لجريدة عمان:
2024-11-18@21:25:30 GMT

لنتوقف عن تسميتهم عمالا!

تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT

كثير منا يتغرب للعمل، للدراسة، أو غيرها من الأسباب. يجد المرء نفسه -بطبيعة الحال- في مواجهة قضايا تخص الهجرة، حقوق الأجانب وما شاكلها. إلا أننا -كأشخاص قادمين من الخليج يعيشون في أوروبا- قليلا ما نلمس الارتباط بين قضايانا، وقضايا المهاجرين في الخليج. يُفترض أن عُمانيا يعيش في ألمانيا، يواجه التحديات التي يُواجهها هندي يعيش في عُمان، وإن بدرجات مختلفة.

مع هذا، فدائما ما يبدو أن القضيتان تقعان في بُعدين مختلفين تماما، وأن نوع القضايا مختلف اختلافا جوهريا. يُهمني اليوم في هذا المقال أن أضع يدي على أصل هذا الاختلاف.

يُمكن تتبع التاريخ الحديث للهجرة في ألمانيا وإليها خلال القرن الماضي، عبر مراقبة تغير المصطلح. يُعطيك المصطلح بحد ذاته دلالات حول حقوق المُهاجرين ووضعهم. حلّت -مع انقضاء نُظم العبودية، والنظم الإقطاعية التي كانت اليد المحركة للنظام الزراعي- بالتزامن مع الثورة الصناعية أنظمة بديلة. ثمة الأنظمة المعتمدة على استثمار القوى العاملة المحلية، وأخرى على استجلاب القوى العاملة. تم في ألمانيا -وخلال الحرب العالمية- إجبار العُمّال الأجانب (Fremdarbeiter) خصوصا من أوروبا الغربية على العمل تحت حكم النظام النازي. تغير المصطلح مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وبحكم ما فيه من دلالات سلبية تُشير إلى العمل الإجباري، تم اصطلاح مفهوم جديد، ألا وهو العمال الزائرين (Gastarbeiter)، وهم من الأتراك، الإيطاليين، وغيرها من الجنسيات. يُشير المصطلح إلى أن وجود العمال في البلد المستضيف على نحو مؤقت. يعني هذا أن البلد المستضيف يُحل نفسه من الالتزامات الاجتماعية، وأي التزامات طويلة الأمد (مثل أنظمة التقاعد) تجاه العمال الزائرين. لكن هؤلاء العمال -بطبيعة الحال- استقروا في بلد الهجرة، وكونوا عائلات، وأنجبوا جيلا جديدا. مما جعل المصطلح قاصرا، فحل محله اليوم (Ausländer) الذي يُترجم للعربية إلى "أجنبي". لاحظ أنه رغم عدم دقة الترجمة العربية إلا أنها تنجح في التفريق بين الأجنبي (التسمية المعاصرة)، والعُمال الأجانب (التسمية خلال الفترة النازية). وبالرغم من أن هذه هي التسمية القانونية، إلا أن الكثيرين -سواء في الحياة اليومية، أو القطاعات الإعلامية والسياسية- يُشيرون إليهم بالأشخاص من ذوي الخلفيات المهاجرة (Menschen mit Migrationshintergrund).

أضع هذه المقدمة لأُسائل النظام الإنتاجي في الخليج، والذي يشترك في كثير من سماته مع النظام الإقطاعي. تتمثل هذه السمات والملامح في: الاستجلاب الكثيف للعمالة، التحلل من الالتزامات الاجتماعية تجاههم، والنظرة الفوقية (حيث يُنظر إليهم باعتبارهم أدنى منزلة فكرية/وإنسانية، النظرة التي تُحدد وفقها - حقوقهم).

يُفضل صاحب العمل توظيف العمالة الأجنبية المؤقتة لأنها رخيصة وقابلة للاستغلال، شبكة الوسطاء التي تتكفل باستجلاب العمالة والظروف التي تكتنف عملية الاستجلاب قليلا ما تُساءل، ثمة أيضا سرديات تُعزز الخوف من الأجانب، مثل الخوف من إفساد الأجانب للقيم المحلية، أو سرقة الأجانب لفرص العمل من أصحاب الأرض، والتي عندما يتم التحدث عنها في سياق نسب "العطالة" المحلية تعني شغل الأجانب لمناصب رفيعة. لهذا دعونا وحتى لا يتشعب الموضوع، ويخرج النقاش عن السيطرة - دعونا نتفق أن الأجانب الذين نُعنى بشأنهم اليوم هم من المشتغلين في الوظائف والأعمال الدنيا مثل: عمال البناء، عمال التنظيف، عاملات المنازل، الكوادر العاملة في المطاعم، الفنادق والمستشفيات.

أُجادل أن أحد أسباب نُدرة النقاشات الحقيقية حول حقوقهم المغيبة (الأجور العادلة، أوضاع المعيشة الكريمة، حرية الحركة والتنقل، لم الشمل العائلي، الحماية من الانتهاكات والاستغلال)، قادم من أنه أُصطلح على تسميتهم عُمالا أو أجانب عوضا عن مهاجرين أو القادمين من خلفيات مهاجرة. فمتى ما تمت تسميتهم عُمالا يسقط من وعينا الكثير من حقوقهم الإنسانية، خصوصا تلك المتعلقة باستقرارهم في البلد الجديد. لأنهم ليسوا أكثر من مجرد قوة عاملة.

ثمة مثال حديث صغير لكن نموذجي لقضيتنا. أحد أسباب ملائمته، هو اتضاح أنه مجرد إشاعة في النهاية، لكنه قدم لنا تجربة اجتماعية مثيرة. أُشيع الشهر الماضي حضر الأجانب من امتلاك سيارات الدفع الرباعي، ما لم تبرر طبيعة عملهم (أو وضعهم العائلي) ذلك. أعترض -بالطبع- من اعتراض. جُل الاعتراضات كانت قائمة على أن سن مثل هذه القوانين يجعل البلد أقل جاذبية للمستثمرين الأجانب، أو الحديث عن عدم وجود نظام نقل عام يُغني الأجانب عن امتلاك مركبات خاصة، أو كيف أن القانون يصب في صالح سائقي سيارات الأجرة، أو لماذا يؤخذ جميع الأجانب بذنب القلة التي تستغل النظام لصالحها، لكني وجدت في النهاية التعليق الذي خطر ببالي أول اطلاعي على الخبر (قبل نفيه). يتساءل المعلق إلى متى يستمر سن القوانين بناء على الجنسية، المهنة، والوضع العائلي؟ وهي تماما الزاوية التي أنطلق منها اليوم. أعني أنه، يسهل إهمال عدم العدالة والتمييز الذي تنطلي عليه مثل هذه القوانين عندما نرى العامل باعتباره عاملا (فحق امتلاك السيارة أو نوع السيارة التي يمتلك مرتبطٌ بمهنته)، أما عندما نراه باعتباره إنسانًا يتبين لنا أن هذا المنع غير مبرر أو على الأقل تمييزي.

قد يُجادل أحدهم، أن الأجدى هو مناقشة التنظيمات التي تُحسن حياة المهاجرين على نحو عملي، عوضا عن الالتفات للتغييرات الشكلية التي تُوحي بتحسينات، بينما يمضي الواقع كما هو دون تغيير ملموس. لا أدعي أن تغيير المصطلح بحد ذاته سيغير واقع المُهاجرين بطريقة سحرية، ولكن قيمته تأتي من أنه سيدفع للتفكير في حقوقهم المغيبة، وسيضيف إلى النقاش (غير الموجود تقريبا)، حول حقوقهم كعمال، حقوقهم كبشر. وسيُسهل على المهتمين والدارسين والناس بشكل عام - إسقاط قضايا المهاجرين حول العالم (مثل الإدماج) على الواقع المحلي.

تغيرت التسمية التي تُشير للمهاجرين عدة مرات خلال العقود الماضية في ألمانيا. كل مرة جلبت معها حزمة كاملة من التصورات الذهنية، التوقعات، -والأهم- الحقوق. درس تاريخي مثل هذا حري بأن يُلفت اهتمام صناع القرار إلى أحد جوانب النقاش المتعلق بواحدة من أهم القضايا الحقوقية اليوم، ويدفع بها نحو دائرة الاهتمام.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی ألمانیا التی ت

إقرأ أيضاً:

بعد حكم "الدستورية العليا" التاريخي.. تعديلات قانون الإيجار القديم في مصر بين "مطالب الملاك" لحماية حقوقهم و"مخاوف المستأجرين" من تأثير الزيادات على استقرارهم المعيشي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

على مدار عقود طويلة، ظل قانون الإيجار القديم في مصر مثار جدل واسع بين الملاك والمستأجرين، حيث يمثل نقطة توازن حساسة بين حقوق الطرفين. 

في الآونة الأخيرة، ازدادت الدعوات لإجراء تعديلات جذرية على هذا القانون، مع تصاعد المطالب بإعادة صياغة العلاقة الإيجارية بشكل يحقق العدالة الاجتماعية ويعالج الأزمات التي تراكمت عبر السنين. يأتي ذلك في ظل إجراءات برلمانية وأحكام قضائية تسعى لتحقيق توازن عادل في سوق الإيجارات، الذي يعاني من العديد من التشوهات الهيكلية.

تعديلات تشريعية مرتقبة

تعمل لجنة الإسكان بمجلس النواب المصري على إجراء تعديلات هامة تهدف إلى تحقيق التوازن بين أطراف العلاقة الإيجارية. 

تتضمن هذه التعديلات رفع القيمة الإيجارية تدريجيًا لتتناسب مع الأسعار السوقية، حيث تقرر زيادتها بنسبة 10% سنويًا للوحدات السكنية القديمة لفترة محددة، بينما تزيد إيجارات الوحدات غير السكنية بمعدلات أكبر تصل إلى خمسة أمثال القيمة الحالية، مع زيادات تدريجية لاحقة.

كما تسعى التعديلات لتقليص الامتداد القانوني لعقود الإيجار السكنية، بحيث تنتهي العقود مع وفاة المستأجر الأصلي أو تركه الوحدة، باستثناء الورثة الذين يثبت إقامتهم الدائمة بها. بالإضافة إلى ذلك، يناقش البرلمان حلولًا للوحدات المغلقة وغير المستغلة، التي تزيد عن 450 ألف وحدة، من خلال استعادتها لصالح الملاك أو إعادة طرحها للسوق بعقود جديدة.

أحكام المحكمة الدستورية وتأثيرها

في خطوة تاريخية، أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمًا بعدم دستورية النصوص القانونية التي تُبقي على ثبات القيمة الإيجارية لعقود الإيجار القديم. بناءً على ذلك، أصبح بإمكان الملاك استرداد وحداتهم المؤجرة لأغراض غير سكنية، مثل الشركات والمؤسسات، فور انتهاء مدة العقد. وحددت المحكمة فترة انتقالية تصل إلى خمس سنوات للمستأجرين لتوفيق أوضاعهم، مع زيادات تدريجية في الإيجار خلال هذه المدة.

تصنيف المستأجرين وفق التعديلات الجديدة

تضمنت التعديلات مقترحات لتصنيف المستأجرين إلى ثلاث فئات لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية. الفئة الأولى تشمل المستأجرين الذين يمتلكون القدرة المالية لتأمين مسكن بديل، مما يسمح بزيادة الإيجارات عليهم تدريجيًا وفقًا لدخلهم. أما الفئة الثانية، فتضم المواطنين غير القادرين ماليًا، حيث سيُمنحون فترات انتقالية طويلة قبل تطبيق الزيادات، مع توفير دعم مباشر للمستحقين. وأخيرًا، الفئة الثالثة تشمل الوحدات المغلقة وغير المستغلة، التي سيتم استعادتها لصالح الملاك.

ردود الأفعال المتباينة

أثارت التعديلات ردود فعل متباينة بين الملاك والمستأجرين. يرى الملاك أن التعديلات المرتقبة تمثل خطوة ضرورية لاستعادة حقوقهم وإنهاء مظاهر الظلم الذي تعرضوا له منذ عقود. بينما يعبر المستأجرون عن مخاوفهم من تأثير الزيادات الجديدة على استقرارهم المعيشي، مطالبين بمنحهم فترات انتقالية كافية لتخفيف الأعباء الاجتماعية الناتجة عن تطبيق القانون الجديد.

موقف البرلمان من امتداد العقود

أكد نواب لجنة الإسكان أن البرلمان ملتزم بتنفيذ حكم المحكمة الدستورية بما يحقق التوازن بين أطراف العلاقة الإيجارية.

 ورغم الجدل حول تعديل امتداد العقود للورثة، أوضح المجلس أن العقود ستظل ممتدة فقط للجيل الأول وفق شروط إقامة محددة، مع انتهاء العقد بوفاة آخر المستفيدين.

مقالات مشابهة

  • «الشعب الجمهوري»: مشروع قانون اللاجئين يضمن حماية حقوقهم
  • ماذا ينتظر وزير الإسكان اليوم خلال الجلسة العامة لمجلس النواب؟
  • رئيس برلمانية الشعب الجمهوري: قانون لجوء الأجانب يضمن حقوقهم ويوفر لهم الرعاية الكاملة
  • إيهاب وهبة: قانون لجوء الأجانب يضمن حقوقهم ويوفر لهم الرعاية الكاملة
  • بعد حكم "الدستورية العليا" التاريخي.. تعديلات قانون الإيجار القديم في مصر بين "مطالب الملاك" لحماية حقوقهم و"مخاوف المستأجرين" من تأثير الزيادات على استقرارهم المعيشي
  • عضو بـ«النواب»: مشروع قانون اللاجئين يحافظ على حقوقهم وينظم أوضاعهم
  • القصبي: قانون لجوء الأجانب من التشريعات الهامة التي يتصدى لها مجلس النواب
  • «النواب» يناقش قانوني لجوء الأجانب والإجراءات الجنائية اليوم
  • وفقًا للقانون.. تعرف على الحالات التي تنهي لجوء الأجانب في مصر
  • أمين عام الائتلاف المصري لحقوق الطفل: أطفال غزه محرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية