب مع الأمر الذي بدا كما لو كان تمهيدا لشيء ما: حسنا، ومن سيكون الملك؟!

إن نشأة النظم الملكية حتى في الغرب نفسه كانت لتطورات فرضتها، فلم تستحدث من العدم، وبعد نضال فإن ما تبقى منها صار ملكية دستورية، يملك فيها الملك ولا يحكم، وقد تنتقل الدول من النظم الملكية إلى النظام الجمهوري، لكن ليس منطقيا الانتقال من الجمهورية إلى الملكية، لأن الانتقال السلمي لذلك يفرض سؤالا بلا إجابة: هو كيف ييتم اختيار الملك والعائلة المالكة التي ستتوارث الملك؟!

فهل يكون من الجائز مع العودة إلى مرحلة ما قبل حركة الضباط أن يعود الملك أحمد فؤاد ملكا؟

ليس هذا ما يريده القوم، ولا أعتقد أن أحدا قد دفع أسامة الغزالي حرب إلى شيء من هذا، بيد أنه يخاطب المشاعر الجياشة لأهل الحكم، لأن عودة الألقاب قد يتبعه العودة إلى نظام أقرها، فتعود الملكية بمشتملاتها، وهو أمر ينبغي التعامل معه بجدية، رفضا واستنكارا!

لا أحد خلف أسامة الغزالي حرب، بيد أنه "غاوي"، وقديما قالت العرب: "الغاوي ينقط بطاقيته"!

x.com/selimazouz1

مقالات مشابهة

  • غارة للاحتلال تستهدف محيط مجمع ناصر الطبي في خان يونس جنوبي غزة
  • محافظ الغربية : نعمل على استعادة قلعة الصناعة بالمحلة لمكانتها
  • إقامة معرض التطوير العقاري لتجارية دمياط بالمنصورة الجديدة
  • لوسي: 85% من مسلسلات رمضان تحمل تجاوزات.. فيديو
  • العليمي يبحث مع السفير الاماراتي جهود استعادة الدولة والدعم الاقتصادي للحكومة
  • عودة المَلكية بمشتملاتها في مصر.. والمعنى في بطن أسامة الغزالي حرب!
  • عودة المَلكية بمشتملاتها.. والمعنى في بطن أسامة الغزالي حرب!
  • من الولد الشقي إلى «إمام الدعاة».. قصة تجربة صعبة غيرت حياة حسن يوسف
  • شمس البارودي توجه نداءً بشأن أعمال زوجها الدينية
  • قرن من الشعارات لم ينتج إلا الخراب.. أنور قرقاش يهاجم الإخوان المسلمين وعقدتهم تجاه الإمارات