يعدّ علم الآثار من العلوم الحديثة، فقد نشأ قبل أقل من قرنين، وقد أكّد عالم الآثار واللغات القديمة د. نائل حنون أنّ علم الآثار تأسّس أصلا عند قيام المستكشف الألماني هنريك شليمان بالبحث عن مدينة طروادة التي قرأ عنها في إلياذة هوميروس، على الرغم من وجود اعتقاد في حينه بأنها ليست مدينة حقيقية، وإنما من نسج الخيال.
ويوضح المؤلّف في مقدمة الكتاب هدف الاستكشافات الأثرية التي تتلخّص في "الحصول على الأدلة والعناصر التي تركتها الحضارة القديمة في الأرض، لكي يستعان بها للتعرّف على ما جرى في الماضي وما حدث أبّان تطوّر حضارة ما وانتقالها من مرحلة إلى أخرى وتوسعها وانتشار تأثيرها.. وفهم دور الإنسان في تكوين البيئة الثقافية التي تشكلت منها حضارته وتفاعله مع البيئة التي عاش فيها".
وبفضل هذا العلم توصّل العلماء إلى معرفة العلاقات التاريخية والصلات الحضارية التي تربط بلدان العالم القديم، ويشير المؤلف إلى ورود ذكر العرب في النصوص المسمارية وذلك في حوليات الملك الآشوري شلمنصر الثالث (823-858 ق.م)، إذ شهد القرن الثامن قبل الميلاد دورا أكبر للعرب في العلاقات الآشورية، فلم يكن يهمّهم التوسع الآشوري بقدر اهتمامهم بسلامة طرق تجارتهم، وكان الآشوريون يهابونهم ولم يكن أمامهم سوى التعاون معهم لضمان أعمالهم التجارية.
وأبرز الكتاب الصلة بين التاريخ القديم للمدن ومواقعها الأثرية، كمدن سوريا التي نعرف أسماءها القديمة، وقدّم عرضا لنتائج التنقيب الأثري في مواقعها ويكشف وجود مدن في الوطن العربي ما تزال تحتفظ بأسمائها، التي ذُكرت في النصوص المسمارية، كتيما، وفدك، ويثرب في السعودية، وإزكي في عُمان التي وصفت في النصوص المسمارية على أنها عاصمة ملكية، كما أن الكتاب يقدم دليلا على أن مجان لم يكن اسما لبلاد فقط، وإنما اسم لمدينة ازدهرت في الألف الثالث قبل الميلاد.
وهذا ليس بغريب، فالتاريخ الجيولوجي لعُمان، يحمل شواهد تعود لأزمنة سحيقة، ففي رحلة نظّمتها الجمعية الجيولوجية العمانية، قبل سنوات رأينا في العامرات صخورا يعود عمرها إلى 420-450 مليون سنة، كما قال د. محمد الكندي دليلنا في تلك الرحلة، ووقفنا في قرية الحمّام بولاية بوشر، على صخور الأفيوليت الخضر التي تعود إلى عصور سحيقة.
وحول التنقيبات في سلطنة عمان يرى د. نائل أنها بدأت "حينما أجرت البعثة الأثرية الأمريكية تحرياتها في ظُفار في عامي 1952- 1953م، ونشرت نتائج أعمالها في عام 1982م. وفي عام 1973م قامت بعثة من جامعة هارفرد بأعمال المسح الأثري لمواقع من عصور ما قبل التاريخ في عُمان نشرت نتائجه في عام 1974م"، وكم سررت عندما قرأت في الكتاب أنّ مستوطنة رأس الحمراء في شاطئ القرم التي تقع على مقربة من سكني كانت مزدهرة قبل أكثر من أربع آلاف سنة، وشهدت فعاليات اقتصادية واسعة في الزراعة والصيد!
ورغم أن عمر التنقيب قصير نسبيا إلّا أن المنقّبين قطعوا أشواطا جيّدة، وتوصّلوا إلى نتائج مهمّة بفضل الجهود المبذولة في توفير بيئة مناسبة للعاملين في هذا المجال، خصوصا أن العالم عرف أهمّيّة الاستكشاف الأثري، وقد نجحت بعض البعثات الأثرية الأجنبية، في الكشف عن مواطن سكنى قديمة، ومواد أثرية فائقة الأهمية، وما زال أمام المنقبين مهمات كثيرة تتطلّب تنشيط أعمال الاستكشاف، والتنقيب الأثري في أرجاء سلطنة عمان، وأرى أن المعلومات التي تخصّ التاريخ القديم لسلطنة عمان في هذا الكتاب الذي ينطوي على قيّمة معرفيّة أن تكون نواة لدراسات مستقبلية أوسع وصولا إلى بناء علم آثار عمان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی عام
إقرأ أيضاً:
«إسلامية دبي» تفتتح جامع الرؤوف في وادي الصفا
دبي: «الخليج»
افتتحت دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، جامع الرؤوف في منطقة وادي الصفا - المرابع العربية، بحضور أحمد درويش المهيري، مدير عام الدائرة والمديرين التنفيذيين وعدد من المسؤولين وذلك في إطار جهود تعزيز البنية التحتية للمساجد وتوفير بيئة متميزة تلبي احتياجات المصلين وفق أعلى المعايير.
ويتميز الجامع بطرازه المعماري الحديث، حيث يمتد على مساحة 6,300 متر مربع، بطاقة استيعابية تصل إلى 1,080 مصلياً، منهم 850 رجلاً و230 امرأة، كما يضم إيواناً واسعاً بمساحة 205 أمتار مربعة، وصالتين للصلاة بمساحات 530 متراً مربعاً للصالة الرئيسية، و260 متراً مربعاً للصالة الثانوية، إضافة إلى مصلى خاص للنساء بمساحة 150 متراً مربعاً.
وتم تجهيز الجامع بكافة المرافق الحديثة التي تسهم في راحة المصلين، بما في ذلك 70 موقفاً للسيارات، ومرافق وضوء مجهزة بأحدث التجهيزات، منها 13 مغسلة و19 موضئاً ومرافق مخصصة لأصحاب الهمم، ما يجعله نموذجاً متكاملاً للمساجد العصرية.
ويضم الجامع منارة بارتفاع 28 متراً وقبة مركزية تضفي طابعاً روحانياً مميزاً على التصميم.