سهام بنت أحمد الحارثية

harthisa@icloud.com

 

 

عندما أُعلنت نتائج انتخابات مجلس الشورى في سلطنة عُمان، برز تساؤلٌ جوهري: هل يعني غياب المرأة عن المقاعد المنتخبة تراجع تأثيرها في المشهد السياسي؟ أم أنَّ تأثيرها يمتد إلى أبعد من الأرقام والمقاعد، ليصل إلى مواقع صنع القرار غير الرسمية التي قد تكون أكثر تأثيرًا واستدامة؟

 

على مرّ العقود، كانت المرأة العُمانية جزءًا أساسيًا من حركة التنمية الوطنية، ولم يكن وجودها في المشهد السياسي مجرد تمثيل رمزي، بل انعكاسًا لحضورها في مختلف مجالات العمل العام ومع ذلك، فإنَّ نتائج الانتخابات الأخيرة فتحت باب النقاش حول مفهوم التمكين السياسي الفعلي، وما إذا كان يجب أن يُقاس بعدد المقاعد أم بحجم التأثير والإنجازات الفعلية على أرض الواقع.

فعلى الرغم من عدم فوز أي امرأة في الانتخابات الأخيرة، إلا أن ذلك لا يعكس غيابها الحقيقي عن الساحة فالمرأة العمانية حاضرة في مختلف القطاعات، من المناصب الوزارية إلى قيادة الشركات الكبرى، حيث بلغت نسبة تمثيلها في الحكومة 12.5%، كما وصلت نسبة النساء العاملات إلى 31% وفق إحصائيات 2023، وهو معدل يفوق العديد من دول الخليج وهذه النسبة ليست مجرد رقم، بل تعكس تحولًا واضحًا في دور المرأة كعنصر أساسي في الاقتصاد الوطني.

لكن ماذا عن التجارب العالمية؟ عندما ننظر إلى دول مثل رواندا، التي تحتل فيها النساء أكثر من 60% من مقاعد البرلمان، أو الإمارات التي خصصت 50% من المجلس الوطني الاتحادي للمرأة، نجد أن هناك توجهًا واضحًا نحو التمكين السياسي المباشر ومع ذلك، فإنَّ التمكين لا يعني فقط منح المرأة مقعدًا سياسيًا، بل يتعلق بخلق بيئة تسمح لها بالمشاركة الفعالة في صناعة القرار، سواء من داخل المؤسسات الرسمية أو خارجها.

القول المعروف: "وراء كل عظيم امرأة" يعكس بوضوح الدور الذي تلعبه المرأة في صنع القرار، حتى وإن كان بعيدًا عن الأضواء. فالسيدة الجليلة عهد بنت عبدالله البوسعيدية تمثل نموذجًا لدور المرأة في دعم العمل الإنساني والاجتماعي والتنموي، وهو نموذج يعكس كيف يمكن للمرأة أن تكون قوة مؤثرة حتى دون أن تكون في موقع رسمي منتخب، هذا الدور غير المرئي قد يكون أحيانًا أكثر تأثيرًا من المناصب السياسية المباشرة، لأنه يعتمد على النفوذ الناعم الذي يوجه السياسات العامة نحو خدمة المُجتمع بشكل أكثر استدامة.

 

غياب المرأة عن مجلس الشورى لا يعني أنها غائبة عن مواقع التأثير الأخرى، بل هو فرصة لمراجعة العوامل التي تحد من وصولها إلى المقاعد المنتخبة، سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو حتى مرتبطة بطريقة إدارة الحملات الانتخابية، يجب أن يكون هذا الغياب حافزًا لإعادة التفكير في كيفية تعزيز مشاركة المرأة في صنع القرار، ليس فقط من خلال المجالس المنتخبة، ولكن عبر جميع المؤسسات التي تشكل مستقبل السلطنة.

 

التمكين السياسي للمرأة لا يجب أن يكون هدفًا في حد ذاته، بل وسيلة لضمان تمثيل حقيقي يعكس تطلعات المجتمع ويستفيد من جميع الكفاءات المتاحة وفي نهاية المطاف، لا يُقاس التأثير بعدد المقاعد، بل بحجم التحولات التي تُحدثها المرأة في المجتمع، سواء من داخل المجلس أو من خارجه واليوم، المرأة العمانية ليست فقط جزءًا من مسيرة التنمية، بل قوة محركة لها، تسهم في توجيه المجتمع نحو مستقبل أكثر إشراقًا.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

8 مارس وضرورة التوثيق لنضال المرأة السودانية

8 مارس وضرورة التوثيق لنضال المرأة السودانية

تاج السر عثمان بابو

1

أشرنا في مقال سابق إلى أن يوم المرأة العالمي 8 مارس يمر في ظروف تكتوي فيها المرأة بنيران الحرب اللعينة، كما سردنا فيه نضال المرأة السودانية ودورها في ثورة ديسمبر 2018، ونضالها المستمر ضد انقلاب 25 أكتوبر الذي قاد للحرب الجارية حاليا بهدف تصفية الثورة ونهب ثروات البلاد من المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب.

ويبقى من المهم مواصلة وتوسيع توثيق تاريخ ونضال المرأة السودانية في مختلف الجوانب.

أذكر أنني أصدرت كتاباً بعنوان “تطور المرأة السودانية وخصوصيتها” عن دار عزة للنشر 2007 م، بهدف متابعة مسيرة المرأة السودانية التي لا تنفصل عن كل أنشطة المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتوثيق لمسيرة المرأة السودانية التي تُعتبر الكتابة عن تاريخها ومسيرتها شحيحة، كما هو واضح من الرصد لمصادر الدراسات عن المرأة السودانية التي تيسر لنا الاطلاع عليها كما في قائمة المصادر والمراجع في نهاية الكتاب، وهنا اتفق مع ملاحظة د. مختار عجوبة  الذي أشار الى أن “الأدبيات التي كُتبت إلى نهاية السبعينيات من القرن العشرين الميلادي، سواء في مجال الاقتصاد أو الاجتماع أو التاريخ أو الأنثروبولوجيا انصبت جميعها على الرجال” (راجع مختار عجوبة: المرأة السودانية ظلمات الماضي واشراقاته ، دار عزة 2008، ص 5)، أي أن المرأة السودانية مهمشة حتى في كتابة تاريخها ومسيرتها من أجل التحرر والانعتاق.

لا شك كما اشار الكتاب أن النساء لعبن دورا مركزيا في السودان القديم لايقل عن دور الرجال في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، فهن الآلهات والمحاربات (الكنداكة) والملكات، والملوك لا يردون لهن شفاعة، ودور الملكة الأم كان واضحا في السودان القديم، واستمر دورها في الفترات التاريخية المختلفة قوة وضعفا كما اوضحت الدراسة، حتى بداية الحركة الوطنية الحديثة في بداية الحكم الثنائي الانجليزي- المصري، فشاركت في مظاهرات ثورة 1924م وشجعت بالزغاريد وحماية المتظاهرين، وتأمين وثائق ثوار 1924، وكانت العازة محمد عبد الله زوجة علي عبد اللطيف أول إمرأة سودانية تشارك في المظاهرات والنشاط السياسي في تاريخ الحركة السياسية الحديث. اضافة لصالون السيدة “فوز” التي لعبت دورا كبيرا في تأمين نشاط الثوار من خلال صالونها الأدبي والثقافي (للمزيد من التفاصيل عن السيدة فوز، راجع د. حسن الجزولي: نور الشقائق، دار مدارك للنشر 2012م).

مؤكد بعد مرور أكثر من اربعة عشر عاما من صدور الطبعة الأولى حدثت متغيرات أهمها الدور الكبير الذي لعبته المرأة السودانية في ثورة ديسمبر 2018 امتدادا لدور (الكنداكات) منذ السودان القديم، َكما أوضحنا في مقال سابق.

2

لا شك في أن تحرير المرأة السودانية، وانتزع حقوقها رهين بوقف الحرب واسترداد الثورة، وخروج العسكر والدعم السريع من السياسة والاقتصاد، وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي، ومواصلة الثورة والصراع من أجل استكمال وتحقيق أهدافها في: الحرية والعدالة والسلام، وتحقيق مهام الفترة الانتقالية في مختلف الجبهات الاقتصادية والسياسية والثقافية والنوعية، فتحرير المرأة كان ولازال مرتبطا بتحرير المجتمع من كل أشكال الاضطهاد الطبقي والقومي والثقافي والديني والإثني والنوعي. علما بأن تقدم المجتمع كما أشار ماركس يُقاس بمدى تقدم وتحرر المرأة، وأن عمل النساء في حد ذاته تقدمي باعتباره الشرط المسبق لتحرير النساء من الحدود الضيّقة للمنزل والأسرة، والطريق الوحيد لتحرر النساء وجميع فئات المجتمع المضطهدة يمر عبر القضاء على النظام الرأسمالي، ويتطلب الوحدة بين الرجال والنساء في النضال ضدها، والوقوف ضد صراع المرأة ضد الرجل، وأن التحولات الاجتماعية العظيمة مستحيلة دون مشاركة النساء في الثورة.

كما أن عملية تحرير المرأة لا ننظر إليها فقط من الزاوية الاقتصادية، بل من الجانب الثقافي المكمل الذي يتمثل في الصراع ضد المفاهيم البالية التي تكرّس دونية المرأة الممتدة من اضطهاد القرون في مجتمعات العبودية والإقطاع والشكل الحديث للاستغلال الرأسمالي الذي انبثق مع فجر الرأسمالية، والتي تحتاج لصراع فكري متواصل ضدها.

صحيح أن المرأة في نضالها الطويل حققت نجاحات مثل: الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية، والتمثيل في المجالس التشريعية والوزارية والوظائف العليا في الإدارة والخدمة المدنية والعسكرية، ورئاسة بعض الدول، ومواثيق أعلنت عنها الأمم المتحدة رصدناها في الكتاب.

لكن إعلان المواثيق شئ وتحقيقها فعليا على أرض الواقع شئ آخر، مما يتطلب الصراع من أجل تحقيقها.

كما أنه لا يكفي تحقيق انجاز (الكوتا) أو التمييز الايجابي للنساء، ورغم أنه مكسب انتزعته المرأة في نضالها الطويل، لكن يجب مواصلة النضال من أجل تغيير الأنظمة الديكتاتورية والقمعية التي تضطهد الكادحات من النساء في المصانع والمزارع، وتبقيهن في سجن الجهل والأمية وثقل العادات الضارة بصحتهن وجسدهن والعمل المنزلي المفسد للعقل والجسد، والاستغلال الرأسمالي الفظيع للنساء العاملات لاستحواذ أكبر فائض قيمة منهن، وتقليل أجورهن بعدم تحقيق الأجر المتساوي للعمل المتساوي، ومصادرة حقهن في العمل النقابي، وإجبارهن على العمل لساعات طويلة بما فيها أثناء الليل، وتحقيق المساواة الفعلية مع الرجال، وتحريرهن من الاستغلال والعبودية، ورفض اعتبار المرأة سلعة ولترويج الإعلانات الجنسي وتجارة البشر للاستغلال الجنسي.

الوسومالتمييز الإيجابي للنساء الحرب الحكم الإنجليزي- المصري العازة محمد عبد الله اليوم العالمي للمرأة تاج السر عثمان بابو ثورة 1924 حسن الجزولي دار عزة صالون فوز علي عبد اللطيف نور الشقائق

مقالات مشابهة

  • منتدى حقوقي يستنكر التراجعات الحقوقية التي شهدها المغرب
  • مساعد رئيس مجلس الشورى تستعرض أمام لجنة المرأة بالأمم المتحدة مسيرة تمكين المرأة في مجلس الشورى ومشاركتها بصنع القرار
  • نورهان حشاد تكتب: المرأة المصرية سند لأهلها وبلادها
  • 8 مارس وضرورة التوثيق لنضال المرأة السودانية
  • وزارة الخارجية تُدين الجرائم التي اُرتكبت في الساحل السوري
  • لبنان في مركز مُتقدّم.. إليكم ترتيب الدول العربية التي لديها نساء متعلمات أكثر من رجالها
  • معلومات الوزراء يحتفي بنماذج مشرفة من القيادات النسائية المساهمة في تحقيق أهداف المركز
  • في اليوم العالمي للمرأة.. معلومات الوزراء يحتفي بدورها في مسيرة التنمية
  • وزير الداخلية يكشف تفاصيل لقاء ولي العهد بعد قرار قيادة المرأة للسيارة ..فيديو