عربي21:
2025-03-13@08:18:47 GMT

ويظل وجه الكويت مشرقاً

تاريخ النشر: 13th, March 2025 GMT

في وسط الزحام الشديد من الأحداث الجسام ما بين قمة عربية لإعادة إعمار غزة، وتعالي الرئيس الأمريكي، الذي هو أقرب إلى بطل سيرفانتس، خرج علينا القضاء الكويتي بخيط مضيء من أن هذه الأمة ما زالت بخير.

ففي تاريخ 13/2/2025، أصدرت دائرة الجنايات السادسة في المحكمة الكلية الكويتية، قراراً تاريخياً ضد المواطنة الكويتية فجر عثمان السعيد، بالحبس ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ.

وكانت النيابة العامة قد أسندت للمتهمة ست تهم تتلخص في أنها سعت، في زمن كانت الكويت ما زالت في حالة حرب مع الكيان الصهيوني، مع أشخاص من حملة الجنسية الإسرائيلية، ويعملون لحسابها ومصلحتها، للظهور معهم في أجهزة إعلام إسرائيلية، وأذاعت أخباراً كاذبة وبيانات وإشاعات، ما كان من شأنه إثارة الفزع بين الناس وإضعاف الجلد في الأمة، مدعية إقبال الكويت وعزمها على التطبيع مع الكيان الصهيوني. وفي المحاكمة الجارية علناً وبحضور المتهمة ومحاميها، أقرت المتهمة أمام المحكمة بالتهم الموجهة لها، مؤيدة بالبيّنات التي قدمتها النيابة العامة، ولم تجحدها المتهمة.

وقررت المحكمة إدانتها على أساس أنها أذاعت ونشرت أخباراً كاذبة بخصوص عزم الكويت على التطبيع مع الكيان المحتل، وعلى سوء استخدامها الشبكة المعلوماتية في سبيل التحريض على الكويت. كدنا ننسى أن قانون مقاطعة إسرائيل الصادر في عام 1964 ما زال حيّاً في كتب القانون الكويتية، وانزاحت الذاكرة بفعل ما يسمى، زوراً وبهتاناً عملية «التطبيع» مع نظام الإبادة والأبارتهايد، لولا القضاء الكويتي ذو الكعب المعلاّ في الدفاع عن قضايا الأمة، حين يدلهم الظلام وتتوه البوصلة القومية. ومن أبرز خصائص هذا البلد الصغير أنه يتصدى لقضايا قومية كبرى ويواجهها بشجاعة وكبرياء، وكأنه يستند إلى مخزون قومي لا ينفد من الثقة والاحترام.

في هذا الزمن الأغبر، أصبح التطبيع «جائزاً» بزعم أنه خدمة لمصلحة وطنية، ولم يعد يشكل شائنة بخلاف الحرّة التي كانت تموت ولا تأكل بثدييها، ولم يعد ينتصب لهذا العيب، إلاّ من اعتصم بحبل فلسطين، وتأتي الكويت – دوماً – في الطليعة ليس مِنّةً ولا التماساً لجاه، بل التزاماً عميقاً بثوابت هذا الشعب، الذي ما حاد عن جادّة الحق. ولا نستغرب أن يسجل الكويتي على باب منزله المسافة بينه وبين بيت المقدس، وكأنه يريد أن يتأكد أنه على العهد قائم مهما بعدت المسافة.
من أبرز خصائص هذا البلد الصغير أنه يتصدى لقضايا قومية كبرى ويواجهها بشجاعة وكبرياء، وكأنه يستند إلى مخزون قومي لا ينفد من الثقة والاحترام لا أخفي إعجابي وتقديري لهذا البلد الخليجي الصغير في أكثر من مجال منذ أن ذهبت إليه زائراً في عام 1965، وإذ تأخر وصول قبولي في إحدى الجامعات الأمريكية، رحت أبحث عن عمل لبداية السنة الدراسية التالية، وعملت في شركة الكويت للتأمين كرئيس قلم قضايا، أي محام عن الشركة في القضايا التي ترفع منها أو ضدها. ولفت انتباهي طريقة تقنين القانون التجاري، الذي كان، عملياً، هو قانون الكويت المدني، وكتبت رسالتي الماجستير عن تجربة تقنين القانون في الكويت، وكانت طريقة في غاية الذكاء وقبلها المجتمع الكويتي، دون اهتزازات اجتماعية أو سياسية. وأثناء تلك السنة تعرّفت على ما يسمى في الكويت بـ»الغوص» حيث يذهب البحارة في موسم الغوص لاصطياد اللؤلؤ من قاع البحر، والخليج بصفة عامة ليس عميقاً. وأعطتني هذه العملية فكرة استغلال الثروات من قاع المحيطات، التي كانت مسألة قانونية بدأت في النشوء في قانون البحار الدولي، وهو موضوع قريب لي كثيراً. ثم درست نشوء الكويت، وهي ربما كانت أول تطبيق عملي لنظرية جان جاك روسو والمفكرين الذين بدأوا ينظّرون لتكون المجتمع ونشوء الدولة على أساس نظرية «العقد الاجتماعي» لاكتشف، أن القبائل الكويتية التسع التي رحلت من نجد وسط الجزيرة العربية واستقرت في «الكويت»، أجمعت على اختيار عائلة واحدة لتكون المحكم بين القبائل الأخرى، وتقوم بالحراسة وضبط إيقاع المجتمع الجديد على أن لا تتدخل هذه العائلة في التجارة، وتتقاضى رسوماً من صيد اللؤلؤ ومن التجارة. وكانت سفن التجار والصيادين تذهب وتعود إلى «قصر السيف»، الذي ما زال هو قصر الحكم. عائلة واحدة واصلت رحلتها إلى البحرين، آل خليفة، وما زالت تحكم في البحرين. وحين تعيش في الكويت لا تشعر بأن للحكم سلطة إرهاب وجبروت لأنه لم يأت بانقلاب، بل جاء بعقد اجتماعي فيه التوافق والتراضي.

وهكذا استقر الحال على اختيار عائلة الصباح للحكم، وما زالت، وراحت العائلات الأخرى تمارس التجارة. وقد تمّ تقنين هذه الممارسة في دستور الكويت الصادر عام 1962.
ولفت انتباهي في تلك السنة أن للقضية الفلسطينية حظوة وتقديرا وتعاطفا، ومن الكويتيين من زار القدس ومدن الساحل الفلسطيني في أربعينيات القرن الماضي، واكتشف أن البعثة التعليمية التي أرسلها الحاج أمين الحسيني إلى الكويت للعمل في مدارسها في ثلاثينيات القرن الماضي تركت آثاراً جميلة في ذكرى ذلك الجيل وما زالت الأجيال اللاحقة تحمل تلك التجربة بود واحترام، وعلمت أن أول حملة تبرعات لنصرة الثورة الفلسطينية في عام 1936 كانت حملة قام بها رجل الكويت ذو القامة العالية والهمّة الأعلى، المرحوم عبد العزيز الصقر، وقد قاوم تجار الكويت آنئذٍ اعتراض المعتمد البريطاني الذي احتجّ على حملة التبرعات.

وفي أحداث أيلول/ سبتمبر 1970، كان المرحوم الشيخ سعد العبد الله الصباح، رئيس الوزراء الكويتي آنئذٍ، في الوفد العربي، الذي جاء إلى الأردن لإطفاء حريق تلك المعركة التي استعرت دون أي سبب وجيه، وقد خرج عرفات من مخبئه بعباءة الشيخ سعد. وفي عام 1975، عدت إلى الكويت بصفتي المستشار القانوني لبنك الكويت الصناعي، وكان قد تمّ تأسيسه للتو، ويلحظ القادم للكويت في ذلك الزمن، أن الكويت أفسحت في المجال لنمو نشاط الجالية الفلسطينية التي كانت تعقد ندواتها ومحاضراتها ومعارضها الفنية والتراثية دون عوائق ودون قيود، بل إن جمهور الرواد كان يلحظ عليه عدد الكويتيين الكبير.

وكان للوفد الكويتي في هيئة الأمم المتحدة الدور الرئيسي في اقتراح مشروع قرار لمساواة الصهيونية بالعنصرية، وكان ذلك بتوجيه وتحريض من المرحوم الشيخ صباح الأحمد الذي كان وزيراً للخارجية، وكان مستشاره السياسي الدكتور فايز الصايغ، الأكاديمي الفلسطيني اللامع الذي عمل جاهداً على صياغة مشروع القرار. وصدر القرار في عام 1975، وكانت تلك قنبلة لم يكن يجرؤ أحد في العالم على التطاول على «أيقونة» الاستعمار الغربي، «إسرائيل»، وعلى «الصهيونية» كعقيدة سياسية. تمكن الوفد الكويتي من وضعها في القفص ذاته الذي وضعت فيه الابارتهايد بكل شذوذها واللعنة التي رافقتها.

وحين اتخذ ياسر عرفات موقفاً ملتبساً من غزو الكويت في عام 1990، كانت ردة فعل الكويت الغاضبة لها ما يبررها، ذلك أن قضية غزو الكويت كانت عدواناً ظالماً جهاراً نهاراً، وأدت إلى انقسام العرب عمودياً وأفقياً، ما أفقد القضية الفلسطينية الظهير الوحيد لها. ومع ذلك، مشت الكويت على جرحها والتفتت عن موقف عرفات وظلّت عينها على القضية الأهم. وفي ذلك سمو في الموقف السياسي الذي لا يزوغ بصره عن التناقض الرئيسي مع العدو الصهيوني. ولا أدل على ذلك من استذكار واقعة ذات دلالة وهي حين قام مجرم الحرب، الجنرال أرييل شارون، باقتحام رام الله ومحاصرة ياسر عرفات في المقاطعة في عام 2002، والذي نجحت الولايات المتحدة والمعسكر الغربي في عزله، لم يتصل به أحد من العرب إلاّ وزير الإعلام الكويتي، ليطمئن عليه ويشدّ من أزره، وعقدت القمة العربية في بيروت في تلك السنة ولم يتمكن عرفات من حضورها بسبب الحصار. ورغم كل الخطايا التي ارتكبها عرفات بحق الكويت، ظل موقف الكويت مشرّفاً وظل وجه الكويت مشرقاً.
(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الكويتي فلسطين الصباح فلسطين الكويت الصباح مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ما زالت فی عام ة التی

إقرأ أيضاً:

في ذكرى وفاته.. كيف كانت وظائف عباس العقاد سجنًا له؟

تحل اليوم ذكرى وفاة الأديب الكبير وعملاق الأدب العربي وأهم الأدباء في التاريخ، الراحل عباس محمود العقاد، الذي رحل في 12 مارس 1964، تاركًا لنا تراثا كبيرا من مؤلفاته وإرثًا ضخمًا من الأدب يعكس نظرته في تحليل الشخصيات.

نشأته ومولده

ولد الأديب الكبير عباس العقاد في مدينة أسوان ملتقى الحضارات القديمة والحديثة، في 28 يونيو عام 1889، حيث نشأ وترعرع في أسرة تعشق المعرفة وتتسم بالتقوى، كما نشأ في بيت يملأه الهدوء والسكون والعزلة.

حب الشعر والكتب الأدبية

درس عباس العقاد في مدرسة أسوان الأميرية وذلك أثناء تلقيه تعليمه الأساسي، ثم تخرج عام 1903، وحب العقاد المطالعة والكتابة فعند تلقيه العلم تأثر بمجلس الشيخ أحمد الجداوي، الذي أنصت إليه في المطارحات الشعرية، كما عكف على قراءة مقامات الحريري حتى أصبح محبًا للكتب العلمية والأدبية، فضلًا عن أن نشأته في مدينة أسوان أثرت خياله وفتحت مداركه منذ صغره. 

الوظائف الحكومية للعقاد سجنًا لأدبه وموهبته

التحق عباس العقاد في بداية حياته العملية بالعديد من الوظائف الحكومية حيث عمل في ديوان الأوقاف ومصلحة الإيرادات في قنا في جنوب الصعيد، إلا أنه اعتبر الوظائف الحكومية سجنًا لأدبه وموهبته، ليقرر بعدها تأسيس جمعية أدبية يمارس من خلالها عشقه وموهبته في الأدب.

العمل في الصحافة

بعد تأسيس العقاد للجمعية الأدبية، قرر الانتقال إلى القاهرة وبدء العمل في مهنة الصحافة، حيث كانت بدايته في صحيفة الدستور إذ عمل في إدارة تحرير الصحيفة وذلك مع صاحب الصحيفة آنذاك محمد فريد وجدي، كما كتب في الصحف الأسبوعية والمجلات الشهرية أثناء الحرب العالمية الأولى، فضلًا عن عمله في صحيفة الأهرام وصحيفة الأهالي، واستخدم العقاد قلمه في الدفاع عن الدستور والحياة النيابية والقضايا الوطنية مهاجمًا الملكية.

تجديد الشعر العربي

لمع العقاد وأبدع في كتابة الشعر والأدب والنقد والمقال، كما كتب في التاريخ والفلسفة والدين، وقدم العقاد مفاهيم جديدة في الأدب والنقد وذلك من خلال تأسيس (مدرسة الديوان) بالتعاون مع عبد الرحمن شكري والمازني، حيث كانت مدرسة الديوان خطوة كبيرة نحو تجديد الشعر العربي.

كما خاض عباس محمود العقاد العديد من المعارك الفكرية والأدبية مع كبار الأدباء في عصره مثل طه حسين وأحمد شوقي والتي أثرت الأدب العربي بإنتاج غزير من مؤلفاته وأسلوبه المنطقي الذي يعتمد على الأفكار المرتبة.

مقالات مشابهة

  • طائرة كان يملكها عرفات تقوم برحلات سرية في المنطقة.. آخر من استخدمها بوهلر
  • في ذكرى وفاته.. كيف كانت وظائف عباس العقاد سجنًا له؟
  • السيب يسعى للتعويض أمام "العربي" الكويتي
  • سعر الدينار الكويتي مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 11-3-2025
  • السيب في مواجهة حاسمة أمام العربي الكويتي في كأس التحدي الآسيوي
  • استقرار سعر الدينار الكويتي اليوم الثلاثاء 11 مارس 2025
  • من المطبخ الكويتي.. طريقة عمل مجبوس الدجاج
  • سعر الدينار الكويتي اليوم الإثنين 10 مارس 2025
  • النصر والقادسية الكويتي في إياب نصف نهائي أبطال الخليج الثلاثاء