د. عزام.. جرأة مميزة لمساجلة الصناديق الفكرية

صلاح شعيب

وسط هذا السيل من المواد التي يقدمها الشباب في تطبيقات التواصل الاجتماعي برزت أصوات مميزة عبر منصات في تويتر، والفيس بوك، والكلب هاوس، والتك تووك، والواتساب. ولا تقف النجاحات عند عدد محدد من هؤلاء الشباب الذين يملأون الفضاء بمواد ملتميدية شيقة، وهي تتوثب الخطى لوراثة مستقبل العمل الإعلامي في وقت يترنح تأثير الفضائيات بعد انتهاء عصر الصحافة الورقية، وتلقي الراديو ضربات قوية قد تنهي زمانه قريباً.

وما أدل على ذلك موت البي بي سي، وصوت أميركا، ومونتكارلو.

ولكن لفتت نظري بقوة تجربة د عزام التي ظللت أتابعها منذ عام على الأقل بمجهوداته التنويرية السياسية التي يقدمها، نقداً للممارسة السياسية اليومية، والمراوحة ما بين تقديم بحوث في التاريخ السياسي، ومقاربة أزمة الوجود السوداني بأزمات شبيهة في الإقليم مثل الحالتين الصومالية، والرواندية، وفي جدول أعماله تقديم مقاربة لحالتي زنزبار، وجنوب أفريقيا. ولاحقاً نوع عزام مساهماته بالحوارات التي يجريها تباعاً مع رموز المشهد السياسي والفكري.

في هذه الضروب الثلاثة من المساهمة وطد عزام بحضوره المشكل دائماً في الميديا الحديثة كناقد جريء لأحزابنا في حراكها الراهني، ومواجهة ضيوفه بأسئلة جادة. وعندئذ لا تكفيه الإجابات، وإنما يولد منها سجالاً لا تجده في مقابلات الإعلام الرسمي مع المسؤولين، إذ يصبح المحاور أداة لتمرير آراء المسؤولين دون تتبعها بالاسئلة التي تروم المزيد من التوضيح، والشرح.

وقد نبهنا نجاح تجربة عزام في أن الإعلام الحديث خطا خطوات كبيرة لوراثة دور الإعلام الكلاسيكي الرسمي الذي يعايش الموات، وكذلك الخاص الذي ترعاه الرأسمالية التي تعيش على كنف فساد الدولة في غالب أنشطتها. فالعالم الآن كله يشهد طاقة حيوية للشباب الذي اهتبل مناخ الحريات الذي وفرته ثورة الاتصالات، ويحاول الآن بجسارة، ومثابرة، نشر المعرفة، ومراجعة الماضي القطري الكئيب الذي وطنته وسائل الإعلام الكلاسيكية.

-٢-

د عزام – الإسلاموي السابق، والطبيب المتخصص في الطب النووي – نشأ في مناخ التدجين الفكري الذي أطبق على مرحلة جيله. ومع ذلك لم يثنه بحثه عن الحقيقة من الانقلاب على ولائه السابق للحركة الإسلامية ليستدير نحو فضاءات المعرفة الواسعة التي مهدت له اعتناق العلمانية كآخر سقف من سقوف تصحيح تجربته السابقة المؤمنة بربط الدين بالدولة. ومثل عزام شباب كثر تأثروا مسبقا بمناخ الدجل الديني، والسياسي، للحركة الإسلامية، واتخذوا لاحقاً ذات مواقف عزام. وبعضهم  رأى في الإلحاد وسيلة فكرية جديدة تعارض مجمل الأفكار الدينية السلفية التي تبنوها قبلاً.

إن التحول الفكري الذي نشهده للآلاف من الشباب من خانة اليمين واليسار إلى الاستقلالية بعد بروز الإنترنت ينبغي أن يكون درساً عظيماً لتياراتنا السياسية لمراجعة ما قبله جيل الستينات حتى التسعينات، ويصعب تبنيه لدى جيل الألفية الجديدة التائق للانفتاح المعرفي. ومحاولة د عزام للإسهام الإعلامي هي مراجعة شجاعة لماضيه بصدق تمثلت في ما ينتج من مواد تسعى لتأكيد أصالة رؤاه كإنسان حر، ومنفلت عن قيد الصناديق الفكرية.

لقد نشأ معظم الإعلاميين الكلاسيكيين في السودان على التقليل من قيمة الأصوات الجديدة، ووضع العراقيل أمام تطلعاتها في الإضافة المهنية، وكانوا لا يجدون التشجيع، والإشادة الكافية. بل كان جيل آبائهم يمارس عليهم أستاذية تستبطن الغيرة من المواهب الجديدة التي يظنون أنها تهدد عروشهم الإعلامية. ولذلك غابت فضيلة الاهتمام بتشجيع الوالجين الجدد في المجال. وربما لا يقتصر أمر الغيرة من مهارات الجيل الجديد في حقل الإعلام، فمعظم الراسخين في الحقول الإعلامية، والثقافية، والفنية، يعيشون في نرجسية عظيمة، ولا يرون أن لكل مرحلة جيلها، ويحتكرون خبراتهم، ولا يملكونها للجيل الجديد.

-٣-

‏‎يكون الاحتفاء بعزام هو فضيلة احتفاء بجيل جديد مؤهل علمياً، ومتقدم معرفياً، وفي محيطه كل الأسباب التي تجعلنا نثق أن كل لحظة تاريخيّة تفرز رموزها المجدين في تحقيق الإضافة الاستنارية، والثقافية، والإعلامية. وما يقدمه “مع عزام” من مادة تحليلية مليئة بالبحث المضني تحرك جدل الحوار السياسي الموضوعي الذي يضيف لخلق وعي عام. ومساهماته في مذاكرة التجارب القارية عبر تحليل يتقصى جذورها، وأبعادها، وإسقاطها بوعي على تجربة الوجود السوداني، تنم عن جدية في تعميق النظر في إمكانية الاعتبار من هذه التجارب المماثلة لشعوب من حولنا. أما الحوارات المفتوحة مع كل اللاعبين السياسيين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار تمنحنا الفرصة لتلمس المشترك وسط آراء المستضافين، وهم يعبرون عن نظراتهم الفكرية، والأيديولوجية، لما ينبغي أن تكون عليه الحلول للمشكل السوداني.

في كل مساهماته الثلاث، والتي تتنوع المواضيع في داخلها بدت المنصة الإعلامية لدكتور عزام وجبة دسمة تخلق اختلافاً في الجدل الفكري، والسياسي، وتضع عقولنا المنحازة لقناعاتها أمام فرضيات أخرى تتطلب المراجعة لمواقفنا الصمدية. وهذه هي جزء من رسالة الإعلامي بوصفه الدينمو المحرك للأفكار المتعددة داخل المجتمع.

الجرأة المميزة التي يساجل بها د.عزام كل تياراتنا السياسية، وأقوال رموزها، تكشف عن حماسه لتخطي سياج الابتزاز، والمزايدة، والذي كثيراً ما يحيط بالمحاولات الناقدة لإرث الممارسة السياسية. واعتقد أنه فتح لجيله نفاجاً ينجبه من الخضوع للرؤى البطرياركية التي هي جزء من المهددات لتخصيب الأفكار التي تتناول الإصلاح المجتمعي.

وضمن هذا الاحتفاء بالمميزين من الأجيال الجديدة التي سحبت البساط سنتناول تباعاً تجارب أخرى تسير باضطراد نحو مضاعفة التجويد. ود. عزام حقاً أول الغيث.

الوسومالإسلامويين التحول الفكري السودان الطب النووي تيك توك د. عزام صلاح شعيب فيسبوك مونت كارلو

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الإسلامويين السودان الطب النووي تيك توك د عزام صلاح شعيب فيسبوك مونت كارلو د عزام

إقرأ أيضاً:

العلاقة بين الإسلام السياسي والولايات المتحدة الأمريكية

العلاقة بين #الإسلام_السياسي و #الولايات_المتحدة_الأمريكية

بقلم هبة عمران طوالبة

التمهيد:
العلاقة بين الإسلام السياسي والولايات المتحدة الأمريكية ليست مجرد علاقة ذات طابع واحد أو ثابت، بل هي علاقة معقدة تعكس تأثيرات المصالح السياسية، التحولات الإقليمية والدولية، وأحيانًا التحولات الثقافية. في العديد من الأوقات، كانت السياسة الأمريكية تتبنى خطابًا يدعو إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكنها في الوقت نفسه كانت تتبع سياسة براغماتية تجاه الحركات الإسلامية، حيث كانت تدعم بعضها في فترات معينة وتعارضها في فترات أخرى. هذا التناقض بين الموقف الأمريكي من القيم الديمقراطية وبين الإجراءات السياسية، يشير إلى أن الولايات المتحدة كانت توظف تلك القيم الكبرى لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وهي المصالح التي قد تكون متناقضة مع مصالح الشعوب التي تزعم الولايات المتحدة أنها تدعمها.

المقدمة:
يهدف هذا البحث إلى استكشاف العلاقة بين الهيمنة الأمريكية وصعود الإسلام السياسي أو تراجعه في المنطقة العربية، من خلال تتبع السياسات الأمريكية تجاه الحركات الإسلامية في مراحل زمنية مختلفة. سيركز البحث على تأثير هذه السياسات في تقوية بعض الحركات السياسية الإسلامية أو إضعافها، مع تسليط الضوء على الظروف السياسية التي شكلت هذا التوجه الأمريكي في كل مرحلة.

مقالات ذات صلة نُصرةُ الضعيف ورد الظالم. 2025/04/12

يتناول هذا البحث أربعة محاور رئيسية:

دور الولايات المتحدة في دعم حركات الإسلام السياسي خلال الحرب الباردة. تحول السياسة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وحرب “الحرب على الإرهاب”. الموقف الأمريكي من الإسلام السياسي المعتدل في أعقاب الربيع العربي. تحليل للتناقضات في الخطاب الأمريكي حول الديمقراطية والإسلام السياسي.

الفرضية التي يقوم عليها هذا البحث هي أن السياسات الأمريكية لم تكن أبداً محايدة تجاه الإسلام السياسي. بدلًا من ذلك، كانت تتبع مصلحة استراتيجية، تؤثر بشكل كبير في الحركات السياسية الإسلامية، مما دفع إلى تغييرات غير متوقعة في تلك الحركات بحسب المتغيرات السياسية.

المحور الأول: دعم الولايات المتحدة لحركات الإسلام السياسي خلال الحرب الباردة
في مرحلة الحرب الباردة، حيث كانت الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة مع الاتحاد السوفيتي، اعتمدت أمريكا على سياسة احتواء النفوذ الشيوعي في العالم. من أجل هذا الهدف، كانت تتعاون أحيانًا مع حركات دينية تعتبر مناقضة للمبادئ الليبرالية التي تدّعي الولايات المتحدة تبنيها، وكان ذلك واضحًا في دعم أمريكا للجماعات الإسلامية التي كانت ضد الشيوعية. على سبيل المثال، في أفغانستان، قامت الولايات المتحدة بتقديم دعم مباشر وغير مباشر لما كان يُعرف بالمجاهدين الأفغان في حربهم ضد الاحتلال السوفيتي.

كانت الولايات المتحدة ترى في تلك الحركات الإسلامية حلفاء مؤقتين لمواجهة المد اليساري في العالم العربي والإسلامي. وعليه، كان دعم أمريكا لجماعات مثل الإخوان المسلمين في مصر أو في باكستان ينطلق من رغبة في إضعاف القوى القومية أو الشيوعية التي كانت تشكل تهديدًا أكبر بالنسبة للولايات المتحدة في ذلك الوقت. لكن هذا الدعم لم يكن ناتجًا عن قناعة بالإسلام السياسي كبديل حقيقي، بل كان يعد وسيلة تكتيكية في الصراع الأوسع ضد الشيوعية.

المحور الثاني: التحول بعد أحداث 11 سبتمبر 2001
بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر 2001، حدث تحول كبير في النظرة الأمريكية تجاه الحركات الإسلامية. من أن كانت الولايات المتحدة تتعامل مع بعض الحركات الإسلامية كحلفاء مؤقتين، أصبح يُنظر إليها كتهديد مباشر للأمن الأمريكي. هذه التحولات في السياسات كانت نتيجة لاعتبار الحركات الإسلامية، حتى المعتدلة منها، جزءًا من خطر أكبر يهدد الأمن الغربي.

وكانت الحركات الجهادية هي الأكثر تعرضًا للضغط، بينما أصبحت بعض الحركات الأخرى التي كانت تُعتبر معتدلة، تواجه نفس المصير. في هذا السياق، ارتفعت وتيرة “الحرب على الإرهاب” وأصبحت تبرر التدخلات الأمريكية في دول مثل العراق وأفغانستان. كما أن هذا التحول في السياسة الأمريكية كان يدعم الأنظمة الاستبدادية التي قدمت نفسها كحلفاء ضد الإسلام السياسي، وهو ما أدى إلى تزايد القمع ضد الحركات الإسلامية في العالم العربي.

المحور الثالث: الموقف الأمريكي من الإسلام السياسي المعتدل بعد الربيع العربي
بعد ثورات الربيع العربي في 2011، بدأ الإسلام السياسي المعتدل يتطور بشكل أكثر وضوحًا في بعض الدول العربية. على سبيل المثال، تمكنت جماعة الإخوان المسلمين من الوصول إلى الحكم في مصر بعد الثورة، كما كانت حركة النهضة التونسية تحاول الاستفادة من هذه الفرصة نفسها. في البداية، لم تكن الولايات المتحدة معارضة لهذا التحول، بل بدا أنها كانت تقبل بفكرة وصول الإسلاميين المعتدلين إلى الحكم كجزء من الإرادة الشعبية.

لكن الموقف الأمريكي تحول بشكل مفاجئ بعد الانقلاب العسكري في مصر عام 2013. ورغم أن الانقلاب كان ضد حكومة منتخبة ديمقراطيًا، تجنب الأمريكيون وصفه بالانقلاب وأعادوا علاقتهم مع النظام الجديد في مصر. هذا التحول يكشف أن الأولوية الأمريكية كانت دائمًا للاستقرار في المنطقة ومصالحها الاستراتيجية، بدلاً من دعم التحولات الديمقراطية التي قد تهدد الهيمنة الأمريكية أو مصلحة حلفائها التقليديين مثل النظام السعودي أو “إسرائيل”.

المحور الرابع: الهيمنة الأمريكية وتناقضات الخطاب الديمقراطي
الهيمنة الأمريكية لا تقتصر فقط على القوة العسكرية أو الاقتصادية، بل هي أيضًا تأثير فكري وثقافي. هذا التأثير يمتد إلى فرض نموذج معين للديمقراطية يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية. ومن هنا يظهر التناقض الكبير في السياسة الأمريكية تجاه الإسلام السياسي. عندما يكون الإسلام السياسي في صالح الولايات المتحدة، فإنها تدعمه، وعندما يكون تهديدًا لمصالحها أو لمصالح حلفائها، فإنها ترفضه بشكل قاطع.

هذا التناقض في الخطاب الأمريكي حول الديمقراطية يضعف من مصداقية الولايات المتحدة في المنطقة. الكثير من الشباب العربي بدأوا يرون أن الديمقراطية التي تروج لها أمريكا هي مجرد أداة للهيمنة، وأن الإسلام السياسي هو مجرد تهديد للنفوذ الأمريكي وليس بالضرورة تهديدًا للمبادئ الديمقراطية.

الخاتمة:
من خلال تتبع العلاقة بين الإسلام السياسي والولايات المتحدة الأمريكية، يتضح أن هذه العلاقة كانت دائمًا خاضعة لمصالح الولايات المتحدة أكثر من المبادئ أو القيم الإنسانية. لذلك، يمكن القول إن السياسة الأمريكية تجاه الإسلام السياسي كانت دائمًا محكومة بالضرورات الاستراتيجية الأمريكية، ولم تكن في أي وقت سياسة مبدئية تستند إلى احترام الدين أو الديمقراطية. هذه الديناميكية تؤكد أن العلاقة بين الهيمنة الأمريكية والإسلام السياسي هي علاقة معقدة، مليئة بالتناقضات وتحتاج إلى مزيد من التحليل والفهم.

طالبة علوم سياسية
وكاتبة وقاصة اردنية

مقالات مشابهة

  • أخنوش يدعو إلى تعزيز التواصل الإعلامي: “لا نترك المجال لأصحاب البوز السياسي”
  • العلاقة بين الإسلام السياسي والولايات المتحدة الأمريكية
  • شلقم: ليبيا من بين البلدان التي عانت غياب الخبرة السياسية
  • «قومي المرأة»: تحديث الكود الإعلامي للمرأة ليواكب تقنيات الذكاء الاصطناعي
  • ورشة فنية وتصميم ماسكات لطلاب مدرسة التربية الفكرية فى الغرق بالفيوم
  • صنعاء.. اجتماع يناقش سبل تطوير الأداء الإعلامي ومواجهة الشائعات التي يبثها العدو
  • تعدى على حقوق الملكية الفكرية.. ضبط المدير المسئول عن مطبعة غير مرخصة بالسلام
  • أوزغور أوزيل.. السياسي الحالم بعودة الأتاتوركية
  • انتهك حقوق الملكية الفكرية.. القبض على صاحب مطبعة بالسلام
  • مايا دياب بالجلد الأسود.. جرأة لافتة وأناقة طاغية