فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
تاريخ النشر: 14th, March 2025 GMT
هل للمرأة أجر صلاة الجماعة مضاعفًا 27 مرة كالرجل كما ورد في الأحاديث؟
إن هذه المسألة محل خلاف عند أهل العلم، وجمهور العلماء على أن فضل صلاة المرأة في بيتها أعظم من صلاتها في مسجدها، ولكنهم لم يتحدثوا عن قدر هذا الفضل، مع قول جمهورهم أيضًا إنه يجوز للمرأة أن تصلي الصلوات في المسجد، إن خرجت بعيدة عن إثارة الفتنة، لا في طيبها ولا في زينتها؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «ألا تمنعوا إماء الله مساجد الله» وقال: «لا تمنعوهن المساجد»، فدل ذلك على جواز ذهابهن إلى المساجد، لكنهن لا يؤمرن وجوبًا بذلك، كما هو الشأن في حق الرجال.
واشترط عليه الصلاة والسلام كما في الحديث: «وليخرجن تفلات»، أي بعيدات عن الزينة والطيب، وأن يكنَّ في ستر، مع اجتناب كل ما يمكن أن يكون فيه شيء من إثارة الفتنة لهن أو للرجال، لكن هل يُؤخذ من هذا أن أداءهن للصلاة في المسجد، إن ذهبن بهذا الشرط، يكون فضله كفضل صلاة الرجل في جماعة، لا دليل يخرجها من هذا الفضل على الصحيح.
لكن هل هذا الفضل أعظم من فضل أدائها للصلاة في بيتها، هذا هو الذي دفع العلماء إلى الاختلاف إذن لنقرر أولًا أن الظاهر أنه إن صلت في المسجد مع الجماعة، فإنها تحوز فضل الجماعة، وأغلب الروايات ورد فيها: «فإن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» وفي بعض الروايات: «تفضل صلاة الرجل بسبع وعشرين درجة».
وحمل شُرَّاح الحديث هذا على أن الأصل في الخطاب بأداء الصلوات في الجماعة يتجه إلى الرجال، والأصل في الأحكام أنها تشمل الرجال والنساء، إلا إذا ورد دليل خاص يخرج النساء من ذلك الحكم، ولا دليل هنا يحصر هذا الفضل في الرجال، لكن هل هذا الفضل أعظم من فضل أدائها للصلاة في بيتها؟ هذا هو محل الخلاف.
إذ إن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لما ذكر النهي عن منع النساء من المساجد، قال: «وصلاتهن في بيوتهن أفضل لهن، أو خير لهن»، فهل يُفهم من هذا أن أجر صلاتها في بيتها أعظم في كل الأحوال، لم يأتِ ما يبيّن عِظَم هذا الفضل، لكننا ننظر الآن إلى المسألة مجردة من أي مقصد آخر، وسيأتي البيان ونحن نتحدث عن فضل الصلاة بين صلاتها في المسجد، مع التزامها بالشروط، وصلاتها في بيتها.
لكن إذا أُضيف إلى صلاتها في المسجد أنها تشهد حلقة علم، أو مجلس ذكر، أو تأمر بمعروف، أو تنهى عن منكر، فالحاصل أن في سعيها وشهودها لصلاة الجماعة في المسجد مقاصد شرعية أخرى، فذلك لا شك أنه يزيد في الفضل والأجر، ولهذا أرشد -رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- إلى استحباب شهود المساجد، وحث الرجال على عدم منع النساء من شهودها، لما في ذلك من خير كبير، مثل التعلُّم، والتفقه، وذكر الله تبارك وتعالى، ونفي الجهل.
ولما فيه أيضًا من تآخٍ مع بنات جنسها من المسلمات الصالحات، فهذه مقاصد وغايات أخرى لا تحصل لها في بيتها وكذا الحال يُقال إذا كان الأمر يتعلق بسماعها لكلام الله عز وجل، فلا شك أن في ذلك فضلًا عظيمًا، أما لو نُظر إلى المسألة مجردة، فإن قول الجمهور: إن صلاتها في بيتها أفضل، أظهر وأوفق بالأدلة الشرعية، والله تعالى أعلم.
رب أسرة من مستحقي الزكاة يعيش معه أولاده وهم كبار متزوجون ولديهم أولاد، إلا أنهم ليسوا من مستحقي الزكاة، لكنهم يتشاركون مع والدهم في مصاريف البيت، فهل من حرج فيما يصرفه والده معهم؟
إذا كان الأب مستحقًا للزكاة، وكان أولاده يشتركون معه في تحمل مصاريف البيت، فلا حرج عليهم في أن يكونوا معه في البيت، ويشتركون معه في النفقات، وفي مأكلهم ومشربهم، وذلك لأنهم يساهمون في تحمل هذه الأعباء والمصاريف، لكن العتب هنا من باب النصيحة، إذ لم يكن ينبغي لهم، وهم قادرون وموسرون، أن يتركوا والدهم مستحقًا للزكاة، وهم يعيشون معه تحت سقف واحد، فلا ينبغي لهم أن يتركوا الناس يدفعون الزكاة إلى والدهم، في حين أنهم عدة رجال، ولديهم مصادر دخلهم، ومع ذلك يشتركون في نفقات البيت، وهم يسكنون معه، وهذا يقودني إلى شيء من الاستطراد، ذلك أن كثيرًا من الشباب اليوم لا ينتبهون إلى مثل هذه المعاني، فقد اعتادوا أن يكون والدهم هو المنفق عليهم، وكان ذلك حالهم حينما كانوا صغارًا، أو حينما كانوا يدرسون في المراحل العليا من التعليم.
لكنهم استصحبوا هذه الحال حتى بعدما صار لهم مصدر رزق، فأصبحوا يعملون ولهم دخل، ومع ذلك يسكنون مع والدهم، ولا يتحملون شيئًا من نفقات البيت، وقد يكون والدهم قد أُحيل إلى التقاعد، ومع ذلك لا يلتفتون إلى هذه المسألة، بل يمضون على ما اعتادوا عليه، ومع تعفف الآباء عن أن يأخذوا شيئًا من أبنائهم، أو أن يذكروا حاجتهم أو يظهروا فاقتهم، فإن الواجب على الأبناء القادرين أن يبادروا إلى تحمل ما يمكنهم تحمله من نفقات البيت، فهذا من البر.
كما يجب عليهم أن يُغنوا والدهم عن إظهار حاجته، وأن يدركوا أن عليهم التخفيف عنه في هذه النفقات، وإن كان الأب يتحرج، فليبحثوا عن السبل التي تبعد عنه هذا الحرج، وليتعاونوا على ذلك، فهذا من البر، ومن أداء الحقوق، ومن التخفيف على الآباء، مما قد لا ينتبه له كثير من شباب اليوم، فكان هذا استطرادًا في معرض الرد على السؤال، واللبيب تكفيه الإشارة، والله تعالى أعلم.
يقول سائل: جئت متأخرًا لصلاة العشاء والتراويح، فالتحقت بجماعة يصلون العشاء، ثم التحقت بالصف الأخير لصلاة التراويح، وكنت مصابًا في رجلي، فكنت أصلي على الكرسي، عندما كبر الإمام تكبيرة الإحرام، كبرتُ معه، ثم تفاجأت بأن الصف تفرق، فمنهم من انضم إلى الصفوف الأمامية، ومنهم من خرج فهل يجوز لي أن أتحرك إلى الأمام؟
نعم، يجوز له أن يتحرك ولا يبقى منفردًا في الصف، بل ينبغي أن يكون مع الجماعة، وإن كان قد كبر تكبيرة الإحرام، فليحرص على ألا يأتي بما ينقض صلاته، إلى أن يصل إلى الموضع الذي يسد فيه فرجة في الصف أو يكمل به الصف، ويكون معهم، وفعلُه هذا لا حرج فيه، لأنه من إصلاح الصلاة، والله تعالى أعلم.
إذا أخطأ المقيم ولم يقل: «قد قامت الصلاة»، سواء كان في جماعة أو كان منفردًا فهل عليه إعادة الإقامة أم لا؟
على كل حال، ما يحصل من سهو أو خطأ في الإقامة لا يؤثر في صحة الصلاة، لكن الإقامة عند طائفة من العلماء سُنّة مؤكدة، وعند غيرهم واجبة، وإن كانت لا تؤثر على صحة الصلاة، لأنها قبل الإحرام بالصلاة، أي قبل تكبيرة الإحرام، فإن كان في الموضع، أي قبل أن يكبر الإمام، فالأولى أن يصحح، بأن يرجع إلى الموضع الذي سها عنه.
وينبغي لمن كان معه أن يذكّره، كما يحصل مع الإمام إذا ارتُج عليه أو نسي، فيفتح له المأمومون، وقد قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «إذا نسيتُ فذكّروني»، فصحيح أن الناسي لا إثم عليه، ولكن هذا لا يعني أن غيره لا ينبهه، فإن كان لا يزال في الموضع، أو قد فرغ لتوه من الإقامة، فيمكنه أن يرجع إلى قول: «قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة»، ثم يكمل الإقامة.
أما إن كان قد فرغ تمامًا من الإقامة، وتذكر بعد ذلك، أو تداولوا الحديث فيما وقع منه، فالأولى أن يعيد الإقامة، ولا داعي للعجلة، بل يؤتى بها ثم يدخلون في صلاتهم، لكن إن حصل ولم ينتبهوا، ومضوا في الصلاة، فصلاتهم صحيحة، ولا تبطل، والله تعالى أعلم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: صلى الله علیه وآله وسلم صلاتها فی هذا الفضل فی المسجد فی بیتها فضل صلاة أن یکون إن کان
إقرأ أيضاً:
أفضل الصدقة التي أخبر عنها النبي .. اغتنمها
الصدقة، من أحبّ وأفضل الأعمال لله- عزّ وجلّ- هي الصدقة على المحتاجين والفقراء؛ لأنّ في إخراجها دليلٌ على صحة إيمان العبد بالله- تعالى-، ويقينه بأنّه هو الرزاق سبحانه.
وحثنا رسول -صلى الله عليه وسلم- على الصدقة، ورَغَّب بها جميع المسلمين حتى النساء.
أفضل الصدقةقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَوْ خَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ». متفق عليه، (عن ظهر غنى) معناه أفضل الصدقة ما بقي صاحبها بعدها مستغنيا بما بقي معه.
وقال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، في منشور له عبر الصفحة الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: أن من الرحمة، وسلوك الرحمة، وجمال الرحمة، وحلاوة الرحمة أنها تجعل الإنسان يتكلم بالكلم الطيب، والكلمة الطيبة وصفها الله سبحانه وتعالى بأنها كلمة نامية تزيد من صاحبها، ولا تُنقصه في شيء.
قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لعلهم يفكرون يعني لعلهم يتدبرون ويتأملون {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}".
وتابع: "الكلمة الطيبة هذه صدقة، الكلمة الطيبة هي كشجرة، إذن ففيها النمو، ثابتة بجذورها في الأرض، وفروعها وصلت إلى عنان السماء، ثم إن ثمرتها تُؤكل وينتفع بها هكذا الكلمة الطيبة.
وعن النبي ﷺ كان يقول: «ورُبَّ الكلمة من رضوان الله لا يُلقي أحدكم إليها بالًا يُبنى له بها بيتٌ في الجنة، ورُبَّ كلمة من سخط الله لا يُلقي أحدكم إليها بالًا ... » أو كلمة يسخر بها « ... تهوي بصاحبها سبعين خريفًا في النار»".
واستشهد بما ورد عن عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «اتقوا النار، ثم أعرض وأشاح بوجهه هكذا، ثم قال: اتقوا النار، ثم أعرض وأشاح، وفعل هذا ثلاثًا حتى ظننا أنه ينظر إليها ... » يعني إلى النار ، قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة شق تمرة ... » شق تمرة يعني نصف تمرة تصدق بها فإن «الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار».
وشدد عضو هيئة كبار العلماء على علو منزلة الكلمة الطيبة فقال :"انظر إلى العلو، انظر إلى النقاء، انظر إلى العموم يقول: « ... فمن لم يجد ... » فقير جدا ليس معه نصف التمرة ، هذا الفقير جدًا محروم يعني من الثواب أبدًا « ... فبكلمة طيبة» أخرجه البخاري.
فضل الصدقة للمريضورد عن ما فضل الصدقة للمريض أنه ينبغي على المعافين أن يحمدوا الله على العافية ، ولا يتعرضوا للبلاء ويتقوا أسباب العدوى والمرض وأماكن البلاء، ويهربون من المرض هروبهم من الأسد ، كما ورد في الأثر، كما ينبغي عليهم أن يسألوا الله الصحة والعافية والشفاء، ويتحصنوا بالأذكار والدعاء ، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرشدنا إلى أن الصدقة دواء لكل الأمراض كما أن الدعاء يدفع البلاء، فقد ورد عن عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «دَاوُوا مَرضاكُمْ بِالصَّدقةِ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلاءِ الدُّعَاءَ ».
وقد ورد فيه كذلك أن الصدقة تمحو المعاصي والذنوب، التي تعد أحد أسباب المرض والبلاء، كما أن فيها دواء للأمراض البدنية وكذلك أمراض القلب، من ضغينة وغل وحسد وحقد كما أن الصدقة من أسباب انشراح الصدر وطمأنينة القلب، أي أنها تؤثر على الحالة النفسية للمريض، مما يساعده على الشفاء، فضلًا عن أن الصدقة تقي المريض ميتة السوء.