فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
تاريخ النشر: 13th, March 2025 GMT
أنا متداول في الأسواق المالية وأستخدم عقود الفروقات، وتُختصر بـ «CFD» في التداول هذه العقود هي أدوات مالية تسمح لي بالمضاربة على تحركات أسعار الأصول مثل الأسهم، والسلع، والمؤشرات، دون امتلاكها فعليًا، فهل التعامل بعقود الفروقات «CFD» جائز شرعًا أم محرم؟ ولقد حققت أرباحًا من هذا النوع من التداول، وهي أموال ملموسة الآن في حسابي البنكي، فماذا أفعل بها إذا كان الحكم أنها غير جائزة؟
ما بيّنه السائل هو أنه يتعامل في التداول في الأسواق المالية، ويتداول في عقود الفروقات دون أن يتملك الأصل وفي هذا محاذير شرعية كثيرة، فما الذي يبيعه إن كان لا يتملك؟ ثم إن ما ذكره في سؤاله يدل على أن غالب هذه التداولات تقوم على أنواع من العقود، وهي عقود المستقبليات وعقود الخيارات، التي سبق أن تكلمنا عنها وهي عقود مخالفة للشرع، ولا يكاد يسلم منها إلا القليل، وفي بعض الأسواق التي تلتزم بموافقة الشريعة.
والذي يؤكد هذا ما ذكره عن فعل الوسطاء، فإنهم في الحقيقة هم الذين يثرون، إذ يجمعون الأموال، وهم الذين يضعون الأموال أو يسجلون أرقامًا لأموال باسمه ليشتروا ويبيعوا في الأسهم بمثل هذه العقود، الخلاصة أن هذه العقود فيها محاذير شرعية كثيرة، ولا يمكن القول بجوازها وما يوجد منها مما هو مباح وفق ضوابط وشروط، فهو نادر، لا سيما في الأسواق العالمية حتى الآن، أما عن الأموال المكتسبة، فله رأس ماله، فإذا كان قد دفع شيئًا من رأس المال، فله أن يسترده، وما زاد عن رأس ماله، فعليه أن يدفعه إلى الفقراء والمساكين تخلّصًا، والله تعالى أعلم.
إمام يصلي بالناس، فيقرأ نصف الآية، ثم يكملها في الركعة التالية، مثل: «الذي خلق سبع سماوات طباقًا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت» في ركعة، ثم في الركعة التالية يكمل: «فارجع البصر هل ترى من فطور»؟
لنبين أولًا فقه هذه المسألة، ثم بعد ذلك نأتي إلى المثال وبعض التطبيقات، أما فقه المسألة فالاقتصار على بعض آية من كتاب الله عز وجل في الصلوات التي يُقرأ فيها شيء من القرآن مع الفاتحة محل خلاف عند أهل العلم، عامة الفقهاء يجيزون ذلك بشروط، في مقدمتها: أن يكون المعنى تامًا ومكتملًا غير ناقص، وألا يكون مرتبطًا بما يتمم معناه في بقية الآية الكريمة، ويضربون المثال بالآيات الطويلة، كآية المداينة، وآية الكرسي، وما أشبهها من آيات، وذلك لتحقق هذا الشرط فيها، إذ يمكن تقسيمها إلى أجزاء تحمل معاني كاملة وتامة، ولكنهم لا يتوسعون في ذلك، فمع أن عامة الفقهاء يرخّصون في قراءة بعض الآية، هناك من شدّد وقال: لا يمكن أن يُقرأ بأقل من آية وهذا القول موجود أيضًا، أي أن هناك من يرى أنه لا يمكن قراءة أقل من آية واحدة، سواء طالت أم قصرت، وأن الله تبارك وتعالى لما قال: «فاقرؤوا ما تيسر منه»، فإن أقل ما يتيسر من القرآن الكريم هو آية، بحسب عدّ المصحف المعتمد عند القارئ.
وعامة الفقهاء، كما تقدم، يرخّصون في قراءة بعض الآية إذا كانت طويلة، وكان فيها أجزاء مكتملة المعنى، بحيث يقف عند موضع تام لا يحتاج إلى ما يتمم معناه، وأضافوا إلى ذلك شرطًا آخر، وهو أن يكون القارئ فقيهًا عارفًا بمعاني الآيات ومواضع الوقف الجائزة، فقد يظن غير المتعلم أن هذا الموضع مناسب للوقف، فيقف في منتصف الآية أو أثناءها، وهو موضع لا يحسن الوقوف عنده.
ولكن الصحيح أن الموضع الذي وقف عنده لا يحسن الوقوف عنده، لتعلقه بما يأتي بعده، ولذلك أضافوا هذا الشرط ضمنًا، أي لم ينصوا على وجوبه صراحة، لأن الأصل في الإمام أن يكون كذلك لكنهم عندما يتحدثون عن اشتراط أن يعلم أو أن يفقه أن هذه الأجزاء تامة المعاني، وأنه سيقف عند موضع تام كامل لا يحتاج إلى ما بعده ليُبيَّن، فإن هذا لا يستطيعه إلا من كان على دراية بمعاني آيات الكتاب العزيز، وبالأحكام المتعلقة بهذه الآيات، وبأحكام الوقوف.
لكن إن تحققت هذه الشروط، فلا يمكن التضييق، لأن المسألة فيها خلاف، فلا يُقال إن الصلاة غير صحيحة أو أنها منتقضة بذلك إذا تحققت هذه الشروط.
بقي أن نناقش مسألة تعمُّد الأئمة الاقتصار على هذا القدر من الاختصار بدعوى التخفيف على الناس وجذب الجماعة، فليس هذا أمرًا محمودًا، خصوصًا في شهر رمضان، الذي هو شهر القرآن، وفي صلاة التراويح التي هي صلاة القيام فالاقتصار على هذا القدر اليسير دون داعٍ، لمجرد الظن بأن ذلك يجذب الجماعة ويخفف عليهم، فيه ما لا يُحبذ للأئمة والمصلين عمومًا.
لأن الأصل في المؤمن أن تتعلق نفسه بالقرآن الكريم، وأنه يحب سماع كتاب الله عز وجل، ويخشع في صلاته، ويتدبر ما يقرأ وأما مسألة الأئمة في إمامتهم للناس، فالأصل فيها التوسط والاعتدال، فنحن نحب لهم أن يُسمِعوا الناس كلام الله عز وجل في رمضان، لكن الناس يتفاوتون، والمنهج العدل هو التوسط، فلا يطيل كثيرًا، ولا يختصر كثيرًا، إلا إذا كان المأمومون خلفه من الشباب أو من طلبة العلم، أو ممن أتوه قَصدًا لأنهم يرغبون في الإطالة وسماع أجزاء من القرآن الكريم في صلاة القيام، فهذا حسن.
أما إذا كان في المأمومين جمع من الناس، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإن فيهم الضعيف والمريض وذا الحاجة»، ففي هذه الحالة ينبغي الاعتدال أما الاختصار إلى هذا الحد، فإنه مما لا يُحمد، ولا يجمل لا بالأئمة ولا بالمصلين، ولا بمثل هذه الشعيرة العظيمة، أن يكون هذا حظها من الصلاة والقراءة.
نحن افترضنا أن هذه التسهيلات تتعلق بصلاة التراويح، لكن قد يكون الإمام طرأ له موقف ما، وهذا باب آخر، فإن طرأ عليه طارئ، فقد ثبت في الأثر عن السلف وقوع مثل هذه الأحوال، فاختصروا ووقفوا عند مواضع دون تمام الآية، وهذا مما يستشهد به الذين يقولون بجواز ذلك.
وعامة الفقهاء الذين يجيزون قراءة بعض الآية يعوّلون على أن ذلك قرآن، فإذا كان الجزء المقروء تام المعنى، فهو من القرآن الكريم، ومما تيسر من القرآن الكريم، فلا حرج في الصلاة به، لكنهم يخصونه أكثر بمثل هذه الأحوال الطارئة التي تقع على الإمام أو على المأمومين، والله تعالى أعلم.
في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله»، ماذا يقصد الرسول هنا؟ هل المقصود بالقراءة الفقه أم التجويد؟ أي: أقرؤهم من كتاب الله؟
اختلف أهل العلم في معنى «أقرؤهم»، فقيل: إن الأقرأ هو الأكثر قرآنًا، والمقصود بذلك الأكثر تلاوةً وحفظًا، وحسن التلاوة والتجويد في قراءته، وقيل أيضًا بأن الأقرأ هو الأعلم بالقرآن، وهذا ما ينبغي التنبه له، فالحد اللازم للإمامة أن يكون الإمام صاحب قرآن، وهذا لا خلاف فيه، فالذين يقولون: إن الأقرأ هو الأكثر فقهًا لما في كتاب الله عز وجل وأحكام ما يُقرأ، لا ينفون ضرورة أن يكون الإمام فقيهًا في فقه الصلاة، وكذلك الذين يقولون: إن المقصود بالأقرأ هو الأفقه، لا ينفون ضرورة أن يكون الإمام قارئًا حسن التلاوة، صحيح القراءة، حافظًا لكتاب الله عز وجل، أو لما يصلح لإمامته.
هذا الأمر يتضح أكثر عند الاستواء في الشروط، أي إذا تحققت هذه الشروط في أكثر من شخص، فمن الذي يتقدم ليكون إمامًا؟ الذي دلت عليه السنة هو أن الأولى بالتقدم هو الأقرأ، والمقصود به الأكثر قرآنًا، والأكثر فهمًا لكتاب الله عز وجل، وهذا هو ظاهر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعني ذلك كما تقدم أن الإمام ليس بفقيه، بل لا بد من توفر الفقه اللازم لإمامته بالناس في الصلاة.
لأن هذه المصطلحات، مثل «الفقه» و«الفقيه»، قد وردت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وردت في كتاب الله عز وجل، ولكن الذي استعمله النبي صلى الله عليه وسلم في هذا السياق هو «الأقرأ»، وذلك لأن جوهر الصلاة وقوامها إنما هو تلاوة كتاب الله عز وجل، وكان ذلك أدعى إلى خشوع المصلين، وإلى تحقيق الصلاة لغاياتها ومقاصدها في نفوس المصلين. والله تعالى أعلم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم من القرآن الکریم یکون الإمام أن یکون لا یمکن مثل هذه إذا کان أن هذه قرآن ا
إقرأ أيضاً:
المفتي: الزعم بأن الإنسان مجبر على المعصية باطل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن البلاء سنة إلهية، وهو في حقيقته اختبار وتمحيص وتهذيب، وليس عذابًا في كل حال. واستشهد بقوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ • الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ • أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، ففي هذه الآيات يتضح أن البلاء قد يكون رحمة من الله ومطية للفوز بالجنة، إذا قابله العبد بالصبر والرضا.
جاء ذلك خلال حديثه الرمضاني اليومي على قناتي DMC والناس في برنامج «حديث المفتي»، حيث أشار فضيلته أن من الأسئلة التي كثيرًا ما تتردد في أذهان الناس: لماذا خلق الله تعالى البلاء؟ ولماذا يكون العذاب أبديًّا رغم أن الجُرم محدود في الزمن؟.
وأوضح المفتي أن الابتلاءات تختلف وتتنوّع، وقد يظنها الإنسان ظلمًا أو شرًّا، لكنها في ميزان الله عدلٌ وخيرٌ مطلق، وإن خفي وجهه علينا. وضرب مثالًا بما دار بين موسى عليه السلام والخضر، حيث بدا في الظاهر أن أفعال الخضر غير مبررة، ثم انكشف في النهاية وجه الحكمة الإلهية.
وأضاف أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نبّه إلى أن الابتلاء علامة على القرب من الله، فقال: "أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه"، وفي الحديث الآخر: "إذا أحبّ الله قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط."
كما تطرّق إلى السؤال عن أبدية العذاب رغم أن الذنب مؤقت، فأوضح أن العقوبة لا تُقاس بزمن الفعل، بل بخطورته وآثاره، تمامًا كما أن بعض الجرائم في الدنيا قد تقع في لحظة واحدة، ويُحكم على صاحبها بالسجن فترة طويلة.
وأكد أن من كفر بالله أو جحد رسله باختياره، فإن إرادته في الكفر دائمة، ولو عاد إلى الدنيا لعاد إلى ما نُهي عنه، كما قال تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ۚ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}، لافتًا إلى أن هذا الكفر ليس اضطرارًا، بل اختيار مستمرّ، يستحق صاحبه عذابًا دائمًا، وذلك من تمام عدل الله تعالى، إذ الجزاء من جنس العمل، كما قال تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}، وقوله تعالى: {مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}.
وبيّن ردًّا على من يزعم أنه مجبر على المعصية، أن هذا زعم باطل لا دليل عليه، لأن الله أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وبيّن الطريق، وأعطى الإنسان العقل والحرية في الاختيار، كما قال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}.
وفي ختام حديثه، أكد مفتي الجمهورية أن: البلاء قد يكون نعمة، والعذاب الأخروي هو عدل إلهي، لا ظلم فيه، قائم على علم الله بما تُخفيه القلوب وتُثبته الأفعال.
ودعا إلى أن نرضى بقدر الله، ونسلّم لحكمته، فهو اللطيف الخبير، الذي لا يظلم أحدًا، ولا يُحاسب إلا بعد البيان والتمكين.