مرحبًا بكم في أوروبا، حيث أصبح الموت الجماعي أمرًا طبيعيًا
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظفري
في مدينة صفاقس التونسية الساحلية، جلست هذا الشهر مع مجموعة من الرجال في حديقة رملية تعصف بها الرياح. ومع غروب الشمس، وضع أحدهم غطاء قارورة ماء كان يشرب منها على الأرض، وصب في الغطاء قطرات ثمينة من الماء لسنور قدم نحوه. حين سألت الرجال عن أحوالهم تبين أنهم كانوا من دارفور، وأنهم هربوا مما وصفوه إبادة جماعية جديدة في السودان حين رأوا المسلحين يحرقون المنازل، وأحيانًا قرى بأكملها، فهربوا للنجاة بحياتهم.
هناك العشرات وربما المئات من السودانيين يقيمون حاليًا في تلك الحديقة، والآلاف في جميع أنحاء مدينة صفاقس، ينامون على ورق الكراتين، أو على مراتب إذا كانوا محظوظين. مصيرهم هو ما يشغل تفكيرهم، إذ يتحدثون بكل هدوء عن تجاربهم، ويتساءلون أين يمكنهم الحصول على الطعام. أكثرهم ينتظرون المال من أقاربهم أو أصدقائهم، أو إيجاد عمل قد يمكّنهم من جمع 2000 دينار تونسي، ما يعادل 647 دولارًا أمريكيا، لدفع ثمن مساحة على متن قارب وإيجاد فرصة للهرب. كل من قابلتهم في مدينة صفاقس، التي تبعد حوالي 80 ميلاً من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، أرادوا عبور البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، وجميعهم كانوا يعلمون أنهم قد يموتون خلال تلك الرحلة الخطرة.
ومع ذلك، يغادر الناس كل يوم، فبعضهم يصل ويرسل رسائل الفرح من إيطاليا، والبعض لا يصلون ويموتون، فتظهر جثثهم منتشرة على طول الساحل. خلال عطلة نهاية الأسبوع التي قضيتها في الحديقة، غرقت ثلاث سفن، مُخَلِّفَةً أكثر من 80 شخصًا بين قتيل ومفقود، إذ عثر على عشر جثث ممددة على الشواطئ القريبة. وفي الأسبوع الماضي، لقي 41 شخصًا حتفهم بعد غرق سفينة قبالة الساحل الإيطالي.
لطالما اعتبر الموت الجماعي على حدود أوروبا أمرا طبيعيا، إذ لقي أكثر من 27800 شخص حتفهم أو اختفوا في البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2014، وهذا الرقم قد يكون أقل من العدد الحقيقي. إن هذا العام عام الموت بامتياز، إذ لقي أكثر من 2000 شخص مصرعهم أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا، بما في ذلك أكثر من 600 شخص لقوا حتفهم عندما انقلبت سفينة قبالة سواحل اليونان في شهر يونيو. هكذا تتمثل للعيان حقيقة واقعة على الأرض أزمة حقوق الإنسان وأزمة الأخلاق، وقبل كل شيء أزمة عدم المساواة العالمية.
أولئك الذين تجمعوا في تونس، أكبر محطة مغادرة من شمال إفريقيا على طريق الهجرة الرئيسي إلى أوروبا، أتوا من مناطق مختلفة، فقد التقيت بأشخاص من بوركينا فاسو وغامبيا والسنغال ونيجيريا والصومال وإريتريا وليبيريا. البعض، مثل أهل دارفور، من المرجح أن يحصلوا على الحماية الدولية ووضع اللاجئ إذا تمكنوا من الوصول إلى بلد آمن، إلا أن الآخرين قد لا يحصلون على الحماية اللازمة، فهم يفرون من الفساد والفقر المستوطن، ومن الأماكن التي لا تتوفر فيها الرعاية الصحية، ويموت الأطفال من أمراض يمكن الوقاية منها، فهم لا يبحثون إلا عن فرصة ليعيشوا حياة مستقرة. إن هؤلاء لا يأتون إلا من مستعمرات أوروبية أو بريطانية سابقة.
التقيت بأشخاص ممن عاشوا في تونس لسنوات يريدون مغادرتها بعدما فقدوا وظائفهم وطُردوا بسبب تصريحات أشارات إلى أن الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى هم جزء من تنظيم إجرامي "يهدف إلا تغيير التركيبة السكانية لتونس"، مما أدى إلى موجة من الانتهاكات والاضطهاد.
لم تمنع تلك التصريحات الاتحاد الأوروبي من السعي إلى التوصل إلى اتفاق مع تونس للحد من الهجرة، ففي مقابل "إدارة الحدود"، سيوفر التكتل الأوروبي لتونس 118 مليون دولار، ويلتزم بتقديم مساعدة إضافية. في أوائل يوليو، قبض على أكثر من 1000 من الأفارقة من جنوب الصحراء في صفاقس، وألقوا على الحدود الليبية دون طعام وماء، إلا أن هذا الفعل بالنسبة للقادة الأوروبيين ليس أهم من استعداد تونس للتعاون معهم على إدارة الحدود.
تجلس (عائشة بانجورا)، السيراليونية البالغة من العمر 30 عامًا، على فرش تحت شجرة زيتون في صفاقس، وتخرج القمل من شعر إحدى صديقاتها، ثم تشير إلى ابنتها الصغيرة، التي كانت تلعب في الرمال مع أربعة أطفال آخرين، مستخدمة علب الطعام الفارغة كدمى. قالت بانجورا إن زوجها مات في الصحراء الليبية بعد أن عبروها خلال تسعة أيام متتالية. في سيراليون، البلد الذي بلغ الناتج المحلي الإجمالي السنوي للفرد الواحد فيه 461 دولارًا العام الماضي، عملت بانجورا في بيع البرتقال لكن تجارتها أصيبت بالكساد. قالت إنه لم يكن لديها عمل، ولم يكن لديها المال لكي تستمر في تجارتها."
في السنوات الأخيرة، ساء الوضع الاقتصادي في معظم أنحاء إفريقيا، وتفاقم بسبب الوباء والحرب في أوكرانيا. كنت أعيش في شمال أوغندا خلال عمليات الإغلاق الأولى بسبب كورونا، ورأيت كيف بدأ الناس يتضورون جوعاً بسرعة مع نفاد مدخراتهم القليلة. في العام الماضي، في سيراليون، شاهدت أزمة تكاليف المعيشة تؤدي إلى احتجاجات قاتلة. إن أزمة تغير المناخ تحول الأوضاع من الأسوأ إلى الأسوأ، ففي النيجر، أدى التغير المناخي إلى تفاقم ظاهرة سوء التغذية، وفي الصومال، ساهم في حدوث المجاعة.
في مواجهة هذه المعاناة، تقوم الدول الغنية بتقييد الوصول إليها من خلال التشديد على عبور الحدود. في بريطانيا، أقرت الحكومة مشروع قانون شديد يمنع اللاجئين من المطالبة بحقهم في الحماية الدولية، ويخطط لإيواء طالبي اللجوء على متن قارب عائم. يتحدث المسؤولون الأوروبيون عن "تعطيل عمل تجارة التهريب"، لكنهم يتجاهلون حقيقة أن هؤلاء المهربين يملؤون فراغا. انظروا إلى حالي، فأنا أوروبي سافر من أيرلندا إلى تونس بدون تأشيرة، لكن العديد من الأفارقة لا يستطيعون السفر مثلي بطريقة آمنة في الاتجاه المعاكس.
عندما يدور نقاش حول الهجرة، يتركز عادة حول كيفية إبعاد المحرومين، بدلاً من طرح أسئلة أوسع، وربما أكثر وجودية. هل يمكننا، في الغرب، أن ندعي أننا نؤمن بحقوق الإنسان بينما نتغاضى عن الانتهاكات على حدودنا؟ هل نشعر بالراحة ونحن نشاهد الجرائم التي ترتكب لمنع الناس من الوصول إلى أراضينا؟ ألا يجب أن يكون للأشخاص الذين يأتون من بلدان استعمرتها واستغلتها بلادنا منذ فترة طويلة الحق في الاستفادة من بلادنا أيضًا؟
الهجرة وردود فعل الغرب عليها هي إحدى القصص المميزة لعصرنا، إذ إنها في الوقت الحالي حكاية الدمار والموت والقسوة والتواطؤ، ولذلك فنحن بحاجة ماسة إلى إيجاد طريق أقوم.
• سالي هايدن مؤلفة كتاب "في المرة الرابعة غرقنا: البحث عن ملجأ على طريق الهجرة الأكثر دموية في العالم".
** خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أکثر من
إقرأ أيضاً:
محافظ أسيوط ورئيس الجامعة يشهدان فعاليات ندوة مخاطر الهجرة غير الشرعية
شهد اللواءهشام أبوالنصر محافظ أسيوط والدكتور أحمد المنشاوي رئيس جامعة أسيوط والسفير نبيل حبشي نائب وزير الخارجية للهجرة وشئون المصريين بالخارج، والسفيرة نائلة جبر رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، فعاليات ندوة "مخاطر الهجرة غير الشرعية" بالقاعة الثمانية بجامعة أسيوط تحت رعاية الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين في الخارج ضمن المبادرة الرئاسية "مراكب النجاة" وفي إطار المبادرة الرئاسية "بداية جديدة لبناء الإنسان" وذلك لنشر الوعي بين فئات المجتمع لتحقيق أهداف التنمية الشاملة ورؤية مصر 2030، تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية.
جاء ذلك بحضور الدكتور محمد عدوي مستشار رئيس الجامعة لشئون الخريجين وريادة الأعمال والابتكار وعضو لجنة الإقتصاد والعلوم السياسية بالمجلس الأعلى للثقافة، والدكتور أحمد عبد المولى نائب رئيس جامعة أسيوط لشئون التعليم والطلاب، وعدد من العمداء ووكلاء الكليات بالجامعة.
أشار المحافظ ـ خلال كلمته ـ إلى مخاطر الهجرة غير الشرعية، وتأثيراتها الإقتصادية والإجتماعية الوخيمة على الوطن مؤكدًا على ضرورة التصدي لها من خلال نشر الوعي العام بمخاطرها وتسليط الضوء على البدائل المتاحة مؤكدًا على حرص المحافظة على دعم الشباب وتتبنى طموحاتهم وتشجعهم على بلورة أفكارهم وتحويلها إلى مشروعات صغيرة وشركات ناشئة تسهم في خلق فرص عمل جديدة وتدعم الإقتصاد المحلي تنفيذًا لتكليفات القيادة السياسية مشيرًا إلى مساعي المحافظة نحو تعزيز أطر التعاون مع الكثير من المؤسسات الصناعية لعقد ورش العمل والدورات التدريبية للشباب والفتيات للتدريب على المهن الحرفية والصناعات اليدوية لتكون مصدرًا للدخل بما يسهم في تحسين مستوى المعيشة، ويقضي على أفكار الهجرة غير الشرعية لديهم مجددًا دعوته لكافة الشباب ممن لديهم أفكار لمشروعات ناشئة بعرضها وتقديمها للمحافظة لدعمها والارتقاء بها.
وأكد أبو النصر على أهمية وسائل التصدي للهجرة غير الشرعية ومنها نشر الوعي بين الشباب وخاصًة في المراكز والقرى بالعواقب غير الحميدة للهجرة غير الشرعية مشيرًا إلى أن مكافحة الهجرة غير الشرعية هي أهم مستهدفات المبادرة الرئاسية "مراكب النجاة" والهادفة إلى توعية وتدريب الفئات الأكثر احتياجًا للتعريف بمخاطر الهجرة غير الشرعية وبدائلها الآمنة وذلك وفق خطة موضوعة لتشمل المحافظات الأكثر توجهًا للهجرة غير الشرعية بجانب توفير برامج التدريب والتأهيل لسوق العمل وريادة الأعمال وعمل الزيارات الميدانية للحد من هذه الظاهرة.
ورحب رئيس الجامعة ـ خلال كلمته ـ بضيوف الجامعة المشاركين في فعاليات ندوتها التوعوية "مخاطر الهجرة غير الشرعية" والتي تأتي برعاية كريمة من الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين في الخارج وانطلاقًا من حرص جامعة أسيوط على تنسيق الجهود لتعزيز حقوق المواطنين وممارسة دورها في تحقيق التنمية المجتمعية وإن الهجرة النظامية الآمنة ذات أهمية كبيرة للإقتصاد المصري حيث تسهم في استيعاب جزء كبير من قوة العمل في مصر كما تعتبر مصدرًا مهمًا للدخل القومي لمصر من خلال تحويلات العاملين في الخارج مضيفًا إن ظاهرة الهجرة غير الشرعية تمثل خطرًا كبيرًا على المواطن والدولة.
وأعرب السفير نبيل حبشي عن بالغ سعادته بالوجود في محافظ أسيوط وجامعتها العريقة موضحًا أن هذه الزيارة تعد أول زيارة ميدانية بعد ضم وزارتي الخارجية والهجرة والتي جاءت لنشر التوعية بخطورة ظاهرة الهجرة غير الشرعية وعواقبها المأساوية على الأسر المصرية مستعرضًا أهم الأسباب التي تدعو الشباب إلى الهجرة غير الشرعية والتي تتمثل في قلة فرص العمل وانخفاض الأجور وتدني المستوى الإقتصادي والمستوى المعيشي داخل البلدان المصدرة للمهاجرين هذا بالإضافة إلى سيطرة العصابات المنظمة للهجرة غير الشرعية على عقول الشباب.
وأشارت السفيرة نائلة جبر ـ خلال الندوة ـ إلى سبل القضاء على الهجرة غير النظامية للشباب ومنها ضرورة تحقيق التنمية الشاملة باعتبارها حجر الأساس في التصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية ودعم المدارس الفنية والتكنولوجية والتوسع في إنشائها نظرًا لأهميتها في تخريج عمالة مُدربة ومؤهلة تدعم سوق العمل وتواكب التقدم العلمي والتكنولوجي في المجالات المختلفة والارتقاء بالمرأة وتمكينها اجتماعيًا، واقتصاديًا، وتعزيز دورها التوجيهي، والإقناع تجاه أسرتها بمخاطر الهجرة غير الشرعية مشيرة إلى أن الانفلات السكاني، وإهمال برامج تنظيم الأسرة، وانتشار ظاهرة التسرب من التعليم؛ من الأسباب الرئيسة؛ في التراجع الاجتماعي، والمالي للأسر المصرية، والدافع الأول؛ للبحث عن مصادر للهجرة غير الشرعية.
وأكدت السفير نائلة جبر على إستمرار جهود الدولة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية لمواجهة الهجرة غير الشرعية موضحة إن مصر كانت من أوائل الدول التي جرمت هذه الظاهرة بوضع الأطر القانونية لمكافحتها؛ حفاظًا على أرواح الشباب مضيفة أن هذه المساعي أسهمت في خفض معدلات الهجرة غير النظامية ودفعت الشباب إلى البحث عن بدائل آمنة لتحسين مستوى المعيشة داخل وطنهم.
واستعرض الدكتور محمد عدوي؛ جهود جامعة أسيوط، في الحد من ظاهرة الهجرة غير المشروعة، من خلال رصد تطورات سوق العمل، وتحولاته: (محليًا، وإقليميا، وعالميًا)، وتطوير المقررات، وأساليب الدراسة في هذا الإطار، وحصر الخريجين، ومتابعتهم، والتعرف على احتياجاتهم: ( قاعدة بيانات - دراسات تتبعيه)، وتشجيع ريادة الأعمال، ودعم حاضنات الأعمال بالجامعة، وتنظيم الكثير من المسابقات؛ لدعم الأفكار، والمشروعات الإبداعية، وتمويلها، ودعم مشاركة الطلاب في المسابقات الوطنية، والإقليمية، والعالمية.
تضمنت الندوة فتح باب النقاش بين المشاركين والطلاب حول عدة نقاط منها تداعيات الهجرة غير الشرعية على الأنظمة الاقتصادية، والإجتماعية في مصر، وكيفية دعم الإتحاد الأوروبي لمصر؛ لمواجهة تحديات الهجرة غير الشرعية من خلال؛ برامج التدريب، والتأهيل، والتشغيل، وأهم طرق مواجهة الدولة لتحديات الهجرة غير الشرعية، وتداعيات ظواهر المناخ على الهجرة غير الشرعية.
وفي ختام وقائع الندوة تم تبادل الدروع التذكارية بين اللواء هشام أبو النصر محافظ أسيوط والسفير نبيل حبشي نائب وزير الخارجية للهجرة وشئون المصريين بالخارج، والدكتور أحمد المنشاوي رئيس الجامعة، والسفيرة نائلة جبر رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر.