الشيخ كمال الخطيب يكتب .. أنا السجّان الذي عذّبك
تاريخ النشر: 14th, March 2025 GMT
#سواليف
أنا السجّان الذي عذّبك
#الشيخ_كمال_الخطيب
✍️إنه #الحبيب_محمد ﷺ صاحب الخلق العظيم {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} آية 4 سورة القلم، وهو الذي بعثه ربه سبحانه ليتمم مكارم الأخلاق “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. ولأنه كذلك ﷺ فإنه أحب أن يكون المسلمون على نهجه وعلى خلقه ﷺ {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} آية 21 سورة الأحزاب.
✍️نعم، إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشرّ، فتجد أحدهم مثل الطيب والمسك لا تسمع منه ولا ترى منه إلا كل خير، ولا يكون منه إلا ما يسرّك، هيّن ليّن سهل متسامح يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. إذا حدّثك اطمئن قلبك إليه، يشعر بشعور الآخرين، يتحدث عن الأمل والتفاؤل، يتنازل عن مصلحته الشخصية من أجل الصالح العام، إذا دُعي إلى فضيلة لبّى واستجاب، وإذا دُعي إلى رذيلة كأن في أذنيه صممًا.
✍️وبالمقابل، فإن من الناس مفاتيح للشرّ مغاليق للخير، فتجد أحدهم مثل نافخ الكير تتأذى منه كلما اقتربت منه، فظّ غليظ، فاحش في القول، يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، إذا حدّثك عرفته في لحن القول {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} آية 30 سورة محمد. فلا تطمئن لكلامه، وعندما تشعر بالريبة في كل ما يقول لا يهمّه إلا نفسه، شعاره في الحياة “أنا وليذهب غيري إلى الجحيم”، تجده دائمًا محبطًا سوداويًا متشائمًا، إذا دُعي إلى فضيلة تجاهل وتغافل، وإذا دُعي إلى رذيلة كان سبّاقًا إليها.
✍️إن الذين هم مفاتيح الخير مغاليق الشرّ يكون أحدهم كالعافية والبلسم لجراح الناس وآلامهم، إذا تكلّم نفع ورشد، وإذا طُلب منه النصيحة أخلص فيها وصدق. سبّاق لعمل الخير بما يرضي الله تعالى، هو مفتاح خير وسفير هداية، مغلاق شرّ، صمام أمان لأهله ومجتمعه، جنّد نفسه في حزب الرحمن لنشر الخير والفضيلة، فجعل نفسه مفتاحًا للخير مغلاقًا للشرّ.
✍️وأما الذين هم مفاتيح الشرّ مغاليق الخير، يكون أحدهم كالداء والعلة، هو محضر سوء حيثما كان، إذا اجتمع بجلسائه شغلهم بما يضرهم ولا ينفعهم، يشقيهم بالقيل والقال، سيء المعاملة، إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها، إذا قيل له اتق الله أخذته العزّة بالإثم، جعل نفسه جنديًا في حزب الشيطان لنشر الفتن والفساد والرذيلة، فجعل نفسه مفتاحًا للشرّ مغلاقًا للخير.
????المسامح بطل
✍️وإن من أعظم الأخلاق التي إن وُجدت في شخص، فإنها تضعه في خانة مفاتيح الخير ومغاليق الشرّ، إنه خُلق العفو عن الناس والتسامح معهم. فالعفو هو أن تصفح عمن أخطأ بحقك وأساء إليك مع قدرتك أن ترد بالمثل، ولكن ولأنك مفتاح للخير، فإنك تعفو وتصفح وهذا يرفع قدرك بين الناس ويعوضك الأجر في الآخرة ربّ الناس سبحانه. يقول النبي ﷺ: “ينادي منادٍ يوم القيامة، ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة، قال: ومن الذي أجره على الله؟ قال: العافون عن الناس”.
إنه مفتاح الخير محمد ﷺ يعلمنا خلق العفو بقوله: “صل من قطعك، واعف عمّن ظلمك، وأحسن إلى من أساء إليك”.
✍️فإذا كنت تريد أن تكون من هؤلاء الذين أجرهم على الله، فاعف واصفح عمن أساء إليك أو أخطأ بحقك أو قصّر معك، ألم يقل الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} آية 40 سورة الشورى.
سامح صديقك إن زلّت به قدم فليس يسلم إنسان من الزلل
✍️فأن تصبر على من أخطأ بحقك، وأن تعفو عمّن ظلمك، وأن تعطي من حرمك، وأن تصل من قطعك، هذه أخلاق الرجال الأبطال مفاتيح الخير، وهي التي توصل أصحابها إلى أعلى الدرجات يوم القيامة.
✍️ إن الناس الطيبين هم مفاتيح الخير والعملة الذهبية الأصيلة وليست المزيفة، هم الذين إذا أسيء إليهم فيتوعّدون بالانتقام، ولكنهم سرعان ما تخبو ثورة غضبهم فيعودون إلى أصالتهم، فعندما تأتيهم فرصة الانتقام ممن أساء وتطاول عليهم، تصرخ في ضمائرهم وفي قلوبهم نزعة الخير تنادي {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} آية 40 سورة الشورى. وأي تسامح أعظم من تسامح الخالق عز وجل عندما يقول: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} آية 22 سورة النور.
✍️ إن مفاتيح الشرّ مغاليق الخير من الناس، هم الذين في أقوالهم وأفعالهم وحديّتهم بين الناس يشيعون أن العفو والتسامح هو سلوك الضعفاء والجبناء، ويزرعون هذا في سلوك أبنائهم ومن حولهم، ويتجاهل هؤلاء سلوك وهدي أشجع الرجال سيّدهم محمد ﷺ يوم فتح مكة وقد أصبح رجالات قريش الذين ظلموه وأساءوا إليه وشتموه وطعنوا في عرضه وسلبوا ماله وهجّروه من بيته، وكان بإمكانه أن يُعمل السيف في رؤوسهم، لكن ولأنه كان مفتاحًا للخير مغلاقًا للشرّ فما كان منه إلا أن قال: “يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء”.
✍️ يروى أن أعرابيًا جيء به إلى السلطان يحاكمه على تهمة اتهم بها، فدخل على مجلس القضاء وهو يقول: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} آية 19 سورة الحاقة. فقيل له: إن هذا سيقال يوم القيامة وليس في الدنيا، فقال: والله إن هذا اليوم شرّ من يوم القيامة، ففي يوم القيامة يؤتى بحسناتي وسيئاتي وأنتم اليوم جئتم بسيئاتي وتركتم حسناتي.
✍️ نعم، ما أجمل وأعدل أن لا ترى في الآخرة أنه كومة من الشرّ والسلبيات، وأنه رغم ما فيه من سلبيات وسيئات، لكن لعلّ فيه حسنات وفضائل تُذكر بها. وما أجمل أن يكون هذا منطق وروح التعامل مع ابنك ومع زوجتك ومع جارك ومع الناس أجمعين، فإن كان منهم ما يسيء، فتذكر أن فيهم كثيرًا مما يفرحك. وما أجمل ما قاله في ذلك الإمام الشافعي:
سامح أخاك إذا خلط منه الإصابة والغلط
وتجاف عن تعنيفه إن زاغ يومًا أو قسط
واعلم بأنك إن طلبت مهذبًا رمت الشطط
من الذي ما ساء قطّ ومن له الحسنى فقط
✍️وما أجمل ما ورد في قصة المسيح عليه السلام مع تلاميذه يوم مرّ على كلب أسود مّيت على جانب الطريق، فقال أحدهم: ما أنتن ريحه. وقال آخر: ما أطول مخالبه. وقال ثالث: ما أشد سواد شعره. فقال لهم عيسى عليه السلام: وما أشدّ بياض أسنانه”. أي أنه بجانب ما تأذيتم به منه فإن فيه ما يُمدح.
✍️قال ابن القيم رحمه الله: “يا ابن آدم إن بينك وبين الله خطايا وذنوبًا لا يعلمها إلا هو، وإنك تحب أن يغفرها الله لك، فإذا أردت أن يغفرها الله لك، فاغفر أنت لعباده، وإذا أحببت أن يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده”.
???? النبيل ليس ذليلًا
✍️ما أعظمه خلق العفو والتسامح الذي أحب الله سبحانه من يتخلّق به لأنه صفة من صفاته، فهو “العفو” جلّ جلاله، وهو “الغفور” سبحانه، وهو الذي يتخلّق به عباده. إنه أفضل دعاء في أفضل ليلة هي ليلة القدر، وقد قالت أمنا عائشة رضي الله عنها لرسول الله ﷺ: “يا رسول الله أرأيت إن أدركتني ليلة القدر ما أقول؟ قال: قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”. وقد ورد في صحف إبراهيم أن الله سبحانه يقول: “يا ابن آدم وعزّتي وجلالي لا بد لك من الورود إليّ والوقوف بين يدي، أعدد لك أعمالك وأحسن لك أقوالك، حتى إذا أيقنت بالبوار وظننت أنك من أصحاب النار قلت لك: لا تحزن يا عبدي فلأجلك أسميت نفسي العزيز الغفار”.
✍️ نعم، إن التسامح وإن العفو هو من سلوك وشيم أصحاب النفوس الكبيرة والعالية، بينما الحقد والانتقام هو من شيم أصحاب النفوس الدنيئة التي تتمتع بعيش الوحل والطين والأحقاد، حيث الانشغال بالأمور التافهة وتضييع الأوقات وهدر الطاقات على سفاسف الأشياء، بينما التسامح يفتح أبواب الراحة والطمأنينة وسكينة النفس، كما قال الإمام الشافعي:
لما عفوت لم أحقد على أحد أرحت نفسي من همّ العداوات
وقال أحدهم: “لا ينبل الرجل، أي لا يكون نبيلًا حتى يكون فيه خصلتان: الغنى عمّا في أيدي الناس، والتجاوز عمّا يكون منهم”.
✍️ إن أصحاب النفوس الكبيرة المشغولة بقضايا شعبها وأمتها ودينها، والمشغولة بهمّ الآخرة ودخول الجنة والنجاة من النار، لا يسمحون لأنفسهم أن يجرّهم إلى مستنقع الوحل والطين والأحقاد والعداوات أحد من الخلق، ولا يقع في فخ الأعداء ومخططاتهم باسم العائلية وغيرها من العصبيات. ولذلك فإن ديدنهم هو التسامح وعدم الوقوف عند انشغالات الصغار الذين لا يرون من الدنيا إلا أنفسهم، ولا ينظرون إلا إلى موطن أقدامهم، فهناك يبدأ التاريخ وهناك يتوقف.
✍️كان مما اشتُهر عن شيخ الإسلام ابن تيمية وقد كان له خصوم حسّاد، فكان يقول: “من ضاق صدره عن مودتي وقصّرت يده في معونتي كان الله في عونه وتولى جميع شأنه، وإن كل من عاداني وبالغ في إيذائي، فلا كدّر الله له صفو أوقاته ولا أراه مكروهًا في حياته”.
✍️ وقبل شيخ الإسلام ابن تيمية، فإنه العظيم أحمد بن حنبل رحمه الله ورضي الله عنه، فيروى أنه كان في مرض الموت فسمع رجلًا مسنًا على باب بيته يبكي كما تبكي النساء، فلمّا دخل على الإمام أحمد زاد من بكائه وقال: كنت أنا السجّان الذي عذّبك لمّا كنت في السجن في فتنة خلق القرآن، وإني أتيتك الآن راجيًا أن تسامحني وتعفو عني. فما كان من الإمام أحمد إلا أن بكى لبكائه ودعى الله أن يغفر له وإن كان مرّ على ذلك سنون طوال. فسأله ابنه كيف تستغفر له يا أبتي وهو الذي عذّبك وأهانك وآذاك؟ فقال الإمام أحمد: ماذا ينفعك يا بني أن يُعذَّب أخوك بسببك؟ ألا تعلم قول الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} آية 40 سورة الشورى. ألا تعلم يا بني أنه إذا كان يوم القيامة وجثت الأمم بين يديّ رب العالمين نودوا ليقم من كان أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا وإني لأرجو الله أن أكون واحدًا منهم.
✍️ هل هناك عطاء أعظم من عطاء الله لأصحاب خلق العفو والتسامح لما جعل جزاءهم ليس إلا جنّة عرضها السماوات والأرض، كما قال سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آية 133- 134 سورة آل عمران.
✍️فكن ممن أجره على الله، وكن من العافين عن الناس، وكن من رهط محمد ﷺ {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} آية 29 سورة الفتح. وكن مفتاحًا للخير مغلاقًا للشرّ.
كن مسلمًا وكفاك بين الناس فخرًا.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. مقالات ذات صلة
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف الشيخ كمال الخطيب الحبيب محمد الناس أجره على الله مفاتیح الخیر یوم القیامة من الناس ع ل ى ال ما أجمل مفتاح ا ا للخیر محمد ﷺ ا للشر
إقرأ أيضاً:
التفكيكية والبعد الصوفي في النص الروائي لروايات الطيب صالح (2)
kargwell65@yahoo.co.uk
التفكيكية والبعد الصوفي في النص الروائي لروايات الطيب صالح (2)
التناص : حفريات البعدالصوفي والأولياء الصالحين
دكتورة سامية عباس كرجويل
أكاديمي -باحث- وناقد
ديباجة
"ياقوت العرش
دنيا لا يملكها من يملكها
أغنى أهليها سادتها الفقراء
الخاسر من لم ياخذ منها
ماتعطيه على استحيا
والغافل من ظن الأشياء هي الاشياء!
( الفيتوري:ياقوت العرش)
بالوقوف على نشأة الطيب صالح الريفية في شمال السودان وعلى ضفاف النيل العامر بأهل الطرق الصوفية (12) والاعتقاد في كراماتهم ، مع قراءته القران شكلت قاعدة دينية صلبة ومنبع لما جادت بة قريحته من بعد صوفي طفى على سطح النص الروائ فعكس التناص البين في النص الروائ القائم على أساس مفاهيم وردت في الآيات القرانية مما اكسب الديالوج بعدا دينيا فجاءت العبارة في ظاهرها بسيطة اللغة ولكنها حبلى بالمضامين ذات البعد الديني ، وقد كثر التناص في رواياته: " نخلة على جدول"، "وَدُومَة ود حامد" ، "ضو البيت ( بندر شاة). وهذا يدلل على الإدراك وتفتح البصيرة لمعاني القران حيث يورد مارمت اليه الاية دون ان يوردها نصا. فالطيب صالح حباه الله بنعمة البصيرة النافذة والتي تدل على الادراك والتمييز بالقلب وهي "العين الباطنة " كما يعتبرها الصوفية من امثال ابن عربي . وكما وان هناك آيات تدلل على ذلك ومنها قوله تعالى في محكم التنزيل الحكيم وفي اكثر من أية :" ماكذب الفؤاد ماراى" ، (a13 ) ، "انها لا تعمى الابصار ولكنها تعمى القلوب التى في الصدور"(b13) . وبالتالي نجد ان الطيب صالح قد وظف رصيده الصوفي في صياغة نظريتة المعرفية ، وهذا هو المستوى الإيجابي لاستعداده لقبول المعرفة والإدراك وقد ترجمها في النص الروائ. (13c) مما يدلل على فهمة المتعمق للخطاب القراني وانه تاثر بمدلول ذلك الخطاب.
التناص والبعد الصوفي في النص الروائي
من بين معاني التناص هو الإشارة الضمنية الى ما ورد في القران الكريم والحديث. ونجد ان الطيب صالح قد استخدمة في كثير من المواضع في النص الروائ. ففي روايته ' ضو البيت-بندر شاه-، عندما نادى 'شيخ نصر الله ود حبيب بصوت عالي ' بعد لحظات تجلي وغيبة روحانية واتصال بعالم الغيبيات قد اوحى اليه باسم "بلال " وبعودة الروح من عالم الأسرار ومايخفية الباطن منها الى العالم الظاهر نادى:" إلينا يابلال ...إلينا يابلال" ووسط دهشة القوم الجالسين أمامه اذا ب " حسن ود عيسى ود ضو البيت " مجيبا: " لبيك......لبيك" وهذا ما يردده الحجاج وهم في ارفع حالات الطهر والنقاء الروحي استجابة لأقدس مناداة من المولى عزه وجله وهم يؤدون مناسك الحج.
وهم يعبرون الى مكة عن طريق السودان قادمون عن طريق "درب الأربعين " من غرب افريقيا.
" يفتح الله" والبعد الصوفي في النص الروائ
عبارة مفتاحية /مفصلية وبالتأمل والتفكر فيها فهي حبلى بالامل والثقة في ان يفتح الله ابواب اليسر للانتقال من العسر الى الفرج.. وفي رواية " نخلة على الجدول" كثر فيها التناص من القران الكريم في إشارة الى تقلب الزمان وتغيير الأحوال من حال البؤس الى حال الترف، ثم الى حال البؤس مرة اخرى ثم الفرج ، حيث عكس الراوي كيف وان الدنيا قاسية عندما تكشر عن نابها الأزرق وجهها القمئ. كان محجوب يكابد شظف العيش والفاقة وعندما رمى ابن عمه " اسماعيل" شتلة لنخلة معتقدا انها غير صالحه ، التقطها محجوب وشتلها بالقرب من الجدول متعشم في الله خيرا بان تنمو ويشتد عودها وعندما تحقق حلمة ونمت وصارت شامخة باسقة وأثمرت جلبت له الخير كلة . وبعد سنتين من زواجه صارت الحياة مترفة كانما استجاب الله لدعائه عندما شق الارض وغرس الشتلة على حافة الجدول وتلا آيات من القران ، وقليل من ماء وضوء والده تفاؤلا وتيمنا بالخير ،وعندما أثمرت النخلة وكانت اول شئ يمتلكه في حياتة " وسارت الحياة رغدة كانما استجاب الله لدعائه يوم شق في الارض على حافة الجدول وغرس النخلة" . ففي استجابة الدعاء إشارة الى قوله تعالى: " اذا سالك عبادي عني فأنا قريب اجيب دعوة الداعي اذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) ( 14) . وبعد سنين من زواجه اشترى عجلة فصارت جميلة لها غرة في جبينها تجر الساقية وتدر اللبن وظهرت عليه مظاهر الدعة والترف وتغير سلوكه الى سلوك المترفين . ولما لم يدوم الحال وتبددت امواله ، ويبس الزرع والضرع، وشحت حتى مياه النيل، بتسأل الراوي هل هي نبوءة " الشيخ ود دوليب تحققت؟ قد أنذر الناس في يوم من الأيام انه سياتي عليهم يوم يصير فيه اللبن كثيرا تافها مثل الماء وتصير كيلة الذرة بقرشين، ويصبح ثمن النعجة ريالين. لكن الناس كدابهم أبدا سيضيقون بهذا الخير، وسينهمكون في الغي وينسون الله، فيأخذهم الله بذنوبهم." . وفي هذا إشارة الى قوله تعالى في محكم التنزيل الكريم :" كداب ال فرعون واللذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب. (15) . وفي هذة النبوءة تماشيا مع رؤية العزيز حاكم مصر والتي فسرها سيدنا يوسف عليه السلام لتكون له شفيعا فيخرج من السجن منتصرا ساحقا الكيد ويتبوء مكانة عالية وليتحكم في الكيل ، وقد ذكرت في القرا ن الكريم :" وقال الملك أني ارى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واُخرى يابسات يا ايها المُلا أفتوني في رؤياي ان كُنتُم للرؤى تعبرون " (16 ) . وعندما أدبرت الدنيا عن محجوب ليرى وجهها الأغبر ، ضاقت ثم ضاقت وعان من الفاقة وشظف العيش مضاف اليها هجرة ابنه الوحيد " حسن" وهو احوج ما يكون الى ساعده وقد بلغ من الكبر عتيه، ولم يبقى أمامه من حيلة فراودته فكرة ان يبيع النخلة وبينما الشاري امامة يمتطي حماره منتظرا اجابة سرح بخياله بعيدا يستعيد ويستحضرالذكريات لايام الرخاء ، وقطع علية سيل الذكريات صوت صاحب الحمار الذي يرغب في شراء النخلة. وعاد الى الواقع بعينين مترقرقين ودمعة حبيسة ليقول لا ارغب في بيع النخلة قائلا:" يفتح الله.... انا تمرتي ما ببيعها" ، يشير الراوي الى ان " يفتح الله" قادته الى التفكير في عمق معناها ، فهي في سورة الفتح ، قال تعالى في محكم التنزيل : " انا فتحنا لك فتحا مبينا"(17 ) وفي سورة النصر ، قال تعالي :" اذا جاء نصر الله وألفتح " (18) ولهذا فإنها عبارة مفتاحية لمن اثقلت كاهلة اعباء الحياة ، ولمن كابد العسر والضيق ، وهي عبارة حبلى بالتوكل على الله والامل في ان يفرجها الله ويفتح أبواب الرزق. وهو على تلك الحاله من الياس اذا بطفلته تركض نحوه لتزف اليه البشرى وخبر ان ' حسن ' 'قد أرسل له رسالة مع قادم من مصر. سلمه القادم جوابا من حسن ومعه 30 جنيها ، وملابس وقال له ان حسن يطلب منه العفو . فنظر الى نخلته ورأى جريدها تتلاعب بة نسمات الشمال فخيل اليه ان سعف النخلة " يرتجف مسبحا قائلا " يفتح الله ...يفتح الله"
فضاء الظاهر وأسرار الباطن :الأحلام والبعد الصوفي في النص الرؤي
ان الرؤى في الأحلام يكمن في باطنها قدر قليل من الحقيقة التي يكرم بها الله عبده الرائي وقد ذكرت في سورة الانفال قال تعالى: "اذ يريكم الله في منامكم قليلا " (19) وفي رواية "دومة ود حامد" كثر التناص من خلال التعبير عن الرؤى في الأحلام وتفسيرها ذلك مرده الى الإشارة الى سورة يوسف علية السلام كمفسر للرؤى في الأحلام(20). كما وان كل الأحلام الوارده في النص الروائ حبلى بالاعتقاد في كرامات الاولياء والصالحين . ذكر الراوي في روايته " دومة ود حامد" ان محجوب قال لضيفه :" اجلس الى اهل هذه البلد واستمع اليهم يقصون احلامهم. يصحو الرجل من نومه فيقص على جاره انه رأى نفسه في ارض رملية واسعة رملها ابيض كلجين الفضة مشى فيها فكانت رجلاه تغوصان فيقتلعهما بصعوبة. ومشى ومشى حتى لحقه الظمأ وبلغ منه الجوع، والرمل لا ينتهي عند حد . ثم صعد تلا،فلما بلغ قمته رأى غابة كثة من الدوم في وسطها دومة- دومة طويلة، بقية الدوم بالنسبة اليها كقطيع الماعز بينهن بعير. وانحدر الرجل من التل وبعدها وجد كأن الارض تطوي له. فما هي الا خطوة وخطوة وخطوة، حتى وجد نفسه تحت دومة ود حامد. ووجد إناء فية لبن رغوته معقودة علية وكأنه حلب لساعته، فشرب منه حتى ارتوى ولم ينقص منه شئ. فيقول له جاره:" أبشر بالفرج بعد الشدة". ركز الطيب صالح على الرؤى في الأحلام التي لم تخلو من الاولياء والصالحين ولسان حاله يؤكد اعتقاد الأهالي في كرامات الصالحين اللذين ذكروا في طبقات ود ضيف الله.
المصادر:
(12)محمد، ضيف الله محمد (. 1992). طبقات ود ضيف الله. الناشر المكتبة الثقافية- بيروت- لبنان
(13a)سورة النجم : (اية 11
(13b ) سورة الحج (الاية 46
(13c) عامر، توفيق( 2017 )." "في نظرية المعرفة عند ابن عربي" ص 101-120.
(14) القران الكريم سورة يوسف (الاية (43)
( 15 ) القران الكريم سورة الفتح( الاية 1)
(16 ) القران الكريم سورة النصر( الاية 1)
(17القران الكريم سورة يوسف ( الآية 46-49)
(18سورة الفتح( الاية1 )
(19)سورة الانفال ( الاية 43)
(20) سورة يوسف ( الاية 54)