شهدت شبه القارة الهندية عدة صراعات على اللغات، حيث انفصلت بنغلاديش عن باكستان بدعم هندي بعد حرب دامية لاستعادة مكانة اللغة البنغالية. كما كان تصنيف اللغة السنهالية كلغة رسمية (لغة أكبر مجموعة عرقية في سريلانكا)، دون أي اعتراف رسمي باللغة التاميلية، ما كان أحد أبرز أسباب الحرب الأهلية في سريلانكا.

في المشهد الهندي، تتهم الولايات الجنوبية الحكومات المركزية المتعاقبة، سواء بقيادة حزب المؤتمر الوطني الهندي أو حزب بهاراتيا جاناتا، بفرض اللغة الهندية على عموم البلاد، حيث يُتهم المركز بمحاولة تصفية اللغات المحلية في الولايات الجنوبية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2المقامات الدينية الدرزية تستعيد نفوذها في السويداء مع تصاعد الاهتمام بالروحانياتlist 2 of 2حسن جلبي.. تألق فن الخط العربي في العصر الحديثend of list

في هذا السياق، تواجه اللغة الأردية، المنتشرة بين المسلمين في الهند، هجمات موجهة من القوميين الهندوسيين، وكان رئيس وزراء ولاية أوتار براديش، الراهب الهندوسي يوغي أديتياناث، آخر من هاجم اللغة الأردية، متهمَها بأنها تُستخدم لتعليم الطلاب المسلمين، ليصبحوا رجال دين متعصبين بدلاً من أن يكونوا علماء في المجالات العلمية.

ويذكر، أن اللغة الأردية تُستخدم إلى جانب اللغة العربية في شبه القارة الهندية لتدريس الإسلام في المدارس الدينية.

وجاءت تصريحات أديتياناث عقب طلب المعارضة في الجمعية التشريعية للولاية توفير إجراءات الجمعية باللغة الأردية، بعد أن أعلن رئيس الجمعية، أن الإجراءات ستتوفر باللغات المحلية، إضافة إلى الهندية والإنجليزية، دون أن تشمل اللغة الأردية ضمن اللغات المحلية.

رئيس وزراء ولاية أوتار براديش: تدريس اللغة الأردية للطلاب المسلمين تجعلهم رجال دين متعصبين (شترستوك) "لغة استقلال الهند"

يُذكر أن ولاية أوتار براديش تعترف بالأردية لغةً رسمية إلى جانب الهندية، ولكن حسب الدكتور محمد نعيم الرحمن، نائب رئيس أكاديمية اللغة الأردية التابعة لحكومة ولاية تاميل نادو، فإن سبب كراهية القوميين الهندوسيين اللغة الأردية يعود إلى اعتبارها لغة خاصة بالمسلمين.

إعلان

قال الخبير في اللغة الأردية نعيم الرحمن، للجزيرة نت، "كانت اللغة الأردية لغة أم، وثقافة لكثير من الهندوس، والسيخ، والسندي، والجينيين عبر القرون، وقد ساهموا في إثرائها، كما تُرجمت كتبهم المقدسة إليها".

من جهته، أدان أسد الدين عويسي، البرلماني وزعيم حزب مجلس اتحاد المسلمين لعموم الهند، تصريحاتِ أديتياناث، معتبراً أن اللغة الأردية هي "لغة استقلال الهند".

كما أدان طلاب جامعة مولانا آزاد الوطنية للغة الأردية تصريحات أديتياناث، قائلين، "الأردية ليست مجرد جزء لا يتجزأ من الإرث اللغوي والثقافي للهند، بل لها مكانة خاصة عند المسلمين الهنود، وتصريحات أديتياناث ليست مجرد هجوم على لغة، بل تستهدف الإرث الفكري والسياسي والثقافي العميق للمسلمين المرتبط باللغة الأردية".

تُستخدم اللغة الأردية إلى جانب اللغة العربية في شبه القارة الهندية في تدريس الإسلام في المدارس الدينية. (شترستوك) جذور وإرث

شهد القرن الثاني عشر ولادة اللغة الأردية، التي كان أحد أسمائها آنذاك اللغة الهندوستانية، عندما حاولت جيوش السلاطين المسلمين التواصل باستخدام الكلمات الفارسية والعربية مع السكان المحليين في شبه القارة الهندية.

وبحسب نعيم الرحمن، فإن هذه الولادة الجديدة جعلت الأردية تتأثر بأسلوب التحدث باللغة السنسكريتية، التي كانت مهيمنة آنذاك، إلى جانب استعارتها حروفاً وكلمات من الفارسية والعربية، اللتين كانتا من أهم اللغات في العالم الإسلامي.

وعن المكتبة الأردية، قال نعيم الرحمن للجزيرة نت، إنها تضم كتباً عالمية مشهورة، مثل بانجاتانترا، المعروف في العالم العربي باسم كليلة ودمنة، والكتب الهندوسية المقدسة، مثل ماهابهارتا، إلى جانب الإنجيل والكتب الإسلامية.

وأضاف، أن آلاف الشعراء أثروا اللغة الأردية، منهم أمير خسرو، ذو الأصل التركي، الذي كان متصوفاً من الطريقة الجشتية (نسبة إلى قرية جشت من أعمال هراة في أفغانستان) في القرن الثالث عشر، وحتى العلامة محمد إقبال، ولا يزال هذا التوجه مستمراً حتى اليوم، حيث أُثريت الأردية بنتاج شعري وأدبي غني.

تضم المكتبة الأردية كتبًا عالمية مشهورة، مثل "بانجاتانترا"، المعروف في العالم العربي باسم "كليلة ودمنة" (الجزيرة)

في السياق، أشار الخبير الأردي إلى أن كثيرًا من غير المسلمين ساهموا في إثراء اللغة الأردية في الهند، مثل منشي بريم تشاند، الذي كان رائدًا في الأدب الخيالي، وبريج نارايان جكسبت، ورام براساد بسمل، اللذين نظما أشعارًا في الوطنية، ولا يزال هذا الاتجاه مستمرًا، حيث يواصل الشعراء والكتاب غير المسلمين المساهمة في الأدب الأردي حتى اليوم.

إعلان

مع مرور الزمن، تصاعدت التوترات السياسية بين الهندوس والمسلمين في ظل الاستعمار البريطاني، ووفقاً لما أوضحه نعيم الرحمن، فإنه في وسط هذه التوترات بدأ الهندوس باستخدام الحروف الديفاناغارية لكتابة اللغة الأردية واستبدلوا الكلمات ذات الجذور الفارسية والعربية بأخرى سنسكريتية، لتنشأ بذلك اللغة الهندية.

"مع تصاعد التوترات السياسية بين الهندوس والمسلمين في ظل الاستعمار البريطاني بدأ الهندوس باستخدام الحروف الديفاناغارية لكتابة اللغة الأردية واستبدلوا الكلمات ذات الجذور الفارسية والعربية بأخرى سنسكريتية، لتنشأ بذلك اللغة الهندية"

بعد استقلال الهند وباكستان، تم الاعتراف بالأردية لغةً رسمية إلى جانب الإنجليزية في باكستان، بينما اعترفت الهند بالهندية لغةً رسمية إلى جانب الإنجليزية، كما أُدرجت الأردية ضمن اللغات المعترف بها رسمياً في البلاد إلى جانب العديد من اللغات المحلية.

وفي سياق آخر، أشار نعيم الرحمن إلى أنه رغم اعتبار أفلام بوليوود أفلاماً ناطقة باللغة الهندية، فإن الحوارات والأغاني تُكتب في الواقع باللغة الأردية حتى اليوم، باستخدام كلمات ذات جذور فارسية وعربية.

يُعتبر العلامة محمد إقبال أحد أبرز شعراء الأردية في القرن العشرين (الجزيرة) أمل

إلى جانب تصريحات رئيس وزراء ولاية أوتار براديش، أثار قرار حكومة ولاية راجستان، بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا، تبديل تدريس اللغة الأردية بتدريس اللغة السنسكريتية، حزن الخبير الأردي نعيم الرحمن، الذي عبّر عن حزنه لما وصفه بالتعامل مع الأردية كلغة من الدرجة الثانية.

وأشار إلى أن كل ولاية في الهند تتمتع بلغة محلية سائدة، تعمل حكومات الولايات على ترويجها وإثرائها، لكن الأردية لا تحظى بهذه الفرصة كونها لغةً أقلية في جميع الولايات الهندية، ولذلك، طالب بتعيين مزيد من مدرسي اللغة الأردية في المدارس للحفاظ عليها.

وختم الخبير الأردي: "لطالما كانت اللغة الأردية عاملاً لتحقيق الوحدة الوطنية في الماضي، ومن الممكن أن تساهم، مرة أخرى، في تحقيق هذه الوحدة بين جميع الأديان".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان اجتماعي ولایة أوتار برادیش شبه القارة الهندیة اللغة الهندیة استقلال الهند إلى جانب

إقرأ أيضاً:

«الفضاء المصرية» تستضيف اجتماع مجلس «راسكوم» الإفريقية

تستضيف وكالة الفضاء المصرية بمقرها في القاهرة، اجتماع مجلس إدارة منظمة الاتصالات الفضائية الإفريقية «راسكوم» «RASCOM»، وذلك بالتزامن مع انطلاق فعاليات مؤتمر «نيو سبيس إفريقيا 2025» المقرر انعقاده في الفترة من 21 إلى 24 أبريل الحالي، وذلك في خطوة تعكس الدور المتنامي لمصر في قيادة التعاون الفضائي على مستوى القارة الإفريقية.

وأشارت الوكالة، في بيان اليوم، إلى أن هذه الاستضافة تأتي في توقيت بالغ الأهمية، حيث يشهد قطاع الفضاء الإفريقي حراكا متسارعا نحو التكامل وتوحيد الجهود، بعد عقود من المبادرات المتفرقة التي أطلقتها دول القارة على نحو منفرد.

وكانت منظمة «راسكوم» إحدى أولى المبادرات الإقليمية الجماعية في هذا المجال، إذ تأسست عام 1992 بمشاركة 45 دولة إفريقية بهدف تطوير بنية تحتية اتصالاتية تعتمد على الأقمار الصناعية، وعلى الرغم من تحقيقها نجاحًا محدودًا، إلا أنها نجحت في إطلاق قمرين صناعيين في عامي 2007 و2010، ما شكل نواة أولى للعمل المشترك في الفضاء بين دول الاتحاد الإفريقي.

وفي إطار محاولات تعزيز هذا التعاون، شهدت القارة مبادرات أخرى لتمكين الكفاءات الإفريقية، تمثلت في إنشاء مركزين إقليميين لتدريس علوم وتكنولوجيا الفضاء عام 1998، أحدهما باللغة الإنجليزية في نيجيريا، والآخر باللغة الفرنسية في المغرب، كما تم اقتراح مشروع طموح لتأسيس كوكبة أقمار صناعية لإدارة الموارد الإفريقية «ARM» في مطلع الألفية الجديدة، وبدأ تنفيذه فعليًا عام 2003 بمشاركة كل من الجزائر وكينيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا.

وساهمت هذه المبادرات في بزوغ أولى وكالات الفضاء الوطنية على مستوى القارة، مثل الوكالة الفضائية الجزائرية، والوكالة الوطنية الجنوب إفريقية للفضاء، ووكالة الفضاء النيجيرية، التي أطلقت قمرها «NigSat-2» كجزء من مشروع الكوكبة الإفريقية.

ويأتي انعقاد اجتماع مجلس إدارة «راسكوم» في مقر وكالة الفضاء المصرية في هذا التوقيت ليؤكد على عودة الزخم للعمل الجماعي الإفريقي في مجال الفضاء، وتطلع دول القارة إلى مرحلة جديدة من التكامل الفعلي والبناء المؤسسي المشترك.

وتلعب مصر، من خلال وكالة الفضاء المصرية، دورًا محوريًا في دفع هذا الاتجاه، عبر استضافتها للمؤتمرات الدولية الكبرى مثل «نيو سبيس إفريقيا»، وتبنيها لاستراتيجيات تعزز من مكانة القارة في مشهد الصناعات الفضائية العالمية.

اقرأ أيضاً«الفضاء المصرية» تستقبل محافظ دمياط لبحث سبل التعاون في المجالات التعليمية والتكنولوجية

الإسكندرية تحتفي بذكرى «رائد الفضاء الأول».. معرض وفعاليات بالبيت الروسي ومكتبة الإسكندرية

الفضاء المصرية توقّع 3 بروتوكولات تعاون مع جامعة أسيوط

مقالات مشابهة

  • الهند وأوقاف المسلمين.. انتهاك لحقوق الأقليات
  • أوروبا تشتعل وتغرق في وطأة التغير المناخي
  • «الفضاء المصرية» تستضيف اجتماع مجلس «راسكوم» الإفريقية
  • غزة ترفع علم استقلال فلسطين
  • مقتل 3 في احتجاجات على قانون أوقاف المسلمين في الهند
  • “الخارجية” توقع مذكرة تفاهم مع المجلس الثقافي البريطاني
  • باسم نعيم: لن نقع بفخ تبادل الأسرى واستئناف العدوان
  • الدكتور نعيم يؤكد خروج مستشفى المعمداني عن الخدمة 
  • نجل نتنياهو يشتم ماكرون ويدعو إلى استقلال الأقاليم التابعة لفرنسا
  • الهند تقر مشروع قانون مثير للجدل بشأن ممتلكات المسلمين