عبد السلام فاروق يكتب: العاشر من رمضان.. ذاكرة النصر تحدثنا
تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT
قبل أن تشرق شمس السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣، كان رمضان ينسج أيامه بلُغته الروحانية، لكن قلبَ الوطن كان يخفق بوتيرة مختلفة. جنودٌ صائمون، أيديهم على الزناد، وقلوبهم معلقة بين دعاء السحور وصلاة الفجر، ينتظرون لحظةً كتبها التاريخ بأحرف من نور. اليوم، وبعد ٥٢ عامًا، ما زالت ذاكرة النصر تحمل في طياتها حكايات البطولة، والخُدع التي حوّلت المستحيل إلى انتصار، وشهداء صاروا نجوماً تُنير سماء الوطن.
لم تكن الحرب مجرّد معركة عسكرية، بل لعبة ذكاءٍ استثنائية. قُبَيل العاشر من رمضان، نسج القادة خيوط "خُطّة الخداع الاستراتيجي" بإتقان. جنود مصريون يلعبون الكرة على شاطئ القناة بلا اكتراث، إشاعات عن تأجيل الحرب أشهراً، بل وزيارات رسمية للقادة إلى الحجاز لأداء العمرة في رمضان! كل تفصيلة كانت جزءاً من خطة خداع كبرى، أقنعت العدو بأن الجيش يستسلم لروتين السلم. لكن تحت السطح، كانت القلوب تضجُّ بالعزم: "الضربة ستكون في أقدس أيامهم"، يوم الغفران الذي حوّلوه إلى يوم دمار.
-
عندما انهمرت طلقات المدافع مع أذان الظهر، لم تكن مجرّد أصوات حرب، بل كانت صيحة حقٍّ عاد. شبابٌ في العشرينيات، بوجوه لم تجفّ منها مياه الوضوء، حملوا سلالمهم الخشبية كأنها جسورٌ إلى السماء، واندفعوا عبر القناة تحت وابل النيران. بينهم كان "البطل أحمد حمدي"، المهندس الذي رسم بدمائه طريق العبور الأول، وسقط ليصير الجسر الذي عبر عليه الآلاف. وعلى الضفة الأخرى، كانت "خط بارليف" ينهار كقلعة من ورق، أمام إرادة رجالٍ آمنوا بأن الموت في سبيل الوطن حياة.
في تلك الأيام، كان الشهيد ليس مجرّد رقمٍ في إحصائية، بل قصة تُروى بدمعٍ وفخر. مثل "عبد المنعم خليل"، الطيار الذي اخترق طائرته سماء سيناء ليرسم فيها أول بصمة تحرير، والممرضة التي ظلت تُنقذ الجرحى حتى سقطت برصاص غادر. كانوا جميعاً يصومون رمضان، لكنهم صاموا أيضاً عن كل شيء إلا الوطن. دماؤهم الزكية لم تجفّ على رمال سيناء، بل صارت أغنية ترددها الأجيال: "النصر له ثمن، ونحن ندفعه".
لم تكن الحرب معركة أيام، بل إرادة شعبٍ رفض أن يُكتب له الهوان. بعد العبور، خاض الجيش حرباً أخرى: حرب تثبيت الانتصار. معارك الدفرسوار، وصمود الجنود في الثغرات، والمفاوضات التي أعادت الأرض والكرامة. هنا برزت عبقرية "الخداع السياسي"، حين حوّل القادة الهزيمة المُرتقبة في المفاوضات إلى انتصار، بإصرارٍ صامتٍ كجبال سيناء.
اليوم، ونحن نحتفي بالذكرى الـ٥٢، نرى في عيون كبارنا دموعاً تختلط بابتسامة. نسمع في صوت المؤذن صدى أصوات الجنود وهم يهتفون "الله أكبر" قبل العبور. ونلمس في نسمات رمضان عبق شهداء قالوا للوطن: "خُذنا فداءً لك". العاشر من رمضان ليس تاريخاً في كتب الماضي، بل هو جرس يُذكّرنا أن النصر يُبنى بالإيمان قبل السلاح، وبالذكاء قبل القوة، وبالقلوب التي لا تعرف إلا العلياء.
وها هي قناة السويس، التي شهدت ملحمة العبور، تهمس لكل مَنْ يمرُّ عليها:
"هنا.. مرَّ أبطالٌ كانوا يُحبون الحياة، لكنهم أحبوكِ أكثر يا مصر".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: رمضان قناة السويس السادس من أكتوبر المزيد
إقرأ أيضاً:
اللغة العربية ذاكرة الحضارات في أبوظبي الدولي للكتاب
عزز معرض أبوظبي الدولي للكتاب، مكانة اللغة العربية كمنصة رائدة لإنتاج المعرفة وتعزيز التبادل الثقافي، من خلال تسليط الضوء على مبادرات نوعية تبرز دورها في حفظ ذاكرة الحضارات وتقدير الإبداع الثقافي والفكري.
ويعد مشروع "كلمة" التابع لمركز أبوظبي للغة العربية، أحد أبرز المبادرات التي أسهمت في تعزيز حركة الترجمة في العالم العربي، ودعمت حضور اللغة العربية وتأثيرها في المشهد الثقافي العالمي.
ومنذ انطلاقه، نجح مشروع "كلمة" في ترجمة أكثر من 1300 عنوان من 24 لغة، في أكثر من 10 تصنيفات معرفية، بالتعاون مع أكثر من 800 مترجم ونخبة من دور النشر العالمية.
وأكد سعيد حمدان الطنيجي، المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية، مدير معرض أبوظبي الدولي للكتاب، في تصريح لوكالة أنباء الإمارات "وام"، أن مشروع "كلمة" يجسد دور الترجمة كركيزة أساسية للتبادل الثقافي والفكري بين الحضارات، مشيرًا إلى إستراتيجية المركز في دعم الترجمة، وتوثيق التجارب الثقافية، وتعزيز حضور المؤلفين العرب والعالميين.
ولفت إلى حرص المركز على دعم حركة النشر العالمية والاحتفاء بالمبدعين من مختلف أنحاء العالم، مؤكدًا أن معرض أبوظبي الدولي للكتاب نجح على مدار مسيرته في ترسيخ مكانته كمنصة معرفية وثقافية عالمية رائدة.
وتم إطلاق مشروع "كلمة" في عام 2007 بهدف إحياء حركة الترجمة في العالم العربي، ودعم الحراك الثقافي الفاعل الذي تشهده أبوظبي، بما يساهم في تعزيز موقعها على خارطة المشهد الثقافي الإقليمي والدولي، من أجل تأسيس نهضة علمية وثقافية عربية تشمل مختلف فروع المعرفة البشرية.
وتتم عمليات الاختيار والترجمة في مشروع "كلمة" على أيدي خبراء محترفين، حرصًا على جودة اللغة العربية المستخدمة في نقل نتاج ثقافات العالم، والاستفادة من جمالياتها ومعارفها.
أخبار ذات صلةكما حرص المشروع على ترجمة نخبة من الأعمال الأدبية للكتاب العالميين، وصدرت عنه عدة كتب تسلط الضوء على سيرة عدد من الفائزين بجائزة نوبل ومنجزاتهم، بالإضافة إلى أعمال أخرى حرص المركز من خلالها على إثراء المكتبة العربية وإطلاع القارئ على هذه الكنوز المعرفية.
ويطرح مركز أبوظبي للغة العربية خلال معرض أبوظبي الدولي للكتاب، مجموعة متميزة من أهم وأحدث إصداراته، التي تشمل نتاج عدد من مشاريعه الرائدة، وفي مقدمتها مشروعات "كلمة"، و"إصدارات"، و"برنامج المنح البحثية".
ومن بين كتب مشروع "كلمة" التي تعرض في معرض أبوظبي الدولي للكتاب: "فكرة محددة عن فرنسا: سيرة شارل ديغول"، و"الفتى القادم من بغداد"، و"صورة جِني"، و"رحلات الاكتشاف"، و"اللغة العالمية: الترجمة والهيمنة"، و"الشركة الناشئة الخضراء".
كما كرم مركز أبوظبي للغة العربية خلال المعرض، ستة دور نشر عربية عريقة، قضت ما مجموعه 520 عاماً في خدمة صناعة النشر، ضمن المرحلة الأولى من مبادرة "تكريم رواد صناعة النشر في العالم العربي".
ويُنظم المركز أكثر من 2000 فعالية ثقافية ضمن أجندة مشاركته في معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الـ 34 ، من بينها 1700 نشاط إبداعي في إطار المرحلة الأولى للحملة المجتمعية لدعم القراءة المستدامة التي تم إطلاقها مؤخرًا.
وتغطي الفعاليات 14 مجالًا، وتشمل أندية قرائية، وجلسات حوارية، وورش كتابة إبداعية، ومحاضرات فكرية، وندوات فنية، وبرامج تعليمية ترفيهية، ودورات متخصصة، وقراءات شعرية، وقراءات قصصية، وبرامج إذاعية، ومسابقات ثقافية، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وإطلاق كتب جديدة.
ونجح معرض أبوظبي الدولي للكتاب في ترسيخ مكانته نموذجا مميزا لمعارض الكتاب العربية، وأصبح يقود مسيرة تحول شملت ليس فقط العناوين المعروضة من الكتب، وإنما أيضًا المحتوى الفكري والثقافي والترفيهي، ليعيد صياغة مفهوم معارض الكتاب العربية نحو مزيد من القرب من المجتمع، لتصبح أحد أبرز أدوات التنمية.
المصدر: وام