الطَّائفيَّة.. «لا تَلد الحَيَّة إلا الحَيَّة»
تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT
آخر تحديث: 12 مارس 2025 - 10:34 ص بقلم: رشيد الخيّون منذ عقود والخلاف السّياسيّ أخذ يتلبد بالنّزعة الطّائفيّة بأقصى درجاتها، بين الأديان والمذاهب والقوميات، لكنَّ أفظعه القائم على أساس دينيّ، ومع أنَّ الله واحد للجميع، لكنَّ كلَّ دين ومذهب يتحدث عن إلههِ، ويظهر في صِدام مع معتقدات الآخرين، وعندما أقول بأقصى درجات الطَّائفية، أقصد سفورها عن سفك الدَّماء، وسّيف الحزب المسلول باسم الدّين، لا يخشى حرمة إنسان ولا تعاليم إله، فلأبي العلاء المعريّ(ت: 449هج): «طَموحُ السّيفِ لا يخْشَى إلهاً/ولا يَرجو القِيامَةَ والمَعادا(سَقْطُ الزَّندِ).
لا يعتقد صاحب الخِطاب الطَّائفيّ، سيبني ويُعمر وطناً، وهنا نأخذ حالة العِراق، ونكتب ذلك لعلَّ هناك مَن يتعظ، ويعرض نفسه على الأطباء للشفاء مِن هذا المرض، فللتاريخ أعينٌ وآذان. بعد حرب 1991، كتبت الصّحافة الرّسميّة سلسلة مقالات ضدّ مواطنيها، وهي سابقة أن يَقذف نظامٌ شعبه في جريدته الرَّسميّة، بما يعاف(جريدة الثورة 5 أبريل 1991)، وهي جريدة حزب يضم أهل المذاهب كافة، فلو حصرها بمن ثاروا ضده، لعفى نفسه، فكم مِن هؤلاء قُتل بسلاح المنتفضين حينها، ووكم منهم بين أركان النِّظام الكبار، وأكثر من نصف البعث كانوا مِنهم؟ كذلك نشرت جريدة «بابل» (تأسست1991) سلسلة مقالات ضدّ مذهب ودين، من مواطنيها (بابل، 10,13 أبريل (نيسان) 2002). كتبت «الثَّورة» و«بابل» هذا ببغداد، بينما كانت جماعات بالمنافي تناقش الطَّائفيّة بالعراق، فأصدرت ما عرف بإعلان طائفيّ. جاء فيه:«من أجل إلغاء الممارسات الطَّائفيّة، التي مارستها الأنظمة المتعاقبة، لا بدّ أن يعاد النَّظر في التَّركيبة الإداريّة للدولة العراقيّة، ومؤسّساتها العسكريّة والمدنيّة، من خلال إعادة النظر في طريقة التوظيف في هيئات ومؤسّسات الدولة. واعتماد مبدأ الكفاءة المهنيّة»(الإعلان، جريدة الزَّمان 20 يونيو 2002). فإذا كان خطاب«الثّورة» و«بابل» «حيَّة رقطاء»، فقد أولدت حيَّات، والعبارة لمحمد صالح بحر العلوم(ت: 1992)، قالها(1934) قبل تحول الطَّائفية إلى مقاتلٍ: «وأترك شعور الطائفيةِ جانباً/ فالطَّائفية حيَّة رقطاءُ»(شعراء الغري). أقول أولدت حيَّات، بقانون الفعل ورد الفعل. بعد 2003 صارت الطَّائفية شائعة، حملت المجتمع مآسي الإقصاء والتهجير والقتل والخطف، وصارت مادة «أربعة إرهاب» وحش يجول على مدن وقرى أهل مذهب بعينه دون غيره، وحملت المناهج الدراسية، ودوائر الدّولة طائفيّة على طائفيّة، ولم ينبس الموقّعون على الإعلان المذكور، وهم ما زالوا أحياء -منهم تبوأ منصباً ومكانة في النِّظام الجديد- ببنت شِفة ضدّ الطّغيان الطّائفي، حتَّى صار واقعاً يعيشه العراقيون، لأنهم توهموا الانتصار على المواطنة بالطّائفيَّة، الطائفيّة التي انتقدوها رياءً. إنها دواليب المصائر، تحتاج إلى ضمائر مصلحين كفاةُ، لا ضمائر معبأة بالسّموم. فإذا كتبت جرائد السابقين، بما يدينهم، فاليوم تحوّل البرلمان إلى ساحة ردحٍ طائفيّ، والتّجاوز الطُّفولي على مقدسات الشُّركاء بالوطن، وإذا كان الموقف مِن الحوادث السّوريّة، جرى بالشُّعور الطّائفيّ، ظناً أن المنتصر بالحشد الطائفيّ لا يُهزم، وإذا رياح الأقدار تهبُ بما ليس في الحسبان، فلو فكر النّظام السَّابق، وهو سلطة الأمس، ومعارضوه، سلطة اليوم، بخطورة ما مارسوا لعتقوا العراقيين مما جرى ويجري عليهم. فهل يجري التّفكير باِنهاء اللُّعبة، التي يؤرخ لها بالقرون، وإلى متى تبقى هذه الصّفحة الدّامية مفتوحة؟! نعود إلى أبي العلاء، وقصيدته «عاند مَن تُطيق عناده، أو أرى العَنقاء تكبرُ أن تُصادا»، وبيته: «جَهولٌ بالمَناسِكِ ليس يَدري/أغَيّاً باتَ يَفْعَلُ أم رَشادا«(سَقْطُ الزَّندِ)، لا يجب أنّ يتصرف الطّائفيّ بحرية، ممارساً طائفيته بأقصى صورها، مِن موقع السُّلطة، على أنها الحرية والدّيمقراطيّة، يشتم مَن يشاء، ويحرض الجموع ضد الجموع. أقول: لا تأخذه نشوة النّصر، فالدوائر تدور، مثلما تُفاجئنا اليوم، والحليم مِن يعصم نفسه بخطاب المواطنة، لا خطاب«الحيّة لا تلد غير الحيَّة» (الخوارزمي، الأمثال المولّدة).
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
«تخيّل بابل».. مدينة الشرق القديمة و200 عام من الأبحاث
أبوظبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلةتُعَدُّ مدينة بابل من أبرز مدن العالم القديم، حيث ارتبط اسمها بالأساطير والقصص، التي جسّدتها كرمز للحضارة والغموض. في كتابه «تخيّل بابل: مدينة الشرق القديمة وحصيلة مئتي عام من الأبحاث»، يقدّم المؤرخ الإيطالي ماريو ليفراني رؤية تحليلية عميقة لهذه المدينة الأسطورية، مستنداً إلى قرنين من الأبحاث الأثرية والتاريخية.
صدر الكتاب بترجمة عربية أنجزها الباحث التونسي عزالدين عناية، ضمن إصدارات مشروع «كلمة» للترجمة التابع لمركز أبوظبي للغة العربية، وكان الكتاب قد حاز جائزة الشيخ زايد للكتاب في فرع الترجمة لعام 2014.
يستعرض الكتاب مسيرة التنقيبات الأثرية في بابل، التي بدأت كمحاولات لاستكشاف الكنوز والقطع الأثرية، لكنها تطورت لاحقاً إلى دراسات علمية أكثر دقة.
ومع تقدم العلوم والتكنولوجيا، تطوَّرت أساليب دراسة المواقع الأثرية. والكتاب يُبرِز كيف أن استخدام التقنيات الحديثة، مثل النمذجة الرقمية، أسهم في إعادة تصور بابل بشكل أكثر دقة، ما أتاح للباحثين والجمهور فهماً أعمق لتاريخ المدينة وتطورها.
يحلّل ليفراني النظريات المتعلقة بتطور المجتمعات البشرية، مشيراً إلى دور بابل كمثال على التحول من المجتمعات الزراعية إلى المدن الحضرية. يستعرض الكتاب مفاهيم مثل «الثورة الحضرية»، وظهور الكتابة والتخصّصات الحرفية، ما يعكس تعقيد البنية الاجتماعية والاقتصادية في بابل.
ويتناول الكتاب أيضاً كيفية استخدام تاريخ بابل لأغراض سياسية وثقافية، حيث تم توظيفها في بعض الفترات لتعزيز الهوية الوطنية أو تحقيق مكاسب سياسية. ويشير ليفراني إلى إعادة ترميم أجزاء من المدينة خلال حكم صدام حسين، باعتبارها محاولة لاستعادة مجد بابل كرمز قومي، وهو ما أثار جدلاً بين العلماء حول الأساليب المستخدمة ومدى دقَّتها التاريخية. كما يتناول دور بابل الحديث في مجال السياحة الأثرية، حيث أصبحت مَعلَماً بارزاً يجذب الباحثين والزوار على حدٍّ سواء.
بأسلوبه العلمي الرصين، يقدّم ماريو ليفراني في «تخيُّل بابل» دراسة شاملة تعيد بناء صورة بابل بعيداً عن الأساطير، معتمداً على أبحاث أثرية وتاريخية موثقة. هذا الكتاب يُعتبر مرجعاً أساسياً لكل مهتمٍّ بتاريخ الشرق القديم، حيث يوفِّر فهمًا مُعمَّقاً لإحدى أبرز الحضارات التي أثَّرَت في مسار التاريخ البشري.
ويُلقي المؤلف، من خلال هذا العمل، الضوء على أهمية بابل كمركز حضاري وثقافي في الشرق القديم، ويبرز دورها في تشكيل الهوية الثقافية للمنطقة وتأثيرها على الحضارات اللاحقة. ويُظهر الكتاب كيف أن دراسة بابل ليست مجرد استكشاف لماضٍ بعيد، بل هي أيضاً فهم لجذور العديد من المفاهيم والتطورات التي شكَّلَت عالمنا الحديث.