الإيمان والدين.. السبيل إلى دستور توافقي جديد في سوريا
تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT
يُنقل عن الفيلسوف الفرنسي فولتير دعوته قبل ما يزيد عن قرنين ونيف من الزمان إلى أخذ التسامح الإسلامي منهجًا ومنارة في أوروبا، ويذكر الفيلسوف الفرنسي المعاصر إيمانويل تود، وهو يعدد أسباب هزيمة الغرب في العصر الحديث، قوله: "وصول المصفوفة الدينية الغربية (البروتستانتية) إلى درجة الصفر والإفلاس والهوس المزمن بالحروب الأبدية".
ضمن هذا الإطار، يثور التساؤل حول أثر ومكانة الإيمان والدين في حياة الشعوب وارتباطه بالمنظومة التشريعية.
لا شك أن الإيمان قيمة روحية عظيمة يتمسك بها المؤمنون للأخذ بالتعاليم الدينية والعمل بهديها في حياتهم، لما يمثله من قيمة عليا في تحقيق السكينة وخشوع النفوس وانضباط السلوك، وهذا يبين مدى تأثير الإيمان والدين على حياة الشعوب وأثره البالغ، ليس فقط في استقرار المجتمعات على اختلاف أديانها وطوائفها، بل أيضًا في تقدمها ورقيها.
تتنوع الاتجاهات في دساتير دول العالم بين دساتير لا تشير إلى موضوع الإيمان والدين وتتركه دون ذكر، وأخرى تنصّ صراحة على النهج العلماني، الذي يمثل في هذه الحالة عقيدة الدولة ومنهجها الذي تسير تشريعاتها بهديه.
كما توجد دساتير تبين أن الدولة تتبع ديانة معينة أو تتبنى دينًا رسميًا أو تعلي من شأن ديانة باعتبارها دين الأغلبية، بينما تشير دساتير أخرى إلى مكنونات الإيمان بالله، تعالى، سواء بشكل صريح أم عبر إشارة تفيد هذا الإيمان.
إعلانقد يتبادر إلى الذهن أن دولنا العربية هي الوحيدة التي تتمسك بذكر الدين الإسلامي في دساتيرها، وتجعله مرجعية قانونية للتشريع، بل وتوجب اعتناقه على من يتولى المناصب الرئاسية.
غير أن دراسة موسعة أعددت جزءًا منها أثناء مشاركتي في حوارات "اللجنة الدستورية السورية" عن المستقلين في وفد "قوى الثورة والمعارضة السورية" في الأمم المتحدة تكشف أن الإيمان بالله، تعالى، وتبني الدين رسميًا ليسا حكرًا على الدول العربية والإسلامية، بل هما ظاهرتان موجودتان في دساتير العديد من الدول الأخرى بما فيها المصنفة ضمن الطراز الأول عالميًا من حيث المكانة الديمقراطية والرخاء الاقتصادي.
إذ تنص تلك الدساتير صراحة على الدين الرسمي للدولة، بل وتفرض أحيانًا أن يكون الحاكم منتميًا إلى دين معين أو مذهب بعينه، رغم أنها ليست دولًا دينية بالمعنى التقليدي.
وفي دساتيرها يُنظر إلى الدين كعامل رئيسي في تشكيل الهوية الوطنية ومصدر للطمأنينة والأمان المجتمعي، بل ومصدر فخر لهذه الدول وشعوبها، سواء أكانت هذه الأديان من الأديان السماوية التوحيدية، أم من شرائع أخرى. وفيما يلي أمثلة لنصوص من دساتير دول غير عربية، ما زالت سارية المفعول ومحل التطبيق.
أولًا: دساتير لدول غير عربية من آسياتُبرز دساتير عدة دول آسيوية مكانة الدين في أنظمتها. فإندونيسيا تؤكد في ديباجتها على قيام الدولة على الإيمان بالله الواحد الأحد، بينما تنص ماليزيا على أن "الإسلام دين الاتحاد"، مع ضمان حرية الأديان الأخرى. وتحدد باكستان الإسلام دينًا للدولة، فيما تطلب الفلبين عون الله في ديباجتها.
في كمبوديا، يُقر الدستور بأن "البوذية هي الديانة الرسمية"، ويشمل شعارها الوطني "الأمة، الدين، الملك". أما تايلند، فيلزم ملكها بأن يكون بوذيًا، مع دعم الدولة للبوذية وتعليمها. كذلك، تعطي سريلانكا البوذية المكانة الأولى، مع التزامها بحمايتها.
إعلان ثانيًا: دساتير من دول غرب آسيا وشرق أوروباكما تُظهر دساتير دول غرب آسيا وشرق أوروبا مكانة الدين ودوره في الهوية الوطنية والقانونية.
ففي أرمينيا، رغم الفصل بين الكنيسة والدولة، يعترف الدستور بالكنيسة الأرمنية الرسولية المقدسة ككنيسة وطنية، تؤدي دورًا محوريًا في الحياة الروحية والثقافة الوطنية.
أما جورجيا، فبينما تضمن الحرية الدينية، يعترف دستورها بالدور الخاص للكنيسة الأرثوذكسية الجورجية في تاريخ البلاد، وتنظم علاقتها بالدولة عبر اتفاقية دستورية.
وفي بلغاريا، رغم التأكيد على فصل المؤسسات الدينية عن الدولة، تُعدّ المسيحية الأرثوذكسية الشرقية "الديانة التقليدية" للبلاد.
أما بولندا، فيبرز دينها بوضوح في ديباجة الدستور التي تستلهم القيم المسيحية، مع الاعتراف بحقوق المؤمنين وغير المؤمنين على حد سواء. وتنص مواد الدستور على احترام استقلال الكنيسة الكاثوليكية والمنظمات الدينية الأخرى، مع إمكانية تدريس الدين في المدارس وفقًا للقانون.
ثالثًا: دساتير أوروبا الغربيةوكذلك تعكس دساتير مختلفة في أوروبا الغربية وجود الدين كمكون بارز في الهوية الوطنية والقانونية. ففي المملكة المتحدة، رغم عدم وجود دستور مكتوب، تحتفظ الدولة بعلاقة تاريخية مع الكنيسة الأنجليكانية، ويظل الملك "الحاكم الأعلى لكنيسة إنجلترا".
أما النرويج، فتنص مواد دستورها على أن القيم الوطنية تستند إلى التراث المسيحي، ويُشترط أن يكون الملك منتميًا إلى الكنيسة الإنجيلية اللوثرية، التي تبقى الكنيسة الوطنية الرسمية.
وفي ليختنشتاين، تُعتبر الكنيسة الكاثوليكية كنيسة الدولة وتحظى بحماية كاملة، كما تؤدي الدولة دورًا في دعم التعليم الديني.
أما لاتفيا، فتؤكد ديباجتها على القيم المسيحية كجزء من هويتها الثقافية، بينما تُعلي أيرلندا من مكانة المسيحية في دستورها، وتعترف بأن الدين العام هو "إجلال لله الأعظم".
آيسلندا تُحدد الكنيسة اللوثرية ككنيسة الدولة، وتحظى بالدعم الرسمي، بينما يقر دستور إيطاليا بسيادة واستقلال الكنيسة الكاثوليكية، ويكفل حرية ممارسة الأديان الأخرى.
إعلانوفي ألمانيا، يُستشهد في الدستور بمسؤولية الدولة أمام الله، ويؤدي الرئيس اليمين مع خيار إدراج عبارة دينية. أما الدنمارك، فتُعتبر الكنيسة اللوثرية الدين الرسمي، ويلتزم الملك بأن يكون عضوًا فيها.
رغم علمانيتها، تُشير فرنسا إلى "الموجود الأعلى" في إعلان حقوق الإنسان والمواطن، بينما تُعلن موناكو ومالطا أن الكاثوليكية واليونان الأرثوذكسية ديانات رسمية للدولة.
وأخيرًا، يبدأ دستور سويسرا بعبارة "بسم الله القدير"، ويترك تنظيم العلاقة بين الدين والدولة للمقاطعات، لكنه يحظر بناء المآذن، مما يعكس تفاعل الدين مع التشريعات الوطنية.
رابعًا: دساتير في القارة الأميركيةوفي القارة الأميركية ينعكس حضور الدين بوضوح في الهوية الوطنية والتشريعية. ففي الأرجنتين، تدعم الحكومة الكاثوليكية كعقيدة رسمية، بينما يؤكد دستور كندا أن الدولة قائمة على "سمو الله وحكم القانون".
وفي كوستاريكا، تعلن ديباجة الدستور ارتباط الدولة بالله، وتُحدد الكاثوليكية كدين رسمي، مع ضمان حرية المعتقدات الأخرى. أما بنما، فتشير إلى "حماية الله" في ديباجتها، وتعترف بالكاثوليكية كدين الأغلبية، مع إلزام تدريسها في المدارس العامة، لكن مع خيار عدم الحضور بناءً على طلب أولياء الأمور.
أما هندوراس، فتبدأ ديباجتها بالإشارة إلى "الحماية الإلهية"، في حين تعترف السلفادور بالشخصية القانونية للكنيسة الكاثوليكية، مع إمكانية الاعتراف بالكنائس الأخرى وفقًا للقانون.
وفي باراغواي، تستعين الديباجة بالله، بينما تؤكد القوانين حرية الدين والعبادة، مع تنظيم العلاقة بين الدولة والكنيسة الكاثوليكية على أساس التعاون والاستقلالية.
وأخيرًا، في بيرو، يبدأ الدستور بتوسل إلى الله، ويعترف بالدور التاريخي والثقافي للكنيسة الكاثوليكية، ويؤكد تعاون الدولة معها، مما يعكس التأثير العميق للدين في تشكيل هياكل الحكم في العديد من دول القارة.
إعلان خامسًا: دساتير من القارة الأفريقيةفي القارة الأفريقية أيضًا يظهر حضور الدين في الهوية الوطنية. ففي جنوب أفريقيا، تفتتح ديباجة الدستور بالدعاء "حمى الله شعبنا"، بينما يعلن دستور زامبيا أن الدولة "أمة مسيحية"، مع التأكيد على حرية المعتقد والوجدان، مما يبرز التداخل بين الدين والتشريع في هذه الدول.
النتائجمما تقدم نستطيع التأكيد أن كثيرًا من الدساتير في أنحاء العالم وفي مختلف القارات لم تغفل عن ذكر الله، عز وجل، وقدسيته، وتستعين به، وتطلب حمايته، وتُقسم باسمه، كما ورد في أمثلة النصوص المذكورة للدساتير أعلاه من أنحاء دول العالم المختلفة، ويوجد غيرها.
وهي قطعًا ليست دولًا دينية، بل إن بعض الدول الكبرى اعتبرت ذلك شعارًا لها وإن لم ينص عليه الدستور، كما في الولايات المتحدة الأميركية، حيث ترد العبارة "بالله نثق"، هذا الشعار الموجود والمطبوع على العملة الوطنية "الدولار"، وتجده في قاعات المحاكم، بما يؤكد حاجة الإنسان للإيمان بالله تعالى الخالق القدير والتعبير عن هذا الإيمان الذي لا يفارق الوجدان الحر.
دول في هذا العالم تتبنى نهج العلمانية المفرطة، لكنها لم تستطع أن تغفل عن ذكر الله، عز وجل، وتعبر عن الإيمان الوجداني الداخلي بهذا الذكر، رغم كل مظاهر العلمانية.
ذكر الإيمان والدين في الدستور ليس حصرًا على البلاد العربية أو الإسلامية، بل تتشارك به دول كثيرة.
كثير من دول العالم، وبعضها من الدول التي تُصنف في المقام الأول من حيث التقدم والتطور والرخاء والرفاهية والديمقراطية، تبنت الديانة والمذهب في دساتيرها ونصّت عليه صراحة، لأنه جزء من عقيدتها التي تؤمن بها، والتي تعبر عن هويتها وثقافتها، وتعتبره فخرًا ومصدرًا لوجودها واستمرارها ومنظومة قيمها التي تعتز بها. لا عيب ولا ضير في ذلك، بل هو إبراز لمكانتها بين الأمم، وهذا حق محل احترام.
إعلانوبهذه المناسبة، واستشعارًا بما للأديان من أهمية في حياة البشر، فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذت القرار رقم 65/224 بتاريخ 21 ديسمبر/كانون الأول 2010، بعنوان "مناهضة تشويه صورة الأديان"، وتلاحظ فيه مع قلق بالغ اشتداد الحملة التي تُشن على نطاق واسع للحط من شأن الأديان والتحريض على الكراهية الدينية عمومًا، وتسلم بأن الحط من شأن الأديان والتحريض على الكراهية الدينية عمومًا عاملان يؤديان إلى تفاقم حرمان المجموعات المستهدفة من حقوقهم وحرياتهم الأساسية واستبعادهم اقتصاديًا واجتماعيًا.
وتعرب عن بالغ قلقها إزاء الربط المتكرر والخاطئ بين الإسلام وانتهاكات حقوق الإنسان والإرهاب، وتؤكد على وجوب احترام جميع الأديان، وتدين جميع مظاهر وأعمال العنصرية، وتحث جميع الدول في إطار نظمها القانونية والدستورية على توفير الحماية من جميع أعمال الكراهية والتمييز والتخويف والإكراه الناجمة عن الحط من شأن الأديان، وتحث أيضًا على تعزيز التسامح واحترام جميع الأديان، ووضع إستراتيجيات فكرية وأخلاقية لمكافحة الكراهية والتعصب.
لا يمكن لأي جهة تشريعية أن تغفل عن مطالب الشعب، وما يرغبه في تحقيق طموحه، والتعبير عن هويته، وما يخالج وجدانه وما يعتقد به، مع احترام خصوصية كافة المكونات التي لا تتعارض مع السياق العام الوطني الذي يؤمن به أغلب الشعب.
جميع دول العالم تضم أقليات ومكونات عرقية ودينية وإثنية، وتعمل هذه المكونات مع الأغلبية في حماية الوطن وتعزيز قيم المواطنة، بما يحفظ الحقوق، رغم وجود نصوص دستورية تعكس صفة الأغلبية ومنهجها، لأن الولاء للوطن وليس لمفاهيم دخيلة أخرى، بل الولاء الوطني وما تمثله قيمه من سماحة واعتدال، والتي تعبر عنها الأكثرية، هو محل الاعتبار، ولا يمكن للمكونات أن تنتقص من حقوق الأغلبية ورغبتها وتطلعها، بل تعمل معها، كون مختلف المكونات جزءًا أساسيًا من النسيج الاجتماعي الوطني العام.
إعلانالحقيقة التاريخية التي لا مراء فيها والتي ما زالت قائمة أن مجتمعنا ومنذ مئات السنين هو الذي حافظ على المكونات معه بكل مظاهرها التي تعيش بأمان واطمئنان مواطنين أصليين في موطنهم وموطن آبائهم وأجدادهم، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، فتواجدها وبقاؤها دليل لا يقبل النقض على التسامح والاحترام، ومطلوب منها أن تبادل هذه الحقائق بمثلها.
وبذلك، فإن التمترس خلف مظهر من مظاهر المكونات أو الأقليات وإثارة الموضوع والوقوف خلفه للحصول على امتيازات أو تمايز عن باقي الشعب أو فرض إرادتها على بقية الشعب بهذه الحجة، أو أن يجعل البعض هذا المظهر جسرًا للغير لاستخدامه من أجل التدخل في الشأن الداخلي أو طلب استدعاء لهذا الغير بحجة الوجود أو حماية مكون ما، هذا السلوك لا يدل على الخير ويناهض مبدأ الوطنية الجامعة التي يتوجب العيش في ظلها وفي كنفها في بلاد موحدة.
الحرص على إعلاء شأن الوطن والمواطنة وتقدير المعتقدات وتعزيز القيم والأخلاق والتعاون وتبادل الاحترام لأنها ضمان الاستقرار، ذلك أنه لا تستقيم الحياة دون إيمان وقيم وأخلاق والتي تعبر عنها الثقافة العامة المجتمعية وما تعكسه في تشريعاتها واحترام كافة الخصوصيات وحرية ممارسة الشعائر بما يضمن السلم الأهلي والنظام العام والوحدة الوطنية.
سوريا بلد حيوي في هذه المنطقة من العالم، ولها تاريخ عريق وتراث غني وإرث كبير وتنوع جميل، ويجب أن يكون لها مكانة تليق بها، نؤثر ونتأثر بهذا العالم، نأخذ منه ونقدم له لما فيه الخير والتقدم والازدهار، في مجتمع يفيد ويستفيد، يتفاعل مع خبرات الآخرين، ويأخذ بأسباب التقدم والتطور والرقي العلمي والتكنولوجي والاقتصادي، والتعاون في تحقيق الأمن والسلم الدوليين بما يحفظ حقوق بلادنا ويصون وحدتها وسلامة أراضيها وسيادتها واستقلالها.
بدأت الثورة السورية ضد نظام الأسد عفوية دون تخطيط بتدبير إلهي حينما كان مستبعدًا حدوثها، ومر عليها ثلاثة عشر عامًا حتى كاد يخبو بريقها، وظن الجميع أنها انتهت، فإذا هي تبعث من جديد خلال أيام معدودات لتنتصر بتدبير الله، عز وجل، وتوفيقه كما بدأت، تعتز سوريا بما حققه شعبها الأبي في أطول ثورة على الطغيان والاستبداد والفساد عرفها العصر الحديث، وانتصار إرادة شعبها على نظام الطاغية وتحطيم الأصنام.
إعلانعقود من الزمان مرت على سوريا في تاريخها القريب، أمعن فيها النظام البائد بالتخريب والإفساد، فحولها إلى دولة اللادولة، توصيف من الصعب قبوله، ولكن ما يتكشف حاليًا يجعلنا أمام حقيقة مرة تتطلب إعادة بناء الدولة أولًا، وهذا يتطلب جهدًا، ولتعيد المصالحة مع الشعب الذي عانى كثيرًا وقدم التضحيات، ومن حقه رفع شأن هويته وإقامة دولته على العدل والنهوض بالمسيرة التنموية بما يحقق الازدهار والتقدم والحياة الكريمة لجميع الناس.
وعليه، نعتقد أنه من المهم أن يأتي ذكر الإيمان بالله، تعالى، شعارًا للدولة وكمبدأ أساسي تقوم عليه الدولة المدنية التي ننشدها وتحترمه، وأن تكون مبادئ الإسلام السمحة مرجعية قانونية وأخلاقية وتشريعية في دستورنا العتيد القادم. ذلك لأن هذه المبادئ، التي تتضمن الجانب العقائدي الإيماني وشعائره والجانب العملي في الحقوق والمعاملات، تمثل نظامًا قانونيًا قائمًا بذاته ومعترفًا به دوليًا، ويتلاءم في الوقت ذاته مع متطلبات الحياة الحديثة وحماية حقوق الإنسان.
كما أن الإيمان بالله يعكس حقيقة التدين وتبلوره في قلوب وعقول الناس في بلادنا، إذ إنه قيمة إيمانية عظمى ترتبط بوجدان المجتمع رجالًا ونساءً، وتعبر عن التسامح في البعد المجتمعي والتطلع نحو إقامة دولة القانون والمؤسسات، حيث تُحترم قيم الكرامة والحرية والعدل للجميع، وهي القيم التي صانها الإسلام.
إضافة إلى ذلك، فإن هذه المبادئ الفقهية تُعدّ كنزًا فكريًا حاضرًا على الدوام في حياة الناس، مؤثرًا في توجيههم، وله مكانة مرموقة تلازم تدينهم عبر العصور المختلفة.
ومن هذا المنطلق، ينبغي أن تتبنى الدولة مبدأ الشورى سبيلًا، والديمقراطية سلوكًا، والعدل منهجًا، بحيث يكون الشعب هو الموكَّل بممارسة السلطات، وهو أساسها ومصدرها، مع اعتماد الفصل المرن والمتوازن بين السلطات، والتداول السلمي للسلطة، لضمان عدم الجور أو الظلم، في ظل سيادة القانون والمواطنة التي تكفل الحقوق العامة والحريات الشخصية لجميع المواطنين، رجالًا ونساءً، وكافة المكونات المجتمعية، وبما يحقق متطلبات السلم الأهلي.
إعلانينبغي العمل بتكاتف من أجل الإعمار، وتنمية المهارات، وإطلاق القدرات، وتشجيع العلوم، ومحاربة الفقر، وإصلاح المؤسسات، ورفع مستوى التنمية المستدامة في جميع أنحاء البلاد، مع زيادة معدلات النمو، وتحقيق مصالح الناس عبر نهوض اقتصادي مستدام في بيئة آمنة، مما ينعكس إيجابًا على مستوى دخل الفرد وحياته.
كل ذلك ينبغي أن يكون في إطار نظام جمهوري تشاركي تداولي عادل، يستند إلى مبادئ الشرع الحنيف في الأسس المشار إليها، إلى جانب مبادئ الأخلاق العامة والقيم الإنسانية المشتركة واحترام حقوق الإنسان، التي كفلها الإسلام وأعلى من شأنها، والتي ينبغي النظر إليها باعتبارها ضرورة لا غنى عنها.
وهذا كله يأتي بما يليق بكرامة الإنسان، الذي كرّمه الله، تعالى، دون تمييز، فالعبرة في النهاية بالصفة الإنسانية، لا بغيرها، إذ فضّله الله على كثير من خلقه. بل إن هذه الحقوق، المستمدة من التعاليم الإسلامية، ربما تكون أشمل وأعمق من تلك التي تعترف بها المواثيق الدولية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان الکنیسة الکاثولیکیة فی الهویة الوطنیة الإیمان بالله حقوق الإنسان دول العالم الدین فی بینما ت أن یکون نظام ا من شأن التی ت
إقرأ أيضاً:
حقيقة إعفاء الميت من عذاب القبر في شهر رمضان.. اعرف رأي الدين
أجاب الدكتور أسامة قابيل، أحد علماء الأزهر الشريف، عن سؤال حول: "هل من يموت في شهر رمضان يعفى من عذاب القبر؟".
وقال "قابيل"، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الثلاثاء، "لا يجمع الله تبارك وتعالى على الإنسان عذابين، مفيش عذاب قبر بالمعنى المفهوم، فى فرق بين العذاب والإحساس بالعذاب لما يرى مقعده فى النار يحس، لكنه لا يعذب، فلا عذاب إلا بعد حساب، وهذا ما قاله الشيخ محمد متولى الشعراوي".
داعية إسلامي: من ينكر عذاب القبر ضال ومضل
دعاء للميت في ليلة النصف من شعبان.. كلمات تنجيه من عذاب القبر
واستشهد العالم الأزهري، بقول الله سبحانه وتعالى: "النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ"، موضحا أن القرآن الكريم يوضح إنهم يعرضون على النار يعنى يحسون بمقعدهم فيها لكن لا يعذبون إلا بعد قيام الساعة.
أسامة الجندي: عذاب القبر ونعيمه ثابت بالقرآن والسنةأكد الدكتور أسامة الجندي، وكيل وزارة الأوقاف لشؤون المساجد، أن عذاب القبر ونعيمه ثابت بالقرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع، مشددًا على ضرورة الرجوع إلى أهل العلم لفهم النصوص الشرعية وعدم تأويلها بغير علم.
وأوضح وكيل وزارة الأوقاف لشؤون المساجد، في تصريح له، أن البعض قد يفسر قول الله تعالى: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، على أنه ينفي عذاب القبر ونعيمه، وهذا غير صحيح.
واستشهد بآيات قرآنية تثبت وقوع العذاب قبل يوم القيامة، منها قوله تعالى: "النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ"، والتي تدل على أن هناك عذابًا واقعًا قبل يوم الحساب.
وأضاف أن الصحابي الجليل سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "كنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت: 'أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ'"، مما يثبت أن العذاب يبدأ في القبر، مشيرا إلى قوله تعالى: "وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ"، حيث ذكر المفسرون أن "العذاب الأدنى" هو عذاب القبر.
وأشار إلى حديث النبي عندما مرّ على قبرين وقال: "إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله"، مؤكدًا أن هذا الحديث دليل قاطع على وقوع العذاب في القبر.
وختم الدكتور الجندي قائلًا: "المؤمن ينبغي له أن يركز على عمله في الدنيا، ويجتهد في طاعة الله، وألا ينشغل بعالم الغيب بطريقة تؤدي إلى التشكيك أو اللبس، وعليه أن يستعين بأهل العلم لفهم القرآن والسنة فهمًا صحيحًا، فقد قال الله تعالى: 'فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ'".