مؤيد الزعبي

منذ سنوات طويلة وثمّة محاولات لتدريب الذكاء الاصطناعي ليكون بديلًا عن المحامين، وهناك شركات عملاقة تعمل على هذا المشروع؛ فتخيل عزيزي القارئ أن تصبح أنت محامي نفسك، أو يصبح محاميك الخاص على هاتفك، ومع تطور التقنيات ستصبح أنت محامي نفسك وسيصبح القاضي عبارة عن برمجية تُصدر الأحكام بدون تدخل بشري!

ربما تجدها صعبة وأنت تتخيل قاعة محكمة يتوسطها محامي متمرس يرافع أمام قوي يدافع عن موكله أمام هيئة المحكمة، ولكن هذه الصورة لن تجدها في المستقبل فقاعات المحكمة ربما ستتغير شكلًا ومضمونًا، ومن المُحتمل أن تصبح عبارة عن تطبيق يقوم بكل شيء إلكترونيًا.

لو دخلت الإنترنت الآن وبحثت عن منصة تقدم استشارات قانونية بواسطة الذكاء الاصطناعي ستجد هناك مئات المنصات، والتي تعتمد في تقديم خدمة الاستشارة القانونية على برمجيات المحادثة الإلكترونية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي بحيث تقوم بتحليل اللغة والإجابة على الاستشارة القانونية بناءً على ذلك. لكن ما الذي سيحدث لو أُوجدت منصة يتم تدريبها على القوانين والمرافعات والأحكام وقرارات المحاكم وتحديثها بجميع القوانين التي تصدر في كل بلد؟ تخيل لو تم تدريبها على أرشيف عشرات السنين من ملفات القضايا، فكيف سيصبح رد فعل هذه المنصات على استشارات المستخدمين القانونية، وهذا ليس بالأمر البعيد؛ بل هناك محاولات فعلية لتطبيق هذه الفكرة بشكل تجاري وتعميم التجربة.

في فبراير هذا العام، ترافع أول "محامي روبوت" في العالم والذي أنتجته الشركة الناشئة "DoNotPay"؛ حيث دافع المساعد الإلكتروني أمام المحكم عن متهم في قضية مخالفة مرور، وتسعى هذه الشركة لجعل سوق المحاماة العالمي الذي تصل قيمته إلى 200 مليار دولار مجانيًا أمام المستخدمين! وهذا في حد ذاته تحدٍ كبير لقطاع أو سوق كبير من محامين ومكاتب وشركات محاماة تتقاضى الملايين مقابل خدمات مختلفة ما زالت حتى الآن حِكرًا على البشر، لكن بما أن الباب قد فُتح أمام الذكاء الاصطناعي ليدخل هذا القطاع، فتوقع أن تتغير جميع عناصره في قادم الوقت.

قبل سنوات كان هناك محاولة جادة من خلال البرنامج الذي طوره JPMorgan ووصف هذا البرنامج بأنه ينجز في ثوانٍ ما يفعله المحامين في 360000 ساعة وهو متخصص في اجراء تحليل الصفقات المالية التي كانت تشغل الفرق القانونية ذات مرة لآلاف الساعات، ولكن مثل هذه الأمور من السهل تدريب الذكاء الاصطناعي ليقوم بها.

لقد أعلنت شركة Baker & Hostetler وهي واحدة من أكبر شركات المحاماة في الولايات المتحدة، أنها ستستخدم برمجية الذكاء الاصطناعي "Ross" في القضايا القانونية، وقد تم تطوير نظام "روس" بالاعتماد على برمجية واتسون من شركة IBM، ولكن الحديث هنا عن برمجية تقوم بمساعدة المحامين لتوفير الوقت أثناء بحثهم عن إجابات لأسئلتهم واستفساراتهم حول القضايا التي يديرونها، وقد قال أندرو أرودا، الرئيس التنفيذي لشركة ROSS Intelligence، أن الروبوت المحامي روس يعمل حاليًا في قضايا الإفلاس، ومن المتوقع استخدامه في مجالات مثل الملكية الفكرية، وقانون الأعمال والضرائب، والقانون الجنائي في المستقبل.

أما في مجال التقاضي، فهناك تجارب عملية لهذه البرمجيات عالميًا مثل تطبيق القاضي الروبوت الذين يقوم بتقييم القضايا الصغيرة في إستونيا، والروبوت الوسيط في كندا، ونظام التحكيم بالذكاء الاصطناعي في ماليزيا، وفي عام 2019 بدأ مركز خدمة التقاضي عبر الإنترنت التابع لمحكمة الإنترنت الصينية في استخدام برمجيات الذكاء الاصطناعي للمساعدة في الإجراءات القانونية الروتينية، بما في ذلك رفع القضايا ومعالجتها، ولهذا يمكننا القول رغم أن التقاضي تحتاج لذكاء بشري وتقييم إنساني في أغلب الأحيان ولكن هذا لن يمنع من أن يتم تدريب الذكاء الاصطناعي وبرمجة خوارزميات معينة لتعمل محل القضاة في قادم الأيام.

خلاصة القول.. إن المحاماة مهنة تقليدية مرتبطة بأسلوب معين يحكم طبيعة العمل فيها وكيفية ممارستها، وأن تكون قاضي فهذا يتطلب جزء كبير من فهم الكثير من الأمور حول القضية التي بين يديك، ودخول الذكاء الاصطناعي هذه المجالات يحتاج لوقت لكي يتبلور بشكل كامل ونجد محامي أو قاضي روبوت يمكن الاعتماد عليه في حل المشاكل القانونية، ولكن هذا لا يعني أبدًا أن ينتظر كل محامي حدوث ذلك؛ بل الأولى البدء بإدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في أعمالهم توفيرًا للوقت أولًا، وتحسينًا لجودة الخدمة ثانيًا؛ فأغلب الآراء تقول إن الذكاء الاصطناعي سيكون مُساعِدًا للمحامين وللقضاة كما هو الحال بالنسبة للطيارين، وسيساعد هذا الأمر في اختصار الكثير من الوقت للمحامين وللمتعاملين ولأصحاب القضايا أيضًا؛ بل سيقربنا الذكاء الاصطناعي من إيجاد نظام قضائي أكثر عدلًا وأكثر شفافية.

 

 

 

 

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي والرقمنة في العمل

 

 

أحمد بن خلفان الزعابي

 

يُعدّ الذكاء الاصطناعي أحد أهم ما قام بتطويره الإنسان لخدمة مصالحه واستجابة للتطور والنمو الهائل الذي يشهدهُ العالم في مجال ذكاء الآلة حتى الآن، ويأتي احتفال دول العالم هذا العام بمناسبة اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية 28-4-2025 ليوظف هذه التقنيات في مجال العمل بهدف توفير بيئة أكثر أمانًا.

ومع التطور الهائل الذي يشهده العالم في مجال تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي والرقمنة في قطاع الأعمال تحتفل منظمة العمل الدولية ILO هذا العام تحت شعار "إحداث ثورة في الصحة والسلامة دورة الذكاء الاصطناعي والرقمنة في العمل" بمناسبة اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية، ولا شك أن الجميع على اطلاع لما وصل إليه الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته من تقدم هائل في شتى المجالات لذلك فإنه من الأولى تطويع كل هذه التقنيات والتطبيقات والنماذج لخدمة سلامة الإنسان والحفاظ على بقائه آمنًا مطمئنًا.

لا شك أن الإنسان قام بتطوير أنظمة سلامة تحدّ من المخاطر في بيئات العمل الأكثر خطرًا إلا أن دخول الآلات التي يعتمد تشغيلها على تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي المتقدم ستساهم بشكلٍ فعّال في الحد من مخاطر بيئات العمل والتي تحلُّ محلَ الإنسان في مجالات العمل الأكثر خطرًا كالعمل في المناجم العميقة أو بالقربِ من المصاهر أو التعامل مع المواد الكيماوية أو المواد التي تتسم بدرجة سُميّته عالية أو رفع الأحمال الثقيلة حيث تتولى هذه الروبوتات مهام عمل متكررة وروتينية والتي يمكن برمجتها للعمل في مختلف الظروف أو حتى بشكل متواصل.

ولا يمكننا هنا أن نغفل دور الإنسان الذي قام هو بذاتهِ بإبتكار هذه التطبيقات وأدوات الذكاء الاصطناعي حيث لولا الإنسان لما عملت هذه الآلات لأنه يبقى تهديد الاختراقات والهجمات السيبرانية قائما وبالتالي يمكن لهذه الآلات أن تتعطل وتتوقف عن العمل وبالتالي يبقى دور التدخل البشري قائمًا لمعالجة هذه المشكلة وبالتالي فإن الآلة مهما تطورت لا يمكنها أن تحلّ محل الإنسان أو تلغي دورهُ تمامًا، إنما هي تساعدهُ في تسريع العمل بكفاءةٍ وإتقان وتضمن أفضل درجات السلامة للعاملين.

من جهة أخرى، يقوم مهندسو وفنيو السلامة في أماكن العمل بإجراء تقييمٍ شامل لمخاطر بيئة العمل بشكل دوري مستمر وذلك بهدف المحافظة على بيئة العمل أكثر أمانا وضمان خلوها من التهديدات التي يمكن أن تتسبب في وقوع حوادث وشيكة، أما الآن ومع دخول الأجهزة الرقمية وأجهزة الاستشعار الذكية فيمكنها أن تساعد المعنيين في الكشف المبكر عن مخاطر بيئة العمل بكفاءة عالية حيث أصبحت هذه الأجهزة تساعد على اكتشاف المخاطر مبكرًا وبالتالي تسمح للمختصين بالتدخل مبكرًا أيضًا والعمل على معالجة أسباب الخطر مما يُساهم ذلك في بقاء بيئة العمل أكثر أمانا.

وبما أن قطاع تقنية المعلومات والاتصالات يشهد تطورًا هائلًا مدعومًا ببحوث تطوير التقنيات المتقدمة وأدوات الذكاء الاصطناعي وكذلك سباق شركات قطاع تقنية المعلومات المحموم لتقديم أفضل الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي والرقمنة فهذا يدعونا لتطوير سياسات سلامة وصحة مهنية تـُركزُّ على اعتماد استخدام مثل هذه التقنيات في بيئات العمل للمساهمة في الحفاظ على سلامة وصحة الإنسان في مكان العمل.

ويأتي الاحتفال بهذه المناسبة سنويًا للتذكير بضرورة مناقشة أسباب الخطر في أماكن العمل واعتماد أفضل الوسائل التي تحافظ على سلامة وصحة الإنسان واستدامة موارد المنشآت وارتفاع العائدات بمختلف أنواعها.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي والرقمنة في العمل
  • رئيس مكتبة الإسكندرية لمصراوي: التسجيلات المنسوبة لعبدالناصر قد تكون مُصنَّعة بالذكاء الاصطناعي
  • كيف خسرت آبل عرش الذكاء الاصطناعي لصالح ميتا؟
  • عسكرة الذكاء الاصطناعي .. كيف تتحول التكنولوجيا إلى أداة قتل عمياء؟
  • إيداع محامي مشطوب الحبس بعدما انتحل صفة وكيل الجمهورية بمحكمة سيدي أمحمد
  • يوتيوب يختبر ميزة البحث المدعوم بالذكاء الاصطناعي
  • مايكروسوفت تطلق ميزة Recall والبحث بالذكاء الاصطناعي لأجهزة Copilot Plus الجديدة
  • الرئيس الصيني يحذر من مخاطر مرتبطة بالذكاء الاصطناعي
  • الرئيس الصيني: الذكاء الاصطناعي سيغير أسلوب الحياة البشرية بشكل جذري
  • يوتيوب تدعم ميزة البحث بالذكاء الاصطناعي