الحب والثورة في شعر محمود درويش .. بين الرومانسية والنضال
تاريخ النشر: 14th, March 2025 GMT
لطالما كانت القصيدة ساحة للصراعات الداخلية والخارجية، حيث يمتزج العشق بالوطن، ويتقاطع الحب مع الثورة، وعندما نتحدث عن محمود درويش، نجد أن هذين العنصرين كانا حجر الأساس في شعره.
لم يكن الحب في قصائده مجرد علاقة شخصية، ولم تكن الثورة مجرد موقف سياسي، بل كانا وجهين لعملة واحدة: البحث عن الحرية، سواء في الوطن أو في القلب.
تميز محمود درويش بقدرته الفريدة على كتابة شعر الحب بعيدًا عن الكلاسيكيات التقليدية، فقد كان الحب في قصائده مشحونًا بالرموز، يرتبط بالحياة والموت، بالحلم والانكسار، بالحنين والاغتراب.
كان دائمًا هناك شيء ناقص، علاقة غير مكتملة، عشق يشتعل ثم يخبو، وكأن الحب في شعره صورة مصغرة عن القضية الفلسطينية: جميلة، لكنها مستحيلة المنال.
أشهر مثال على ذلك هي قصيدته “ريتا”، التي أصبحت أيقونة في الشعر العربي، خاصة بعد أن غناها مارسيل خليفة. ريتا لم تكن مجرد امرأة، بل كانت رمزًا للمستحيل، للحب الذي يقف في مواجهة واقع قاسٍ:
“بين ريتا وعيوني… بندقية”
بهذه الصورة البسيطة والمكثفة، لخص درويش مأساة الحب في ظل الاحتلال، حيث تتحول العلاقات الإنسانية إلى رهينة للصراع السياسي.
لكن درويش لم يكتفى بصور الحب المستحيل، بل قدم في قصائد أخرى مشاهد أكثر عاطفية، كما في قوله:
“أنا لكِ إن لم أكن لكِ، فكوني لغيري، لأكون أنا بكِ عاشقًا لغيـري”
هنا يتجاوز درويش فكرة الامتلاك في الحب، ويحول العشق إلى تجربة روحية، لا تُقاس بقوانين الواقع، بل بتجربة الوجدان.
الثورة في شعر درويش: من الغضب إلى الفلسفةفي بداياته، كان شعر درويش واضحًا ومباشرًا في خطابه الثوري، مثل قصيدته “سجّل أنا عربي”، التي جاءت كصرخة تحد في وجه الاحتلال.
لكن مع نضج تجربته الشعرية، بدأ يتعامل مع الثورة بمنظور أكثر تعقيدًا، حيث أصبحت الثورة ليست فقط ضد الاحتلال، بل ضد القهر، ضد الظلم، ضد فكرة الاستسلام للقدر.
في قصيدته “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”، يقدم درويش ثورة مختلفة، ليست بالصوت العالي، بل بالبحث عن الجمال في أصعب الظروف، فحتى في ظل الاحتلال والحروب، تبقى هناك أسباب للحياة، للحب، للأمل.
التقاطع بين الحب والثورة في شعر درويشلم يكن الحب والثورة في شعر درويش منفصلين، بل كانا متداخلين بشكل كبير، ففي قصيدة “أحبك أكثر”، نجد كيف يمكن للحب أن يصبح ثورة بحد ذاته:
“أحبّك أكثر مما يقول الكلامُ، وأخطر مما يظنُّ الخائفون من امرأةٍ لا تُهادن رأياً ولكنَّها تُسالمني عندما أشاكسها… وتنهاني،فتشجّعني، ثم تأخذني بيمينٍ وباليسار، لتتركني خائفًا خارج المفرداتِ وحيدًا”
الحب هنا ليس فقط مشاعر رومانسية، بل حالة من التمرد والحرية، ورغبة في كسر القواعد.
وفي قصيدة أخرى يقول:
“وأعشق عمري لأني إذا متّ، أخجل من دمع أمّي”
هنا الحب ممتزج بالفداء، حيث تصبح الأم رمزًا للوطن، ويصبح التمسك بالوطن حبًا يشبه التعلق بالأم.
هذه الازدواجية العاطفية جعلت من شعر درويش متفردًا، حيث نجح في تصوير مشاعر العشق ليس كحالة رومانسية خالصة، بل كحالة من الصراع بين المشاعر الشخصية والمصير الجمعي
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الثورة محمود درويش الشاعر محمود درويش القصيدة شعر درويش المزيد الحب فی
إقرأ أيضاً:
بنت قحطان
ودع لياليك هل للجرح يلتئم
حاول فما لك بالليلات تحتدم
ذكرت أنسا مضى قد بات يقطعني
تجتر ذكرى لمن دانوا ومن صرموا
وفِيُ عهدك يا قلبا يحملني
ما لا أطيق ولا ترضى به الشيم
هبها مضت فاتنات ما بها أمل
وإن بدأت بذكر أو فتختتم
ما كان كان وفي حلقي مرارته
وقد أرقت بنار الحب أكتلم
تمضي عنادا وترجو من مودتها
حسناء عنقاء لا يرجى لها كرم
(سمراء مرجانة بيضاء لؤلؤة
حمراء ياقوتة ) في حبها ندم
يا بنت قحطان والأفراح هاجرتي
فلا عليك لمن في قلبه ألم
ولّى شبابي وها قد بت أرقب ما
يصير من بعده الإنسان والبهم
يا بنت قحطان إن أسعى ويخذلني
عمر فما برحت في سعيها أمم
ولن تغيّر من مقدور خالقها
فكل شيء لنا في لوحه قلم
ماذا علي إذا أحببت فاتنة
أما ترين وقار الشيب يحترم
لئن أضاعت ليالي بعض ملمحنا
فما يزال بقلبي الحب يضطرم
هبي أحبك هل في الحب من عتب
والعمر يوجف بالإسراع ينصرم ؟
وما عرفت من الدنيا حلاوتها
ولا رأيت لي الأيام تبتسم
إن كان سرَّ غريمي أنني هرِمٌ
فقد أكون بشعري ذلك الهرَم
يكفي لصدري من القراء ما كتبوا
من المعاني رفيعاتٍ لها قيم
هزوا لعطفي بتطريب وتزكية
والقول منهم له في خاطري نغم
حتى رضيت من الآلام قسوتها
طابت به نفس حرٍّ ما بها ندم
وقد وجدت لنفسي خير منزلة
لما تفاخر بي في زمرة علم
ولو تفاخر بعض الناس في ذهب
وبالدراهم والدينار هم نعموا
يكفي نعيمي بأبيات منمقة
لا يدركون لها معنى ولا فهموا
يا بنت قحطان حسن منك يبهرني
يستنطق القول مشحونا به الحِكم
إني لمن نسل أحرار لهم قِيم
يا نعم نعم لمن طابت لهم قيم
إذا تنادوا ليوم الفصل أسعدهم
ذاك الطراد فما لانوا ولا سقموا
كذا نعيش وما من كابر أبدا
نحني له الرأس إلا الله لو علموا
من ظن أني أسير المال يملكني
قد خالطت فكره الأسقام والوهم
يا بنت قحطان لا أرجوك مكرمة
وإن يعربد فيَّ الفقر والعدم
لا أنكر الحسن والحسناء ملهمتي
لكنني بفؤاد ما به شبَم
فلتذكريني إذا ما الليل أدركنا
ولتذكريني إذا ما الصبح يرتسم
ولتذكريني إذا الأشعار رددها
من كان يطرب بالأشعار ينسجم
لك فــي القلــــب خفقـة تســتجد تتســــامى قصـــائدا لا تعـــــــد
يا هزار السودان ذكــرك أمسى فـــــي لــيـالــي دعـــوة لا تـُرد
حســبي الله فــــي البعــــاد وإنا قــاب قوســــين ها أنا مستعـــد
thepoet1943@gmail.com