بدر بن خميس الظفري

العنصرية ظاهرة مُتجذِّرة في المجتمعات البشرية، تتغلغل في النفوس من خلال ميول نفسية واجتماعية تدفع الأفراد إلى تصنيف الآخرين وفق معايير سطحية، مما يؤدي إلى تشكل أنماط من التحيز والتمييز.

يشير عالِم النفس الاجتماعي الأمريكي جوردون ألبورت، في كتابه "طبيعة التعصب"، إلى أن العنصرية تتولَّد من الحاجة النفسية إلى التصنيف؛ حيث يسعى الإنسان إلى تبسيط الواقع من خلال وضع الأفراد في قوالب محددة، ما يقود إلى أحكام مسبقة تؤثر في طريقة التعامل مع الآخرين.

ويرى ألبورت أن هذا الميل النفسي نحو التصنيف ينبع من قدرة العقل البشري على معالجة الكم الهائل من المعلومات التي يتلقاها يوميًا. فعوضًا عن تحليل كل فرد على حدة، يميل الإنسان إلى تصنيفه ضمن مجموعة، مما يساعده على التفاعل مع بيئته بسرعة، لكنه يؤدي أيضًا إلى تكوين قوالب نمطية قد تكون غير دقيقة.

ويضيف ألبورت أن التصنيف يصبح مؤثرًا عندما يرتبط بالمشاعر السلبية تجاه المجموعات الأخرى. فالصور النمطية التي تُبنى على هذا التصنيف تسهم في تشكيل السلوك والتوقعات، إذ يبدأ الفرد في التعامل مع الآخرين بناءً على التصورات الشائعة عن تلك الفئة، وليس بناءً على شخصيتهم الفعلية. وتزداد هذه الظاهرة وضوحًا عندما تعززُ هذه التصنيفات عبر التعليم والإعلام والتنشئة الاجتماعية، مما يجعلها جزءًا من الفهم الاجتماعي السائد.

على المستوى النفسي، يرتبط التعصب العنصري بمشاعر عدم الأمان والخوف من الاختلاف. يرى عالِم النفس الكندي الأمريكي بوب ألتيماير، أن الشخصيات التسلطية تميل إلى التعصب ضد المجموعات المختلفة؛ إذ يتسم أصحابها بالخضوع للسلطة، والعدوانية تجاه الغرباء، والتشبث بالمعايير التقليدية. هذه السمات تجعل الأفراد أكثر عرضة لتبني مواقف عنصرية كوسيلة للحفاظ على إحساسهم بالسيطرة.

من جانب آخر، تشرح عالِمة النفس الأمريكية سوزان فِسك، في أبحاثها أن الصور النمطية العنصرية تتشكل نتيجة للارتباطات الوهمية، إذا يعمم سلوك سلبي صادر عن فرد واحد على المجموعة بأكملها. يؤدي هذا النوع من التعميم إلى تعزيز الاعتقادات الخاطئة حول الفئات المختلفة، مما يرسخ التمييز الاجتماعي.

في نظرية السيطرة الاجتماعية التي طوَّرها الأكاديمي وعالم النفس الأمريكي جيم سيدانيوس، تفسرُ العنصرية على أنها أداة نفسية واجتماعية تهدف إلى الحفاظ على الامتيازات الطبقية وترسيخ عدم المساواة. وفقًا لسيدانيوس، فإن المجتمعات البشرية بطبيعتها تميل إلى تشكيل هياكل هرمية؛ حيث تهيمن بعض الجماعات على غيرها من خلال موارد القوة والسلطة. وهذه السيطرة تتجذر في الاعتقادات الجماعية التي تبرر هذه الفوارق وتغذيها.

وتنص النظرية على أن الأفراد الذين ينتمون إلى الجماعات المهيمنة غالبًا ما يتبنون مواقف تبرر الوضع القائم، فيما قد تظهر بعض الفئات المستضعفة استعدادًا لقبول هذه الهياكل بسبب تعرضهم المستمر لخطاب يرسخ دونيتهم. يوضح سيدانيوس أن هذه التوجهات تعكس تفاعل العوامل الاقتصادية والاجتماعية مع العوامل النفسية؛ حيث يظهر الميل الطبيعي للبشر إلى تفضيل مجموعاتهم الخاصة، إضافةً إلى التخوف من الجماعات الأخرى.

وتعدّ هذه النظرية ذات أهمية خاصة في فهم كيف تصبح العنصرية جزءًا من بنية المجتمع. فالنظام الاجتماعي القائم على السيطرة ينتج تفسيرات وأيديولوجيات تعزز التمييز، مما يجعل مقاومتها تحديًا كبيرًا أمام الأفراد الذين يتأثرون بها سلبًا.

وتُشير الدراسات إلى أن النزعات العنصرية تزداد حدتها في أوقات الأزمات الاقتصادية والسياسية، حينها يسعى الأفراد إلى الدفاع عن امتيازاتهم باستخدام وسائل متعددة، مما يؤدي إلى تصاعد التوترات العرقية والاجتماعية، ويبحث الأفراد عن كبش فداء لتحميله مسؤولية الظروف المتدهورة.

من جهة أخرى، يرى فيدريريكو ولاكس أن التحيز العنصري ينغرس في العقل الباطن نتيجة التنشئة الاجتماعية، مما يجعل الأفراد يتصرفون وفقه دون وعي واضح. أي أن العنصرية تتشكل عبر موروثات ثقافية وتعليمية تعزز الفروقات بين الجماعات.

 ومن هنا يؤكد علماء الاجتماع أن المجتمعات التي تقوم على التراتبية الطبقية تميل إلى إنتاج أنظمة تفكير عنصرية تبرر عدم المساواة. عندما يتكرر خطاب التمييز في الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام، يصبح جزءًا من الإدراك الجماعي، مما يؤدي إلى ترسيخ الفوارق بين الجماعات، ويصبح أمرًا طبيعيًا مبررًا يعد من يستنكره شاذا عن المجتمع.

ويرى الباحثون أن العنصرية تتجلى في البنى الاجتماعية التي تدعم التمييز المنهجي، فعندما تستبعد فئات معينة من فرص العمل أو التعليم بسبب خلفياتهم العرقية أو الاجتماعية، يتحول التمييز إلى جزء من النظام العام، مما يعمّق الفجوة بين الفئات المختلفة.

إنَّ الدوافع النفسية والاجتماعية للعنصرية متشابكة ومتداخلة، حيث يتأثر سلوك الأفراد ومواقفهم بمزيج من العوامل الفردية والجماعية التي تحدد نظرتهم إلى الآخرين. والتفاعل بين الحاجة النفسية إلى التصنيف والظروف الاجتماعية التي تعزز هذه النزعات يجعل من العنصرية ظاهرة مستمرة تتخذ أشكالًا مختلفة عبر الزمن والمجتمعات.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

رئيس حلف قبائل حضرموت يزور المرابطين في نقطة غرب العليب

شمسان بوست / حضرموت:

قام رئيس حلف قبائل حضرموت الشيخ / عمرو بن حبريش العليي عصر اليوم، الثلاثاء، بمعية قائد قوات حماية حضرموت اللواء / مبارك حمد العوبثاني ، بزيارة للأفراد المرابطين في نقطة مدخل العليب بهضبة حضرموت.

وخلال الزيارة، تفقد رئيس الحلف، أحوال الأفراد المرابطين في الموقع، مهنئًا اياهم بالشهر الفضيل.. و حاثهم على مزيد من الانضباط ورفع اليقظة والكفاءة في تأدية مهامهم على أكمل وجه.

وعبّر رئيس حلف قبائل حضرموت ، عن الفخر والاعتزاز بدور الأفراد المرابطين في النقطة ومستوى أداء المهام الموكلة إليهم ، وما يتحلون به من روح معنوية عالية.. مؤكدًا أن كل هذه التضحيات والأدوار العظيمة، لن تذهب سدى و إنها الأساس لبناء مستقبل جديد يطمح إليها الحضارم.

و شارك رئيس الحلف والقيادات المرافقة له، تناول وجبة الأفطار مع الافراد المرابطين في موقع النقطة.

مقالات مشابهة

  • مجلس الشورى يدين الجرائم التي ترتكبها الجماعات التكفيرية في سوريا
  • مجلس الشورى يندد بجرائم الإبادة التي ترتكبها الجماعات التكفيرية في الساحل السوري
  • رئيس حلف قبائل حضرموت يزور المرابطين في نقطة غرب العليب
  • يامال: الإهانات العنصرية مؤلمة ولكنها لا تؤثر على أدائي
  • الأدب المسرحي ضد العنصرية.. وفاة كاسر محرمات جنوب أفريقيا أتول فيوغارد
  • مجاهدة الذات
  • اللبكي يكشف عن عدد العائلات التي نزحت من سوريا إلى عكار.. ولا خطر أمنيًا حتى الساعة
  • رحلة التحقيق الصحفي في تكريت: بين المهمة الرسمية والتشابكات الأمنية والاجتماعية!!
  • موجز