بالقتل والتجويع.. الاحتلال يستمر في خرق الاتفاق وسط عجز دولي
تاريخ النشر: 13th, March 2025 GMT
الثورة /متابعات
لم يمرّ يومٌ منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والاحتلال الإسرائيلي، إلا وأحدث العدو خرقًا في بنود الاتفاق، سواء فيما يتعلق بالبند الأساسي، وهو وقف العدوان واستهداف الفلسطينيين، أو في بند الانسحاب الكامل من قطاع غزة ومحمور فيلادلفيا أو إدخال المساعدات الإنسانية وفتح المعابر.
بلغت المدة التي بدأ الاتفاق منها 52 يومًا حتى الآن، قام فيها الاحتلال الإسرائيلي بانتهاكات جسيمة وخروقات عديدة، تمثلت في الاستهداف اليومي لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؛ حيث بلغ عدد الشهداء أكثر من 150 حتى اليوم، كما تمثلت بمنع إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، والتي تشمل الغذاء والدواء ومواد البناء والكرفانات والخيم، وكذلك لم يكمل الاحتلال انسحابه من كامل القطاع كما كان منصوصًا عليه في الاتفاق؛ حيث لا يزال مسيطرًا على محور فيلادلفيا حتى اليوم.
من جهته، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ إسرائيل قتلت 150 فلسطينيًا بمعدل نحو 3 أشخاص كل يوم، منذ وقف إطلاق النار في 19 يناير 2025م، بينما تستخدم الحصار والتجويع كأداتي قتل بطيء ضمن جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي أنّ فريقه الميداني وثق استمرار جيش الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب جرائم القتل سواء بإطلاق النار من القناصة أو طائرات “كواد كابتر”، أو هجمات الطائرات المسيرة، تجاه مواطنين فلسطينيين خصوصًا أثناء محاولتهم تفقد منازلهم قرب المنطقة العازلة التي فرضها على طول الحدود الشمالية والشرقية لقطاع غزة.
استهدافات يومية
وذكر أنّ طائرة مسيَّرة إسرائيلية قتلت مساء الاثنين الماضي، “عبدالله علي الشاعر”، وأصابت آخر بجروح شرق رفح خلال وجودهم في المنطقة الآمنة، وذلك بعد ساعات من هجوم آخر من مُسيّرة قتل ثلاثة أشقاء هم: “محمود” و”محمد” و”أحمد عبدالله أحمد”، شمال شرقي مخيم البريج وسط قطاع غزة.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي أنّ رفح كانت الأكثر تعرضًا للاستهدافات الإسرائيلية، حيث قُتل “عبدالمنعم علي قشطة” (53 عامًا) داخل منزله برصاص القوات الإسرائيلية المتمركزة على الحدود مع مصر، قبالة حي السلام جنوبي رفح، صباح السبت 8 مارس 2025م، وفي اليوم نفسه، استهدفت طائرة مسيّرة إسرائيلية بصاروخ الشابين “محمود حسين فرحان الهسي” (37 عامًا) و”مهدي عبدالله نادي جرغون” (39 عامًا) أثناء وجودهما في بلدة الشوكة شرقي رفح، ما أدى إلى مقتلهما على الفور.
ونبّه إلى أن فريقه الميداني وثق استشهاد فلسطينيين آخرين في استهدافات متكررة على حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، وبلدة بيت حانون شمالي القطاع، منذ بداية شهر مارس الجاري.
وبيّن أن إسرائيل قتلت منذ وقف إطلاق النار 150 فلسطينيًا، بمعدل نحو 3 يوميًا، وأصابت 605 آخرين، بمعدل 11.8 يوميًا، ما يؤكد استمرارها في استهداف الفلسطينيين في قطاع غزة بشكل ممنهج ودون أي مبرر عسكري، رغم توقف الأعمال القتالية.
قطع الكهرباء عن غزة
ولمزيد من التعنت الإسرائيلي في التنصل من تنفيذ بنود الاتفاق، أعلن وزير الطاقة في حكومة الاحتلال إيلي كوهين، الأحد الماضي، أنه أعطى تعليماته لوقف إمداد غزة بالكهرباء، وذلك بعد أسبوع من قرار منع دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المدمر، مضيفًا “سنستخدم كل الأدوات المتاحة لنا لاستعادة الرهائن وضمان عدم وجود حماس في غزة في اليوم التالي للحرب”.
ويغذي الخط الكهربائي الوحيد بين إسرائيل وغزة محطة تحلية المياه الرئيسية في القطاع التي تخدم أكثر من 600 ألف شخص، بينما يعول سكان غزة على الألواح الشمسية والمولدات للحصول على الكهرباء، وخصوصًا أن الوقود ينقل إلى القطاع بكميات ضئيلة.
من جهتها قالت حركة حماس إن استمرار قطع الكهرباء عن قطاع غزة منذ أكثر من 16 شهرًا، وما تبعه مؤخرًا من قطع خط الكهرباء المحدود الذي يغذي محطة تحلية المياه في دير البلح، يُعد جريمة حرب تهدد بوقوع كارثة تعطيش في قطاع غزة.
جريمة حرب
وأكدت حماس في بيان أمس الأربعاء، أن استخدام الماء والغذاء كسلاح ضد المدنيين الأبرياء يمثل تصعيدًا خطيرًا ضمن الخطوات الممنهجة لتعميق الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، مضيفة أن “حكومة الإرهابي نتنياهو، المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، لا تزال تواصل ارتكاب جريمة عقاب جماعي غير مسبوقة بحق أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة”.
وشددت حماس على أن قطع المياه والكهرباء عن قطاع غزة، ومنع دخول المواد الغذائية والإغاثية والطبية، لليوم الحادي عشر على التوالي، يمثل خرقًا جسيمًا لاتفاق وقف إطلاق النار، وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والإنساني، مشيرة -في الوقت نفسه- إلى إن صمت المجتمع الدولي وتقاعسه عن تحمّل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية تجاه هذه الجرائم، وتجاهله للتقارير والدعوات الصادرة عن المنظمات الإنسانية الدولية، وآخرها دعوة منظمة العفو الدولية لمنع الاحتلال من استخدام المياه كسلاح حرب، يشجع الاحتلال على الاستمرار في سياساته الإجرامية.
وطالبت حماس الدول العربية والأمم المتحدة، والمنظمات الإنسانية، بالتحرك العاجل لوقف هذه الجرائم الوحشية، وفرض إجراءات فورية لإنهاء الحصار على قطاع غزة، ومحاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم أمام العدالة الدولية.
كارثة إنسانية
ولفت المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ إسرائيل لم تكتفِ بالقتل واسع النطاق وتدمير معظم قطاع غزة على مدار 15 شهرًا، بل تمضي في تصعيد سياسات الإبادة الجماعية عبر فرض ظروف معيشية أكثر فتكًا تؤدي إلى القتل التدريجي والبطيء، من خلال حصار شامل غير قانوني يخنق القطاع بمنع دخول المساعدات الإنسانية والمواد الأساسية، ويحول دون إصلاح البنية التحتية والخدمات الضرورية لنجاة السكان، في ظل غياب أي تدخل دولي فعّال.
وحذّر من كارثة إنسانية وشيكة مع استمرار الحصار، إذ بدأت الأسواق تشهد نفادًا للبضائع، وتوقفت العديد من مراكز الإغاثة والتكايا عن العمل، في ظل الإغلاق المستمر لمعابر غزة ومنع دخول الإمدادات منذ 2 مارس الجاري، ما يفاقم معاناة المدنيين ويدفعهم نحو المجاعة الحتمية.
وشدّد على أن المجاعة ليست الخطر الوحيد الذي يجب أن يستنفر المجتمع الدولي، ولا ينبغي انتظار وقوعها للتحرك؛ إذ أنّ حرمان السكان، وخاصة الأطفال، من التغذية الكافية يؤدي إلى سوء تغذية حاد يسبب أضرارًا صحية غير قابلة للعلاج، ويتسبب في إعاقات جسدية وعقلية دائمة.
ونبّه إلى أن النقص الحاد في التغذية خلال المراحل الحرجة للنمو يضعف الجهاز المناعي، ويزيد من معدلات الإصابة بالأمراض القاتلة، ويؤدي إلى تأخر حاد في التطور الإدراكي والحركي، ما يترك آثارًا صحية دائمة لا يمكن عكسها حتى في حال تحسن الظروف لاحقًا.
القطاع الصحي مدمًّر
وفي تصريحات صحفية أمس، أكد مدير عام المستشفيات في وزارة الصحة الفلسطينية محمد زقوت، أن الاحتلال الإسرائيلي لم يسمح بدخول أي جهاز طبي أو جهاز أشعة إلى قطاع غزة منذ بداية العدوان في 7 أكتوبر الماضي حتى الآن، مشددًا على أن “إسرائيل” لم تلتزم بالبروتوكول الإنساني رغم وقف إطلاق النار في يناير الماضي.
وتابع زقوت: “لم يُدخل أي جهاز طبي مهم إلى القطاع، باستثناء بعض المستلزمات والمهمات الطبية التي لا تتجاوز فائدتها 60%”، مشيرًا إلى أن قوات الاحتلال دمرت أجهزة الرنين المغناطيسي وأجهزة التصوير الطبي الطبقي كافة، والتي تعتبر أساسية في التشخيص والمتابعة الطبية للمرضى، خلال اقتحامها مستشفيات القطاع.
وأكّد المرصد الأورومتوسطي أنّ ما تفعله إسرائيل يفاقم الكارثة الإنسانية ويكرّس التجويع كأداة إبادة جماعية، منبها إلى أنّ المساعدات الإنسانية حق أساسي للسكان المدنيين غير قابل للمساومة بموجب القانون الدولي الإنساني، ولا يوجد أي استثناء أو مبرر قانوني يجيز لإسرائيل حرمان الفلسطينيين من المساعدات الإنسانية الأساسية.
وأوضح أنّ إسرائيل لا تكتفي باستخدام المساعدات كورقة تفاوضية لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية، بل تنفذ بشكل متعمد سياسة تجويع منهجية، في محاولة لخلق ظروف معيشية قاتلة تجعل بقاء السكان في غزة مستحيلاً.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ إعلان إسرائيل المتكرر عن تنسيقها الكامل مع الإدارة الأمريكية الحالية، التي أعلنت صراحة نيتها تهجير سكان قطاع غزة بالكامل، يؤكد أنّ جرائم التجويع وقطع المساعدات الإنسانية ليست مجرد أدوات ضغط تفاوضية أو ممارسات معزولة، بل جزء من مخطط مدروس يتماشى مع التوجه الأمريكي لفرض التهجير القسري وتفريغ القطاع من سكانه، في إطار سياسة تطهير عرقي تشكل مؤشرًا إضافيًا على النية التدميرية لجريمة الإبادة الجماعية، خاصة مع فرض ظروف معيشية مميتة تجعل استمرار الحياة في غزة مستحيلًا.
إبادة جماعية
وأكّد أنّ هذه السياسة الإسرائيلية تكرّس جريمة الإبادة الجماعية، وفقًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948م، التي تحظر فرض ظروف معيشية تؤدي إلى تدمير جماعة ما كليًا أو جزئيًا، فحتى بعد وقف إطلاق النار، واصلت إسرائيل فرض ظروف قسرية مميتة تستهدف القضاء التدريجي على الفلسطينيين، من خلال حرمانهم من المقومات الأساسية للحياة، في إطار مخطط طويل الأمد يهدد وجودهم المادي كجماعة وطنية، محذرا من أنه لا يمكن للمجتمع الدولي الاستمرار في غض الطرف عن الحصار غير القانوني المفروض على قطاع غزة، والذي يشكّل أحد أبرز أدوات الإبادة الجماعية.
ودعا المرصد الأورومتوسطي جميع الدول والكيانات ذات العلاقة إلى تحمل مسؤولياتها القانونية والتحرك العاجل لوقف جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة بأفعالها كافة، وفرض كافة الإجراءات اللازمة لإجبار إسرائيل على رفع الحصار بشكل كامل وفوري، والسماح بحرية حركة الأفراد والبضائع دون قيود، وفتح جميع المعابر دون شروط تعسفية، واتخاذ خطوات فاعلة لإنقاذ الفلسطينيين من مخططات القتل البطيء والتهجير القسري، بما يشمل تفعيل استجابة عاجلة لتلبية الاحتياجات الفورية والملائمة للسكان، بما في ذلك توفير سكن مؤقت ولائق.
وطالب المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي بفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية على إسرائيل بسبب انتهاكها المنهجي والخطير للقانون الدولي، بما يشمل حظر تصدير الأسلحة إليها، أو شرائها منها، ووقف التعاون العسكري معها، وتجميد الأصول المالية للمسؤولين المتورطين في الجرائم ضد الفلسطينيين، كما دعا لتعليق الامتيازات التجارية والاتفاقيات الثنائية التي تمنح إسرائيل مزايا اقتصادية، مما يزيد الضغط عليها لإنهاء جرائمها ضد الفلسطينيين.
وحثّ المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي على تحمل مسؤولياته القانونية والإنسانية بشأن ضرورة تنفيذ إصدار محكمة العدل الدولية في 28 مارس 2024م، تدابير تحفظية تلزم إسرائيل فيها باتخاذ الإجراءات اللازمة والفعّالة، وبالتعاون مع الأمم المتحدة، لضمان دخول المساعدات إلى قطاع غزة من دون معوقات وبلا تأخير، وذلك تنفيذا لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية.
ودعا المحكمة الجنائية الدولية لتسريع تحقيقاتها وإصدار مذكرات توقيف بحق المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في الجرائم الدولية المرتكبة في قطاع غزة، مذكّرًا الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي بالتزاماتهم القانونية بالتعاون الكامل مع المحكمة، وضمان تنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة بحق المسؤولين الإسرائيليين لمنع إفلاتهم من العقاب.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: جریمة الإبادة الجماعیة الاحتلال الإسرائیلی المساعدات الإنسانیة المرصد الأورومتوسطی وقف إطلاق النار المجتمع الدولی ظروف معیشیة فی قطاع غزة إلى القطاع أکثر من إلى أن
إقرأ أيضاً:
مجاعة وحصار في رمضان.. عربي21 ترصد أزمة غزة الإنسانية بين الجوع وانتهاكات الاحتلال
"رمضان يفتقد للكثير من الأهل، وجوع وعطش مستمرّين لا يُشبعهم الأكل القليل، مع قصف لا يهدأ من قوات الاحتلال الإسرائيلي" هكذا يُمكن وصف المشهد الجاري في قطاع غزة المحاصر، في حضمّ استمرار إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات الإنسانية، لليوم العاشر على التوالي، ما يُنذر بمجاعة مُتفاقمة.
أيضا، إنّ منع دخول الغذاء والدواء والوقود والمواد الإغاثية الأساسية، قد أدّى إلى ارتفاع وُصف بـ"المُهول" لأسعار المواد الغذائية، ونقص حاد في المستلزمات الطبية، ما جعل الأزمة الإنسانية في القطاع، تدقّ ما تبقّى من ناقوس الخطر.
في هذا التقرير، ترصد "عربي21" أثر استمرار الاحتلال الإسرائيلي في إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات الإنسانية، لليوم العاشر على التوالي، وكذا استهداف جُل ما يرتبط بالعمل الإنساني داخل قطاع غزة.
منع للمساعدات
لليوم الـ110 على التوالي، تستمر دولة الاحتلال الإسرائيلي احتلال كافة معابر غزة مع مواصلة إغلاقها، ومنع سفر الجرحى والمرضى للعلاج أو إدخال أي مساعدات إنسانية للقطاع.
ويغلق الاحتلال المعابر منذ اجتياحه مدينة رفح جنوبي القطاع، وسيطرته على معبري رفح البري وكرم أبو سالم، على الرغم من توالي تحذيرات المنظمات الإنسانية والإغاثية ومطالبات دولية بإعادة فتح المعابر لتلافي حصول مجاعة بسبب انقطاع المساعدات، ولإنقاذ أرواح آلاف المرضى والجرحى.
إلى ذلك، يطالب المجتمع الدولي، دولة الاحتلال الإسرائيلي بتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية، إلى كامل غزة، لمنع حدوث مجاعة مزرية. كما أنّ هناك نحو مليوني نازح فلسطيني، يفترشون الخيام، التي باتت بدورها عُملة نادرة، حيث إن من اهترأت خيمتهم، يفترش العراء، وبات "الأكل" بكافة أنواعه نادرا، وإن توفّر فإنّه يكون بسعر صاروخي.
فيما كان البروتوكول الإغاثي، المُتّفق عليه ضمن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل يومه الـ52، ينصّ على أنّ دخول المساعدات الإنسانية سيتم بمعدل 600 شاحنة يوميا، مع دخول معدّات للدفاع المدني وصيانة البنية التحتية؛ فإنّ الاحتلال الإسرائيلي قد خرقه، أمام مرأى العالم، عقب دخول اتّفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ.
كذلك، فيما نصّ البروتوكول على إدخال 60 ألف كرفان و200 ألف خيمة إلى غزة، بغية استيعاب النازحين، وأن المساعدات تتضمن مواد إغاثية ومعدات إنسانية من حكومات ومنظمات دولية، كشف الواقع المُعاش في غزة، خلال الأيام القليلة الماضية، مشهدا آخر، يسعى خلاله الاحتلال الإسرائيلي إلى اغتيال الإنسانية، داخل القطاع المحاصر.
يشار إلى أن 80 في المئة من سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. ما يجعل وقف المساعدات يعرّض أكثر من 289,824 طفلا و139,764 مسنا، للموت جوعا، فضلا عن البرد الشديد، لعدم توفّر الأغطية ووسائل التدفئة، بحسب وزارة التنمية الاجتماعية في غزة.
وبموجب القانون الدولي الإنساني وقانون الحرب، يجب ألاّ يكون الأطفال هدفا للهجمات بأي حال من الأحوال في النزاعات والحروب، وأيضا فإن: "المدنيين الواقعين تحت سيطرة القوات المُعادية يجب أن يُعاملوا معاملة إنسانية في جميع الظروف، ودون أي تمييز ضار، ويجب حمايتهم ضد كل أشكال العنف والمعاملة المهينة.." غير أن الاحتلال يضرب كافة القوانين والاتفاقيات الدولية، عرض الحائط.
وحتّى في الوقت الذي صدر فيه قرار ينصّ على وقف إطلاق النار فورا، من مجلس الأمن الدولي، وعلى الرغم من مثول دولة الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية"، فإن قوات الاحتلال واصلت عدوانها على كامل القطاع المحاصر.
مطالب للضّغط على الاحتلال
في داخل القطاع المحاصر، الذي يعايش ويلات الحرب القاسية، فإن من نجى من الاستهداف المُباشر وغير المباشر، لم ينجوا من فُقدان منزله، وربّما كامل أهله، وربّما لن ينجو من الجوع والعطش. إنها سلسلة طويلة من إجرام الاحتلال الإسرائيلي بحق الغزّيين وانتهاك مباشر لحقوق الإنسان وكافة القوانين الدولية.
أوضحت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أنّ: استمرار إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات لليوم العاشر ينذر بمجاعة في قطاع غزة، كما أن منع دخول الآليات الثقيلة يعرقل جهود انتشال الجثامين وأعمال الترميم والإعمار في القطاع.
وأكدت حماس أنّ: إغلاق المعابر يشكل خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي ينص على تسهيل دخول المساعدات من دون قيود، وأدانت استخدام المساعدات "ورقة ابتزاز سياسي".
وتابعت بأنّ: "هذه السياسات العدوانية لن تكسر إرادة شعبنا"، فيما طالبت في الوقت نفسه، الوسطاء، بالضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي للالتزام بتعهداتها وفتح المعابر وإنهاء سياسة العقاب الجماعي ضد الشعب الفلسطيني.
من جهتها، أكّدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنّ: تعليق إدخال الدعم الإنساني، بما في ذلك وقف إمدادات الكهرباء ومنشأة تحلية المياه الوحيدة في غزة، يهدّد بانزلاق غزة إلى حالة طوارئ إنسانية حادة.
وأشارت اللجنة إلى أنه: بموجب القانون الدولي الإنساني، يتعين على دولة الاحتلال الإسرائيلي ضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان المدنيين الخاضعين لسيطرتها، كما يتعين عليها السماح بمرور المساعدات الإنسانية بسرعة ومن دون عوائق وتسهيل ذلك.
أيضا، أبرزت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" أنّ: 90 في المئة من سكان قطاع غزة غير قادرين على الحصول على المياه. فيما تقدّر وكالات الأمم المتحدة أن 1.8 مليون شخص -أكثر من نصفهم من الأطفال- يحتاجون بشكل عاجل إلى المياه والصرف الصحي والمساعدة الصحية.
وعبر تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "إكس"، حذّر وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، هيمش فولكنر، من أنّ: "قطع الكهرباء عن غزة يهدد بعواقب وخيمة"، فيما شدّد على: "ضرورة أن تكون محطات تحلية المياه قادرة على العمل وتوفير مياه نظيفة للشرب".
أيضا، حثّ دولة الاحتلال الإسرائيلي على إعادة تشغيل إمدادات الكهرباء والمساعدات الإنسانية بغرض ضمان التزامها بالقانون الإنساني الدولي.
ناقوس خطر يُدقّ
منع دخول المواد الأساسية، من قبيل: الأدوية، الوقود، ومواد البناء، وفرض قيود على تنقل العاملين في المنظمات الإنسانية بين غزة والضفة الغربية المحتلة أو الخارج، ناهيك عن استهداف المرافق الحيوية، مثل المدارس، المستشفيات، ومخازن المساعدات الإنسانية.. هي جُملة من الانتهاكات التي يُواصل عليها الاحتلال الإسرائيلي لتقويض الجهود الإنسانية بغزة.
وخلال آب/ أغسطس 2024 الماضي، قلّص الاحتلال الإسرائيلي المناطق الإنسانية إلى 35 كم مربع، أي بما يعادل 9.5 في المئة من إجمالي مساحة القطاع، شملت تقريبا 3.5 في المئة منها مساحات زراعية وخدماتية وتجارية.
وإن استمّر الوضع على حاله، فإنّه سيعمل بشكل متفاقم على: انتشار سوء التغذية الحاد، خاصة بين الأطفال والنساء الحوامل، بسبب نقص الفيتامينات والبروتينات الضرورية. مع انهيار ما تبقّى من القطاع الصحي وزيادة الوفيات، إذ تعتمد المستشفيات والمرافق الصحية على الإمدادات الطبية التي يتم إدخالها عبر المساعدات الدولية.
أيضا، إنّ نقص الأدوية والمعدات الطبية يعني عدم قدرة المستشفيات على علاج المرضى والمصابين، إنّ توقّف دخول الوقود، يعني تهديد عمل المولّدات الكهربائية في المستشفيات، ما يؤدي إلى وفاة المرضى في العناية المركزة وحضانات الأطفال.
وكانت وزارة الصحة في غزة، قالت، إنّ: نحو 20 ألف جريح ومريض في غزة حاليًا بحاجة للسفر للعلاج في الخارج، مؤكدة عدم تمكن أي منهم من مغادرة القطاع منذ احتلال القوات الإسرائيلية للمعابر، ما يعرض حياة الآلاف منهم للمضاعفات والموت.
وفي غزة، تعتمد محطات تحلية المياه على الوقود والكهرباء، ما يعني أنّ توقف الإمدادات، هو حرمان لملايين السكان من مياه الشرب النظيفة. فيما سيؤدّي شرب المياه غير المعالجة إلى انتشار الأوبئة مثل الكوليرا والتهاب الكبد الوبائي.
تجدر الإشارة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي قد أخرج 203 من أصل 319 بئر مياه جوفية عن الخدمة، عبر تدميرها كلّيا أو جزئيا، أو جرّاء عدم إمكانية الوصول إليها وتشغيلها؛ ناهيك عن تدمير 33 خزانا رئيسيا للمياه من إجمالي 50، حيث باتت البلديات تضخ فقط ما يقدّر بـ92.500 متر مكعب يوميا، مقارنة بـ300.000 متر مكعب كانت تضخها قبل بدء العدوان، ما يُضاعف من صعوبة الحياة اليومية.
وفي السياق نفسه، فإنّ آلاف العائلات التي دُمّرت منازلها في الحرب الأخيرة تعتمد على المساعدات الإنسانية لتوفير خيام ومستلزمات التدفئة، ما يشير إلى أن استمرار نقص المساعدات سيجعل النازحين عرضة للبرد القارس، خاصة في المخيمات غير المجهزة.
كذلك، فإنّ انعدام الأمن الغذائي والتدهور الاقتصادي، قد يدفع بعض الأشخاص، قسرا وعلى غير عادتهم، إلى اللجوء للجريمة أو الأسواق السوداء للحصول على الطعام والدواء.
وكانت "الأونروا"، قد أكّدت، في وقت سابق، من أنّ: "الجوع في قطاع غزة وصل إلى مستويات حرجة، حيث يبحث الناس عن بقايا الطعام في النفايات التي مضى عليها أسابيع"، مردفة أنّ: "الأوضاع تتدهور بسرعة مع دخول فصل الشتاء، ويصبح بقاء الأهالي مستحيلا من دون مساعدات إنسانية عاجلة"، فيما طالبت عبر تغريدات متتالية على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" بـ"وقف إطلاق النار فورا"، وتوفير المساعدات الإنسانية.
في خضمّ ذلك، حذّر برنامج الأغذية العالمي من أن مليوني فلسطيني بقطاع غزة المدّمر والمُحاصر، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، معربا عن قلقه إزاء تقليص حجم عمليات تقديم المساعدات لغزة.
محاولات عيش
رغم المآسي الصّعبة التي يُعايشها الغزّيين، قسرا وإجبارا، وأمام مرأى العالم، وفي ضرب صارخ لكافة القوانين والمواثيق الدولية من الاحتلال الإسرائيلي، يُحاول المواطنين بغزّة، اقتناص الشهر الفضيل (رمضان) لتأهيل أماكن لأداء الصّلوات، رغم تكدس الركام بالشوارع، لإحياء الشعائر الدينية، ومحاولات لإزاحة الركام فوق منازلهم التي سوّيت بالأرض، لخلق جو السّفرة الرمضانية، وإن كانت تفتقد لكافة الأساسيات.
كذلك، حلّ رمضان لعام 2025، فيما تفتقد آلاف العائلات الفلسطينية لأبناءها، حيث استشهد أكثر من 61709 فلسطينيا بقطاع غزة، بينهم 14 ألفا لا يزالون في عداد المفقودين وتحت الركام.
إلى ذلك، تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي منع دخول المساعدات الإنسانية للقطاع، ما يفاقم معاناة السكان الذين يعيشون تحت وطأة الحصار المستمر. ناهيك عن تسارع حدّة الانتهاكات اليومية، ما يهدد بتفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع. ممّا يستدعي تدخلا عاجلا من المجتمع الدولي لضمان توفير الحماية والإغاثة اللازمة للسكان المتضررين.
وطالب بدوره، مرارا وتكرارا، المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، بفتح معبري رفح وكرم أبو سالم وإدخال المساعدات والبضائع وإنهاء حرب الإبادة الجماعية المستمرة للشهر العاشر على التوالي.
وبدعم أمريكي، شنّ الاحتلال الإسرائيلي، حربا هوجاء، على كامل قطاع غزة المحاصر، أدّت لأكثر من 146 ألف شهيد وجريح فلسطيني، جلّهم من الأطفال والنساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة، في خضم ما بات يُنعت بـ"أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم".
وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي، حرب الإبادة الجماعية، متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنعها ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي في غزة.