الخطة العربية لقطاع غزة.. ومواجهة عاصفة ترامب
تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT
بقلم: د.حامد محمود
كاتب متخصص في الشئون الإقليمية والدولية
في ظل التعقيدات التي تحيط بالقضية الفلسطينية، طرحت القمة العربية في القاهرة رؤية بديلة لمسار الحل، تهدف إلى ترسيخ السيادة الفلسطينية ودعم إعادة إعمار قطاع غزة، في مواجهة الطروحات الأمريكية، ولا سيما خطة ترامب التي تسعى إلى إعادة رسم المشهد الإقليمي وفق مصالح واشنطن وتل أبيب.
لكن يبقى السؤال الجوهري: إلى أي مدى تمتلك الخطة العربية مقومات النجاح في مواجهة الضغوط الخارجية؟
هل تكفي المبادرات التقليدية؟
أكد البيان الختامي لقمة فلسطين أن السلام العادل والشامل هو الخيار الاستراتيجي للدول العربية، مستندًا إلى مبادرة السلام العربية لعام 2002، التي تقوم على إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية وفق حل الدولتين. بينما تدفع واشنطن بمشروعات تسوية تتجاوزها بالكامل، عبر مقاربة “السلام الاقتصادي” التي تسعى إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي، من دون الاعتراف بالحقوق السياسية للفلسطينيين.
المصير الفلسطيني: إعادة الإعمار ورفض التهجير
وفي صلب البيان الختامي، جاء الرفض القاطع لأي شكل من أشكال تهجير الفلسطينيين، سواء داخليًا أو خارجيًا، واعتبار ذلك جريمة ضد الإنسانية وتطهيرًا عرقيًا. ويعدّ هذا الموقف استجابة مباشرة للتهديدات الإسرائيلية والأمريكية التي ألمحت إلى إمكانية نقل سكان غزة إلى سيناء أو الأردن، وهو سيناريو من شأنه إعادة تشكيل الخريطة الديموغرافية والسياسية للمنطقة. كما حذرت القمة من أن أي محاولة لفرض هذا التهجير ستؤدي إلى إدخال المنطقة في دوامة جديدة من الصراعات، ما يعكس رؤية عربية لمخاطر هذه الطروحات على استقرار الشرق الأوسط برمته.
ومما لا شك فيه ان تبنى القمة للخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة، بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية وبمشاركة البنك الدولي والصندوق الإنمائي للأمم المتحدة، بهدف إعادة تأهيل القطاع بدعم عربي ودولي، مع ضمان بقاء الفلسطينيين في أرضهم. يأتي هذا الطرح في مواجهة المقاربة الأمريكية التي تربط الإعمار بشروط سياسية يُعتقد بانها سوف تعزز الهيمنة الإسرائيلية على مستقبل غزة.
لكن هذه الخطة العربية، تصطدم بعوائق عدة، أبرزها مدى قدرتها على استقطاب التمويل الدولي في ظل الضغوط الأمريكية التي قد تعرقل تقديم الدعم عبر المؤسسات المالية العالمية.
وبشأن إدارة القطاع وفي محاولة لترتيب الأوضاع الداخلية، كان من الامور الايجابية الطرح الذى قدم امام القمة بتشكيل لجنة لإدارة غزة تحت إشراف الحكومة الفلسطينية، مع تدريب كوادر أمنية فلسطينية بالتنسيق مع مصر والأردن، في خطوة تهدف إلى إعادة توحيد الضفة وغزة سياسيًا وجغرافيًا .
وكان من النقاط الهامة ايضا ان القمة ذهبت أبعد من ذلك، داعيةً إلى نشر قوات دولية لحفظ السلام في الضفة والقطاع، وهو مخرج مهم للوقوف امام مخططات ترامب ونتنياهو , فضلا عن التشديد على ضرورة إلزام إسرائيل بوقف الاستيطان ورفض أي محاولات لضم أجزاء من الضفة الغربية، محذرًا من أن هذه الممارسات تهدد بإشعال الوضع الإقليمي. كما أكد أهمية احترام الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، في رد واضح على المحاولات الإسرائيلية لفرض سيطرة مطلقة على الحرم القدسي. لكن يظل التساؤل قائمًا: إلى أي مدى يمكن لهذه الضغوط الدبلوماسية أن تحقق نتائج ملموسة في ظل الدعم الأمريكي لإسرائيل؟
مسار قانوني لمحاسبة إسرائيل
وفي محاولة لتعزيز الموقف الفلسطيني دوليًا، حملت القمة إسرائيل “المسؤولية القانونية والمادية عن جرائمها في غزة” وفق نص البيان، وشرعت بدرس تصنيف التهجير والتجويع ضمن جرائم الإبادة الجماعية. كما دعت إلى تحرك عبر مجلس الأمن والمحاكم الدولية لمعاقبة إسرائيل. لكن رغم أهمية هذا المسار في دعم المطالب الفلسطينية، فإنه يظل محكومًا بمحدودية التأثير في ظل الفيتو الأمريكي المتكرر في مجلس الأمن، ما لم ترافقه إجراءات ضغط سياسية واقتصادية فعلية.
ولكن دعونا نطرح هذا التساؤول الهام: هل تصمد الخطة العربية أمام استراتيجية ترامب؟
حيث تسعى الخطة العربية إلى ترسيخ الحقوق الفلسطينية وتعزيز الوحدة العربية في مواجهة الطروحات الأمريكية والإسرائيلية، لكنها تواجه عقبات كبرى اولها ضعف أدوات الضغط: في حين تمتلك واشنطن أوراق ضغط اقتصادية وسياسية، تعتمد الخطة العربية على قرارات دولية ودبلوماسية، وهو ما قد يجعل تنفيذها صعبًا من دون دعم غربي فعلي.
وثانيها التوازنات الدولية حيث تسعى الخطة العربية إلى إعادة إشراك الولايات المتحدة في مسار المفاوضات، لكنها لا تقدم آلية لإلزام واشنطن بتغيير نهجها المتناغم مع النهج الإسرائيلي، خصوصاً في هذه القضية.
وثالث هذه العقبات الانقسامات الفلسطينية فبالرغم من دعم القمة لإدارة فلسطينية موحدة لغزة، فإن استمرار الخلافات بين الفصائل قد يعيق تطبيق هذه الخطة بشكلٍ فعلي، كما أن الخطة لا تحتوي على إطار زمني واضح وآليات تنفيذية محددة بتواريخ للتنفيذ.
ورابعها أن إعادة الإعمار مرهونة بالإرادة الدولية: يرتبط نجاح إعادة إعمار غزة بمدى استعداد القوى الكبرى، وخاصة أوروبا، لدعم التمويل، وهو أمر قد يكون مشروطًا بالموقف الأمريكي الحالي.
ونهاية يبقى التساؤل مطروحا؛ هل تتحول المبادرة العربية إلى واقع؟
تمثل الخطة العربية تحركًا مهمًا لإعادة التوازن إلى القضية الفلسطينية وإبقائها في صدارة الأجندة الدولية، لكنها بحاجة إلى أدوات تنفيذية أقوى، وتحالفات دولية أوسع، واستراتيجية ضغط فاعلة تستطيع مواجهة النفوذ الأمريكي والإسرائيلي. وبينما تتحرك خطة ترامب وفق سياسة “فرض الأمر الواقع”، تظل الخطة العربية رهينة القدرة على تحويل المواقف السياسية إلى آليات تأثير ملموسة، وإلا فإنها قد تبقى مجرد موقف عربى نظرى و أخلاقي في مواجهة مشروع أكثر تماسكًا وشراسة
Tags: إعادة الإعمارالخطة العربيةالخطة العربية لقطاع غزةالسلام العادل والشاملرفض التهجيرمحاسبة إسرائيلمخطط ترامبالمصدر: جريدة زمان التركية
كلمات دلالية: إعادة الإعمار الخطة العربية السلام العادل والشامل رفض التهجير محاسبة إسرائيل مخطط ترامب الخطة العربیة فی مواجهة
إقرأ أيضاً:
ترامب بعد 100 يوم يصطدم بالجاليات المسلمة ومواجهة في الانتظار
خلال اليومين الماضيين، توافد مئات النشطاء المسلمين على مقر الكونغرس الأميركي ضمن برنامج سنوي يهدف إلى الضغط على أعضاء مجلسي النواب والشيوخ لدعم القضايا المحلية مثل تحقيق الأمن ومواجهة الإسلاموفوبيا وقوانين الهجرة، ويدعم هذا النشاط تحالف المؤسسات الإسلامية الكبرى في الولايات المتحدة.
وتتزامن هذه الحملة مع مرور 100 يوم على وجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، ووسط تحولات جذرية يمر بها المشهد السياسي الأميركي والتي أثارت جدلا واسعا داخليا وخارجيا.
فخلال أول 100 يوم أطلق ترامب سلسلة من القرارات التنفيذية التي لم تقتصر على إثارة الرأي العام الأميركي فحسب، بل امتدت تأثيراتها لتشمل العالم بأسره، بما في ذلك الأسواق العالمية والمجتمعات المهاجرة في الولايات المتحدة.
وبينما تتصدر أجندة "أميركا أولا" السياسات التي يتبناها ترامب، وجدت الجاليات العربية والمسلمة نفسها في قلب هذه العاصفة السياسية، سواء من خلال سياسات الهجرة المثيرة للجدل أو المراسيم التي طالت مسألة اللجوء والسفر والتجنيس، أو الإجراءات التي تستهدف الطلاب والنشطاء الداعمين للقضية الفلسطينية.
ترامب والمهاجرون
وفي ولايته الثانية، تبنّى ترامب نهجًا يبدو أقل حدة مقارنة بولايته الأولى (2017 – 2020) تجاه المهاجرين العرب والمسلمين، لكنه لم يخلُ من سياسات وإجراءات مثيرة للجدل.
إعلانوأشار المحامي حسام عبد الكريم (الحاصل على درجة الماجستير في القانون من جامعة جورج تاون) إلى أن إدارة ترامب ركزت في بعض إجراءاتها ضد المهاجرين على استهداف الطلبة العرب والمسلمين، لا سيما أولئك المشاركين في الحركات الطلابية المعارضة للسياسات الأميركية تجاه قضايا الشرق الأوسط.
ويمثل الدعم الذي تقدمه الإدارة الأميركية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة أهم الأسباب التي دفعت العديد من النشطاء وطلبة الجامعات إلى التظاهر ضد هذه السياسة، وردت إدارة ترامب بإلغاء العديد من إقامات هؤلاء وبدأت إجراءات ترحيلهم، مثل قضية طالب جامعة كولومبيا محمود خليل.
كما تعرّض الفلسطينيون والعرب والمسلمون لملاحقات أمنية موسعة من قبل أجهزة الأمن، بما في ذلك تحقيقات واقتحامات، ووصفها أستاذ العلوم السياسية أسامة أبو ارشيد بأنها جزء من تزايد التضييق على الحريات.
واتخذت هذه السياسات طابعًا تأديبيًا، إذ ركز ترامب على المؤسسات الخيرية والنشطاء الذين يعملون لصالح قضايا عربية وإسلامية، مما أثار مخاوف حول الحريات السياسية والمدنية في الولايات المتحدة، حسب تصريحات أبو ارشيد للجزيرة نت.
أما المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) نهاد عوض فيرى أن إدارة ترامب في الولاية الثانية، ومنذ الحملة الانتخابية، أدركت أهمية صوت المسلمين الأميركيين وقيمتهم الإستراتيجية في أي انتخابات.
وأضاف عوض -في مقابلة مع الجزيرة نت- إلى أن النقطة السابقة قد تكون العامل الأساسي في تأخر ترامب حتى الآن في إعلان سياسات جديدة تشدد على هجرة المسلمين من بعض الدول.
علاقة إدارة ترامب بقضايا الشرق الأوسط ألقت بظلالها أيضًا على المسلمين والعرب داخل الولايات المتحدة. ووفقًا لتصريحات المدير التنفيذي لكير فإن سياسات ترامب المعلنة وغير المعلنة تؤكد استمرار الدعم الأميركي للإجراءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، بما في ذلك العدوان على غزة ومحاولات ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل.
إعلانوتقع القضية الفلسطينية بكل تبعاتها في صلب توجهات السياسة الأميركية لمنطقة الشرق الأوسط، لا سيما أن ترامب يجعل من هذه التوجهات مصدرا لمزيد من الإجراءات والقوانين التي تستهدف الجاليات المسلمة التي تعارض التوجهات الأميركية ودعمها غير المحدود لإسرائيل.
فأستاذ العلوم السياسية يرى أن ترامب يسير على منوال سلفه جو بايدن لدعم إسرائيل في حرب الإبادة على قطاع غزة، وفي الحديث عن إمكانية ضم الضفة الغربية لإسرائيل، وأيضا العدوان الإسرائيلي على لبنان، وعودة العدوان الأميركي على اليمن، وهي كلها مؤشرات سلبية جدا وتؤثر على المسلمين الأميركيين.
وهذه المؤشرات السلبية انعكست داخل الأوساط الجامعية والأكاديمية، حيث أشار نهاد عوض إلى تصعيد الإدارة الأميركية ضد الطلاب والنشطاء المؤيدين للقضية الفلسطينية، كما فرض ترامب تضييقا على حرية التعبير وحرمان بعض الجامعات من الدعم المالي.
وفي تقييم مستقبل العلاقة بين إدارة ترامب والجاليات المسلمة، يرى الخبراء أن التوقعات تظل حذرة، فالمحامي عبد الكريم أوضح أن "إدارة ترامب قد تقدم في الأسابيع المقبلة على سلة من الإجراءات والأوامر التنفيذية التي تحظر دحول مواطني عدة دول عربية وإسلامية، وسيتم تبرير ذلك بانعدام الأمن في هذه الدول أو فساد منحها الجنسية لمواطنين مشبوهين".
وعلى المستوى المحلي، يرى الرئيس التنفيذي لـ"كير" أن الجاليات المسلمة بدأت تستفيد من وعيها المتزايد بقوتها السياسية، خاصة في ولايات مؤثرة مثل ميشيغان، حيث لعب المسلمون دورًا في الحملة الانتخابية الأخيرة.
كما أشار إلى أن حملات التصعيد من قبل إدارة ترامب ضد مؤيدي القضية الفلسطينية مثلا إنما هي انعكاس لامتداد وقوة وتجذر الحركة الطلابية المؤيدة للحق الفلسطيني، ودلالة على ازدياد استياء المجتمع الأميركي من سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل.
إعلانوأكد عوض أن هذه الحملات ستبوء بالفشل لأن الأوساط الطلابية والأكاديمية هي التي قادت في الستينيات وحتى التسعينيات من القرن الماضي حركات التمرد ضد الفصل العنصري في أميركا ضد السود، وأن ردود الأفعال الأكاديمية -لا سيما جامعة هارفارد– التي رفضت الانصياع لتغيير سياساتها مقابل رفع الضغط المالي وحرمانها من ملياري دولار تعد مصدر أمل للجامعات الأخرى.
أما أبو ارشيد فيقول إن هناك حديثا عن إطلاق جملة من القضايا الجنائية ضد عدد من المنظمات الإسلامية والنشطاء المسلمين، لا سيما الذين يعملون في دعم القضية الفلسطينية، وكلها مؤشرات تبين أن علاقة ترامب بالمهاجرين ستكون صعبة وانتقامية بحق المسلمين.
وقد تكون 100 يوم الأولى من رئاسة ترامب الثانية شاهدة على قوة دفع جديدة لسياسات الهجرة المتشددة، لكنها في الوقت ذاته تسلط الضوء على التحديات التي قد تواجه المهاجرين والجاليات العربية والمسلمة، سواء على المستوى السياسي أو الإنساني داخل المجتمع الأميركي.