قانون الخدمات الرقمية لن يهدد حرية التعبير وإنما سيحميها
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
الترجمة عن الفرنسية: حافظ إدوخراز
اعتبارا من الخامس والعشرين من أغسطس الجاري ستخضع حوالي عشرين من كبريات المنصات الاجتماعية ومحركات البحث على شبكة الإنترنت، مثل غوغل وإكس (تويتر سابقا) وتيك توك وسناب شات، في أوروبا لتقنين غير مسبوق على مستوى العالم: قانون الخدمات الرقمية.
ومن خلال تبني هذا القانون المنظم للخدمات الرقمية، يكون الاتحاد الأوروبي قد وجّه ضربة إلى قلب آفات المجتمع: الخطابات المحرّضة على الكراهية أو العنصرية، التحرش عبر الإنترنت وخاصة في المدارس، الدعوة إلى ممارسة العنف في المظاهرات، بيع المنتجات المزيفة أو الخطرة على الإنترنت.
ومن الآن فصاعدا، سيتعيّن على المنصات والشبكات الاجتماعية الرئيسية أن تمتثل لواجب سحب أي محتوى غير قانوني تستضيفه. وفي حال لم يلتزموا بذلك، فسيتم ضرب محافظهم المالية (غرامات تصل إلى 6٪ من رقم المبيعات العالمي)، أو حتى حظرهم من السوق الأوروبية.
يُثير هذا القانون الأوروبي بعض المخاوف. كيف تسمح أوروبا لنفسها بالحكم على شرعية المحتوى الذي تستضيفه شبكة اجتماعية من عدمه؟ أليست بذلك تمارس الرقابة على الآراء؟ كيف لها أن تمنع الدعوات إلى الانتفاضة على الإنترنت وكانت تشيد بها أثناء "الربيع العربي"؟ فهل يشكل قانون الخدمات الرقمية سلسلة من الخيانات لحرية التعبير؟
لن يترتّب عن قانون الخدمات الرقمية محظورات جديدة، بل سيطّبق على الإنترنت القانون الذي يطبّق بالفعل خارج الإنترنت. ولن يهدّد هذا القانون حرية التعبير، بل سيحميها.
ولم تمنح بروكسل (المفوضية الأوروبية) نفسها سلطة الحكم على مدى ملاءمة المحتوى المنشور على الإنترنت، فهذا ليس دورها ولا تسعى أصلا وراء ذلك. يتعامل قانون الخدمات الرقمية مع المخالفات التي يحددها أصلا القانون. وكل مسعاه هو ضمان تطبيق القانون أيضا على الإنترنت، وذلك باسم مبدأ: ما هو غير قانوني خارج الإنترنت يجب أن يكون غير قانوني أيضا على الإنترنت. لا أكثر ولا أقل.
وإذا كان قانون الخدمات الرقمية لن يحلّ مكان القاضي، فإنه بذلك لن يهدد حرية التعبير أيضا، بل على العكس سيحميها. المنصات والشبكات الاجتماعية هي شركات خاصة سمحت لنفسها، حتى الآن، بتعليق المحتوى أو سحبه بطرائق غير شفّافة، وإجازة محتويات أخرى على نحو يتجاهل القانون ولا يلتزم إلا بشروط اتفاقية الاستخدام على المنصة.
سوف يحمي قانون الخدمات الرقمية المواطنين من انحرافات بعض المنصات، وسيمنح المزيد من الحقوق لمستخدمي الإنترنت: يجب أن تكون قرارات حجب المحتوى أو حذف الحسابات شفّافة، وأي شخص سوف يتم تعليق حسابه أو حذفه سيكون لديه الأهلية القانونية من أجل الاعتراض على ذلك القرار. ومن الآن فصاعدا، لن يتعيّن على المنصات أن تتعاون مع العدالة فحسب، بل ستكون أيضا مسؤولة أمام مستخدميها. وليس بالإمكان تحقيق مثل هذه النتيجة إلا من خلال قانون على مستوى الاتحاد الأوروبي.
إن حرية التعبير التي يؤطّرها أصلا القانون سوف تظل محفوظة. وما يهددها ليس هو تطبيق القانون، بل إن ما يهددها على العكس من ذلك، هو الفوضى التي واكبت تطّور شبكة الإنترنت حتى الآن. ما يهدد حرية التعبير هو انتشار الخطابات المحرّضة على الكراهية التي يُبقي عليها الكثير من شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت عن عمد بسبب الجمهور الذي تجذبه والأرباح التي تدرها. ما من قانون سيقدر على أن يجتث الكراهية، غير أن القانون بوسعه الإبطاء من وتيرة انتشارها والتطبّع معها. إن حماية حرية التعبير لا تعني السماح لأقلية من الناس بإسكات الأغلبية من خلال قوة كراهيتهم. لقد كان ألبير كامو على حق حينما قال: "إن العيش كرجل حر يعني رفض ممارسة الإرهاب أو الخضوع له".
ومهما بلغت قدرته الوقائية فإن قانون الخدمات الرقمية ليس سوى محطة أولى، ويجب أن نذهب أبعد من ذلك. ومن أجل الحد من انتشار الكراهية على الإنترنت على نحو ملموس، سأقترح قريبا بشكل رسمي على المفوضية الأوروبية إنهاء إخفاء الهوية على الإنترنت في أوروبا. بإمكاننا أن نشترط على شبكات التواصل الاجتماعي أن تطلب من مستخدميها، لحظة إنشاء الحساب، نسخة من بطاقة الهوية من أجل التمكن من استعمالها في حالة انتهاك المستخدم للقانون. وإذا كانت إمكانية استعمال الاسم المستعار يجب أن تظل مُتاحة لأنها تسمح للمستخدمين بحماية سرية حياتهم الخاصة وآرائهم، فإن عدم الكشف عن الهوية يجب ألا يكون كذلك، لأنه يوحي للمرء بأن بوسعه أن ينتهك القانون ويفلت مع ذلك من العقاب!
ومن خلال تشريع أول قانون منظّم لعالم المنصات والشبكات الاجتماعية، وخاصة الأمريكية أو الصينية، يؤكد الاتحاد الأوروبي نفسه باعتباره فاعلا سياسيا ذو سيادة. كما أنه يذكّر العالم بروح حضارته: السماح للجميع بممارسة حرياتهم طالما أنهم يحترمون حرية الآخرين.
• جوفروا ديدييه عضو في البرلمان الأوروبي (الحزب الشعبي الأوروبي)، ونائب رئيس اللجنة الخاصة حول التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي.
** عن لوموند الفرنسية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على الإنترنت حریة التعبیر من خلال یجب أن
إقرأ أيضاً:
عضو «صحة الشيوخ»: المسؤولية الطبية ضمانة لتحقيق العدالة في المنظومة
أكد النائب محمد صلاح البدري، عضو لجنة الصحة بمجلس الشيوخ، أن مشروع قانون المسؤولية الطبية يمثل نقلة نوعية في تطوير المنظومة الصحية، إذ يهدف إلى تحقيق التوازن بين حقوق المرضى ومكتسبات الأطباء، وضمان العلاقة العادلة بين مقدم الخدمة ومتلقيها، بما يتماشى مع القواعد الدستورية والقانونية.
مشروع قانون المسؤولية الطبيةوأوضح البدري، في بيان له اليوم، أنه كان يأمل إلغاء الحبس الاحتياطي للأطباء، إلا أن القانون في النهاية يتوافق مع مواد الدستور في هذا الشأن، منوها بأن القانون يعكس رؤية متكاملة لتنظيم العمل الطبي، إذ يضع إطارا واضحا للمسؤولية القانونية للطبيب، ما يضمن حماية المرضى من الأخطاء الطبية ويعزز شعورهم بالثقة في الخدمات الصحية المقدمة، مؤكدا أنه في الوقت نفسه يمنح الأطباء ضمانات قانونية لحمايتهم أثناء أداء عملهم، بشرط الالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية.
ولفت إلى أن القانون يُشكِّل خطوة حاسمة نحو تحسين بيئة العمل الطبي، من خلال توفير الحماية القانونية للأطباء الملتزمين الذين يعملون وفقاً للضوابط المهنية، مؤكدا أن تلك الضمانات ستسهم في تقليل القلق لدى الأطباء وتتيح لهم التركيز على تقديم أفضل الخدمات للمرضى، مما يعكس التزام الدولة بتطوير القطاع الصحي.
التعامل مع القضايا الطبيةوشدد البدري على أن هذا القانون لم يقتصر فقط على حماية الأطراف المختلفة، بل يسعى أيضاً إلى وضع معايير وضوابط للمساءلة بما يضمن الشفافية والعدالة في التعامل مع القضايا الطبية.
ودعا جميع العاملين في القطاع الصحي إلى دعم القانون والعمل على إنجاحه، مشيراً إلى أنه يمثل أساساً قوياً لبناء منظومة صحية متكاملة تقوم على الإنصاف والاحترام المتبادل، لافتا إلى أن القانون يساهم في تعزيز مكانة الطبيب المصري وتحسين الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين، مشيداً بجهود الدولة في إرساء قواعد العدالة في قطاع الصحة بما يخدم صالح الجميع.