علم إسرائيل وحمامة بيضاء.. نبوءة القنصل الأميركي في القدس
تاريخ النشر: 14th, March 2025 GMT
منذ القرن التاسع عشر، لعبت الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا في دعم المشروع الصهيوني، سواء على المستوى الديني أو السياسي. تجسد ذلك من خلال شخصيات مثل وارد كريسون، الذي كان من أوائل الأميركيين الداعمين لفكرة تشجيع الاستيطان الصهيوني في فلسطين، وصولًا إلى دونالد ترامب، الذي تبنى سياسات تسعى إلى إعادة تشكيل مستقبل غزة بما يخدم المصالح الصهيونية.
منذ أن عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المشهد السياسي كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، تصاعدت تصريحاته المثيرة للجدل بشأن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وخاصة فيما يتعلق بقطاع غزة.
وسط حرب الإبادة المستمرة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، طرح ترامب عدة أفكار تتعلق بمستقبل القطاع وسكانه، من بينها فرض السيطرة الأميركية على غزة، وإعادة توطين السكان الفلسطينيين في دول أخرى، وإلغاء حق العودة، ثم قال ما قد يفيد بغير ذلك لاحقاً.
قال ترامب أن الولايات المتحدة يجب أن تتولى السيطرة على قطاع غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية بين إسرائيل وحركة حماس.
ويعتقد أن هذا الإجراء سيسهم في إعادة إعمار غزة وتحويلها إلى مركز اقتصادي وسياحي، مشيرًا إلى أن الأوضاع الحالية تجعل القطاع غير صالح للعيش. برر ترامب هذه الفكرة بضرورة إيجاد حل شامل يعيد تشكيل مستقبل غزة بما يتماشى مع الاستقرار الإقليمي.
إعلانلذلك اقترح ترامب في يناير/ كانون الثاني 2025 إعادة توطين سكان غزة في دول أخرى، مثل الأردن ومصر، مع تقديم حوافز مالية لهذه الدول لاستيعاب الفلسطينيين النازحين. ويعتقد أن هذا الخيار سيمنح سكان غزة فرصة لحياة أفضل بعيدًا عن الظروف المعيشية القاسية داخل القطاع، معتبرًا أن غزة لم تعد مؤهلة للسكن بعد الدمار الواسع الذي شهدته.
وأكد ترامب أن الفلسطينيين الذين يغادرون غزة لن يكون لهم حق العودة، معتبرًا أن المنطقة لم تعد مناسبة لإعادة توطين السكان بعد الأضرار الهائلة التي لحقت بالبنية التحتية. ويرى أن هذا الإجراء ضروري لإيجاد واقع ديمغرافي جديد يمنع العودة الجماعية ويؤسس لمرحلة مختلفة في التعامل مع مستقبل القطاع.
في أعقاب تصريحات ترامب، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي توجيهات بإعداد خطط تتيح للفلسطينيين الراغبين في مغادرة غزة الخروج إلى دول أخرى، ورغم عدم وضوح آلية تنفيذ هذا المخطط، فإنه يتماشى مع بعض الأطروحات التي قدمها ترامب بشأن مستقبل القطاع.
عند كوشنر الخبر اليقين!بحسب تقرير نشر في موقع "زمان يسرائيل" العبري التابع لـ "تايمز أوف إسرائيل"، فإن الخطوط العريضة للخطة نشأت لدى جوزيف بيلزمان، وهو أستاذ في جامعة جورج واشنطن، الذي نشر مقالًا في يوليو/ تموز 2024 بعنوان "خطة اقتصادية لإعادة بناء غزة".
يحدد الاقتراح خطة للدول والشخصيات الخارجية "للاستثمار" في إعادة بناء غزة بموجب عقد إيجار مدته 50 عامًا، وبعد ذلك سيتم تناول مسألة منح "السيادة" للسكان. ووفقًا للخطة، فإن التركيز الأساسي لإعادة الإعمار سيكون على قطاع السياحة، بما في ذلك بناء الفنادق على شاطئ البحر.
ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن ترامب أخبر نتنياهو في مكالمة هاتفية في أواخر صيف 2024 أن غزة "قطعة عقارية رئيسية"، وأنها قد تكون موقعًا مثاليًا لبناء الفنادق.
إعلانوقال بيلزمان في بودكاست في أغسطس/ آب إن مقاله "ذهب إلى مؤيدي ترامب، لأنهم كانوا أول من اهتم بها، وليس لمؤيدي بايدن". وأضاف أن صهر ترامب، جاريد كوشنر، "يريد استثمار أمواله فيها… يسيل لعابهم للدخول".
وقال بيلزمان إنه بموجب اقتراحه، سيتم "إخلاء قطاع غزة بالكامل"، مشيرًا إلى أن "الولايات المتحدة يمكن أن تضغط على مصر" لقبول اللاجئين من غزة، لأن "مصر دولة مفلسة" عليها ديون كبيرة للولايات المتحدة.
وسبق أن وصف كوشنر الصراع العربي الإسرائيلي بأكمله بأنه "ليس أكثر من نزاع عقاري بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، بحسب تعبيره. وقال في فعالية في هارفارد في فبراير/ شباط 2024 "العقارات على الواجهة البحرية لغزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة، إذا ما ركز الناس على توفير سبل العيش".
الجذور الأولى للفكر الاستيطاني الأميركيأعادت تصريحات ترامب إلى الأذهان أفكارًا تاريخية مشابهة طرحها وارد كريسون (Warder Cresson) في القرن التاسع عشر. كريسون، الذي كان أوّل قنصلٍ أميركيٍّ في القدس، وداعيةٍ مبكرٍ لفكرة إعادة اليهود إلى فلسطين، تحوّل من المسيحية إلى اليهودية وغير اسمه إلى ميخائيل بوعاز إسرائيل.
كان من أبرز دعاة فكرة توطين اليهود في فلسطين، مؤمنًا بأن الله خلق الولايات المتحدة لدعم اليهود، وأن النسر الأميركي سيحقق نبوءة أليشع بتغطية الأرض بجناحيه. أعلن كريسون أن "لا خلاص لليهود إلا بقدومهم إلى إسرائيل"، وكرس حياته لتحقيق هذه الرؤية.
في 22 يونيو/ حزيران 1844، رحل كريسون إلى فلسطين حاملًا علمًا أميركيًا وحمامة بيضاء كان ينوي إطلاقها عند وصوله. وعندما وصل كريسون إلى فلسطين، واستقر في القدس، أسس "ختمًا قنصليًا" ومد حماية أميركية على يهود المدينة، الذين كان العديد منهم فقراء يعتمدون على المساعدات الخارجية.
في عام 1852، أسس مستعمرة زراعية يهودية لتدريب المهاجرين على الزراعة، وحاول إنشاء مستوطنة في وادي رفائيم بمساعدة موسى مونتفيوري، لكن جهوده فشلت.
إعلانومع ذلك، فإن أفكاره ألهمت آخرين، مثل كلوريندا ماينور (Clorinda Minor)، التي أسست مدرسة الزراعة للأعمال اليدوية لليهود في الأرض المقدسة بالقرب من قرية أرطاس، بالقرب من بيت لحم. وقامت بتأسيس مستوطنة "جبل الأمل" بالقرب من يافا، الذي اشتراها كريسون، باعتبارها "مزرعة أميركية نموذجية" لتعليم اليهود كيفية زراعة الأناناس والموز والليمون.
هندسة جغرافية فلسطينما يجمع بين كريسون وترامب هو الإيمان بإعادة تشكيل الواقع الديمغرافي والسياسي لفلسطين لصالح المشروع الصهيوني. فبينما سعى كريسون إلى إعادة توطين اليهود في فلسطين عبر إنشاء مستوطنات زراعية، يسعى ترامب إلى إعادة هندسة الواقع الحالي عبر سياسات التهجير القسري، وإعادة الإعمار تحت السيطرة الأميركية.
مع استمرار هذا النهج عبر التاريخ، تعكس تصريحات ترامب بشأن غزة امتدادًا للفكر الاستيطاني الأميركي الذي بدأ مع وارد كريسون في القرن التاسع عشر. فكما سعى كريسون إلى الاستيلاء على فلسطين عبر الاستيطان، تأتي أطروحات ترامب وكوشنر بواجهة اقتصادية، لكنها في جوهرها تستند إلى نفس الهدف: تفريغ الأرض وإعادة تشكيلها بما يخدم المشروع الصهيوني.
وبينما تغيّرت الأساليب والخطابات، يبقى النهج ثابتًا؛ إعادة هندسة الواقع الفلسطيني وفق مصالح القوى المهيمنة، في استمرارية تعكس كيف يعيد التاريخ نفسه من كريسون إلى ترامب، كل مرة بأسلوب جديد لكن بروح استعمارية واحدة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان الولایات المتحدة إعادة توطین قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
ترامب لا يستبعد دخول الاقتصاد الأميركي في ركود
لا يستبعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب دخول الاقتصاد الأميركي في مرحلة ركود خلال العام الجاري، مشيرا إلى أن أجندته الاقتصادية الشاملة قد تؤدي إلى اضطرابات قصيرة الأجل، لكنه يعتقد أنها ستقود إلى الازدهار في المستقبل.
مرحلة انتقالية أم بداية أزمة؟وفي مقابلة مع قناة فوكس نيوز أول أمس الأحد أجاب ترامب عند سؤاله عما إذا كان يتوقع حدوث ركود اقتصادي هذا العام "أنا أكره التنبؤ بمثل هذه الأمور، هناك فترة انتقالية لأن ما نقوم به كبير جدا".
وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، يواصل ترامب تنفيذ تغييرات جذرية في الاقتصاد الأميركي من خلال فرض تعريفات جمركية جديدة، وتقييد الهجرة، وخفض الضرائب والتنظيمات، إلى جانب تقليص الوظائف الحكومية.
وعلى الرغم من أن بعض الشركات ترحب بهذه الإصلاحات فإن حالة عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية المفروضة على المكسيك وكندا أزعجت الأسواق المالية، خاصة مع التراجع المتكرر في تنفيذ بعض هذه التعريفات.
ورغم النمو القوي وانخفاض معدل البطالة فإن علامات الضغط الاقتصادي بدأت في الظهور، إذ انخفض إنفاق المستهلكين وازدادت المخاوف بشأن التضخم.
إعلانوفي حين شهدت "وول ستريت" موجة صعودية أواخر عام 2024 بسبب تفاؤل المستثمرين تجاه أجندة ترامب فقد تراجعت الأسواق المالية في الأسابيع الأخيرة.
ومع إغلاق التداول يوم الجمعة سجلت مؤشرات "داو جونز" و"ستاندرد آند بورز 500″ و"ناسداك" مستويات أقل مما كانت عليه عند تنصيب ترامب في 20 يناير/كانون الثاني 2025.
وفي خطوة تعكس تذبذب سياسات ترامب التجارية أوقفت إدارته الأسبوع الماضي التعريفات الجمركية بنسبة 25% على السيارات وقطع الغيار القادمة من المكسيك وكندا بعد 48 ساعة فقط من دخولها حيز التنفيذ.
تقليل من التراجعوخلال المقابلة تهرّب ترامب من تقديم تطمينات واضحة للشركات التي تبحث عن وضوح بشأن التعريفات الجمركية، مكتفيا بالقول "أعتقد ذلك، لكن التعريفات يمكن أن ترتفع مع مرور الوقت".
وأضاف أنه لم يعد يركز على أداء سوق الأسهم كما كان في ولايته الأولى، قائلا "ما يهمني هو بناء بلد قوي، لا يمكنك مراقبة سوق الأسهم فقط، إذا نظرت إلى الصين لديها منظور يمتد لـ100 عام".
وفي تصريحات أخرى للصحفيين أول أمس الأحد دافع ترامب عن سياسة الرسوم الجمركية، قائلا "هذه ستكون أعظم خطوة قمنا بها على الإطلاق كبلد".
"فترة تخلص من الإدمان"بدوره، أقر وزير الخزانة سكوت بيسنت بأن الاقتصاد الأميركي قد يواجه مرحلة صعبة نتيجة السياسات الاقتصادية الجديدة.
وقال بيسنت في مقابلة مع "سي إن بي سي" "لقد أصبح السوق والاقتصاد مدمنين على هذا الإنفاق الحكومي، وسنمر بفترة تخلص من الإدمان".
وأشار إلى أن التعريفات قد تؤدي إلى ارتفاع مؤقت في الأسعار، لكنها لن تتسبب في تضخم مستدام.
وبينما أكد وزير التجارة هوارد لوتنيك أنه لا يرى أي ركود في الأفق إلا أن الغموض يحيط بمسار الاقتصاد الأميركي، وترامب نفسه لم يستبعد الفكرة، إذ قال عندما سئل عن ذلك "بالطبع تتردد، من يدري؟".
إعلانويبقى السؤال مفتوحا: هل نحن أمام اضطراب اقتصادي عابر؟ أم أن الاقتصاد الأميركي يسير نحو ركود حتمي؟