الذكاء الاصطناعي ما بين التوظيف وفقدان السيطرة
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
محمد عبدالحميد الهباهبة
شهد القرن الثامن عشر حدثاً تاريخياً تمثل في بداية نشأة الثورة الصناعية الأولى، والتي استبدلت اقتصاد المجتمع من مرحلة الزراعة والعمل اليدوي إلى مرحلة المكننة حيث ساهم هذا التحول في حدوث تغييرات اقتصادية واجتماعية شكلت اللبنة الأولى وما تبعها من ثورات صناعية لاحقة لحدوث قفزات هائلة في أنماط حياتنا بكافة تفاصيلها إلى يومنا هذا .
ففي البداية الأولى للثورة الصناعية تم الاعتماد على استخدام الطاقة البخارية والتصنيع الكيميائي، وفي الثورة الثانية اعتمدت على الطاقة الكهربائية والاتصالات، أما الثالثة فكان اعتمادها على الحواسيب والإنترنت والهواتف النقالة.
استطاعت هذه الثورات وبشكل متسلسل الانتقال من مرحلة إلى أخرى حسب مقتضيات الحاجة البشرية مدفوعة بقوة الطبقة الرأسمالية الضخمة والرغبة الملحّة للدول الصناعية الكبرى، مما مكنّها من رفع كثافة الإنتاج وتحسين الظروف المعيشية للطبقة العاملة وجودة الحياة الصحية وسهولة التواصل والتنقل بين المجتمعات، بالإضافة إلى أن هذه الثورات ساهمت في زيادة وتراكم الثروة لدى الشركات الصناعية الكبرى وبسط هيمنة الدول الحاضنة لهذه الثورات الصناعية .
أما ما بعد الثورات الصناعية الثلاث فالحديث ينصب باتجاه الثورة الصناعية الرابعة وهي التسمية التي أطلقها الاقتصادي الألماني كلاوس شواب حيث تتميز هذه الثورة بخاصية طمس الخطوط الفاصلة بين المجالات المادية والرقمية والبيولوجية ما ينتج عنه من تحويل الآلة إلى آلة ذكية قادرة على التنبؤ واتخاذ القرار بالاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي بشكل خاص .
ومما لا يدع مجالاً للشك ستفرض الثورة الصناعية الرابعة واقعاً نعيش في بداياته لم تشهده المجتمعات البشرية سابقاً، ما دفع المختصين والسياسين بإثارة المخاوف والشكوك من القدرة الهائلة للذكاء الاصطناعي وتطوره بوتيرة سريعة، وطرحهم لسؤال حول القدرة على كبح جماحه في المستقبل القريب..
هذه المخاوف لم يخفيها سراً رجل الأعمال الأمريكي ” أيلون ماسك” عندما حذر من تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي واصفاً الأمر ( باستدعاء الشياطين )، مثل هكذا تصريح يعود بنا إلى الوراء والبحث في أدبيات مرحلة الثورة الصناعية الأولى وتحديداً في كتابات الروائية الانجليزية ” ماري شيلي” (1797-1851)، حيث عايشت فترة انتقال العمل اليدوي إلى المكننة، والتي لربما كانت أول من تطرق لفكرة مستقبلية آنذاك تدور حول إمكانية إقدام بعض العلماء على إجراء تجارب علمية متمردة غير تقليدية تهدد الجنس البشري، وذلك من خلال رواية الخيال العلمي ” فرانكنشتاين” التي نشرت عام 1881
حيث تتحدث الرواية عن قيام بطلها فرانكنشتاين بصناعة وحش خرج عن نطاق السيطرة مسبباً أضرار جسيمة بصانعه، لتنتهي أحداث الرواية بموت فرانكنشتاين بعد مطاردة بأسه مع الوحش المتمرد .
وهنا يطرح تساؤلاً هل من الممكن أن تكون رواية الخيال العلمي ” فرانكنشتاين” بمثابة النبؤه التي تحقق ذاتها ، إذا ما أخذنا في الاعتبار تصريح “جيفري هينتون” الأب الروحي للذكاء الاصطناعي والذي استقال من شركة ” غوغل” ليتمكن من التحدث بحرية عن مخاطر الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث حذر من أن تتجاوز الآلة صانعها وتصبح تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاء من البشر .
وأما على المستوى السياسي فقد تعاملت إدارة البيت الأبيض بشكل استباقي مع المخاوف المتوقعة من تقنيات الذكاء الاصطناعي حيث عبر الرئيس الأمريكي بايدن عن إمكانية أن تشكل التقنيات الناشئة خطراً على ديمقراطية وقيم الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى ضوء ذلك أعلن البيت الأبيض في تموز 2023 عن التوصل لاتفاق مع سبع شركات رائدة في تقنية الذكاء الاصطناعي تلتزم من خلاله بمجموعة تدابير احترازية لإدارة المخاطر الناتجة عن هذه التكنولوجيا.
يتحدث المختصون عن مجموعة كبيرة من المخاطر التي من الممكن أن يحدثها الذكاء الاصطناعي في عدة مجالات حيوية، من أهمها التأثير المباشر وغير المباشر على الوظائف حيث يشير تقرير لمؤسسة ” غولدمان ساكس” بأن 300 مليون وظيفة على مستوى العالم ستتأثر بسبب الذكاء الاصطناعي وخصوصاً فئة الوظائف التي لا تحتاج مهارات وخبرات علمية وتقنية عالية المستوى ، وهنا لابد من الإشارة إلى أن الوظائف التي اختفت من قطاعي الزراعة والصناعة نتيجة الثورة الصناعية الثالثة تم استيعابها في قطاع الخدمات ، وهذا القطاع ستكون وظائفه الأشد تضرراً نتيجة الثورة الصناعية الرابعة والتي ستتسبب أيضاً حسب توقعات الخبراء بإغلاق عدد كبير من الشركات الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة مما سيؤدي إلى ارتفاع حاد في مستوى البطالة واتساع طبقة الفقراء وتراكم الثروة بيد فئة قليلة .
وعلى صعيد آخر يشكل الذكاء الاصطناعي تهديداً مباشراً للحريات العامة وخصوصية الأفراد وذلك عبر تحليل بياناتهم وأنشطتهم ورغباتهم وتوجهاتهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والقدرة على استنساخ الأصوات ودمجها مع الصور بمقاطع فيديو، الأمر الذي يفتح الباب على مصرعيه أمام الابتزاز والتهديد ومنح الأنظمة الاستبدادية والمنظمات الإجرامية أدوات لم تكن تمتلكها سابقاً .
وما زال الذكاء الاصطناعي يفاجئنا بمدى تطوره السريع حيث نشرت مجلة ” نيتشر نيوروساينس” دراسة حديثة كشفت عن توصل علماء من جامعة تكساس الأمريكية لتقنية قراءة الأفكار باستخدام الذكاء الاصطناعي من خلال تحليل صور فحوصات الرنين المغناطيسي، الأمر الذي يجعل من الإنسان كتاباً مفتوحاً .
وفيما يتعلق بالمجال العسكري يسود القلق العديد من المنظمات الدولية حول إمكانية التوسع بإدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبرتات في ساحات الحروب وربط الأسلحة التكتيكية والنووية بهذه التقنية مما يعرضها إلى هجمات الكترونية تعتمد على الذكاء الاصطناعي قد تتسبب باندلاع حروب عالمية مدمرة .
ورغم ما ذكر سابقاً من مخاوف وسلبيات لاستخدام الذكاء الاصطناعي إلا أن هناك فريق آخر يقدم العديد من الايجابيات لهذه التقنية؛ كانشاء المدن الذكية وتطور في المجالات الطبية وخصوصاً علاج الأمراض المستعصية وتقليل الأخطاء البشرية ورفع جودة المنتجات الصناعية واختصار الوقت وخفض التكلفة المالية .
وعلى العموم أصبحت الثورة الصناعية الرابعة أمراً حتمياً يضع المجتمع الدولي وتحديداً القوى الدولية الكبرى أمام تحدي حقيقي في مواجهة غير تقليدية تتطلب وضع ضوابط، والاستعداد لرسم خطط بديلة تضمن التحكم وتوظيف منتجات الثورة الرابعة وتقليل آثارها على الإنسان والحفاظ على خصوصيته وعدم ارتهان العقل البشري الإبداعي بشكل مطلق لحلول الذكاء الاصطناعي.
وفي النهاية تشير التوقعات باتجاه العالم نحو تغييرات متسارعة ستكون كفيلة بأن تجعل التجربة البشرية الصناعية مختلفة عما سبقها، ولا أحد يعلم كم ستستغرق الثورة الصناعية الرابعة من الزمن حتى ينتقل العالم إلى الثورة الصناعية الخامسة والقائمة على فرضيات تعتمد على زراعة الغرسات الإلكترونية الذكية داخل أجساد البشر !
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الثورة الصناعیة الرابعة الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
سامسونج إليكترونيكس مصر تتعاون مع "الدحيح" لتعزيز وعي الجمهور بتقنيات الذكاء الاصطناعي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعلنت شركة سامسونج إليكترونيكس مصر عن تعاونها مع صانع المحتوى المصري الشهير أحمد الغندور، المعروف ببرنامج "الدحيح" على منصة يوتيوب.
يهدف التعاون إلى تعزيز وعي الجمهور حول تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي (AI) في منتجات سامسونج، وتسليط الضوء على كيفية تحسين هذه التكنولوجيا لتجربة و حياة المستخدم اليومية.
من خلال هذا التعاون، تسعى سامسونج إليكترونيكس مصر إلى تقديم معلومات مفصلة وقيمة حول ميزات الذكاء الاصطناعي التي تمتاز بها أجهزتها الذكية من أجهزة التلفزيون، والأجهزة المنزلية الأخرى وكيفية تفاعل هذه المنتجات مع المستخدمين وفهم احتياجاتهم بشكل مبتكر، ما يعزز من سهولة استخدام الأجهزة ورفع مستوى الأداء.
قال محمد شمس الدين، رئيس قطاع التلفزيونات والأجهزة المنزلية في شركة سامسونج إليكترونيكس مصر، "تسعى سامسونج دائمًا لتقديم أحدث الابتكارات التكنولوجية للمستهلك المصري، ويأتي اهتمامنا بتقنيات الذكاء الاصطناعي في صميم استراتيجية الشركة لتعزيز تجربة المستخدم وجعل حياته أكثر سهولة وكفاءة. نعمل باستمرار على دمج الذكاء الاصطناعي في أجهزتنا".
أضاف شمس: "جاء تعاوننا مع صانع المحتوى المصري أحمد الغندور، المعروف بشخصية 'الدحيح'، كجزء من استراتيجيتنا لرفع الوعي حول مزايا الذكاء الاصطناعي في منتجات سامسونج. يتمتع أحمد الغندور بقدرة فريدة على تبسيط المعلومات وتقديمها بشكل يسهل على الجمهور فهم فوائد التكنولوجيا الذكية وكيفية تفاعلهم معها في حياتهم اليومية. نؤمن بأن هذا التعاون سيسهم في تعزيز ثقافة الذكاء الاصطناعي لدى المستهلكين المصريين وتشجيعهم على استكشاف إمكانات أجهزتنا الذكية."
تستهدف سامسونج إليكترونيكس مصر من خلال هذا التعاون الفئات الأصغر سنًا، خاصة الشباب المهتمين بالتكنولوجيا الحديثة والابتكارات الرقمية.
سيعمل التعاون مع "الدحيح" على تعزيز الوصول إلى هذه الفئة، بما يوفر لهم تجربة توعية مبتكرة تتماشى مع عاداتهم وتفضيلاتهم في استهلاك المحتوى.
كما تركز الحملة على تشجيع المستهلكين للتعرف على منتجات سامسونج بشكل عملي، حيث سيتم طرح عروض ترويجية حصرية على مجموعة من الأجهزة الذكية خلال فترة الحملة.
تهدف هذه العروض إلى تعزيز المبيعات وتحفيز الجمهور للاستفادة من الميزات الفريدة التي توفرها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مثل تحسين جودة الصور عبر الكاميرا الذكية أو تسهيل التحكم في الأجهزة المنزلية باستخدام الأوامر الصوتية.