الرهانات الوطنية على الوالي في نظام المحافظات الجديد
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
عندما كشفت وزارة العمل مؤخرا عن توظيف "18،7" ألف باحث خلال ستة أشهر في العام الحالي 2023 من أصل 35 ألف فرصة عمل مستهدفة، تساءلنا لماذا لم يحس بها المجتمع؟ والتساؤل يطرح هنا من حيث الانعكاس المعنوي، ربما الأصوات المطالبة بفرص العمل لا تزال عالية، وبمقارنة ما تحقق حتى الآن من توفير فرص عمل، وبالمستهدف سالف الذكر، فإن الالتزام بالسقف المحدد 35 ألف فرصة عمل خلال ما تبقى من فترة زمنية يحتم تكثيف الجهود لتحقيقه، في المقابل، لو فكرنا فيما يتحقق من انجازات اقتصادية متتالية، فإنه يوجب التفكير كذلك في تحطيمه بأعداد ملموسة، تختصر هذه المقدمة الإشكالية الراهنة لقضية الباحثين عن عمل، لأن قائمة الباحثين عن عمل تقدر 110 " الآف باحث عن عمل مسجل، وإن الأعداد تتزايد سنويا بنفس العدد المستهدف للتوظيف سالف الذكر، وربما أكثر، وسنتناول مما تقدم في ظل مسارين خرجا من عملية تفكيرية عندما كنا نفكر في الانعكاسات الاجتماعية للكشف عن عدد ذلك التوظيف على المجتمع، وهما:
الأول ، ما أشرنا إليه من ضرورة تحطيم الرقم المستهدف، وهو 30 ألف فرصة عمل في ضوء النتائج الاقتصادية الإيجابية الواعدة التي يعلن عنها بين الفينة والأخرى، وآخرها مثلا: الفائض السنوي لميزانية الدولة العامة، ونجاح جهاز الاستثمار العماني في احتلال المركز الأول عالميا في معدل الفائدة على الاستثمار، فقد سجل عائدا على استثماراته الداخلية والخارجية بلغ 8،8% وهذه النتائج تعزز المشهد المالي والاقتصادي المستقبلي الآمن لبلاد، وبالتالي ينبغي أن ينقل تفكير كل فاعل حكومي إلى العمل على رفع سقف المستهدفات السنوية، انتقالا ديناميكيا وتلقائيا انسجاما مع تلكم النتائج الكبيرة التي تحققها الحكومة، وهى متواصلة وترسخ استراتيجية تنويع مصادر الاقتصاد العماني، وقد قطعت فيها الدولة خطوات تأسيسه عميقة وواعدة، وبعضها غير مسبوقة إذا أخذنا بعين الاعتبار عدة قطاعات بديلة للنفط والغاز كاقتصاد الهيدروجين الأخضر واقتصاد الجيوسياسي للموقع الجغرافي العماني.
والذي نعلي من شأنه هنا هو رفع سقف المستهدفات السنوية انسجاما مع النتائج الإيجابية المتعددة من الناحيتين المالية والاقتصادية، وهى نتائج ليست ظرفية حتى نتوجس من انتكاساتها بفعل العوامل المستجدة، كما يحدث لقطاع النفط، وإنما هي مستدامة، فوراءها - أي الاستدامة – إما قطاعات مستدامة في ذاتها، أو فكر مستدام يؤطرها ويديرها بواقعية، ونجاحات جهاز الاستثمار العماني أكبر الاستدلالات على وجود الفكر المستدام المنشغل بمعايير الربح من عوائد الدولة المالية، وذلك عبر الاستثمار في مجالات آمنة ومربحة، وذات أبعاد استراتيجية مستقبلية، كالاستثمار في تطوير تقنيات الطائرات المسيرة، وليس في صناعة هذه الطائرات، والفارق جوهري بين الاستثمارين، فالتقنية تتطور بصورة مذهلة، وهى تشكل كبرى التحديات الأمنية للدول، مما يكون وراءها عوائد مالية مضمونة، والاستثمار في تطوير التقنية يعكس برغماتية هذا الفكر العماني وواقعيته.
الثاني، هو ما يحمل عنوانه من دلالات ومفاهيم، وقد جاءنا التفكر فيه من خلال عملية بحث في نظام المحافظات الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 36 / 2022 ، وقد خرجنا منها بأن الوالي يمكن أن يكون له دور فاعل في صناعة المسار المعنوي للتوظيف، وكذلك دوره في تعزيز حل قضية الباحثين عن عمل، فالنظام وبالذات المادة 13 منه، يمنحه صلاحية "العمل على إيجاد فرص عمل للمواطنين في الولاية بالتنسيق مع الجهات المختصة" فهل تم تفعيل هذه الصلاحية؟ وكيف ينبغي أن تفعل من منظوريها سالف الذكر؟ وسنركز هنا على صناعة الجانب المعنوي/ الاجتماعي لعمليات التوظيف، والتي من خلالها يمكن أن تكسب جهود حل قضية الباحثين عن عمل إبعاد عميقة مؤثرة في صناعة الرضا الاجتماعي.
ومما يجدر توضيحه أولا أن الرهانات الوطنية على الوالي في نظام المحافظات متعددة وواسعة، ويعد العمل على إيجاد فرص عمل للمواطنين مجرد صلاحية تحمل رقم 9 في المادة المذكورة، وباختصار، تعتبر المادة المذكورة الوالي المسئول على المحافظة على النظام العام في الولاية، والمسئول عن متابعة شؤون القبائل والالتقاء بالشيوخ والرشداء والمواطنين بهدف الوقوف على أرائهم ومتطلبات الولاية، كما تمنحه حق متابعة أداء فرع البلدية في الولاية، والتأكد من قيامه بدوره المنوط على الوجه الأكمل، وكذلك متابعة أداء فروع ومكاتب الوحدات الحكومية الأخرى في الولاية، وإبداء الاقتراحات بشأن كل ما يعزز الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في المحافظة، ورفع تقارير بشأنها إلى المحافظ، طبعا مع إيجاد فرص عمل للباحثين في الولاية.
وربما الكثير من المواطنين يجهل الكثير من صلاحيات الوالي، وهذا ما لمسناه من طلبات لقاء المحافظ مباشرة قبل الوالي الذي هو المسؤول عن لقاءات الشيوخ والرشداء والمواطنين في المقام الأول.. ويكثر اللغط عن عزوف المحافظ للقاءات الاجتماعية، وهذا وراءه لبس في فهم صلاحيات السلط الحديثة التي تعطي المحافظ صفة المرجعية النهائية.. وكذلك البحث عن مدى تمكين الوالي بأجهزة وأطر وكوادر متخصصة في كافة المجالات لضمانة نجاح مهامه المتعددة والمتنوعة، وقد أجملناها، وكل مجال من مجالاتها تستوجب متخصصين لها، وهذا ليس موضوعنا الآن، فقضيتنا هنا الأساسية تكمن في دور الوالي في إيجاد فرص عمل للمواطنين داخل كل ولاية، وحتى في هذه الجزئية، لن نتمكن في هذا المقال من فتح هذا الملف كاملا، وإنما سنتناوله من منظور صناعة البعد المعنوي لمسيرة التوظيف في البلاد مع التسليم بالحاجة إلى رفع سقف العدد المستهدف.
ولدينا رؤية لصناعة البعد المعنوي تتكامل مع توفير فرصة عمل من قبل وزارة العمل، وهى تتجلى في قيام كل ولاية بحصر عدد الباحثين عن عمل الذين يتجاوزون سن 35 عاما، والبحث لهم عن فرص عمل في الشركات والمؤسسات التي تقع داخل الولاية، وهنا منطقة مشاعر وعواطف اجتماعية وإنسانية لو اقتحامها بحكم المادة 13 لساهمت في صناعة الكيان المعنوي الاجتماعي لجهود التوظيف سالفة الذكر، وساهمت كذلك في التخفيف من حدية قضية الباحثين عن عمل، وهنا إعمال الفكر استلهما صريحا من التنصيص القانوني بصلاحية الوالي في التوظيف، ولو لم يكن كذلك، فلماذا المشرع العماني منحه هذه الصلاحية؟.
ونقترح أن يعقد ملتقى سنوي للولاة داخل كل محافظة برعاية المحافظ يكون موضوعها استكشاف البحث عن فرص عمل وتدويرها على الولايات لسد النقص في الولاية التي تتوفر أو يندر أو تقل فيها المقومات الاقتصادية المنتجة لفرص العمل، وانشغالات كل ولاية بملف الباحثين عن عمل داخل الولاية من منظور البعد الإنساني/ الاجتماعي، هو استحقاق له من الأولوية القصوى لصالح فئات سنية وصلت أو شارفت سن فقدان الحق في العمل، وهناك باحثون عن عمل قد وصلوا لسن 40 عاما، ولا نعتقد أن أعدادهم في كل ولاية كبيرة.
وليس شرطا أن يكون توظيفهم في قطاعات وشركات عمومية وخاصة.. وإنما تشجيعهم والدفع ببعضهم إلى المشاريع الصغيرة والمتوسطة بما فيها السياحية أو تلك التي ينتجها قطاع المقاولات في كل ولاية، وسنجدها كثيرة.. ولنتصور وقع خطوة كل والي داخل ولايته في حصر هذه الفئة السنية، والسعي لإيجاد فرص عمل لها داخل الولاية أو بالتنسيق مع الولايات الأخرى من خلال ملتقى الولايات السنوي.. أنها خطوة عاجلة وحتمية.. وهى من مداخل صناعة المعنويات لجهود توفير فرص العمل.. وتضيف للجهود المركزية واللامركزية في مجال البحث عن عمل زخما وطنيا حاملا للبعد الاجتماعي، ومرحلتنا الوطنية في أمس الحاجة إليها الآن.. ولدينا الآن المؤسسات والسلط الدستورية والتشريعات اللازمة لها.. وينبغي تفعيلها عاجلا لكل الاعتبارات التي سبق ذكرها.. ومن المنظور غير التقليدي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الباحثین عن عمل فی الولایة فی صناعة کل ولایة فرصة عمل
إقرأ أيضاً:
أين منفعة الباحثين عن عمل؟
راشد بن حميد الراشدي
مشهد مؤثر لشاب باحث عن عمل منذ 7 سنوات وهو يتمنى دخوله السجن ولا يكلف والده المتقاعد الذي ثقل بديون أسرته على راتب شهري بسيط لا يكفي قوت عياله وآلاف الحالات المماثلة التي ترزح تحت خط الفقر بسبب عدم عمل الأبناء ونسمع عنها كل يوم.
شباب في زهرة العمر على أبواب المؤسسات الحكومية والخاصة ينتظرون دورهم في وظيفة تعينهم وقد طال انتظارها والمحظوظ منهم من نال فرصته والبقية تتبخر أحلامهم سنة بعد أخرى فهم بلا عمل وبلا مصدر دخل ولو بسيط يكفيهم السؤال وذل الزمان وقسوته.
شاب في مقتبل العمر ليس لديه أجرة سيارة للبحث عن وظيفة وآخر ليس لديه تكلفة شهادة ICDL المطلوبة عليه لدخول المنافسة وغيرهم الكثير من الشباب الذين يعانون ضيق الحال.
التوظيف أولا لهؤلاء الشباب هو المنقذ الوحيد لآلاف الأسر التي تعيش على الكفاف والفاقة في حياتها اليومية في ظل ظروف صعبة جدًا؛ فرغم المناشدات اليومية في مختلف وسائل التواصل والصحف ورغم قسوة الظروف التي يعيشها الشباب لا زالت مشكلة الباحثين والمسرحين تراوح مكانها بلا حل يلمسه أبناء الوطن.
وأنا أقُلبُ صفحات هذا الملف الحساس الذي دخل كل بيت، تذكرتُ دور الحماية الاجتماعية في التخفيف عن كاهل تلك الفئة المستحقة من منفعة نظام الحماية الاجتماعية بكل أفقه وحجمه وما تم إقراره وتنفيذه خلال العام الماضي من قرارات، يدفعنا للتساؤل: أيهم أحق بنظام الحماية مع إقراري بأهمية رعاية فئة كبار السن وإصدار منفعة شهرية لهم سواء كان رجلًا أو امرأة كبيرة في العمر (أغنياء أو فقراء)، أم الشاب اليافع المقبل على الحياة وبدون عمل ولا دخل يذكر؟!
إنني أرى ذلك التناقض الغريب في نظام الحماية الاجتماعية ونسيانه إلى اليوم مآل وحال فئة الشباب الباحثين عن عمل وأهمية صرف منفعة شهرية تعينهم على متطلبات الحياة اليومية في ظل حاجتهم وغلاء الأسعار وضعف دخل الأسر وعجز بعض أولياء الأمور عن رعايتهم.
إنني أطالبُ اليوم القائمين على منظومة الحماية الاجتماعية وصندوقها بصرف علاوة شهرية لا تقل عن 200 ريال عُماني لكل باحث عن عمل لم يحصل على فرصة وظيفية لمجاراة أعباء الحياة، ولكي تُساعده في تلبية احتياجاته الشخصية حتى يمُن الله عليه بفرصة العمل المناسبة التي تعينه على الحياة.
إن الإحساس بمسؤوليتنا المجتمعية يحتم علينا طرح مثل هذه الموضوعات المهمة والتي ستفرج كرب الشباب وتعينهم في وجود مصدر رزق وتخفف على الأسر تكاليف الحياة الصعبة؛ حيث يجب الاهتمام بهذه الفئة من الشباب الخريجين والباحثين عن العمل وإصدار قرار بصرف بمنفعة شهرية فورا لهم، فلقد امتلأ كأس اليأس والألم والحسرة لدى كثير منهم؛ فهم يعيشون في كنف وطن مليء بالثروات والخيرات، فلا هم بعمل ومصدر رزق ولا هم بمنفعة تعينهم في حياتهم اليومية، وقد تخفف الكثير عن كاهل رب أسرة ينتظر بر أبنائه بعد تخرجهم وتعاضدهم معه وهم اليوم عالة عليه بلا عمل.
أتمنى على جميع الجهات المسؤولة والمعنية بحلحلة هذا الملف الوطني المهم والذي أصبح الشغل الشاغل للجميع وأحد أهم هموم المجتمع؛ فالوطن بحاجة إلى أبنائه؛ فهُم قوامه وعماده، فلا تتركوهم على قارعة الطريق.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها وأدام عليهم نعم الخير.
رابط مختصر