تعددت المذاهب والمدارس الفلسفية والفكرية في تعريف المثقف، من هو المثقف؟ ما هي صفاته؟ وكيف نميز المثقف من غير المثقف؟. وبينما كانت بعض هذه المدارس واقعية أرضية، كانت نقيضاتها مثالية سماوية أو عاجية في الأبراج القصية.
يتساءل المرء أكان من المشتغلين بالثقافة أم من المشتغلين بالحياة اليومية عن هذه الأسئلة على فترات؟ ويرى المعاملة الخاصة التي يتلقاها المثقف في المجتمعات -أعني هنا من يصنفهم الناس على أنهم مثقفون- المختلفة، فمنهم من يرفعه منزلة عالية، ومنهم من يساويه بالشِّرَّةِ من الناس.
تعمدت عدم ذكر المذاهب الفكرية التي تتناول المثقف دراسة وتعريفا لأسباب عدة أقلُّها المقام الذي لا يتسع لهذا الحديث المتشعب والطويل، ولكننا نتفق على أن المثقف ببساطة شديدة هو المرتبط بالثقافة وما يتعلق بها تناولا وتفاعلا. أتذكر هنا لقاء قديما جدا ومصورا بالأبيض والأسود مع الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار. كان المحاور يسأل باشلار عن حياته، ويناديه بالبروفيسور عند كل سؤال، لكن الفيلسوف الفرنسي رفض بشدة أن يُنادى بهذا وقد ترك عمله الأكاديمي كمحاضر في جامعة السوربورن التي كان يشغل كرسي تاريخ الفلسفة والعلوم فيها. وفي خضم حديثه، قال للمحاور -وهنا أعتمد على ذاكرتي لأنني لم أجد الحوار الذي كان في منصة اليوتيوب- "بنظرة واحدة أعرف اللحم الجيد من الرديء". يقول فيلسوفنا هذا الأمر لأنه ممن يرى بأن الثقافة لا تعني الانزواء بمعزل عن الناس وحياتهم الاجتماعية المُعاشة، فهو لا يحبس نفسه في مكتبته بين الكتب لا يعرف شيئا عن الواقع الذي يمارسه الآخرون، من مأكل ومشرب وملبس.
في ليلة بهية قبل عدة سنوات، وفي الفترة الأولى بعد مفارقة الحياة الجامعية، كنت وصديقي الذي يكبرني بأعوام عدة نتبادل أطراف الحديث في شتى المجالات، وكنت مأخوذا بالكتب والمعرفة مُقصِّرا في تحصيل العيش، وككل شاب باحث عن العمل، كنت ساخطا. وكيفما أخذتنا مراكب الحديث، كنت أسأله: "ماذا عن القراءة؟ هل يمكن للإنسان أن يقرأ بشكل جيد بعد العمل؟ هل سيقرأ بشكل جيد بعد الزواج؟" وعشرات من هذه الأسئلة ومثيلاتها. قال لي ذات مرة عبارة ظلت عالقة في ذهني ووجداني: "العيش أولى من المعرفة". وهي فلسفة عالية نبيلة، فنحن نتثقف لنعيش بشكل أفضل، لا نتثقف كي نُحصِّل أكبر قدر من المعلومات والمعرفة. فالمثقف العماني -على سبيل المثال- لا بد له من أن يعرف ولو شيئا يسيرا عن الرطب والتمر والنخيل والعناية بها، وأنواع السمك التي يأكلها الناس في مجتمعنا، والعادات النبيلة الحسنة التي يصطلح الناس على تسميتها بـ"عْلوم العرب" أو "عْلوم الرجال". وتكمن أهمية ذلك في الرسالة التي يحملها المثقف لمجتمعه الصغير وللعالم أجمع. فلا يمكن لأي إنسان يريد أن يكون له تأثيره الجيد ويحمل رسالة إصلاحية لمجتمعه وأمته، ويكون دافعه لهذا كله همُّه النبيل في رفعة وطنه؛ لا يمكن له أن يكون بمعزل عن حياة الناس، وهموم الناس، وطرائق الناس. فكما قال صديقي "العيش أولى من المعرفة".
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تفاصيل طلب مناقشة جودة النظام البحثي والتكنولوجي بالشيوخ غدا
تشهد الجلسة العامة غدا لمجلس الشيوخ برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المجلس، مناقشة طلب مناقشة عامة حول آليات تحسين جودة النظام البحثي والتكنولوجي، وسبل توجيه البحث العلمي نحو التخصصات ذات الأولوية، وتطوير نظام البعثات الخارجية وتعزيز مشاركة العلماء المصريين بالخارج.
حرصا على مكانة الطبيب.. تحرك برلماني بشأن تعريب العلوم الطبية بالأزهربرلمانية: الشعب المصري سطر ملحمة تاريخية أمام معبر رفح لتأكيد رفض تهجير الفلسطينيينمقدم الطلب هو النائب عادل اللمعى، حيث وجهه إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي، لاستيضاح سياسية الحكومة - ممثلة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
ونصت المذكرة الإيضاحية لطلب المناقشة على أن البحث العلمي والتطوير التكنولوجي يشكل محورًا رئيسيا في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز قدرة الدول على التنافس في الاقتصاد المعرفي، وأن جودة المنظومة البحثية تعد معيارا حاسما في تحديد قدرة أي دولة على إنتاج المعرفة وتوظيفها في خدمة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة.
وركز الطلب على أن توجيه البحث العلمي نحو التخصصات ذات الأولوية هو أحد المحاور الاستراتيجية التي ينبغي التركيز عليها لضمان استغلال الموارد البحثية بفاعلية. فمع التطور السريع في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية، والطاقة المتجددة، والعلوم البيئية.
وأوضح أنه من الضروري إعادة هيكلة آليات دعم وتمويل البحث العلمي بما يضمن توافقها مع احتياجات الدولة، ويوفر البيئة المناسبة لإنتاج معرفة تطبيقية ذات مردود اقتصادي واجتماعي ملموس، ويستلزم ذلك تعزيز التعاون بين الجهات البحثية والمؤسسات الصناعية، الضمان تحقيق التكامل بين البحث والتطوير والإنتاج، مما يسهم في تحويل المعرفة إلى حلول عملية تخدم المجتمع والاقتصاد.
وأضافت المذكرة، أن دور المراكز العلمية والبحثية المتخصصة يبرز في تعزيز التعاون بين الباحثين، وخلق بيئات علمية تفاعلية تحفز الابتكار، إذ تتيح تلك المراكز تبادل المعرفة والخبرات بين العلماء وتسهم في رفع جودة الأبحاث من خلال توحيد الجهود البحثية حول قضايا استراتيجية ذات أولوية وطنية.
وفقا للمذكرة، رغم الجهود التي تبذلها الدولة في دعم البحث العلمي، لا تزال هناك تحديات تتطلب المزيد من العمل الضمان تطوير المنظومة البحثية وفقا لأفضل المعايير الدولية فهناك حاجة إلى زيادة حجم الاستثمار في البحث والتطوير، وتوفير أطر تمويل مرنة تشجع على تنفيذ مشروعات بحثية طموحة.
كما أن تعزيز الحوكمة داخل المؤسسات البحثية، وتطوير سياسات تحفيزية للباحثين يعدان من العوامل الأساسية لضمان جودة البحث العلمي وزيادة تأثيره في دعم التنمية.