لجريدة عمان:
2025-04-27@02:01:07 GMT

العيش أولى من المعرفة!

تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT

تعددت المذاهب والمدارس الفلسفية والفكرية في تعريف المثقف، من هو المثقف؟ ما هي صفاته؟ وكيف نميز المثقف من غير المثقف؟. وبينما كانت بعض هذه المدارس واقعية أرضية، كانت نقيضاتها مثالية سماوية أو عاجية في الأبراج القصية.

يتساءل المرء أكان من المشتغلين بالثقافة أم من المشتغلين بالحياة اليومية عن هذه الأسئلة على فترات؟ ويرى المعاملة الخاصة التي يتلقاها المثقف في المجتمعات -أعني هنا من يصنفهم الناس على أنهم مثقفون- المختلفة، فمنهم من يرفعه منزلة عالية، ومنهم من يساويه بالشِّرَّةِ من الناس.

وأسباب ذلك كثيرة متشابكة، فالإعلام في المقام الأول هو الأداة الأولى لأي تصنيف بشري حديث، فهو صاحب الوسام والشهادة التي يمنحها للناس، فهذا إنسان خيِّر إنْ صوّره الإعلام كذلك، وهذا إنسان شرير إن وسمه الإعلام بتلك السمة. ثم إن تعامل المثقفين مع الناس ومخالطتهم إياهم، تسهم في تشكيل الصورة المرسومة عنهم، بالإيجاب أو السلب. وبين متشدد في الرأي ومتحرر؛ نجد المثقف نفسه تائها في تصنيفاته الكثيرة، في الكتب وعند الناس.

تعمدت عدم ذكر المذاهب الفكرية التي تتناول المثقف دراسة وتعريفا لأسباب عدة أقلُّها المقام الذي لا يتسع لهذا الحديث المتشعب والطويل، ولكننا نتفق على أن المثقف ببساطة شديدة هو المرتبط بالثقافة وما يتعلق بها تناولا وتفاعلا. أتذكر هنا لقاء قديما جدا ومصورا بالأبيض والأسود مع الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار. كان المحاور يسأل باشلار عن حياته، ويناديه بالبروفيسور عند كل سؤال، لكن الفيلسوف الفرنسي رفض بشدة أن يُنادى بهذا وقد ترك عمله الأكاديمي كمحاضر في جامعة السوربورن التي كان يشغل كرسي تاريخ الفلسفة والعلوم فيها. وفي خضم حديثه، قال للمحاور -وهنا أعتمد على ذاكرتي لأنني لم أجد الحوار الذي كان في منصة اليوتيوب- "بنظرة واحدة أعرف اللحم الجيد من الرديء". يقول فيلسوفنا هذا الأمر لأنه ممن يرى بأن الثقافة لا تعني الانزواء بمعزل عن الناس وحياتهم الاجتماعية المُعاشة، فهو لا يحبس نفسه في مكتبته بين الكتب لا يعرف شيئا عن الواقع الذي يمارسه الآخرون، من مأكل ومشرب وملبس.

في ليلة بهية قبل عدة سنوات، وفي الفترة الأولى بعد مفارقة الحياة الجامعية، كنت وصديقي الذي يكبرني بأعوام عدة نتبادل أطراف الحديث في شتى المجالات، وكنت مأخوذا بالكتب والمعرفة مُقصِّرا في تحصيل العيش، وككل شاب باحث عن العمل، كنت ساخطا. وكيفما أخذتنا مراكب الحديث، كنت أسأله: "ماذا عن القراءة؟ هل يمكن للإنسان أن يقرأ بشكل جيد بعد العمل؟ هل سيقرأ بشكل جيد بعد الزواج؟" وعشرات من هذه الأسئلة ومثيلاتها. قال لي ذات مرة عبارة ظلت عالقة في ذهني ووجداني: "العيش أولى من المعرفة". وهي فلسفة عالية نبيلة، فنحن نتثقف لنعيش بشكل أفضل، لا نتثقف كي نُحصِّل أكبر قدر من المعلومات والمعرفة. فالمثقف العماني -على سبيل المثال- لا بد له من أن يعرف ولو شيئا يسيرا عن الرطب والتمر والنخيل والعناية بها، وأنواع السمك التي يأكلها الناس في مجتمعنا، والعادات النبيلة الحسنة التي يصطلح الناس على تسميتها بـ"عْلوم العرب" أو "عْلوم الرجال". وتكمن أهمية ذلك في الرسالة التي يحملها المثقف لمجتمعه الصغير وللعالم أجمع. فلا يمكن لأي إنسان يريد أن يكون له تأثيره الجيد ويحمل رسالة إصلاحية لمجتمعه وأمته، ويكون دافعه لهذا كله همُّه النبيل في رفعة وطنه؛ لا يمكن له أن يكون بمعزل عن حياة الناس، وهموم الناس، وطرائق الناس. فكما قال صديقي "العيش أولى من المعرفة".

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

«صُنّاع المستقبل».. مساحة تفاعلية تعزز شغف المعرفة

الشارقة (الاتحاد)
بخطوات صغيرة وعيون متطلعة، يدخل الأطفال إلى متحف صُنّاع المستقبل، أحد أبرز المناطق التعليمية التفاعلية في مهرجان الشارقة القرائي للطفل 2025، حيث يتحوّل التعلّم إلى مغامرة لا تُنسى، والمعلومة إلى لعبة ممتعة. في هذه المساحة المصمّمة بعناية وكأنها «حضانة علمية»، يعيش الصغار لحظات استكشاف حقيقية، يتنقّلون خلالها بين أربع محطات رئيسية وهي: ركن الآلات، وركن الديناصورات، وركن العلوم، وركن الألعاب التفاعلية، يتعلّمون ويضحكون ويكتشفون أنفسهم والعالم من حولهم.
في ركن الآلات، يجرب الصغار عجلات التروس، وفهم فكرة تشغيل الآلات من خلال تجارب حية، قبل أن ينتقلوا إلى عالم الروبوتات ليتعرفوا على فكرة «الأوامر والبرمجة» بأسلوب مبسّط وجذاب عبر نماذج بدائية. أما ركن الديناصورات، فيعيد الأطفال في الزمن إلى العصور السحيقة، حيث يرتدون قبّعات الحماية وينطلقون في مهمة تنقيب، يبحثون عن حفريات صغيرة ويلونونها، قبل أن يعيشوا لحظات خيالية في جولة افتراضية عبر نظارات VR للتعرّف على الديناصورات وسبب انقراضها.
وفي ركن العلوم، تُفتح أمامهم أبواب الطب من خلال غرفة عمليات مصغّرة، حيث يُجسّد الطفل دور الجرّاح الصغير ويُجري عملية جراحية دقيقة باستخدام نموذج صوري. بعدها، يستكشف الأطفال مفهوم قوة الدفع عبر جهاز يدفع الكرات بالهواء، ثم ينتقلون إلى عالم الضوء والصوت، ليتعرّفوا على حركتهما باستخدام مجسّمات مبتكرة وآلات موسيقية شبيهة بالدرامز.
وفي ركن الألعاب ينتظر الأطفال بيانو ضخم يُعزف بالأقدام، ونشاط صنع الفقاعات من كل الأشكال والأحجام، ونظارات تُظهر العناصر بالمقلوب. وأخيراً غرفة الكرات البلاستيكية، حيث يتفاعل الصغار مع شاشة ذكية من خلال ضرب الكرات في جو من الحماس والضحك.

أخبار ذات صلة جلسات حوارية في «الشارقة القرائي للطفل» متخصصات في أدب الطفل: الجيل الجديد يحتاج أن نرافقه

مقالات مشابهة

  • ما الثقافة ومن المثقف؟ رحلة في تجلية المفهوم بين العربية والفلسفة
  • لمواجهة البطالة.. الوظيفة أم كسب العيش؟!
  • نايف بن نهار يفتح أبوابا للتفكير في دور القراءة بين المعرفة والتباهي
  • «صُنّاع المستقبل».. مساحة تفاعلية تعزز شغف المعرفة
  • اختتام فعاليات مشروع تعزيز سبل العيش المستدامة بجنوب سيناء
  • بحوث الصحراء والفاو ينظمان مؤتمر تعزيز العيش المستدام في جنوب سيناء
  • انطلاق المؤتمر الختامي لمشروع تعزيز سبل العيش المستدامة في جنوب سيناء
  • وكالات دولية: أكثر من مليون إنسان معظمهم نساء وأطفال يعاقبون جماعيا في غزة
  • إنسان متوازن ومسؤول.. تكليفات رئاسية ورسائل قوية تحمل رؤية شاملة للحكومة
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع