واشنطن تستهدف تمويل الحشد لأجل تغيير معادلة النفوذ
تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT
12 مارس، 2025
بغداد/المسلة: تتصاعد الضغوط الأمريكية على الحكومة العراقية لوقف الدعم المالي المقدم لقوات الحشد الشعبي، في خطوة تهدف إلى الحد من نفوذ هذه القوات التي تُعتبر جزءًا من المؤسسة الأمنية الرسمية للبلاد.
ووفقًا لتقارير حديثة، تلقت الحكومة العراقية رسائل واضحة من واشنطن تحثها على منع تخصيص استحقاقات مالية للحشد، في محاولة لإضعاف قدراته المالية التي تعتمد بشكل كبير على الميزانية الحكومية.
خلفية الضغوط الأمريكية وأهدافها الاستراتيجية
تأتي هذه التحركات في سياق سعي الولايات المتحدة لتقليص هيمنة الحشد الشعبي، الذي يحظى بدعم مالي كبير يشمل تكاليف الرواتب، وصيانة الأسلحة، والوقود، وحتى تشييد المباني.
وتشير التقديرات إلى أن ميزانية الحشد لعام 2023 بلغت حوالي 2.7 مليار دولار، وفقًا لموازنة العراق الرسمية، مما يجعله قوة اقتصادية وعسكرية لا يمكن تجاهلها.
وترى واشنطن أن هذا الدعم يعزز من قدرة الحشد على التأثير في القرار السياسي العراقي، خاصة مع ارتباط بعض فصائله بإيران، وهو ما يثير قلق الإدارة الأمريكية.
تاريخ التوتر بين واشنطن والحشد
لم تكن هذه الضغوط وليدة اللحظة، فقد عملت الولايات المتحدة على مدى سنوات مع الحكومات العراقية المتعاقبة لتغيير هذه الديناميكية. منذ تشكيل الحشد الشعبي في 2014 كرد فعل على تقدم تنظيم “داعش”، برز كقوة موازية للجيش العراقي، لكنه تحول تدريجيًا إلى لاعب سياسي واقتصادي مؤثر. وبلغ عدد مقاتليه اليوم نحو 238 ألف فرد، وفق إحصاءات رسمية لعام 2023، وهو رقم يقارب نصف قوة الجيش العراقي نفسه، مما يعكس حجمه الهائل وقوته المتنامية.
تأثير قطع التمويل
في حال نجحت واشنطن في فرض رؤيتها، قد تواجه الحكومة العراقية تحديات داخلية كبيرة. الحشد ليس مجرد قوة عسكرية، بل كيان يمتلك شبكة سياسية واقتصادية.
وتواجه حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني معضلة حقيقية، حيث يقود تحالف “الإطار التنسيقي” الغالبية البرلمانية فيما الاستجابة للضغوط الأمريكية سوف تثير غضب الفصائل المسلحة والقوى السياسية المرتبطة بها، بينما التجاهل قد يعرض العراق لعقوبات اقتصادية محتملة، خاصة مع اعتماده على احتياطيات مالية تتجاوز 100 مليار دولار محتفظ بها في الولايات المتحدة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
ترامب والرسوم الجمركية.. نهاية الهيمنة الأمريكية وبداية لعالم متعدد الأقطاب
يمانيون../
منذ صعود دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة عام 2017، تغيرت نغمة الخطاب السياسي والاقتصادي في واشنطن بصورة جذرية. فبدلًا من الدفاع عن النظام الليبرالي الاقتصادي العالمي الذي أسسته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، بدأ ترامب يروج لما يسميه “القومية الاقتصادية”، وهي فلسفة تقوم على إعادة الاعتبار للمصالح الاقتصادية الوطنية، حتى لو كان ذلك على حساب شركاء التحالف الغربي أو تقاليد التجارة الحرة.
ولم تكن هذه الفلسفة مجرد شعار انتخابي، بل تحولت إلى إجراءات وسياسات فعلية تركت آثارًا عميقة ليس فقط على الاقتصاد الأمريكي، بل وعلى النظام الاقتصادي العالمي ككل. وكانت الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على أكثر من مئة دولة في العالم، أبرز تجليات هذا التحول.
لكن السؤال المحوري الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل كانت هذه السياسات الاقتصادية مدخلاً لتراجع الهيمنة الأمريكية فعلاً؟ وهل فتحت الأبواب أمام ولادة نظام عالمي متعدد الأقطاب؟ هذا التقرير يحاول الإجابة على ذلك من خلال تتبع المسارات الاقتصادية والسياسية والجيوستراتيجية لهذه السياسات.
بداية التحول: من العولمة إلى الانكفاء
عندما تولّى ترامب الحكم، كان العالم يعيش عصر العولمة الكاملة، حيث تتكامل الأسواق وسلاسل التوريد بين القارات، وتُدار التجارة بقواعد وضعتها المؤسسات التي تدعمها واشنطن مثل منظمة التجارة العالمية. لكن ترامب رأى في ذلك تقويضًا للاقتصاد الأمريكي، واعتبر أن بلاده كانت “تُستغل” من قبل حلفائها ومنافسيها على حد سواء.
فرض الرسوم الجمركية لم يكن مقتصرًا على الصين – العدو الاقتصادي الأول – بل طال دولًا حليفة مثل ألمانيا وفرنسا وكندا، وحتى دولًا تعتبر أسواقًا صغيرة مقارنة بالاقتصاد الأمريكي. لقد أراد ترامب أن يُعيد التوازن للميزان التجاري الأمريكي، لكنه في الحقيقة أطلق حربًا تجارية عالمية كان لها ارتدادات عميقة على دور أمريكا في العالم.
الصين… رأس الحربة في المواجهة
أبرز المواجهات التي فجّرها ترامب كانت مع الصين، وفرض عليها رسوماً جمركية بمئات المليارات من الدولارات على منتجاتها. الصين، بدورها، ردت بفرض رسوم مماثلة على المنتجات الأمريكية، وركزت على القطاعات الزراعية الحساسة بالنسبة لترامب، كفول الصويا والذرة، مستهدفة قواعده الانتخابية في الولايات الزراعية.
لكن ما حدث كان أبعد من مجرد “ضربات متبادلة”، فالصين استغلت الفرصة لتسريع فك الارتباط عن الدولار، وزيادة شراكاتها الاستراتيجية مع روسيا ودول الجنوب العالمي. كما وقّعت على اتفاقيات كبرى مثل “الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة” مع دول آسيا والمحيط الهادئ، بدون الولايات المتحدة، وكرّست دورها كقوة اقتصادية لا يُستهان بها.
الحمائية تعني العزلة
الحمائية الاقتصادية ليست ظاهرة جديدة، بل عرفها العالم في مراحل عدة، أبرزها في ثلاثينيات القرن الماضي بعد قانون “سموت-هاولي” الذي أدى إلى حرب تجارية عالمية عمّقت الكساد الكبير. واليوم، يعيد ترامب – ولو بشكل مختلف – هذا النمط إلى الواجهة، في وقت يحتاج فيه العالم إلى مزيد من التكامل بعد جائحة كورونا وأزمات الطاقة وسلاسل الإمداد.
السياسات الحمائية قلّصت فرص التعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة والدول الأخرى. تراجعت صادرات الشركات الأمريكية، واضطرت بعضها إلى نقل مصانعها للخارج لتجنب الضرائب، وهو عكس ما وعد به ترامب. كما تعرضت القطاعات الصناعية لضغوط مزدوجة: من الداخل نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج، ومن الخارج بسبب فقدان الأسواق.
الحلفاء يُعيدون الحسابات
سياسات ترامب لم تكن موجهة فقط ضد الخصوم، بل شملت الحلفاء الأوروبيين أيضًا. فرض الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم المستورد من الاتحاد الأوروبي دفع العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة توتر لم تشهدها منذ عقود. كما تراجعت الثقة في التزامات واشنطن تجاه الناتو والمنظمات الدولية، وهو ما حفّز الدول الأوروبية لإعادة النظر في سياساتها الدفاعية والاقتصادية بشكل مستقل.
فرنسا وألمانيا، على سبيل المثال، دفعتا بقوة باتجاه تعزيز العملة الأوروبية كبديل للدولار في بعض المعاملات، وازداد الحديث عن “استقلال استراتيجي” أوروبي بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية.
صعود نظام متعدد الأقطاب
في خضم هذه التحولات، بدأت ملامح نظام عالمي جديد تتشكل. التحالفات لم تعد تُبنى على أسس الولاء للولايات المتحدة، بل على المصالح المتبادلة ومشاريع التنمية المشتركة. مجموعة “بريكس”، التي تضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، بدأت تتحرك بفعالية أكبر، وأسست بنكًا خاصًا بها، وتوسعت لتشمل دولًا من الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية.
الهدف المعلن لمجموعة بريكس هو كسر هيمنة الدولار، وهو ما كان يُعد ضربًا من الخيال قبل سنوات، لكنه اليوم يتحول إلى سياسة واقعية تتبناها أكثر من 20 دولة. في المقابل، تبدو الولايات المتحدة في موقف دفاعي، تحاول الحفاظ على مكانتها بينما العالم من حولها يتغير بسرعة.
تراجع الهيمنة = تحرير الإرادة
واحدة من النتائج غير المتوقعة لسياسات ترامب أن تراجع الهيمنة الأمريكية أفسح المجال أمام دول كانت تصنّف “تابعة” أو “هامشية” لأن تتحرك باستقلالية أكبر. لم تعد الدول تخشى التهديد بالعقوبات أو الانعزال من النظام العالمي، لأن البدائل بدأت تتوفر.
في أمريكا اللاتينية، عادت موجة اليسار بقوة، من المكسيك إلى البرازيل وتشيلي، دون أن تتمكن واشنطن من فرض إرادتها كما فعلت في الماضي. في الشرق الأوسط، بدأ تراجع النفوذ الأمريكي يفتح المجال لقوى أخرى كالصين وروسيا، وكذلك لقوى المقاومة، مثل اليمن ولبنان والعراق، لإعادة رسم قواعد اللعبة الإقليمية بعيدًا عن الإملاءات الأمريكية.
بين الشعار والواقع
القومية الاقتصادية التي روّج لها ترامب كانت تهدف ظاهريًا إلى “جعل أمريكا عظيمة من جديد”، لكنها فعليًا أسهمت في تقويض قواعد اللعبة التي كانت تمنح أمريكا هذه العظمة. الرهان على الانكفاء أثبت أنه لا يمكن لدولة عظمى أن تعيش في عزلة عن العالم، خاصة في عصر الاقتصاد الرقمي والتجارة العابرة للقارات.
وبينما يعتقد البعض أن هذه السياسات تخدم الولايات المتحدة على المدى القصير، فإن المؤشرات الاقتصادية والجيوسياسية تشير إلى أن العالم يتغير بطريقة لم تعد تسمح بقيادة أمريكية أحادية.
ما بعد ترامب: هل هناك عودة؟
حتى لو لم يستمر ترامب في الحكم بعد 2025، فإن سياساته أرست قواعد جديدة في السياسة الأمريكية، لم يعد من السهل التراجع عنها. فحتى بعض خصومه في الحزب الديمقراطي بدأوا يتبنون أجزاءً من خطابه، خاصة في ما يتعلق بالصين وتقليص الاعتماد على الخارج. ويبدو أن الرغبة في حماية الداخل الأمريكي أصبحت أولوية يتفق عليها الجمهوريون والديمقراطيون معًا.
لكن الواقع العالمي لم يعد كما كان. القوة لم تعد تتركز في يد واحدة، والاقتصاد لم يعد يتحرك بإشارة من واشنطن، والنظام العالمي لم يعد يقبل بالهيمنة الأمريكية دون مقاومة.
الخلاصة: العالم يتنفس خارج عباءة واشنطن
ما فعله ترامب لم يكن مجرد تحوّل اقتصادي، بل كان زلزالًا في النظام الدولي. الرسوم الجمركية لم تكن إجراءً عابرًا، بل كانت إعلانًا عن بداية تفكك المنظومة التي حكمت العالم لعقود. ومع تراجع الهيمنة الأمريكية، بدأت دول العالم تتنفس بحرية أكبر، وتخطو خطوات جريئة نحو استقلال القرار.
لقد مهّدت هذه المرحلة لنهاية عالم القطب الواحد، وولادة عالم متعدد الأقطاب، يُبنى على التوازن لا السيطرة، وعلى التعاون لا الإملاء. قد لا تكون هذه التحولات مرئية بالكامل حتى الآن، لكنها تتراكم، يوماً بعد آخر، معلنة بداية فصل جديد في التاريخ العالمي. فصلٌ لا يُكتب في واشنطن وحدها، بل تُشارك في كتابته عواصم العالم كافة، من بكين إلى نيودلهي، ومن موسكو إلى صنعاء، ومن برازيليا إلى جوهانسبرغ.
محمد الجوهري