عربي21:
2025-04-12@07:51:46 GMT

ارتباط السماء بالأرض في رمضان

تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT

شهر رمضان شهر له مكانة خاصة عند المسلمين، فهو شهر تفرح به النفوس، وتُفتح له القلوب، وترفرف السعادة والطمأنينة على الأنام، ففيه تتضاعف الحسنات وتتنزل الرحمات، وتفتح أبواب الخيرات. ويكفيه شرفا أن فيه نزل القرآن الكريم على سيد الأنام.

فالنبي صلى الله عليه وسلم لما تقاربت سنه الأربعين حُبب إليه الخلاء، فكان يأخذ السويق والماء ويذهب إلى غار حراء في جبل النور، ومعه أهله قريبا منه، فيقيم في شهر رمضان يطعم من جاءه من المساكين، ويتعبد ويفكر فيما حوله من مشاهد الكون، غير مطمئن لما عليه قومه من طقوس دينية مخالفة للفطرة الإنسانية بعبادة الأصنام.

وهو في الوقت نفسه لا يجد طريقا واضحا أمامه يسير فيه ويرضاه.

وهذا يعكس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعمل لنفسه فقط، بل إن جوامع الخير لم تفارقه، فكان ما يقدمه من إطعام المساكين نموذجا حيا للرحمة بالخلق، ومد يد المساعدة للمحتاج.

ولما أكمل النبي صلى الله عليه وسلم الأربعين سنة نزل عليه جبريل بالوحي في شهر رمضان، حيث كان يتعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى زوجته خديجة، فيتزود لمثلها، وقال له جبريل: اقرأ. فقال: ما أنا بقارئ، فأخذه فغطه (أي ضمه وعصره) حتى بلغ منه الجهد، ثم أرسله، فقال: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، فأخذه فغطه الثانية حتى بلغ منه الجهد، ثم أرسله، فقال: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، فأخذه فغطه الثالثة حتى بلغ منه الجهد، ثم أرسله فقال: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" (العلق: 1-5).

فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة: مالي، وأخبرها الخبر، لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا، والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.

فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ابن عم خديجة، وكان امرئ تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزله الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مخرجي هم. قال: نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن توفي.

ومما يذكر أيضا من خبرة خديجة وتفكيرها الابتكاري ونعمة الله على رسوله في زواجه منها رغم أنها أكبر منه سنا، أن هذا الفارق في السن ما كان إلا توفيقا في الاستفادة من عقلها الرشيد في علاج واقعة نزول الوحي، واحتواء الأمر بصورة بصيرة.

فقد قالت خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي ابن عم، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: "نعم"، قالت: فإذا جاءك فأخبرني به. فجاءه جبريل عليه السلام، كما كان يصنع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخديجة: "يا خديجة، هذا جبريل قد جاءني"، قالت: قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عليها، قالت: هل تراه؟ قال: "نعم"، قالت: فتحول، فاجلس على فخذي اليمنى، فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس، على فخذها اليمنى، فقالت: هل تراه؟ قال: "نعم"، قالت: فتحول فاجلس على حجري، فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس في حجرها، قالت: هل تراه؟ قال: "نعم"، فتحسرت وألقت خمارها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجرها، ثم قالت له: هل تراه؟ قال: "لا"، قالت: يا ابن عم، اثبت وأبشر، فوالله إنه لملَك وما هذا بشيطان.

لقد ارتبطت السماء بالأرض في رمضان، ونزل جبريل بالوحي طالبا من النبي القراءة، وهذا يبرز أهمية العلم في بناء الحضارات والأمم، ولا قيمة لأمة يعلوها الجهل وينتكس فيها العلم، فهي أمة لا حاضر ولا مستقبل لها، لذا كانت بداية دعوة الرسول من اقرأ ومن القلم الذي يكتب ما تتم قراءته
لقد ارتبطت السماء بالأرض في رمضان، ونزل جبريل بالوحي طالبا من النبي القراءة، وهذا يبرز أهمية العلم في بناء الحضارات والأمم، ولا قيمة لأمة يعلوها الجهل وينتكس فيها العلم، فهي أمة لا حاضر ولا مستقبل لها، لذا كانت بداية دعوة الرسول من اقرأ ومن القلم الذي يكتب ما تتم قراءته.

ومن المنطلق الاقتصادي يجب على الأمة أن تبني نظرياتها الاقتصادية من المنهج الرباني وربط فقه النص بواقع العصر، والاستفادة من كافة وسائل التعليم والتعلم المستحدثة، فلم تعد الأمية مقتصرة على القراءة والكتابة، بل هناك أمية العلوم، وأمية التخصص، وأمية التكنولوجيا وغيرها.

كما أن خديجة رضي الله عنها بما تملكه من خبرة وسن رشيد زملت زوجها، وهدأت من روعه، وقدمت له كلمات تكتب بماء من نور خلدها التاريخ.. كلمات تعكس أبعادا اقتصادية واجتماعية اتسمت بها شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم.. كلمات يجب أن يتأسى بها كل صاحب دين وضمير يقظ.. فهو واصل للرحم مكرم للضيف معين كل صاحب حق سواء كان حقا ماليا أو شخصيا، فضلا عن أنه يمد يده حاملا أثقال الفقراء والضعفاء والأيتام بالإنفاق عليهم وتلبية حاجتهم، مكسبا للمعدوم آخذا بيده من تراب الفقر ليستكفي عن غيره.

إنها كلمات في موقف من أشرف وأجل المواقف استحقت من أجلها أن يحييها رب العالمين، فيرسل لها السلام مع الروح الأمين، فقد "أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومنّي، وبشّرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيها ولا نصَب".

x.com/drdawaba

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه رمضان القرآن النبي القرآن رمضان النبي مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رسول الله صلى الله علیه وسلم النبی صلى الله علیه وسلم ابن عم

إقرأ أيضاً:

شروط التوبة النصوح وكيفية تحقيقها خطوة بخطوة

التوبة النصوح تعد أبرز ما يسعى كثيرون إلى تحقيقه كل منا لعلها تكون منجية من الآثام والذنوب التي وقع فيها الشخص، حيث إن التوبة تعد بمثابة العفو والأمل وهي باب مفتوح أمام الجميع لمن أراد أن يفتحه.

وفي السطور التالية نتعرف على شروط التوبة النصوح وكيفية تحقيقها خطوة بخطوة.. 

مش مجرد كلمات.. خالد الجندي: 3 مفاتيح لتحقيق التوبة النصوحعلي جمعة يوضح الفرق بين الاستغفار والتوبةهل التوبة تغني عن قضاء الصلاة الفائتة؟ ..الإفتاء تحسم الجدلفي ليلة القدر.. مفتي الجمهورية يوصي بـ 6 أعمال للتوبة والإنابة

ما هي التوبة النصوح وشروطها؟

وفي هذا السياق عرّف الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق، التوبة النصوح بأنها هي التي لا عودة بعدها كما لا يعود اللبن إلى الضرع. 

وأوضح علي جمعة من خلال الصفحة الرسمية لفضيلته عبر فيسبوك، مفهوم التوبة النصوح قائلاً: قيل هي: "الندم بالقلب، والاستغفار باللسان، والإقلاع عن الذنب، والاطمئنان على أنه لا يعود".

وأشار إلى أنه لا بد من المراجعة الدائمة لأنها عظيمة النفع في ترقي الإنسان وخلاصه من الدنايا، ولقد ضرب لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم مثلًا من نفسه؛ حيث قال: «يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة».. [رواه الترمذي].

وأوضح المفتي السابق أن سُنة الله في طبيعة البشر اقتضت أن تكون تلك التوبة والمراجعة دائمة، فلا ينبغي أن نمل من كثرة التوبة إلى الله، ولا نمل من مصارحة النفس بالعيوب والقصور، ولا نمل من الإقلاع بهمة متجددة لرب العالمين، والله يحب من عبده إذا أخطأ أن يرجع عن خطئه، حتى لو تكرر الخطأ أو الخطيئة، فهو يقبل التوبة من عبادة ويعفو عن كثير. 

واستشهد فضيلته بما جاء بالحديث النبوي الشريف قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون».. [رواه أحمد والترمذي وصححه الحاكم في المستدرك].

وأوضح جمعة أن التوبة تخرج الإنسان من ذنوبه، وكأنه لم يفعل ذنبا قط، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :«التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ».. [رواه ابن ماجه].

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستغفار والتوبة إليه ليترقى في درجات القرب، وليعلمنا كثرة الاستغفار، فقال -صلى الله عليه وسلم- : « إِنِّى لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِى الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً ».. [رواه ابن ماجة في سننه].

وأضاف فضيلته أن التوبة منها توبة عن المعاصي والذنوب، ومنها الإنابة وهي أعلى من التوبة، حيث يخرج الإنسان كل ما سوى الله من قلبه، فيفرغ قلبه من السوى، وينشغل بالله سبحانه وتعالى وحده، ثم تترقى الإنابة إلى أن تكون أوابا، والأوبة هي الرجوع التام إلى الله سبحانه وتعالى، ويتأتى ذلك بإقامة الدين في النفس، قال تعالى : {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَعًا كُلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.. [الروم : 30 -36].

كيفية تحقيق التوبة النصوح

من جانبه، قال الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إن التوبة النصوح ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي عملية متكاملة تشمل العلم، والحال، والعمل، مؤكدًا أن التوبة لا تصح إلا إذا كانت مبنية على معرفة وتفهّم للذنب، وندم حقيقي على ارتكابه، وعزم على عدم العودة إليه.

وأضاف الشيخ خالد الجندي، خلال تصريحات تلفزيونية، أن "التوبة النصوح لا تكون توبة حقيقية إلا إذا كانت مبنية على علم، علمك بأنك ارتكبت ذنبًا، وتعرف تمامًا ماذا فعلت وأضررت به.. الإمام الغزالي رحمه الله قال: 'التوبة علم وحال وعمل'، العلم يعني أنك عرفت أن ما فعلته خطأ، وأنه محرم، وإنك لو سرقت مثلًا، يجب أن ترد المال إلى صاحبه".

وتابع: "بعد العلم يأتي الحال، وهو الندم.. التوبة ليست مجرد كلمات، بل شعور داخلي عميق بالندم على ما فعلت.. كما قال النبي ﷺ: 'التوبة ندم'. لو لم تكن نادمًا على ذنبك، فالتوبة ليست توبة".

وأوضح أن العمل هو الجزء الأخير، مشيرًا إلى أن التوبة يجب أن تشمل ثلاثة أشياء:  "الأول، الإصلاح، بمعنى أن تُصلح ما أفسدته، الثاني، الإقلاع، أي أن تترك هذا الذنب وتبتعد عنه، الثالث، العزم على عدم العودة إليه في المستقبل".

وأكد أن التوبة النصوح لا تتحقق إلا بالعزيمة القوية والإرادة الحازمة، مبينًا أن التغيير لا يأتي بالأماني أو الرجاء، بل يحتاج إلى عمل وإصرار على التغيير، مشيرا إلى أن النفس البشرية قد تتعرض للفتور، خاصة بعد رمضان، ولكن يجب الاستمرار في السعي نحو الحفاظ على روحانية التوبة.

واختتم: "كما قال النبي ﷺ لسيدنا أبو ذر رضي الله عنه، عندما سأله عن الذنب، قال له: 'أعود واستغفر، إذا يكسر خطئي.' رحمة الله أوسع من ذنوبنا".

مقالات مشابهة

  • خطبة الجمعة من المسجد الحرام
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
  • ساعة الإجابة يوم الجمعة.. اعرف وقتها وفضلها
  • فضل صلاة الجمعة وأهم السنن في هذا اليوم
  • فضل ليلة الجمعة ويومها.. خطوة لإدراك ساعة إجابتها
  • كثرة الصلاة على النبي يوم الجمعة.. تحقق لك 10 أمور
  • فضل وثواب صيام الست من شوال.. الإفتاء توضح
  • شروط التوبة النصوح وكيفية تحقيقها خطوة بخطوة
  • كيف نحول ما تركه لنا رسول الله من القرآن والسنة لبرامج عمل يومية.. علي جمعة يوضح