سودانايل:
2025-04-13@10:07:32 GMT

دمار السودان .. هل تجدي الاسطوانة المشروخة؟

تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT

(1)

وترعرعت على الجرح وما قلت لأمي ما الذي يجعلها في الليلة خيمة انا ما ضيعت ينبوعي وعنواني واسمي ولذا أبصرت في أسمالها مليون نجمة محمود درويش بقلم: حسن أبو زينب عمر انطلقت الحرب في بدايتها واعدة ومبشرة تدغدغ مشاعر الغبش والمهمشين بالعدالة والديموقراطية والمساواة ولكن بعد مسيرة لم تتجاوز الثلاثة كيلومترات بال مبشرو الدعم السريع على رؤوس اهل السودان في البوادي والحضر بعد أن نفضوا يدهم ولأسباب مجهولة لم يفصحوا فيها عن الأهداف النبيلة والأماني العذبة والآمال العريضة التي حلقت بأحلام الناس الى السماوات العليا قبل أن تتحول في غمضة عين وانتباهتها الى حجارة من سجيل تنهار على الرؤوس وتنقلب الى حرب عبثية لعينة مدمرة جعلت عاليها سافلها وحولت السودان وأهله بمركزه وهامشه الى عصف مأكول .

نحن هنا لسنا في عهد الروائي العالمي الطيب صالح رحم الله الذي وصف زمانا عامرا بالسلام فقال ان الراكب من أقصى شمال السودان الى أقصى جنوبه لم يكن يخاف الا الله والذئب على غنمه ولكن لطف به الله أنه أختاره الى جواره حتى لا يرى فظاعات تشيب لها رؤوس الأجنة في أرحام النساء في سودان اليوم.

(2)
نفهم أن تتحالف قوات الدعم السريع المرفوعة على رافعة اثنية يعرفها الجميع مع عرب الشتات والمرتزقة وبدعم مباشر من دولة الأمارات بهدف خلق (كرزاي) جديد في السودان لمواجهة الجيش وكل المكونات العسكرية الأخرى التي ربما تعتبر رأس الرمح والعقبة الكؤود التي تحول دون تحقيق مصالحها وترجمة مشاريعها الاستراتيجية الى واقع ملموس ولكن علامة الاستفهام الحائرة هنا دون إجابة ما ذنب المؤسسات الخدمية والتعليمية والصحية والهيئات والمصانع العامة والخاصة التي انتهت معظمها رمادا تذروه الرياح؟ .. ما ذنب الضحايا العزل من النساء والشيوخ والأطفال أضعف شرائح المجتمع الذين تم اذلالهم واهانتهم وسلب ونهب ممتلكاتهم واغتصاب نسائهم وقتل رجالهم أمام أعينهم وأعين أبنائهم بدم بارد ؟.

(3)
احصائيات حزينة قميئة تعكس المآلات ومشاهد العمار والخراب الذي خلفته والحبل لازال على الجرار. تتمثل في اعتداءات متكررة وممنهجة لم تترك محطة توليد كهربائي الا وطالتها ونموذجا لها محطة بحري الحرارية التي تساهم بنحو 17% من انتاج البلاد للكهرباء والمقدر بنحو 1900 ميجاواط ومنها أيضا محطات مروي ودنقلا وعد بابكر و تتراوح كلفتها الأولي بين 120-150 مليار دولار.

(4)

الخلاصة انه منذ بدأ الحرب تعرضت محطات الإنتاج وشبكات الامداد الى تدمير كبير انسحب الى قطاعات الصحة حيث أشارت التقارير الى ارتفاع معدلات الوفيات في المستشفيات بعد خروج 80 % من المستشفيات عن الخدمة بسبب انقطاع التيار الكهربائي وتقدر إعادة تأهيلها الى 11 مليار دولار. وكان مستشفى يونيفيرسال في ضاحية كافوري أكثرها ايلاما ووجعا اذ ان القتلة والسفلة لم يكتفوا بتدمير المعدات والأجهزة الطبية والمعامل بل حفروا عميقا في الجدران بحثا عن أسلاك النحاس وهو ما فعلوه أيضا في بيوت الناس. النتيجة أن السودان فقد 70% من طاقة انتاج الكهرباء والتي كانت تغطي نحو 60% من احتياجات المقدرة ب 3500 ميغاواط .

(5)

الدمار الهائل طال أيضا البنية التحتية وكان أكبر ضحاياها الجسور والسدود وشبكات نقل الكهرباء والمياه والوقود والكهرباء والاتصالات والمنشآت الصحية والتعليمية والمباني العامة والقطاعات الإنتاجية والصناعية والأسواق إضافة الى دمار منازل وممتلكات المواطنين مما تسبب في تدهور وتلوث بيئي غير مسبوق.

(6)

وبدوره أحدث القصف المدفعي دمارا جزئيا وكليا بنحو 15% من المباني السكنية و40 % من الأسواق و60% من المباني والمنشآت الحيوية ولم يرحم أيضا المباني التاريخية والمتاحف التي تعرضت محتوياتها وتحفها النادرة للسرقة ونقلها للبيع خارج السودان ضمن جريمة نكراء وعمل خسيس لن يفهم منه الا طمس الهوية كما استهدف الوزارات والهيئات الحكومية والخاصة ..الخراب مر أيضا بقطاع التعليم فقد تعرضت أكثر من 70% من المدارس والجامعات والمعاهد والكليات العليا الحكومية والأهلية لتخريب كلى أو جزئي .

(7)
يعتبر الخبراء ان القطاع الصناعي أخذ نصيبه كاملا من الدمار وربما يعتبر الأكثر تأثرا حيث تشير التقديرات الى فقدان 80% من وحداته الإنتاجية بعد الأضرار التي لحقت بأكثر من 600 مصنع في الخرطوم وحدها ..كما خرج أكثر من 70 % من فروع البنوك العاملة في البلاد والبالغ عددها 39 بنكا حكوميا وتجاريا من الخدمة ..هذا يرفع اجمالي الخسائر حتى الآن الى أكثر من 500 مليار دولار رغم ان المادة 57 من البروتكول الدولي تنص على منع استهداف المدنيين والأعيان المدنية بما في ذلك البنية التحتية والمنشآت العامة .

(8)

لن تستكمل هذه الصور الموجعة حد تغول السكين في اللحم الحي الا بالولوج الى المشهد الإنساني .. يستوقف هنا حوار مؤلم بين صحفي الجزيرة أحمد طه مع الإعلامي سوار الذهب من خلال اعداد برنامج عمران في السودان ضمن حلقات ..يحكي الإعلامي الذي سحب النور من وزارة الاعلام السودانية عن فظاعات رآها وعايشها منها مشرحة قدرتها الاستيعابية لا تتجاوز 80 جثة ولكنها مكدسة ب1400 جثة متحللة لعدم وجود معينات لدفنهم.. يسلط الضوء على نازحة فقدت زوجها فتعرضت لاغتصاب من عصابات الدعم السريع وحينما عاد تم قتله أمامها وجاء ابنها فتم ذبحه وحينما حاولت أن تتحسس ابنتها التي كانت تحملها على ظهرها وجدتها وقد ماتت من ضربة الشمس ففقدت عقلها .. يتحدث عن طفلة لفظت روحها من العطش بعد مسيرة استمرت عشرين يوما بدون ماء. يروي عن امرأة مسنة لم تأكل لمدة أسبوع تنتظر يومها ولكن طلبها الوحيد دفن ابنتها التي تحللت على سرير الموت لأن الاسرة لا تملك سيارة. يكشف عن بيوت الله التي تحولت الى (بناشر) وسيرفرات المعلومات المحروقة ومقبرة السيارات المتناثرة في الجريف شرق وتحف الآثار التي تم تهريبها من المتحف القومي وملايين النازحين والمشردين وكلها جرائم تصنف الآن كأكبر مأساة إنسانية في العالمworld record.

(9)
لكن الأكثر وجعا وألما هنا هو غياب الاعلام السوداني. فلو كان موجودا بالمهنية العالية لاستحال خنجرا من لهب ونار في خاصرة الضمير الإنساني باستثمار هذه المآسي بدعوة أجهزة الاعلام الحي في العالم ليرى بأم عينه المأساة غير المسبوقة على حقيقتها ولو استدعى الحال دفع مقابل التغطية فهناك اعلام جاهز لهذه المهمة ..وفي هذا الصدد لم نجد غير تغطيات نادرة لنعمة الباقر ابنة الصحفي الدكتور الباقر احمد عبد الله وهي إعلامية بريطانية من اصل سوداني تعمل بقناة CNN وتعمل الآن ككبيرة المراسلات senior reporter وكانت قبلها صحفية free lancer .

(10)
مناحي القصور كلها أعلقها في رقبة وزارة الاعلام فهي تستحقه بكل جدارة واقتدار وتميز فباستثناء تغطيات قنوات الجزيرة والحدث فهي وعبر الأخبار والصور المبثوثة عبر قنواتنا البائسة ليست سوى أسطوانة مشروخة تتحدث الى نفسها.

oabuzinap@gmail.com

بقلم: حسن أبو زينب عمر  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

كلمات في وداع الفريق الفاتح عروة

في رحيل الكبار… معنى آخر للحياة
كلمات في وداع الفريق #الفاتح_عروة
جمعتني بالفريق الفاتح عروة، رحمه الله وأحسن إليه، أيام صفاء طيبة.
كان التواصل خلالها يدور في مجمله حول قضايا تتصل بمعاركه الماضية والحاضرة، “تلك الأيام”…
من تجربته في جهاز الأمن وما أُثير حولها من جدل، إلى معارك شهيرة ساهم فيها مقاتلا في صف الجيش بجنوب السودان،
ودوره في إثيوبيا مع ملس زيناوي، ثم صراعات الاقتصاد والمال والاتصالات،
بحكم موقعه في شركة “زين”، لا سيما معركته المشهورة مع بنك الخرطوم بشأن شراء أسهم شركة “كنار”.
كان الفاتح، كعادته في كل معاركه، شرسًا، عنيدًا، مقاتلًا حتى آخر لحظة.
وهل يُستغرب هذا من جنرال ابن جنرال، خاض الحروب وخبرها؟!
وضعني حظي السيئ في طريق تلك المعركة، من خلال حلقة من برنامجي “حتى تكتمل الصورة”،
خصصتها للنقاش حول هذه القضية.
وبسببها، انقطع التواصل بيننا لسنوات، امتدت من ذلك العام وحتى العام الماضي،
حين وصلتني رسالة منه، كانت كفيلة بكسر جدار سميك من القطيعة، بنته وقائع وأقوال عديدة.
ويشهد الله أنني، طوال تلك السنوات، لم أكن أحمل في صدري كراهية لشخصه…
نعم، كنت غاضبًا، من موقف رأيته حينها قاسيًا ومتسرعًا تجاهي وتجاه المؤسسة التي بها اعمل .
لكن الغضب لم يتحول إلى كراهية، والقطيعة لم تتحول إلى عداوة.
بل كنت أحفظ له مكانة في داخلي، وأعلم أنه، رغم الخلاف،
رجل لا يُختصر بموقف، ولا يُدان بحادثة واحدة.
كان الفاتح عروة رجلًا مهيبًا، صاحب رأي وعزيمة، وخصمًا شرسًا في سبيل ما يريد ويسعى له.
عاش فارسًا، ومات فارسًا.
وكيف لا، وهو الذي واجه المرض اللعين بشجاعة نادرة، تليق بمثله من الشجعان
في صحائف السودان، البلد الذي أحبه، الكثير مما يجب أن يُدوَّن لصالح الفاتح عروة:
العسكري المقاتل، ورجل الأمن الذكي الماهر، والدبلوماسي الحاذق،
والإداري الخبير، وقائد واحدة من أهم شركات الاتصالات في تاريخ السودان المعاصر.
لم يكن ملاكًا، لكنه كان إنسانًا بكل ما في رحلة الإنسان من صواب وخطأ، وصعود وتعثر.
وحين يطلق ضحكته تلك — التي لا تُنسى — كنت أراه بقلب طفل.
حين داهمه المرض، فزع إلى تدوين تجربته وقول كلمته.
كان وفيًّا، وهو ينتصر بشهادته للرئيس البشير في محبسه.
وكان شجاعًا، وهو يكسر المعتاد من الأقوال التي تتردد بين الناس بيقين لا يقبل الشك.
وتبقى شهادته، التي نطق بها قبل رحيله، في كراسة التاريخ:
يُؤخذ منها ويُرد — شأن كل مرويات التاريخ، وأقوال فرسانه، وصنّاعه.
نم هانئًا، أيها الفارس المغوار، فقد انتهت رحلة عامرة، مثيرة، وجدلية بامتياز.
وقد آن لك أن تستريح…
غفر الله لك، وتقبّلك، وجمعنا بك في مستقر رحمته.
وألزم أحبابك، وأهلك، وعارفي فضلك الصبر، وحسن العزاء.

الطاهر حسن التوم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الخطاب السياسي الذي أشعل الحروب في السودان
  • المملكة تُدين الهجمات التي تعرضت لها مخيمات للنازحين بالسودان
  • وزير صحة الخرطوم يقف على حجم الدمار الكبير والتخريب الذي الحقته المليشيا المتمردة بمستشفى بن سينا
  • وزارة الخارجية: المملكة تُدين وتستنكر الهجمات التي تعرضت لها مخيمات للنازحين حول مدينة الفاشر غرب السودان
  • دمار كبير خلّفه قصف الاحتلال للمستشفى المعمداني / شاهد
  • كلمات في وداع الفريق الفاتح عروة
  • جامعة أفريقيا العالمية.. جسر السودان الذي مزقته الحرب
  • حج النافلة أم الصدقة.. أمين الفتوى: العبادة التي يصل نفعها للغير أولى
  • دعاء يوم الجمعة الذي يغير الأقدار للأفضل
  • إذاعة فرنسا: اتهامات بالفساد تطال مؤسسة "القرض الحسن" التابعة لحزب الله كشفت إذاعة فرنسا الدولية عن فضائح مالية جديدة تطال حزب الله، في ظل الانهيار الاقتصادي الحاد الذي يشهده لبنان، لتضع مؤسسة "القرض