إيكواس .. حرب من أجل الديمقراطية
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
منظمة "إيكواس" (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا) التي تأسست في العام 1975وتضم اليوم في عضويتها 15 دولة من غرب أفريقيا، لمع اسمها مؤخراً على سطح الأخبار على خلفية الانقلاب العسكري في دولة النيجر في أواخر يوليو الماضي، وهو انقلاب تم على الحكومة المنتخبة ديمقراطياً برئاسة محمد بازوم.
ومنذ الانقلاب سعت المنظمة الأفريقية النشطة في محاولات جادة لاحتواء الأزمة السياسية بالجهود السلمية دون أن تلقى أي استجابة حتى الآن من الانقلابيين في النيجر، الأمر الذي بدا معه واضحاً أن ثمةَ تلويحاً بالتدخل العسكري للمجموعة ربما يكون وشيكاً لإجبار الانقلابيين في النيجر على التراجع.
البناء الهرمي للمجموعة الإقليمية "إيكواس" أشبه بالاتحاد الأوروبي، حيث تمتلك عدة مؤسسات؛ عسكرية وسياسية واقتصادية مثل المفوضية السياسية لـ"إيكواس"، ومحكمة العدل الخاصة بها، إلى جانب برلمان سياسي للمجموعة، وبنك "إيكواس" للاستثمار والتنمية بالإضافة إلى كل من منظمة الصحة لغرب أفريقيا ومجموعة العمل الحكومية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وغني عن القول إن هذه الأذرع النشطة للمجموعة في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والصحية، تنطوي على قدرة كبيرة لممارسة الضغوط المؤثرة، وتسمح للمجموعة باستخدام أوراق ضغط كبيرة على الانقلابيين، خصوصاً بعد إدانة الاتحاد الأفريقي للانقلابيين في النيجر وتجميد عضويتها، إلى جانب المقاطعة الاقتصادية للنيجر من طرف "إيكواس" وقطع نيجيريا خطوط الإمداد الكهربائي عن النيجر.
سبق لـ"إيكواس" التدخل في حالات ممثلة للدول الأعضاء في المنظمة كساحل العاج وليبيريا وغينيا بيساو وغيرها، لهذا ربما كان اليوم من الأهمية بمكان محاولة تفسير هذا العزم الذي تبديه هذه المجموعة النشطة من أجل استعادة الديمقراطية في النيجر.
فإذا كان من الوضوح بمكان اليوم أن أي انقلاب عسكري مهما رفع من شعارات إنما هو في الحقيقة بمثابة سرقة للسلطة عبر العنف، وبالتالي ليس هناك إمكانية للثقة به في أي مستقبل للتغيير السياسي، كما شهدنا ذلك في بلدان عديدة بإفريقيا وغيرها، لاسيما في السودان الذي شهد أحد أسوأ الانقلابات وأطولها عمراً في أفريقيا (انقلاب الحركة الإسلامية الذي أسقط حكومة ديمقراطية منتخبة في العام 1989) فإن ما تشهده منطقة غرب أفريقيا خصوصاً دول الساحل والصحراء، من اهتزازات خطيرة في بؤر تنشط فيها الحركات الإرهابية كالقاعدة وداعش، إلى جانب منظمات عابرة للدول مثل مجموعة فاغنر الروسية، وكذلك الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، كل ذلك يجعل من خطر الانقلابات في منطقة غرب أفريقيا احتمالاً واعداً بفوضى سياسية قد تضرب دول المجموعة برمتها.
لقد شهدت منطقة غرب أفريقيا صعوداً لديمقراطيات ناجحة كما هو الحال في غانا ونيجيريا والسنغال وساحل العاج، وهي ديمقراطيات تعتبر من أهم تجارب الانتقال السياسي في أفريقيا والعالم الثالث، كما شهدت المنطقة ذاتها ثلاثة انقلابات مؤخراً في كل من مالي وبوركينا فاسو وأخيرا النيجر.
قد يبدو هذا المسعى من أجل استعادة الديموقراطية بالقوة غريباً في نظر البعض، خصوصاً إذا ما تمت المقارنة بأمثلة مشاريع فاشلة في ذلك مثل غزو الولايات المتحدة لكل من أفغانستان والعراق حيث فشلت التجربتين فشلاً ذريعاً، لكن بالنظر إلى تجربة "إيكواس" للتدخل لحفظ السلام ودعم الاستقرار في أكثر من دولة عضوه فيها، يمكننا القول أن أي مقارنة لتدخل "إيكواس" المحتمل في النيجر، بما فعلته أمريكا في كل من تجربتي العراق وأفغانستان هي بمثابة قياس مع الفارق، لسببين؛ الأول أن الولايات المتحدة حين غزت أفغانستان 2001 والعراق 2003 بحجة جلب الديمقراطية للبلدين، لم يكن في البلدين المذكورين تجربة ديموقراطية سابقة، وهو بخلاف الوضع السابق للنظام السياسي في النيجر الذي كان نظاماً ديمقراطيا، إلى جانب أن تدخل "إيكواس" ليس تدخلاً من قوى دولية كبيرة وذات ماضٍ توسعي، وإنما يعتبر بمثابة تدخل تمليه ضرورات سياسية للحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني في منطقة تعاني من اهتزازات أمنية خطيرة وتنشط فيها جماعات إرهابية متطرفة ومنظمات غير قانونية كفاغنر.
كل ما نأمله أن تنجح دبلوماسية اللحظة الأخيرة في نزع فتيل الحرب عبر حل سلمي، لأن حرص "إيكواس" على درء مخاطر الانقلاب يمليه الحذر من وقوع مذابح حدثت في أفريقيا أثناء الحرب الأهلية في رواندا التي راح ضحيتها 800 ألف من البشر.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: غرب أفریقیا فی النیجر إلى جانب
إقرأ أيضاً:
عملية دوران النخب: ركيزة الديمقراطية وضمان استمرارية الدولة
#عملية_دوران_النخب: ركيزة #الديمقراطية وضمان #استمرارية_الدولة
بقلم: ا د #محمد_تركي_بني_سلامة
في الوقت الذي يواجه فيه الأردن تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية متزايدة، يظهر بوضوح أن عملية دوران النخب أصبحت ضرورة ملحة لتعزيز الديمقراطية وضمان استمرارية الدولة. إنها عملية تعكس الحيوية والانفتاح في النظام السياسي، وتساهم في ضخ دماء جديدة تُنعش مسيرة الإصلاح والتطور، بينما يؤدي الجمود وعدم خلق نخب جديدة إلى انغلاق النظام وتكلسه، مما يوسع الفجوة بين الحاكم والمحكوم.
إن تجديد النخب السياسية ليس مجرد إجراء تجميلي، بل هو عملية جوهرية لخلق توازن بين استمرارية الدولة ومتطلبات التغيير. عندما تُتاح الفرصة للكفاءات الجديدة لتولي المسؤوليات القيادية، يتم ضخ طاقات شبابية وأفكار مبتكرة قادرة على التفاعل مع التحديات المعاصرة. هذا التجديد يُعزّز الثقة بين المواطن والدولة، ويعيد الأمل بوجود نظام سياسي يتسم بالمرونة والقدرة على تلبية احتياجات الشعب.
في المقابل، فإن استمرار الاعتماد على النخب التقليدية، التي قد تكون قد استنفدت أفكارها وقدراتها، يساهم في ترسيخ الإحباط واليأس بين المواطنين. ويصبح السؤال المُلِحّ: لماذا لا نرى وجوهًا جديدة قادرة على قيادة المرحلة المقبلة؟ وهل تعجز الدولة عن إيجاد رجالات دولة يحملون هموم الشعب وطموحاته؟
مقالات ذات صلة حق العودة مقدس .. مسيرة حاشدة نصرة لغزة من المسجد الحسيني ترفض إلغاء الأونروا / صور وفيديو 2024/11/15إن غياب عملية تجديد النخب يعكس انغلاقًا سياسيًا قد يؤدي إلى تآكل شرعية النظام بمرور الوقت. حينما يشعر المواطن الأردني بعدم وجود قنوات طبيعية لإنتاج قيادات تمثله بصدق وتعبر عن همومه، فإنه يلجأ إلى وسائل أخرى للتعبير عن إحباطه، مما قد يُفاقم حالة عدم الثقة بين الشعب ومؤسسات الدولة.
التدوير المستمر للنخب ذاتها، دون إفساح المجال للوجوه الجديدة، يشبه إعادة تدوير الحلول القديمة لمشكلات حديثة. هذه العملية تُبرز فجوة عميقة بين الحكومة والشعب، وتضعف من قدرة النظام السياسي على مواجهة التحديات. إن هذا الواقع يتطلب وقفة جادة لإعادة النظر في آليات اختيار النخب وتمكين الكفاءات الشابة من الوصول إلى مراكز صنع القرار.
المصلحة الوطنية تتطلب أن تكون عملية تجديد النخب منهجية مستدامة تقوم على معايير الكفاءة والقدرة على تمثيل قيم الدولة ومصالحها العليا. النخب الجديدة ليست فقط واجهة للتغيير، بل هي أيضًا وسيلة لبناء جسور من الثقة مع المواطن. يجب أن تتمتع هذه النخب بالقدرة على التحرك وفق هموم الناس وتطلعاتهم، وأن يكون الأردن قضيتهم الأولى، مع تمسكهم بالبوصلة الوطنية التي تضمن مصالح الشعب والدولة على حد سواء.
كما أن الدور المطلوب من الدولة في هذا السياق يتمثل في توفير بيئة سياسية تُحفّز على المشاركة الفعالة، وتشجع على ظهور قيادات جديدة تحمل رؤى مستقبلية قادرة على قيادة المرحلة المقبلة. هذه القيادات يجب أن تكون قادرة على تقديم حلول مبتكرة للتحديات الراهنة، وأن تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
إن عملية دوران النخب تمثل فرصة لإعادة بناء الثقة بين المواطن والنظام السياسي. إنها دعوة لتجديد روح الديمقراطية التي تضع مصلحة الشعب في قلب العملية السياسية. كما أنها تؤكد أن التغيير الإيجابي يبدأ من الداخل، عبر تفعيل المؤسسات السياسية وتمكينها من أداء دورها بفعالية.
الأردن يمتلك رصيدًا كبيرًا من الكفاءات القادرة على العطاء، ولكن يبقى التحدي في كيفية استقطاب هذه الطاقات وتمكينها. الدولة بحاجة إلى رجال ونساء يُدركون حجم المسؤولية الوطنية، سواء كانوا في مواقع المسؤولية أو ضمن صفوف المعارضة، على أن تكون مصلحة الأردن فوق كل اعتبار.
ختامًا، إن دوران النخب ليس خيارًا، بل ضرورة تفرضها تحديات المرحلة. يجب أن نعمل جميعًا على تحقيق هذه العملية بشكل ديمقراطي وشفاف، بحيث يُعاد بناء الثقة بين المواطن والدولة، ويُعزز من مكانة الأردن كدولة قادرة على مواجهة التحديات بثقة وحكمة. إن بناء المستقبل يبدأ بتجديد الحاضر، ودوران النخب هو المفتاح لتحقيق ذلك.