الصراع بين الكنيسة المصرية ومخطط الشرق الأوسط الجديد
تاريخ النشر: 14th, March 2025 GMT
منذ العصور القديمة، كان الشرق الأوسط مركزًا دينيًا وثقافيًا شكّل هويته الفريدة.
ومع بداية الألفية الجديدة، بدأت القوى الغربية، التي تحركها الصهيونية العالمية، في تبني سياسات تهدف إلى إعادة رسم حدود المنطقة من خلال مخطط يسعى إلى طمس الهويات التاريخية العميقة التي تشكل نسيجها الثقافي والديني.
ومن بين هذه الهويات، تبرز الهوية المسيحية الشرقية، وفي قلب هذا الصراع، تقف الكنيسة المصرية كحجر عثرة أمام محاولات إعادة تشكيل مكونات الهوية الدينية والثقافية للمنطقة.
تبنت القوى الغربية المتحالفة مع الصهيونية سياسة "الفوضى الخلاقة" كوسيلة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، بهدف تفكيك الأنظمة السياسية وزرع الفوضى، مما أدى إلى تصاعد الجماعات الإرهابية، وانتشار النزاعات الطائفية، وتهجير المسيحيين من العديد من دول المنطقة. وكان لهذا التدمير الممنهج أثر بعيد المدى على هوية المنطقة، حيث سعت تلك القوى إلى فرض مشروع "مسار إبراهيم" كرمز ديني ثقافي يربط بين اليهودية والمسيحية والإسلام. وتجسد ذلك في "بيت العائلة الإبراهيمي"، الذي رفضت الكنيسة المصرية الانضمام إليه، باعتباره محاولة لتكريس واقع جديد يخدم أهدافهم.
محاولة الترويج لمسار إبراهيم كمرجعية دينية وثقافية تجمع الديانات الثلاث ليست سوى وسيلة لتحقيق مشروع "إسرائيل الكبرى"، الممتد - وفقًا لتصورهم - من النيل إلى الفرات، مستندين إلى رحلة النبي إبراهيم التي شملت عدة دول في المنطقة وصولًا إلى مصر.
يهدف هذا المشروع إلى تحقيق حلم إقامة "مملكة داوود"، استنادًا إلى الإيمان اليهودي بقدوم "المسيح الملك الأرضي"، الذي سيقيم ملكوته على الأرض ويقود "مملكة داوود".
ويتماشى هذا التصور مع الفكر المسيحي المتصهين للكنيسة البروتستانتية، التي تؤمن بمفهوم "حكم الألفية"، أي نزول المسيح في آخر الزمان لحكم العالم لمدة ألف عام. وكليهما يتفقان على أن كرسي حكم هذا الملك هو هيكل سليمان، وهو ما يتناقض تمامًا مع العقيدة المسيحية الشرقية، خاصة الكنيسة القبطية المصرية، التي ترفض هذا الفكر.
المواجهة الحقيقية بين الكنيسة المصرية والمشروع المتفق عليه بين المسيحية المتصهينة والمعتقد اليهودي تتجلى في صراع المسارات، بين "مسار إبراهيم" و"مسار العائلة المقدسة".
فوفقًا للتاريخ المسيحي، هرب السيد المسيح وأمه العذراء إلى مصر هربًا من بطش هيرودس، وتوقفت العائلة المقدسة في عدة مناطق مصرية، مما يجعل مصر نقطة محورية في تاريخ المسيحية.
هذا الأمر يتناقض مع الفكر المسيحي المتصهين والمعتقد اليهودي، اللذين يسعيان إلى ترسيخ الاعتقاد بأن القدس وحدها هي المركز الديني الأوحد وكرسي حكم "مملكة داوود" من داخل هيكل سليمان، وتهيئة الأجواء لقدوم "المسيح الملك" عبر مسار إبراهيم.
وهنا يطرح السؤال نفسه: لماذا لم يتم حتى الآن تفعيل "مسار العائلة المقدسة" كحج مسيحي عالمي رغم أهميته في تاريخ المسيحية وذكره في الإنجيل المقدس؟ الإجابة تكمن في أن أصحاب مشروع "مملكة داوود" يسيطرون على شركات السياحة العالمية ويوجهونها بما يخدم مخططاتهم، كما أنهم نجحوا في اختراق عدد من المؤسسات الدينية في الغرب، مما جعل بعض الكنائس الغربية أداةً في خدمة هذا المشروع، متجاهلين الدور التاريخي لمصر في المسيحية.
الكنيسة القبطية لا تعترف بمفهوم "الملك الألفي" الذي تروج له المسيحية الصهيونية، حيث يتناقض مع الإيمان الأرثوذكسي بالمجيء الثاني للمسيح، وهو ما تم تأكيده في مجمع نيقية عام 325م ومجمع القسطنطينية عام 381م. حيث جاء في العقيدة المسيحية أن المسيح سيأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات، وليس كملك أرضي يحكم العالم. كما أن الكنيسة القبطية تدحض المعتقد اليهودي الذي لا يعترف بالمسيح الذي جاء بالفعل، إذ لا يزال اليهود في انتظار "المسيح الملك الأرضي" القادم لإقامة مملكتهم.
كان للبابا شنودة الثالث بُعد نظر استراتيجي ورؤية واضحة حول المخطط الصهيوني، فاتخذ موقفًا حازمًا ضد أي تطبيع مع إسرائيل، وأصدر قرارًا تاريخيًا بمنع الأقباط من زيارة القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدًا أن "القدس لن يدخلها الأقباط إلا مع إخوانهم المسلمين". وقد جعل هذا الموقف الكنيسة القبطية في مواجهة مباشرة مع المشروع الصهيوني الذي يسعى إلى تحقيق "مملكة داوود".
ومع تولي البابا تواضروس الثاني قيادة الكنيسة المصرية، استمرت هذه السياسة الوطنية، وبرز ذلك في مقولته الشهيرة: "وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن"، وهي رسالة قوية تؤكد أن الكنيسة المصرية لا يمكن أن تكون جزءًا من مشروع يهدف إلى طمس الهوية الوطنية المصرية.
كما لعب البابا تواضروس دورًا مهمًا في تعزيز علاقات الكنيسة بالأقباط في الخارج، ودعم دورهم كصوت وطني مدافع عن مصر في مواجهة محاولات التشويه والتأثير الخارجي. لم تقتصر مواقف البابا تواضروس على الجاليات القبطية في الخارج فقط، بل عمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة حول أوضاع الأقباط في مصر، مؤكدًا أن ما يتم الترويج له بشأن "اضطهاد الأقباط" هو مجرد افتراءات تهدف إلى زعزعة استقرار الوطن.
وقد أظهر الرئيس عبد الفتاح السيسي تقديره الكبير للكنيسة المصرية وللبابا تواضروس في عدة مناسبات، أبرزها حضوره احتفالات عيد الميلاد المجيد في الكاتدرائية، مما يعكس العلاقة القوية بين الكنيسة والدولة في مواجهة المخططات الخارجية التي تستهدف مصر وهويتها الوطنية.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الکنیسة القبطیة الکنیسة المصریة مسار إبراهیم مملکة داوود
إقرأ أيضاً:
تتويج مطاري مسقط وصلالة بجوائز جودة خدمة المطارات في الشرق الأوسط
مسقط- الرؤية
توَّج المجلس العالمي للمطارات (ACI)، مطار مسقط الدولي ومطار صلالة، بجوائز جودة خدمة المطارات العالمية على مستوى منطقة الشرق الأوسط؛ وذلك بناء على استبيان تقييم أداء المطارات الذي أجراه المجلس، والذي يقيس مؤشرات أداء نقاط عبور المسافرين المغادرين في المطارات العالمية.
حصل مطار مسقط الدولي، على جائزة أفضل مطار في الشرق الأوسط في فئة المطارات سعة 5 إلى 15 مليون مسافر، بجائزة "أفضل أداء للموظفين الأكثر تفانيًا في الشرق الأوسط"، وجائزة "أسهل رحلة مطار" على مستوى الشرق الأوسط، فضلًا عن جائزة "أنظف مطار في الشرق الأوسط".
أما مطار صلالة، فقد حصل على لقب "أفضل مطار في الشرق الأوسط" في فئة المطارات التي تقل عن 2 مليون مسافر بجائزة "أفضل الموظفين تفانيًا في الشرق الأوسط"، و"أسهل رحلة في مطار" في الشرق الأوسط، و"أكثر مطار مُمتع في الشرق الأوسط"، إضافة إلى جائزة "أنظف مطار في الشرق الأوسط". كما تم إدراج مطار صلالة في قائمة التميز للمدير العام لمجلس المطارات الدولي.
وأعربت "مطارات عُمان" عن فخرها بهذا التميز الذي تحقق لمطار مسقط الدولي ومطار صلالة، معتبرة أن هذا الإنجاز هو نتيجة للتقدم المستمر في تقديم خدمات عالية الجودة للعملاء، وهو نتاج جهود الإدارة العليا والموظفين والشركاء. وأشادت "مطارات عُمان" بالجهود الكبيرة التي يبذلها كافة العاملين في المطارين، مما يعكس نجاح بيئة العمل التي تركز على تقديم أفضل خدمة للزوار من خلال مطارات سلطنة عُمان، التي تعد بوابات للفرص والجمال بفضل موقعها الاستراتيجي.
من جانبه، قال المهندس حمود بن مصبح العلوي الرئيس التنفيذي بالإنابة لـ"مطارات عُمان": "نضع راحة المسافرين على رأس أولوياتنا في مطاراتنا، فهي أول نقطة يمر بها المسافر عند وصوله إلى سلطنة عُمان وآخر نقطة يغادر منها بعد رحلته. لذا، فإن جودة العمل تشكل أولوية في منهاج عمل في بيئة "مطارات عُمان"؛ فمنذ انطلاق العمليات، تم وضع مبادئ عمل واضحة لجميع العاملين لضمان أن يكون المسافر دائمًا في قمة أولوياتنا، واليوم نحن نجني ثمار هذه الجهود المستمرة بعد سنوات من العمل المتواصل والجاد من الجميع.
ووجه الرئيس التنفيذي لـ"مطارات عُمان" بالإنابة، شكره لكافة العاملين والشركاء مؤكدًا أن هذا التتويج يشكل حافزًا كبيرًا لمواصلة النجاح وتحقيق المزيد من الإنجازات في المستقبل، ويضعهم أمام مسؤولية كبيرة لتحقيق أعلى مستويات الجودة والمنافسة مع المطارات العالمية في إدارة بيئة المطار.
وأضاف العلوي: "السمعة الطيبة التي ينقلها كل عماني هي الأساس الذي يشكل قوة كبيرة لبلادنا. هذه القيم الأصيلة التي يشتهر بها كل عماني، والتي تربى عليها في خدمة ضيوف السلطنة، هي ما نستلهمه في "مطارات عُمان" لتقديم أفضل الخدمات لزوارنا عبر مطاراتنا".
يُشار إلى أن مطار صلالة سيُدرج في قائمة التميز لعام 2025 ضمن أفضل 10 مطارات، وهي قائمة تأسست في عام 2011، وقد تم إدراج 82 مطارًا في هذه القائمة منذ ذلك الحين. كما تم إدراج مطار مسقط الدولي في هذه القائمة.