تامر عبد الحميد (أبوظبي)
يُعتبر «فن التغرودة» أحد العناصر التراثية المهمة في الثقافة الإماراتية، حيث ظهر هذا الشعر الغنائي لترفيه المرتحلين على ظهور المطايا عن أنفسهم أثناء سيرهم لمسافات طويلة في الصحراء، كما أن أهل الصحراء وركاب الإبل كانوا يعتقدون أن هذا النوع من الغناء يحث الإبل على السير والتحمل، في الوقت نفسه يزيد من سرعتها كلما أسرع الحادي في إيقاعه الذي يشدو به.

 
يلعب «فن التغرودة» دوراً مهماً في توثيق التاريخ الاجتماعي والثقافي في المنطقة، واقترنت «التغرودة» التقليدية بالصحراء وركوب الناقة وقطع المسافات البعيدة والسفر الشاق للعديد من الأغراض من بينها التنقل والترحل والتجارة، وقد أُدرج «فن التغرودة» عام 2012 ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في «اليونسكو».
شعر مرتجل 
«التغرودة».. نوع من أنواع الشعر الشعبي الذي يتم إلقاؤه بشكل لحني من قبل الرجال الذين يرتحلون على ظهور الإبل من مكان إلى آخر، أو أثناء رحلات القنص أو في المجالس، وعن هذا الفن، قال بخيت محمد المهري، مؤدي «فن التغرودة»: نشأ هذا الفن في البيئة الصحراوية، والمناطق الجبلية في دولة الإمارات كأحد أنماط الشعر المرتجَل، وانتشر هذا الفن كأحد أهم فنون الأداء التقليدية التراثية المحببة في الثقافة الإماراتية.
وتابع: تبدأ «التغرودة» بارتجال قصيدة قصيرة تُؤدّى على شكل غناء، يرددها شخص أو اثنان وهما على ظهور الإبل، حيث يبدأ الأول بالتغريد، ثم يرد عليه الآخر بنفس البيت الشعري، ولا يصاحب هذا الإنشاد أي من الأدوات الموسيقية، وتتنوع موضوعات شعر التغرودة بين الحب والصداقة والطموح والمدح والعلاقات القبلية، ويمتاز هذا النوع من الشعر بأنه مباشر ولا يستخدم صوراً مجازية معقدة، ويبدأ الشخص الأول بالغناء ويسكت الآخر، ومن ثم يغني الآخر أثناء سكوت الأول، بحيث يضيف الثاني بيتاً جديداً إلى ما قاله الأول، وهكذا.. ويتوافق إيقاع ونغم الغناء مع حركة الناقة وسرعتها.
وسيلة تسلية
ولفت بخيت إلى أن شعر التغرودة الغنائي التقليدي ظهر في الأصل وسيلة تسلية للرحالة في أسفارهم الطويلة في الصحاري الشاسعة، واعتقد حداة الإبل أيضاً أن هذا النوع من الشدو يحث الإبل على المضي في السير بهمة، فيتزامن تسارع خطاها كلما أسرع إيقاع شدو الحادي بشعره وأهازيجه، وعادةً ما يرتجل الحداة كلمات التغرودة في أكثر من شطرة شعرية قصيرة تتألف الواحدة من 7 أبيات شعرية أو أقل تكررها مجموعات الحداة بالتناوب بينهم نداءً وجواباً، ويصدح المؤدّي الرئيسي متغنياً بمطلع الشطرة، ومن ثم تجيبه باقي المجموعة بإتمام باقي الشطرة الشعرية، ثم يشدو المؤدي الرئيسي منتقلاً إلى السطر الثاني من الشطرة، فتكرر المجموعة أيضاً نفس السطر.
تطور
أوضح بخيت أن «فن التغرودة» قد شهد تطورات تلائم العصر فأصبح لا يرتبط بالضرورة بإنشاد أبيات الشعر القصيرة، بل يقدمها حالياً مكتوبة أو مسجلة صوتياً، لا سيما في العروض الحية خلال الفعاليات والمناسبات، منوهاً بأنه يتم إنشاد هذه القصائد في جلسات السمر والتخييم وحفلات الزفاف وسباقات الهجن والمهرجانات التراثية والوطنية، وتدمج بعض أشكال التغرودة ضمن بعض عروض الأداء التقليدية، مثل «العيالة». 
إنجازات تاريخية
لفت بخيت محمد المهري إلى أن «فن التغرودة» يغلب على موضوعاته تعبير المنشد عن حبه لأحبائه وأقاربه وأصدقائه، ويستخدم الشعراء هذا الفن أيضاً لإبداء آرائهم في القضايا الاجتماعية، وإبراز الإنجازات التاريخية.
منصة مثالية
شدد بخيت المهيري على أهمية الحفاظ على هذه الفنون التقليدية، وقال: حرصت دولة الإمارات على صون هذه الفنون وإعادة إحيائها، وتعرف الجيل الجديد والآخر بثقافة الإمارات وفنونها الأصيلة من خلال المناسبات الفنية والمهرجانات التراثية، التي تتخذ منها فرق الفنون الشعبية منصة مثالية لإبراز هذه الفنون، والحرص على حضورها وتواجدها، كعملية تسهم في صون فنون الأجداد ونقلها إلى الأجيال.

أخبار ذات صلة على قائمة اليونسكو.. «الهريس» أيقونة مائدة رمضان الإمارات ترحب باستضافة السعودية محادثاتٍ بين الولايات المتحدة الأميركية وأوكرانيا

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: اليونسكو الشعر الثقافة الإماراتية الإمارات الفن على ظهور هذا الفن

إقرأ أيضاً:

التراث الشعري في مرايا المبدعين الشباب

فاطمة عطفة
يحتل التراث الشعري العربي مكانة أصيلة في وجدان مجتمعنا وذاكرتنا الجمعية، لما له من أثر في بناء مخزوننا اللغوي وموروثنا الثقافي والأدبي، وهو لا ينفصل عن مساقاتنا المعرفية التي تصب كروافد في نهر الحضارة الإنسانية الكبرى، كونه يسهم، تأليفاً ونشراً وترجمة في ازدهار نهضتها واستدامتها. ويظل التراث الشعري العربي حاضراً حضوراً مؤثراً في الذاكرة عبر مئات الأسماء والأعمال التي تعكس ثراءه وتأثيره على الأجيال الشعرية المتتالية، كما يستمر الجدل المتواصل ما بين أهمية التراث الشعري والارتباط به وبين الاستفادة منه مع تجاوزه إلى الحداثة، ومع تعدد الأساليب الفنية والسردية والشعرية الحديثة، يحضر سؤال حول تعاطي الجيل الجديد من المبدعين الشباب مع هذا التراث الشعري الزاخر بعطاءات شعرية خالدة.

يقول الشاعر علوش السويط، معد برنامج مختبر الشعر ومقدمه: منذ أن كُتب البيت الأول في القصيدة العربية، وللشعر نقّاد ومتذوقون ومحبون ومبغضون، وكلهم على اختلاف مشاربهم يجتمعون على حاجة ملحّة في فهم معنى القصيدة، والذي بدوره أبرز لنا محمد بن سلام الجمحي المتوفى سنة 232 هـ، فيما ينظر له كأول دراسة للتراث الشعري في كتابه «طبقات الشعراء». ثم تبعه ابن قتيبة والآمدي وغيرهما. وبفضل هؤلاء ومن سبقهم ولحقهم، تطوّر قرض العرب للشعر، وكوّن جيل الشباب من أبي تمام وتلاه البحتري مذهباً تميّز في شعر العمود العربي، وأطلق لغة شاعرية جديدة وصوراً بيانية ساحرة لم يعهدها أحد من الأدباء في ذلك الزمن. ثم جاء من بعدهما المتنبي ليمازج بينهما حتى يبلغ شعره مرحلة من الجلوّ لم يسبقها مثيل.
ويتابع الشاعر السويط: لمّا كان الشعر ديوان العرب، انتبه رواد الدراسات الاجتماعية والإنسانية إلى دوره المحوري في قراءة حال من سبقنا، وانكبوا على دراسته لاستخراج الفنون المتنوعة حتى يتحدى جيل الشباب رعيل السابقين، ويرقى في «الكلمة» العربية كما هو الحال في شعر العباسيين الذي نافسه شعر الأندلسيين برقته وانسيابه وسهولته فأنشده القاصي والداني.
ويرى الشاعر علوش السويط أن قصور ذائقة شعراء الشباب في عصرنا يعزى في المقام الأول إلى التساهل في تعلم ضوابط اللغة العربية وقواعدها، والركون إلى ما يتداوله العامّة، والأجدر أن يبذل الشاعر الشاب مزيداً من الوقت في مطالعة شعر العرب، ولا يكتفي بالشعر أو الرواية المترجمة، وأن يطلع على فنون عربية أشمل، مثل المقامات والخطب، وأن ينشر عبر حسابه في وسائل التواصل الاجتماعي ما يكون قدوة يحتذى بها، لا نقلاً أعمى لما يجهله. وإذا ما سعينا نحن الشعراء الشباب إلى تطوير مدرسة شعرية جديدة في عصرنا على غرار شعر المهجر أو التفعيلة، فلا بد لنا من استلهام المفردة من عصرنا، ومن ثم تطويعها ضمن جماليات اللغة العربية، دون النسخ من القديم أو التساهل في الجديد. وهذا ما يصنع الشاعر المجيد، كما ذكر الشاعر معروف الرصافي في قوله: 
وأجود الشعر ما يكسوه قائله
بِوَشْي ذا العصر لا الخالي من العُصُر
لا يَحسُن الشعر إلا وهو مبتكَر
وأيّ حسن لشعر غير مبتكر
ويختم الشاعر علوش السويط قائلاً: لا ريب أن ضعف موهبة بعض الشعراء الشباب في عصرنا شبيهة بتلك التي أعقبت حكم المماليك في مصر، وتصدى لهذه الفجوة محمود سامي البارودي بمدرسة إحياء التراث، وهو أمر ربما يتكرر في عصرنا هذا باهتمام بالغ من المؤسسات الثقافية وجامعاتها العلمية في دراسة التراث الشعري وتقديم الشعراء الشباب لحمل بردة الشعر.

أخبار ذات صلة الإمارات «رحلة ملهمة» في اليابان محمد خليفة المبارك: الإرث الثقافي الإماراتي رمز للفخر الوطني

مكانة أصيلة 
من جانبه، يؤكد الشاعر سامح كعوش على كون التراث الشعري العربي يحتل مكانة أصيلة في وجدان مجتمعنا وذاكرتنا الجمعية، موضحاً أن ما نشهده اليوم من تراجع في جودة المحتوى الإبداعي والأدبي، إنما هو عائد في أحد أبرز أسبابه، إلى ضآلة معارف بعض الشعراء الشباب والكتّاب الناشئين، وخاصة في مجال الشعر الموروث قديمه وحديثه، بدءاً من المعلقات في العصر الجاهلي، وصولاً إلى روائع ما جادت به قرائح شعراء المهجر والأندلس قبلها.
ويضيف كعوش: يعلل ذلك الضعف إلى أن بعض الشعراء الشباب لا يجدون الوقت الكافي لديهم لاستعادة واستيعاب وهضم الموروث الثقافي عامة، والشعري خاصة، كما أنهم لا ينشغلون بدراسات مستفيضة لجماليات هذا الموروث ومحاولة محاكاتها ومجاراتها والكتابة على نسقها. وهنا نحن لا نشير إلى ضعف موهبة، فحتى الموهبة الضعيفة تنمّى بالتدريب والصقل والممارسة، بل هو قصور ثقافي لدى البعض وعدم معرفة بأنماط التأثير الإبداعي والفني الخلاق، والمجانب لسلبيات التواصل الاجتماعي والمحاذر لمخاطر التسرّع والتسطيح فيها.
 وفي هذا السياق، تقول الفنانة التشكيلية والشاعرة موزة عيد مبارك المنصوري: الشعر ليس مجرد كلمات تقال، بل هو امتداد للروح والهوية. حين يعود الشاعر الشاب إلى تراثنا الشعري، فإنه لا يقرأ فقط، بل يعيش تلك التجارب، يشعر بنبض الكلمات، ويفهم كيف كانت اللغة مرآةً للإنسان في كل زمان. دراسة الشعر الجاهلي أو الأندلسي أو المهجري تمنح الشاعر أدوات تعبيرية أعمق، وتفتح له أبواب الخيال والتجديد، دون أن يفقد أصالته. فكل بيت قديم يحمل في طياته قصة، وكل قصيدة هي تجربة إنسانية يمكن أن يجد فيها الشاعر صوته الخاص. لماذا يهمل بعض الشعراء بعض المدارس الشعرية؟ قد يكون السبب في هذا الإهمال هو تسارع إيقاع الحياة، حيث أصبحت القراءة العميقة أقل حضوراً، وحلت محلها النصوص السريعة التي تناسب عصر التواصل الاجتماعي. كما أن بعض الشعراء يجدون صعوبة في فهم السياقات التاريخية للشعر الأندلسي أو المهجري، فيرونه بعيداً عن واقعهم. لكن الحقيقة أن هذه القصائد لم تكن مجرد وصف لزمانها، بل كانت انعكاساً لمشاعر إنسانية خالدة: الحنين، الحب، الغربة، والأمل. ربما لا يكون الأمر ضعف موهبة بقدر ما هو حاجة إلى إعادة التواصل مع هذا التراث، ليس كعبء ثقافي، بل كنافذة تطلّ منها أرواحنا على تجارب من سبقونا، فنضيف إليها أصواتنا وقصصنا الجديدة.

قاعدة صلبة
تقول الشاعرة مريم الزرعوني: التعرف إلى التراث الشعري العربي يشكل قاعدة صلبة ترفع بنية الشعر وتدعم صوت الشاعر، فالأهمية تتأتى من عوامل عدة، أولها تكوين الملكة الشعرية الأصيلة، وتمنحه القدرة على التعبير الدقيق والجميل؛ لأن شعر الأسلاف كنز يزخر بالتجارب والأفكار والصور الشعرية التي لا غنى للشاعر الشاب عنها في رحلته لتطوير أدواته الإبداعية، وليست التجارب إلا معين يمده بخبرات جاهزة، مما يختصر عليه الكثير من الجهد، ويسهم في في تشكيل ذائقته، وتمكينه من التمييز بين الغث والسمين في الأدب.
وتضيف الشاعرة الزرعوني أن التراث يساعد الشاعر على اكتشاف صوته الخاص، وتحديد الأساليب والاتجاهات التي تعبر عنه أصدق تعبير. وفي المقابل، يثار بين الفينة والأخرى تساؤل عن سبب ما يراه البعض ضعفاً عند بعض الشباب في الشعر العربي المعاصر، مقارنة بشعر المهجر أو الأندلس، ويرى هؤلاء أن الشعر المعاصر يفتقر إلى الأصالة، ويسير في ركب التقليد والمحاكاة، بينما يرى آخرون أن الشعر المعاصر قطع صلته بالتراث، ولم يستفد من كنوزه الثمينة، ويتهم البعض اللغة الشعرية المعاصرة بالضعف والعجز عن التعبير عن الأفكار والمشاعر بصدق وجمال. ومع ذلك، لا يمكننا أن ننكر وجود أصوات شعرية معاصرة واعدة تبشر بمستقبل مشرق للشعر العربي، وتجمع بين أصالة الماضي وإبداع الحاضر.

مقالات مشابهة

  • اليونسكو وسريلانكا تنظمان مؤتمرًا دوليًا لحماية التراث في أنورادهابورا
  • سائح فرنسي يشيد بمزاد الإبل بالجوف‬⁩ .. فيديو
  • أحمد موسى: خالد العناني يحظى بدعم دولي كبير في اليونسكو
  • قطر تعرب عن دعمها لترشيح خالد العناني لمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو
  • الرياض وواشنطن تبحثان التعاون في الطاقة التقليدية والنووية
  • أسباب تساقط الشعر عند النساء وطرق علاجها الطبيعية
  • اليونسكو تفتح باب التقدم لجائزة حمد بن عيسى لتكنولوجيا التعليم 2025
  • 7 علامات خفية تدل على أن جسمك يعاني من نقص في اليود
  • الجوف.. "الصميل" صناعة تقليدية تتألق في مزاد الإبل
  • التراث الشعري في مرايا المبدعين الشباب