رمضان يرمزُ إلى قوة المؤمنين واتّحادهم
تاريخ النشر: 13th, March 2025 GMT
لقد بعث اللهُ رسولَه بالهدى ودين الحق، دين الإسلام في شهر رمضان، الذي أُنزِلُ فيه القرآنُ هدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان، وجعله خاتم النبيين، وختم به الشرائع جميعًا، وأتم به الدين، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسلام دِينًا) وأنزل عليه في سورة الفرقان (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيرًا) وفي سورة الأنبياء (وَما أرسلناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) وفي سورة الأعراف (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا).
لقد بعث الرسول محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- في شهر رمضان بالنور والهدى الذي اكتملت به عناصر الخلود، فجمع فيه بين عمل الدنيا وعمل الآخرة، التي راعى فيها مطالب الروح والجسد على منهج قويم لا إفراط فيه ولا تفريط، فأمر المسلمين أن يصلحوا دنياهم بالعمل النافع، وآخرتَهم بالعمل الصالح الذي يحقّق لهم السعادة في أمور معادهم، وكتب عليهم الصيام في شهر رمضان لعلهم يتقون، ولم يجعل القرآن هداية للعرب فقط وإن بدأ بهم، بل إن معارفَه وأنوارَه عامةٌ للبشر، مفيدةٌ لهم في إصلاح عقائدهم وعاداتهم، ومرشدة لهم إلى العلوم الإنسانية والطبيعية، وأسرار كامنات الأرض وكامنات السماء.
فكأن رمضانَ بأنوار القرآن ينادي إلى الهدى والتقى والفلاح والسعادة، فهل من مستضيء بهديه لينال الحسنى وزيادة.
فهو عنوانٌ لعز الأُمَّــة الإسلامية، ورمز لعظمتها، فإذا اعتصم المسلمون واتَّحدوا وعقدوا النيةَ على إعلاء كلمة الله والاعتصام بحبله والجهاد في سبيله؛ مِن أجلِ تحرير فلسطين ومقدسات المسلمين في الأرض كلها، ونشر الإسلام وهداية الناس إليه، فَــإنَّهم يكونون بذلك قد ساروا على نهجِ نبيه محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي أنزل عليه (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جميعًا وَلا تَفَرَّقُوا) (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) وأجابوا داعيَ الله فأصلحوا أنفسهم، ورجعوا إلى كتاب ربهم فأجدر بهم أن ينالوا شرفَ الدنيا والآخرة.
فمن مزايا شهر رمضان الكريم فرض الصيام فيه ليكون خيرَ وسيلة لإصلاح النفس، وإصلاح الجسد، وإصلاح المجتمع، وإصلاح الأُمَّــة وتوحُّدها، ففي ذلك مجد الدنيا والآخرة (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
محمد أبو هاشم: الإمام أبو حنيفة وضع أساس الاجتهاد الفقهي الذي يسر على المسلمين
قال الدكتور محمد أبو هاشم، عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، إن الإمام أبو حنيفة النعمان كان من أبرز الأئمة الذين أسسوا الاجتهاد الفقهي وساهموا في تيسير الفقه الإسلامي بما يتناسب مع واقع الناس وحياتهم اليومية.
وأوضح أبو هاشم، خلال تصريحات له، أن الإمام أبو حنيفة، ولد في الكوفة عام 80 هـ، ونشأ في بيئة علمية، حيث تتلمذ على يد كبار العلماء مثل عامر الشعبي ونافع مولى ابن عمر، حتى أصبح من أبرز فقهاء عصره، معتمدًا على الرأي والحجة في اجتهاداته.
ولفت إلى أن المذاهب الفقهية الأربعة لم تخلق دينًا جديدًا، بل اجتهد أصحابها في فهم النصوص الشرعية، مما يسر على المسلمين تطبيق الشريعة في حياتهم اليومية، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه."
واشار إلى بعض اجتهادات الإمام أبي حنيفة التي أثرت في حياتنا اليوم، مثل جواز الوضوء من الصنبور، وهو ما كان موضع خلاف عند ظهوره، حتى أقره الإمام أبو حنيفة، ومن هنا جاء اسم "الحنفية" المستخدم حتى اليوم.
وأكد أن المحاكم الشرعية في مصر تعتمد على مذهب الإمام أبي حنيفة في قضايا الزواج والطلاق، حيث اشترط أن يكون الشاهد مسلمًا فقط دون الدخول في تفصيلات العدالة التي قد تُعسر الأمر على الناس.
وبين أن الإمام أبو حنيفة توفي عام 150 هـ ودُفن في حي الأعظمية ببغداد، حيث ظل مذهبه من المذاهب المعتمدة لدى أهل السنة والجماعة، داعيًا الله أن يوفق المسلمين لما يحبه ويرضاه.
حفظ الإمام أبي حنيفة، القرآن الكريم في صغره، وحجّ البيت الحرام وهو ابن ستّ عشرة سنة مع أبيه، ويروى أنّ والده ثابت قد عاصر عليًّا بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- فدعا له بالخير ولذريّته كذلك، وقد أخذ العلم عن شيوخ بلغوا أربعة آلاف شيخ، منهم سبعة من الصحابة، وثلاثة وتسعون من التابعين، ومن بقي منهم من تابعي التابعين، وقد أخذ الفقه عن حمّاد بن أبي سلمة.
ومن شيوخه أيضًا عطاء بن أبي رباح والشعبي وعمرو بن دينار ومحمّد الباقر -والد الإمام جعفر الصادق- وابن شهاب الزُّهري، وأخذ عنه العلم خلق كُثُر منهم القاضي أبو يوسف ووكيع -شيخ الإمام الشافعي- وعبد الرزاق بن همام شيخ الإمام أحمد بن حنبل.
محنة الإمام أبي حنيفة
تعرّض الإمام أبو حنيفة النعمان لمحنة في عهد الدولة الأموية وأخرى في عهد دولة بني العباس، وقد عاصر الإمام الدولتين وكانت معظم حياته أيّام الأمويّين، ففي أيّام الأمويين طلب ابن هُبيرة -وكان والي الكوفة وقتها- من الإمام أبي حنيفة أن يتولى قضاء الكوفة، فرفض الإمام أبو حنيفة النعمان ذلك، فجلده ابن هبيرة مائةسوط ورفض الإمام ولم يلِن، فعندما رآه ابن هبيرة كذلك خلّى سبيله، ثمّ لمّا ولِيَ أبو جعفر المنصور خلافة العباسيين طلب من الإمام أبي حنيفة أن يكون قاضي القضاة، وهذا منصب له أوزار كثيرة كما يرى الإمام أبو حنيفة النعمان، فرفض ذلك، فأقسم المنصور أن يكون أبو حنيفة القاضي، وأقسم أبو حنيفة النعمان ألّا يستلم ذلك المنصب، فحبسه المنصور وأذاقه من الويلات في سجنه ما لا يحتمله من هو في ريعان الشباب بل أن يحتمله ابن السبعين عامًا، فتوفّي -رحمه الله- في سجنه، وكان ذلك سنة 150هـ بعد أن قضى حياته عابدًا صائمًا ساجدًا راكعًا وقد حجّ خمسًا وخمسين مرّةً، وكان يختم القرآن في كلّ يوم مرّة، وعندما مات صلّى عليه النّاس ستّ مرّات لشدّة ازدحامهم عليه.