تخيل عالمًا حيث يمكن لمجرمي الإنترنت كسر التشفير في ثوانٍ فقط بعد أن استغرق كسره قرونًا من الزمان أو حيث تُترك خزائن البيانات الأكثر أمانًا مفتوحة على مصراعيها للهجمات. هذا هو التهديد المحتمل الذي يفرضه الحوسبة الكمومية.

وفي حين تعد الحوسبة الكمومية باختراقات في قطاعات، مثل الرعاية الصحية والتمويل، فإن قدرتها على إجراء حسابات تتجاوز بكثير أجهزة الحواسيب العالية الأداء اليوم تقدم أيضًا تحديات كبيرة للأمن السيبراني.

ويمكن لأجهزة الحواسيب الكمومية معالجة كميات كبيرة من البيانات في وقت واحد، مما يجعل طرق التشفير الحالية عرضة لفك التشفير السريع.

وكما هو الحال مع العديد من ابتكارات تكنولوجيا المعلومات، فإن صعود الحوسبة الكمومية يفرض مخاطر كبيرة على الأمن السيبراني.

ويمكن أن تمنح قوتها غير المسبوقة الجهات الخبيثة القدرة على كسر طرق التشفير الحالية. ومع تطور الحوسبة الكمومية، يجب على الشركات أن تبدأ بالاستعداد الآن لحماية البيانات الحساسة في عالم ما بعد الكمومي. ومع ذلك، فإن الحوسبة الكمومية ليست مجرد تهديد، بل إنها توفر أيضًا فرصًا لتطوير تدابير أمنية أقوى.

وتستطيع الحوسبة الكمومية إعادة تشكيل مشهد التهديد السيبراني، وإعادة تشكيل كيف يمكن للشركات والصناعات مواجهة المتسللين الذين قد يستفيدون من هذه التكنولوجيا التخريبية.

إعلان ما هي الحوسبة الكمومية ؟

تعد الحوسبة الكمومية بمنزلة تقنية رائدة تستخدم مبادئ ميكانيكا الكم لمعالجة المعلومات بطرق لا تستطيع أجهزة الحواسيب التقليدية القيام بها.

وفي حين تستخدم أجهزة الحواسيب العادية بتات إما 0 أو 1، تستخدم أجهزة الحواسيب الكمومية كيوبت، التي قد تكون 0 و 1 في نفس الوقت.

وتسمح هذه الميزة الفريدة لأجهزة الحواسيب الكمومية بإجراء العديد من الحسابات في وقت واحد، مما يجعلها قوية بشكل لا يصدق لمهام محددة.

كما يوجد أيضًا مفهوم رئيسي آخر هو التشابك، حيث يجري توصيل حالة كيوبت واحد على الفور بحالة آخر، بغض النظر عن مدى بعدهما.

وتسمح هذه المزايا لأجهزة الحواسيب الكمومية بمعالجة المشكلات المعقدة، مثل كسر التشفير، ومحاكاة المواد الجديدة، وتحسين الأنظمة الكبيرة، بشكل أسرع بكثير من أجهزة الحواسيب الحالية.

ومع ذلك، لا تزال الحوسبة الكمومية الواسعة النطاق في مراحلها المبكرة، وهناك العديد من التحديات التي تحتاج إلى حل قبل أن تصبح متاحة على نطاق واسع.

وحققت شركات، مثل غوغل وآي بي إم اختراقات في الحوسبة الكمومية، مما يشير إلى تحول في القدرات التكنولوجية.

وفي الوقت الحالي، يجري تنفيذ أجهزة الحواسيب الكمومية المتصلة بالسحابة أو النظم البيئية الهجينة لاستكشاف مجموعة متنوعة من حالات الاستخدام المتقدمة.

الحوسبة الكمومية تقنية رائدة تستخدم مبادئ ميكانيكا الكم لمعالجة المعلومات بطرق لا تستطيع أجهزة الحواسيب التقليدية القيام بها (بيكسابي) كيف تهدد الحوسبة الكمومية الأمن السيبراني؟

تعد العلاقة بين الحوسبة الكمومية والأمن السيبراني بمنزلة سلاح ذو حدين، إذ إن الحوسبة الكمومية قادرة على إحداث ثورة في التشفير، كما أنها تهدد أيضًا بتقويض العديد من طرق التشفير اليوم.

وتعتمد ممارسات التشفير الحالية على عدم قدرة أجهزة الحواسيب على تحليل الأعداد الكبيرة أو حل اللوغاريتمات المنفصلة، ومع ذلك، يمكن للحوسبة الكمومية تحليل الأعداد الكبيرة بسرعة.

إعلان

ونتيجة لذلك، إذا أصبحت أجهزة الحواسيب الكمومية متاحة على نطاق واسع، فقد تتعرض البيانات الحساسة التي تحتفظ بها المنظمات، بما في ذلك البنوك والمؤسسات المالية والوكالات الحكومية، للخطر.

وتهدد الحوسبة الكمومية بإنهاء التشفير التقليدي، إذ تعتمد أنظمة التشفير اليوم، مثل "آر أس آيه" (RSA) و"إيه سي سي" (ECC)، على مشاكل رياضية يصعب على أجهزة الحواسيب التقليدية حلها وتستغرق وقتًا طويلاً.

ويعتمد تشفير آر أس إيه على صعوبة تحليل الأعداد الكبيرة، وهي عملية تستغرق ملايين السنين لأجهزة الحواسيب التقليدية.

ومع ذلك، يمكن لأجهزة الحواسيب الكمومية، المسلحة بخوارزمية "شور" (Shor)، كسر هذا التشفير في جزء بسيط من الوقت.

وفي ورقة بحثية بعنوان "التشفير ما بعد الكم"، يحدد المؤلفون كيف يمكن لأجهزة الحواسيب الكمومية، مع وجود عدد كافٍ من البتات الكمومية وتصحيح الأخطاء، أن تجعل تشفير آر أس إيه قديمًا.

وقد أثار هذا ناقوس الخطر في الصناعات التي تتعامل مع المعلومات الشديدة الحساسية، مثل التمويل والرعاية الصحية.

ووفقًا لتقرير صادر عن شركة "ماكينزي" (McKinsey) في عام 2023، فإن التبني المبكر لأجهزة الحواسيب الكمومية من الجهات الخبيثة قد يؤدي إلى كارثة للمنظمات التي تعتمد على طرق التشفير الحالية.

مستقبل الأمن السيبراني المحسن بالتقنية الكمومية

التشفير ما بعد الكمومي

ردًا على هذه التهديدات الوشيكة، ظهر مجال التشفير ما بعد الكمومي، بهدف تطوير خوارزميات مقاومة للهجمات الكمومية.

وتعد مسألة تطوير خوارزميات التشفير ما بعد الكمومي بمنزلة الاستجابة المباشرة للتهديدات الكمومية، وهي طرق تشفير قادرة على الصمود في وجه الهجمات التقليدية والكمومية.

وصممت هذه الخوارزميات لمقاومة طرق فك التشفير الكمومي، مثل خوارزميات "شور" وخوارزميات "جروفر" (Grover).

وتستطيع خوازمية "شور" تحليل الأعداد الكبيرة بشكل أسرع بشكل كبير من الخوارزميات التقليدية، في حين تستطيع  خوارزمية "جروفر" ، البحث في قاعدة بيانات غير مرتبة بشكل أسرع من الخوارزميات التقليدية.

ويكتسب مصطلح التشفير ما بعد الكمومي زخمًا سريعًا في عالم الأمن السيبراني، وهو يشير إلى تطوير خوارزميات التشفير المصممة لتحمل الهجمات من أجهزة الحواسيب الكمومية.

وفي ورقة بحثية بعنوان "التشفير القائم على الشبكة الفعّال للأمن بعد الكمومي" صادرة عام 2020، سلط الباحثون الضوء على كفاءة وأمان التشفير القائم على الشبكة، وهو أحد أكثر المجالات الواعدة للتشفير ما بعد الكمومي.

إعلان

وتعتمد أنظمة التشفير القائمة على الشبكة على مشاكل رياضية تظل صعبة على أجهزة الحواسيب الكمومية حلها. تحتاج الشركات إلى أن تبدأ باختبار هذه الخوارزميات داخل أنظمتها للاستعداد للمستقبل الكمومي الحتمي.

ويتعاون المكتب الفيدرالي لأمن المعلومات الألماني (BSI) مع المعهد الوطني الأمريكي للمعايير والتكنولوجيا (NIST) لوضع معايير التشفير ما بعد الكمومي ودفع تبني الخوارزميات المقاومة للتقنية الكمومية.

وقدم المعهد الوطني الأمريكي للمعايير والتكنولوجيا (NIST) عام 2024 ثلاثة معايير خوارزمية (ML-KEM و ML-DSA و SLH-DSA)، وذلك بعد ثماني سنوات من البحث.

كما فرضت حكومة الولايات المتحدة أيضًا الانتقال نحو أنظمة الأمان الكمومي بحلول عام 2035، مما يعكس الإلحاح الذي يحيط بهذا التحول.

وتختبر منظمة حلف شمال الأطلسي شبكة خاصة افتراضية هجينة ما بعد كمومية من "بوست كوانتوم".

وفي المجال المؤسسي، تساهم شركات، مثل مايكروسوفت و "بوست كوانتوم" (Post Quantum)، في هذا المشروع، وبدأت غوغل وآبل بإدماج خوارزمية الأمان الكمومي لحماية البنية التحتية الأمنية في المستقبل.

التشفير الهجين

خلال فترة الانتقال من الخوارزميات التقليدية إلى الخوارزميات الآمنة الكمومية، يمكن للمؤسسات اعتماد النهج الهجين الذي يجمع بين التشفير التقليدي وطرق ما بعد الكمومي.

وعلى سبيل المثال، يمكن للشركة استخدام كل من "معيار التشفير المتقدم" (AES) والتشفير القائم على الشبكة معًا لحماية البيانات الحساسة، مما يضمن أنه حتى لو تطورت القدرات الكمومية بشكل أسرع من المتوقع، فلن تفاجأ المؤسسات.

وفي ورقة بحثية بعنوان "التشفير الهجين في العصر الكمومي" أصدرتها شركة آي بي إم عام 2022، أوصى المؤلفون بالتشفير الهجين كحل قصير الأجل قابل للاستخدام لحماية البيانات أثناء دمج خوارزميات ما بعد الكمومي في الأنظمة الأوسع، بحيث يمكن للشركات الحفاظ على الأمان دون إصلاح بنيتها التحتية بالكامل دفعة واحدة.

إعلان

توزيع المفاتيح الكمومية

تعد تقنية توزيع المفاتيح الكمومية طريقة واعدة لتأمين الاتصالات في العصر الكمومي. ويتخذ توزيع المفاتيح الكمومية نهجًا مختلفًا عن التشفير ما بعد الكمومي، إذ يستخدم ميكانيكا الكم لإنشاء ومشاركة أكواد أمان غير قابلة للكسر.

وتسمح التقنية لطرفين بتبادل مفاتيح التشفير باستخدام مبادئ ميكانيكا الكم، وعند محاول أحد المتسللين اعتراض المفتاح، فإن النظام يعرف فورًا لأن الحالة الكمومية للمفتاح تتغير.

وأظهرت دراسة بعنوان "التطورات في توزيع المفاتيح الكمومية" صادرة عام 2019 الجدوى العملية لتوزيع المفاتيح الكمومية عبر مسافات طويلة باستخدام الألياف الضوئية، مما يجعلها حلاً عمليًا للصناعات التي تتطلب اتصالات فائقة الأمان، مثل المؤسسات الحكومية والخدمات المالية.

ومع ذلك، لا يزال نشر توزيع المفاتيح الكمومية على نطاق واسع مكلفًا، ولا تزال التكنولوجيا في مهدها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان الحوسبة الکمومیة الأمن السیبرانی العدید من ومع ذلک

إقرأ أيضاً:

منظمة تحذر من التراخي المؤسساتي في حماية الأمن الرقمي بعد الهجوم السيبراني

زنقة 20 | الرباط

أدانت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، ما وصفته بالعمل التخريبي الذي استهدف مؤسسات مغربية إثر هجمات سيبرانية شنتها جهات معادية.

الرابطة قالت في بلاغ، أن الهجمات السبريانية التي تستهدف المؤسسات الوطنية الحساسة، تصاعدت و كان آخرها الهجوم الخطير الذي طال الموقع الرسمي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)، والذي يحتوي على معطيات شخصية واجتماعية دقيقة لملايين المواطنات والمواطنين.

المنظمة أدانت بقوة ” العمل التخريبي الذي لا يستهدف فقط مؤسسة عمومية، بل يضرب في العمق ثقة المواطن في أمن معلوماته وحقوقه الرقمية”، محملة ” المسؤولية الكاملة للجهات الجزائرية المعادية التي باتت تعتمد الحرب السيبرانية كوسيلة لإضعاف استقرار المغرب، وترويع مواطنيه، والتشويش على مساره التنموي”.

كما حذرت “من التراخي المؤسساتي في حماية الأمن الرقمي،” مؤكدة أن ” المؤسسات العمومية والحكومية تتحمل مسؤولية كبرى في ما وقع، نتيجة غياب استراتيجيات حماية فعّالة، وضعف الاستثمار في الأمن السيبراني، وعدم احترامها للمعايير الأساسية في حماية المعطيات الشخصية، بما فيها المقتضيات التي يكفلها القانون 09.08.”

و دعت المنظمة إلى إنشاء “المعهد الوطني للأمن السيبراني كمؤسسة استراتيجية تُعنى بتكوين الموارد البشرية، ومواكبة التحولات الرقمية، وبناء قدرات الدولة في حماية أمنها الرقمي وسيادتها المعلوماتية”.

المنظمة طالبت الحكومة المغربية بوضع خطة وطنية مستعجلة لحماية الحقوق الرقمية، تشمل تأمين المواقع والخوادم الحكومية، و تعزيز أدوار اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي (CNDP)، و إشراك المجتمع المدني والباحثين في صياغة السياسات الرقمية الوقائية.

مقالات مشابهة

  • واشنطن تستثني الحواسيب والهواتف من الرسوم الجمركية الإضافية
  • خبير : الإختراق السيبراني جرس إنذار لتعزيز الأمن المعلوماتي بالمؤسسات الحكومية المغربية
  • الناتو يعتزم تطوير قدراته في مجال الأمن السيبراني
  • توزيع أجهزة رادارات متنقلة لفائدة الدرك الملكي والأمن الوطني
  • منظمة تحذر من التراخي المؤسساتي في حماية الأمن الرقمي بعد الهجوم السيبراني
  • تعرف على الشخص المسؤول عن ابتكار مايكروسوفت الكمومي الجديد
  • المغرب يصف الهجوم السيبراني بالتصرف العدواني ويعزز حماية الأمن المعلوماتي
  • ضبط 16 شركة غير مرخصة لإلحاق العمالة بالخارج
  • رابط مسابقة أفضل بحث عربي في الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي
  • مسابقة عربية لتكريم أفضل الأبحاث في الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي