لجريدة عمان:
2024-09-19@17:56:52 GMT

لنتوقف عن تسميتهم عمالا!

تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT

كثير منا يتغرب للعمل، للدراسة، أو غيرها من الأسباب. يجد المرء نفسه -بطبيعة الحال- في مواجهة قضايا تخص الهجرة، حقوق الأجانب وما شاكلها. إلا أننا -كأشخاص قادمين من الخليج يعيشون في أوروبا- قليلا ما نلمس الارتباط بين قضايانا، وقضايا المهاجرين في الخليج. يُفترض أن عُمانيا يعيش في ألمانيا، يواجه التحديات التي يُواجهها هندي يعيش في عُمان، وإن بدرجات مختلفة.

مع هذا، فدائما ما يبدو أن القضيتان تقعان في بُعدين مختلفين تماما، وأن نوع القضايا مختلف اختلافا جوهريا. يُهمني اليوم في هذا المقال أن أضع يدي على أصل هذا الاختلاف.

يُمكن تتبع التاريخ الحديث للهجرة في ألمانيا وإليها خلال القرن الماضي، عبر مراقبة تغير المصطلح. يُعطيك المصطلح بحد ذاته دلالات حول حقوق المُهاجرين ووضعهم. حلّت -مع انقضاء نُظم العبودية، والنظم الإقطاعية التي كانت اليد المحركة للنظام الزراعي- بالتزامن مع الثورة الصناعية أنظمة بديلة. ثمة الأنظمة المعتمدة على استثمار القوى العاملة المحلية، وأخرى على استجلاب القوى العاملة. تم في ألمانيا -وخلال الحرب العالمية- إجبار العُمّال الأجانب (Fremdarbeiter) خصوصا من أوروبا الغربية على العمل تحت حكم النظام النازي. تغير المصطلح مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وبحكم ما فيه من دلالات سلبية تُشير إلى العمل الإجباري، تم اصطلاح مفهوم جديد، ألا وهو العمال الزائرين (Gastarbeiter)، وهم من الأتراك، الإيطاليين، وغيرها من الجنسيات. يُشير المصطلح إلى أن وجود العمال في البلد المستضيف على نحو مؤقت. يعني هذا أن البلد المستضيف يُحل نفسه من الالتزامات الاجتماعية، وأي التزامات طويلة الأمد (مثل أنظمة التقاعد) تجاه العمال الزائرين. لكن هؤلاء العمال -بطبيعة الحال- استقروا في بلد الهجرة، وكونوا عائلات، وأنجبوا جيلا جديدا. مما جعل المصطلح قاصرا، فحل محله اليوم (Ausländer) الذي يُترجم للعربية إلى "أجنبي". لاحظ أنه رغم عدم دقة الترجمة العربية إلا أنها تنجح في التفريق بين الأجنبي (التسمية المعاصرة)، والعُمال الأجانب (التسمية خلال الفترة النازية). وبالرغم من أن هذه هي التسمية القانونية، إلا أن الكثيرين -سواء في الحياة اليومية، أو القطاعات الإعلامية والسياسية- يُشيرون إليهم بالأشخاص من ذوي الخلفيات المهاجرة (Menschen mit Migrationshintergrund).

أضع هذه المقدمة لأُسائل النظام الإنتاجي في الخليج، والذي يشترك في كثير من سماته مع النظام الإقطاعي. تتمثل هذه السمات والملامح في: الاستجلاب الكثيف للعمالة، التحلل من الالتزامات الاجتماعية تجاههم، والنظرة الفوقية (حيث يُنظر إليهم باعتبارهم أدنى منزلة فكرية/وإنسانية، النظرة التي تُحدد وفقها - حقوقهم).

يُفضل صاحب العمل توظيف العمالة الأجنبية المؤقتة لأنها رخيصة وقابلة للاستغلال، شبكة الوسطاء التي تتكفل باستجلاب العمالة والظروف التي تكتنف عملية الاستجلاب قليلا ما تُساءل، ثمة أيضا سرديات تُعزز الخوف من الأجانب، مثل الخوف من إفساد الأجانب للقيم المحلية، أو سرقة الأجانب لفرص العمل من أصحاب الأرض، والتي عندما يتم التحدث عنها في سياق نسب "العطالة" المحلية تعني شغل الأجانب لمناصب رفيعة. لهذا دعونا وحتى لا يتشعب الموضوع، ويخرج النقاش عن السيطرة - دعونا نتفق أن الأجانب الذين نُعنى بشأنهم اليوم هم من المشتغلين في الوظائف والأعمال الدنيا مثل: عمال البناء، عمال التنظيف، عاملات المنازل، الكوادر العاملة في المطاعم، الفنادق والمستشفيات.

أُجادل أن أحد أسباب نُدرة النقاشات الحقيقية حول حقوقهم المغيبة (الأجور العادلة، أوضاع المعيشة الكريمة، حرية الحركة والتنقل، لم الشمل العائلي، الحماية من الانتهاكات والاستغلال)، قادم من أنه أُصطلح على تسميتهم عُمالا أو أجانب عوضا عن مهاجرين أو القادمين من خلفيات مهاجرة. فمتى ما تمت تسميتهم عُمالا يسقط من وعينا الكثير من حقوقهم الإنسانية، خصوصا تلك المتعلقة باستقرارهم في البلد الجديد. لأنهم ليسوا أكثر من مجرد قوة عاملة.

ثمة مثال حديث صغير لكن نموذجي لقضيتنا. أحد أسباب ملائمته، هو اتضاح أنه مجرد إشاعة في النهاية، لكنه قدم لنا تجربة اجتماعية مثيرة. أُشيع الشهر الماضي حضر الأجانب من امتلاك سيارات الدفع الرباعي، ما لم تبرر طبيعة عملهم (أو وضعهم العائلي) ذلك. أعترض -بالطبع- من اعتراض. جُل الاعتراضات كانت قائمة على أن سن مثل هذه القوانين يجعل البلد أقل جاذبية للمستثمرين الأجانب، أو الحديث عن عدم وجود نظام نقل عام يُغني الأجانب عن امتلاك مركبات خاصة، أو كيف أن القانون يصب في صالح سائقي سيارات الأجرة، أو لماذا يؤخذ جميع الأجانب بذنب القلة التي تستغل النظام لصالحها، لكني وجدت في النهاية التعليق الذي خطر ببالي أول اطلاعي على الخبر (قبل نفيه). يتساءل المعلق إلى متى يستمر سن القوانين بناء على الجنسية، المهنة، والوضع العائلي؟ وهي تماما الزاوية التي أنطلق منها اليوم. أعني أنه، يسهل إهمال عدم العدالة والتمييز الذي تنطلي عليه مثل هذه القوانين عندما نرى العامل باعتباره عاملا (فحق امتلاك السيارة أو نوع السيارة التي يمتلك مرتبطٌ بمهنته)، أما عندما نراه باعتباره إنسانًا يتبين لنا أن هذا المنع غير مبرر أو على الأقل تمييزي.

قد يُجادل أحدهم، أن الأجدى هو مناقشة التنظيمات التي تُحسن حياة المهاجرين على نحو عملي، عوضا عن الالتفات للتغييرات الشكلية التي تُوحي بتحسينات، بينما يمضي الواقع كما هو دون تغيير ملموس. لا أدعي أن تغيير المصطلح بحد ذاته سيغير واقع المُهاجرين بطريقة سحرية، ولكن قيمته تأتي من أنه سيدفع للتفكير في حقوقهم المغيبة، وسيضيف إلى النقاش (غير الموجود تقريبا)، حول حقوقهم كعمال، حقوقهم كبشر. وسيُسهل على المهتمين والدارسين والناس بشكل عام - إسقاط قضايا المهاجرين حول العالم (مثل الإدماج) على الواقع المحلي.

تغيرت التسمية التي تُشير للمهاجرين عدة مرات خلال العقود الماضية في ألمانيا. كل مرة جلبت معها حزمة كاملة من التصورات الذهنية، التوقعات، -والأهم- الحقوق. درس تاريخي مثل هذا حري بأن يُلفت اهتمام صناع القرار إلى أحد جوانب النقاش المتعلق بواحدة من أهم القضايا الحقوقية اليوم، ويدفع بها نحو دائرة الاهتمام.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی ألمانیا التی ت

إقرأ أيضاً:

«إقامة دبي»: إجراء مقابلات توظيف مع 4000 شخص خلال أسبوعين

 سامي عبدالرؤوف (دبي)

أعلنت الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب في دبي، عن التزام 22 شركة بالقطاع الخاص بدعم حملة «تعديل وتصحيح أوضاع المخالفين»، والمساهمة في تحقيق أهدافها، كاشفة عن أن أكثر من 80 شركة أخرى أبدت استعدادها للانضمام إلى المبادرة لاحقاً.

وأكدت الإدارة، أن التجاوب والتعاون والدعم المتزايد من قبل شركات القطاع الخاص بدبي، يعكس حرصها على المساهمة في المبادرات الإنسانية التي تقدمها دولة الإمارات، وتأكيدها على دعم الأفراد في تصحيح أوضاعهم والعيش والعمل بكرامة، انطلاقاً من مسؤوليتها المجتمعية ورغبتها في الإسهام في تعزيز الاستقرار المجتمعي. وأوضح الفريق محمد أحمد المري، مدير عام الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب بدبي، أن الإدارة تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الشركات الراغبة في الانضمام، مما يعزز من فرص التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص لتحقيق أهداف المبادرة. وأعلن عن أنه ضمن النتائج الأولية للحملة في دبي، قامت الشركات بإجراء مقابلات مع أكثر من 4.000 شخص خلال الأسبوعين الأولين من المهلة، ويستمر العدد في النمو بفضل الجهود المشتركة بين الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب بدبي والشركات المشاركة. ولفت إلى أنه تم توظيف أكثر من 58 شخصاً في وظائف تتلاءم مع مؤهلاتهم وخبراتهم، فيما تستمر عملية تعديل أوضاع الآخرين. وأكد أن معايير اختيار الأفراد تشمل المؤهلات الدراسية، والخبرات المهنية، والمهارات الشخصية، والشهادات المهنية إذا وجدت، بالإضافة إلى اجتياز المقابلات والاختبارات التي تضعها الشركات.

وتواصل الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب بدبي جهودها في تنفيذ مبادرة «نحو مجتمع أكثر أماناً»، التي أطلقتها الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ، بهدف إعادة تصويب أوضاع المخالفين لقوانين الإقامة في الدولة. ولفت المري، إلى أن النتائج الأولية تأتي في إطار سعي الإدارة الدؤوب للمساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار المجتمعي، وتعكس هذه الحلول المبتكرة، سعي الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب بدبي جهودها لتحقيق أهداف المبادرة. من جانبه، أشار اللواء صلاح أحمد القمزي، مساعد المدير العام لقطاع متابعة المخالفين والأجانب بدبي، إلى قصص النجاح الملهمة التي انبثقت عن المبادرة، مؤكداً أن هذه القصص تجسد التزام الإدارة بتوفير بيئة داعمة وممكنة للمقيمين في دبي. وقال: «كل قصة نجاح هي شهادة حية على جهودنا المستمرة في دعم الأفراد من خلال برامج تدريبية وتطويرية تهدف إلى ضمان استقرار الموظفين الجدد وتمكينهم من تحقيق النجاح الوظيفي». وذكر أن هذه الجهود تتميز بمرونتها في توفير فرص عمل متنوعة تتجاوز القطاعات التقليدية، مما يعزز من إمكانية الاستفادة لأكبر عدد ممكن من الأفراد، موضحاً أنه تشمل مجالات التوظيف الإنشاءات، النقل والخدمات اللوجستية، العمالة المساعدة، الصناعة، والمطاعم، مما يوسع نطاق الفرص المتاحة للباحثين عن عمل. وأكد التزام الشركات بتقديم حزمة من المزايا مثل الرواتب المجزية، التأمين الصحي، السكن، والإجازات المدفوعة، بالإضافة إلى برامج التدريب والتطوير المهني التي تساهم في رفع كفاءة الموظفين، فضلاً عن ذلك، تتبنى بعض الشركات مبادرات دعم إضافي كبرامج التوجيه والإرشاد، الدعم المالي في مناسبات محددة، وتغطية تكاليف تعليم الأبناء، بهدف توفير بيئة عمل مستقرة ومتوازنة. وقال: «تعزيزاً لجهودها المستمرة في دعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، تواصل الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب بدبي توسيع شبكة التعاون مع القطاع الخاص، بهدف زيادة فرص العمل وخلق بيئة متكاملة تجمع بين القطاعات المختلفة». وكشف عن أن المبادرة أظهرت نجاحاً ملحوظاً، حيث بلغت نسبة الرضا بين الأفراد الذين تم توظيفهم 100%، مما يعكس قدرتها على تلبية احتياجات المستفيدين وتحسين جودة حياتهم بشكل فعّال. ودعا القمزي جميع الأفراد الراغبين في تسوية أوضاعهم إلى اغتنام الفرص المتاحة قبل انتهاء الفترة المحددة للمبادرة، حيث تؤكد الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب بدبي التزامها المستمر بتقديم حلول مبتكرة وخدمات عالية الجودة، تسهم في تحقيق رؤية الإمارات لبناء مجتمع متكامل وآمن، حيث تظل المبادرات الفعّالة جزءاً أساسياً من مسيرة تحسين جودة الحياة وتعزيز الاستقرار للجميع.

أخبار ذات صلة محمد بن راشد يُصدر قانوناً بشأن تنظيم صفة الضبطية القضائية في إمارة دبي 10 دقائق زمن الرحلة من المطار إلى «النخلة» في التاكسي الجوي

مقالات مشابهة

  • ارجاء جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة بعد ظهر اليوم (صورة)
  • لبنان.. 20 قتيلا و450 جريحا حصيلة التفجيرات التي استهدفت الأجهزة اللاسلكية اليوم
  • اعلام لبناني: الأجهزة التي فجرت اليوم بلبنان من نوع ووكي توكي أيكوم
  • وزير الدفاع شدد على حق العسكريين برواتب تؤمن لهم نسبة لائقة من حقوقهم
  • «إقامة دبي»: إجراء مقابلات توظيف مع 4000 شخص خلال أسبوعين
  • تلميذ ياباني يتعرض للطعن في الصين مع تصاعد الهجمات ضد الأجانب
  • ربع السكان أجانب.. كيف يشكل المهاجرون مستقبل سويسرا ؟
  • تقرير: قفزة في عدد السكان الأجانب بالبرتغال في عام 2023
  • السعد: نأمل أن تكون الدماء التي سقطت اليوم مدخلا لتمتين الوحدة الوطنية
  • 15 وسيلة إعلام ألمانية تطالب مصر والاحتلال بالسماح لها بدخول قطاع غزة