يوسف الحمادي للجزيرة نت: الطراز المعماري الشعبي في قطر راعى معايير الاستدامة قبل عشرات السنين
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
الدوحة- حينما تشاهد بيت الرضواني أو بن جلمود في منطقة مشيرب في العاصة القطرية الدوحة ستدور في ذهنك التساؤلات حول الطراز المعماري الذي أنشئت به، وستدرك كيف كان المعمار التراثي أو الشعبي حريصا على توفير معايير الاستدامة حتى قبل ظهور هذا المصطلح وتداوله في الأعوام الأخيرة.
إذ تتميز هذه النماذج المعمارية الشعبية بتقسيماتها الفريدة التى توفر نظام تهوية منظم يفسر لماذا لا يتم استخدام أجهزة التكييف الحديثة داخل هذه الجدران كما أنها تأثرت بالقيم الاجتماعية التى يلتزم بها المجتمع مثل توفير الخصوصية والفصل بين الغرف والمجالس.
وفي هذا الصدد يشير المتخصص في الهندسة المعمارية الإسلامية يوسف الحمادي إلى أنه قبل ظهور الحداثة في منطقة الخليج العربي، وخلال عصر ما قبل النفط، كان للمعمار الشعبي روابط عميقة بالتنمية المستدامة، حيث استخدم ببراعة الموارد المحلية، بصورة تتناغم مع الطبيعة والتراث الاجتماعي والثقافي، مقدما تصاميم وهياكل فريدة حيث أظهر البناة موهبة رائعة لتلائم مبانيهم مع المحيط الطبيعي.
وأضاف الحمادي في حوار مع الجزيرة نت أن المباني الشعبية راعت الكثير من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية في التصميم والبناء ضاربا المثال بما يسمى "بيت الفِناء" (بيت الحوش)، مثل بيت بن جلمود، حيث يتوسط الفناء المنزل وتحيط به الغرف من جميع الجهات بشكل منظم ويكون مدخل المنزل بعيدا عن الفناء مما يوفر الخصوصية التى تتناسب مع العادات والتقاليد بالمجتمع، موضحا أن التقسيم المعماري الشعبي بشكل عام ينقسم إلى 4 أشكال وهي خاص وشبه خاص، وعام وشبه عام.
وفسر الحمادي هذه التقسيمات بأن الخاص ينطبق على الغرف داخل المنزل، أما شبه الخاص فهو فناء المنزل، وشبه العام هو المجلس الخاص بالضيوف وصولا إلي العام وهو المسجد أو المدرسة أو الساحة العامة والميادين، مشيرا إلى أن هذه التقسيمات أو التصميمات لم يتم وضعها من خلال مصممين متخصصين أو دارسين لهذا المجال ولكن تم وضعها بالسليقة ووفقا للمتطلبات والمعايير المجتمعية.
ويرى الحمادي أن البعد الثقافي لعب دورا مهما في تشكيل خصائص المعمار والتخطيط الحضري فيها، وهو ما نراه واضحا في أحياء منطقة الخليج العربي قبل الحداثة، فالأخلاق والعادات والتقاليد في هذه المنطقة كان لها دور مهم في هذا الأمر.
وسلط الحمادي الضوء على الأبعاد الاجتماعية والثقافية للمنازل والأحياء في منطقة الخليج العربي، قائلا إن عناصر التصميم تتكامل مع الجغرافيا والطبيعية بفعالية، ومع الجوانب العامة والخاصة للحياة الحضرية، حيث يعتبر اتساع وضيق الطرق والسكك مثالا على ذلك، حيث إن الطرق التي تؤدي إلى المناطق السكنية أضيق وأكثر خصوصية من تلك التي تؤدي إلى المساجد أو الأسواق.
وأوضح أنه بعد اكتشاف النفط بدأ النمو العضوي للنسيج المعماري والحضري في الاختفاء حيث أفسدت أساليب الحداثة التوازن بين الهوية الخليجية ومعمارها وعمرانها، وتأثر الجميع بالغرب والتطور العمراني وأرادوا تقليده في مبانيهم وهو ما بات سائدا في الغالبية العظمي من المباني بعد ذلك.
وأكد الحمادي أنه بعد اكتشاف النفط، تأثر الخليجيون بالغرب والحداثة، ولكنهم أدركوا خطأهم وسارعوا لتصحيح المسار من خلال العودة للفترة التراثية، فقد استوعبوا أهمية الحفاظ على تراثهم المعماري، فالقطريون -على سبيل المثال- رمموا بعض المنازل وحولوها إلى متاحف، مما يسمح للزوار رؤية رحلة تطور العمارة والعمران القطري والغوص في مميزاته البصرية ومفرداته المعمارية مثل بيت الرضواني وبيت جلمود في مشيرب.
وقال "يعد بيت الرضواني تجسيدا مثاليا لمنزل الفناء، ويمثل النمط المعماري السائد في منطقة الخليج حيث يتألف من طابق أرضي فقط، ويتشابه هيكله مع العديد من المنازل القطرية العامية، فقد كانت المنازل متعددة الطوابق قليلة في قطر، كما أن بعض المنازل كانت تتشارك الفناء بحسب إمكاناتهم المادية، وينطبق ذلك كذلك على المجلس، الذي كان مخصصا لاستقبال الضيوف.
ولفت الحمادي إلى أن تصميم البيت كان فريدا من نوعه بما يسمح للهواء البارد أن يتسرب إليه من جميع الاتجاهات في العديد من الأماكن داخل المنزل، حيث يحيط بالفناء رواق معروف باسم "الليوان"، وهو الذي يسمح للهواء الطلق بالدوران، بالإضافة إلى ذلك، تنقسم بعض جدران المنزل إلى قسمين، وبين الأقسام تجاويف مثقبة تقوم بنفس الغرض، جعلت سكانه يجلسون تحت هذه الجدران المقسمة ليستمتعوا بالنسيم.
وأوضح الحمادي أن بيت الرضواني هو شهادة على التراث والإرث الثقافي المعماري الغني لقطر، ومن خلال تحويل المنزل إلى متحف، يصبح هذا التراث متاحا للجميع، فهو يقدم دروسا في الاستدامة، ومنطق الحياة في البيت القطري القديم، ولكن العولمة لعبت دورا محوريا في تشكيل المعمار والعمران في الخليج العربي، وأدت إلى الابتعاد عن المعايير المعمارية والحضرية التقليدية وتبني الحداثة.
وأشار الحمادي إلى أنه من هذا المنطلق تحول التخطيط العمراني المكتظ والمترابط والقابل للتكيف، المعروف باسم الفريج، إلى تخطيط شبكي غربي يتميز بأراضٍ محاطة بالجدران، كما حلت الخرسانة والإسمنت والطوب وأجهزة التكييف محل الأساليب المستدامة للتبريد التي كانت تستخدم في المنازل الشعبية.
أوضح أنه في نهاية التسعينات وبداية الألفية الثالثة، أدرك القطريون أهمية حماية ثقافتهم وتراثهم والحفاظ عليه، ومع رؤية 2030، اعتمدت الدولة إستراتيجية مبتكرة ترتكز حول التطوير الحضري المبني على المعرفة، وتسعى هذه الإستراتيجية إلى تكريم الماضي من خلال تقديم صورة رومانسية لتحديات الصحراء ومشقات الغوص بحثا عن اللؤلؤ في المتاحف والصالات المختلفة.
ويؤكد الحمادي أن رحلة العمارة الشعبية ما زالت تواجه تحديات تفرضها اللوائح التي أقرتها السلطات الحكومية للتخطيط العمراني، فخلال فترة تبني الحداثة، اعتمدت قطر على التخطيط الغربي للمناطق السكنية، معطية أولوية لطرق السيارات وتدفق المرور على التراث الاجتماعي والعمراني.
وأوضح أن هذا التخطيط تجاهل العديد من الاعتبارات المتعلقة بتوزيع المساحات العامة والخاصة، ونتيجة لذلك، أصبحت المناطق السكنية تفتقر إلى طرق المشاة، والمساحات المظللة، والقيم الاجتماعية الإسلامية، فقد أصبحت أشبه بمجموعة من الصناديق المسورة، تعزل الناس وتجبرهم على أن يكونوا مجتمعا داخليا.
يرى الحمادي أنه رغم التحديات المستمرة للحداثة والتغريب، فقد كانت هناك مبادرات لافتة في الخليج العربي تعكس ازدياد الوعي بتراث المنطقة وهويتها وفي نهاية العقد الأول من الألفية ظهرت مبادرات مستوحاة من التراث، قامت بإعادة صياغته وعرضته بشكل جديد.
وأوضح أن من الأمثلة المذهلة على هذه الحركة مدينة مشيرب قلب الدوحة، وهو مشروع إعادة إحياء لمنطقة أثرية بشكل حضري ومستدام، وبشكل يمزج بين التراث والحداثة، ويعيد الحياة إلى المدينة بمبانٍ خضراء ومساحات ثقافية، وفضاءات تسمح للناس بالمشي، فقد صممت لتكون منطقة حيوية صديقة للبيئة تبرز التزام قطر بالحفاظ على ماضيها مع تبني مستقبل مستدام.
وأكد أن مدينة مشيرب قلب الدوحة تُعد مشروعا مستداما نموذجيا، حيث إنه يمزج بسلاسة بين الجوانب البيئية والثقافية لمنطقة الخليج العربي، فنرى على سبيل المثال أن فتحات النوافذ وضعت بشكل يراعي اتجاه الهواء، كما تم وضع المباني بشكل إستراتيجي، بحيث إن المباني تظلل على بعضها البعض، مما يقلل بفعالية من ارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، يتضمن المشروع المرونة الطبيعية للأشجار المحلية التي تزدهر دون الحاجة إلى جهد كبير.
كما ضرب الحمادي مثالا آخر على مشروعات تهدف إلى المزج بين التراث والحداثة مثل مشروع فرجان وادي لوسيل، والذي يعتبر مشروعا سكنيا مستوحى من الثقافة والهوية القطرية، ويبرز عناصر من الفريج التقليدي القطري، مثل السكك والمساحات العامة المفتوحة، ويمزجها بلمسة معاصرة.
وختم الحمادي حواره مع الجزيرة نت بأن التحدي الحقيقي هو توجيه الناس نحو فهم القيمة الجوهرية من إحياء الإرث المعماري، فضلا عن رفع أهمية التطوير الحضري المرتبط بالتراث والهوية الخليجية على مر العصور، والحاجة إلى تعزيزه بين المجتمعات المحلية والمعماريين والمخططين الحضريين وصانعي السياسات على حد سواء.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی منطقة من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
قائد قوات درع السودان للجزيرة نت: نحتفل بالنصر والحسم يقترب بدارفور
الخرطوم- كشف قائد قوات درع السودان اللواء أبو عاقلة كيكل عن قرب هزيمة قوات الدعم السريع في دارفور وجنوب كردفان، مشددا على أن السيطرة الكاملة على الخرطوم تعني تخطي المرحلة الأصعب في الحرب كون "العدو" كان يستغل المدن ذات المباني العالية في استخدام القناصين.
وأكد كيكل، في حوار خاص مع الجزيرة نت، أن الجيش السوداني يمتلك خبرة طويلة في القتال في المناطق المكشوفة، معتبرا أن الحرب انتهت والآن مرحلة الاحتفال.
ويرى كيكل، الذي كان قائدا في قوات الدعم السريع قبل أن ينشق وينضم للجيش السوداني، أنه اتضح له بعد الانضمام للدعم السريع زيف شعارات هذه المليشيا، مما دفعه إلى العودة إلى الصواب والانضمام إلى جانب الجيش السوداني.
وفيما يلي نص الحوار:
بعد سيطرة الجيش والقوى المساندة له على الخرطوم.. برأيك هل تجاوز الجيش المرحلة الأصعب في الحرب، أم أن القتال في دارفور لن يكون سهلا؟نحن نثق بالله ثم في أنفسنا وقواتنا المسلحة وكل القوات المساندة، وقد تخطينا الأصعب في قتال المدن ذات المباني العالية التي يستغلها العدو في استخدام القناصين.
والجيش له خبرة طويلة في القتال في المناطق المكشوفة، وقد بشرنا أهلنا في الوسط والخرطوم بالانتصار، وقد حدث، الآن نقول لأهلنا في دارفور: ستعود كل دارفور إلى حضن الوطن، وذلك ليس ببعيد، إن شاء الله.
إعلان ما سر القوة والانتصارات المتتالية لكيكل عندما كان يقاتل بجانب قوات الدعم السريع، وعندما عاد لحضن الجيش السوداني؟كيكل كشخص لا يملك عصا سحرية، لكنها البيئة التي تربيت فيها، ومؤسسة الدرع القائمة على البسالة والثبات والفداء، والحمد لله الذي أعطانا الفرصة لنشارك الشعب السوداني والقوات المسلحة الانتصارات التي تحققت.
كيف تفسر الهزائم المتلاحقة لقوات الدعم السريع في محاور القتال المختلفة منذ خروجك منها قبل أشهر؟أعتقد أننا جزء من حلقة كاملة، وكما قال القائد العام، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، كنا جزءا من "الكماشة"، فقد أكملنا الحلقة والقبضة، وبحمد الله، أثبتنا في محورنا شراسة قتالية، فأنا أعرف بنية الدعم السريع وطرق قتاله، وتوفرت لنا معدات مهمة، وحماس كبير، ودعم شعبي غير محدود، وقد شهدنا انهيار المليشيا ونحن نقاتلها في كافة المحاور: محور شرق النيل، ومحور الجزيرة، والمحور الغربي، ومحور جبل أولياء، الذي كان قاصمة الظهر للمليشيا والسيطرة على آخر معاقلها في معسكر طيبة.
كيف أصبح كيكل فجأة قائدا ضمن قادة الدعم السريع؟
هناك تفاصيل كثيرة، لكننا عندما بدأنا كنا منحازين لقضايا بلدنا ومنطقتنا، ووثقنا علاقات خلال فترة الثورة مع كافة الأطراف، ومن بينها الدعم السريع، وبعد قيام الحرب، كنا وما زلنا نتمسك بأهدافنا، وسمعنا شعاراتهم، التي اتضح لاحقا أنها كانت شعارات زائفة.
عندما أعلن الدعم السريع يوم 8 أغسطس/آب 2023 انضمامك له، هل كان لديك تنسيق مسبق مع الجيش أم أن ذلك جاء في وقت لاحق؟علاقتنا مع قيادة الدعم السريع نشأت بسبب تعامل بعض قيادات القوات المسلحة وعدم استجابتها لمطالبنا العادلة الخاصة بالمنطقة بعد اتفاقية سلام جوبا، مع العلم أن محمد حمدان دقلو "حميدتي" كان يمثل الرجل الثاني في الدولة السودانية، وكنا نشعر بأن الاتفاق ظلم أقاليم الوسط والشرق ظلما كبيرا.
رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، قال إنه بدأ الحديث معك قبل الحرب.. حول ماذا كان الحديث؟ إعلانكان حديث الرئيس البرهان معنا ومع القيادات الأهلية والمجتمعية في المنطقة، حيث تحدثنا عن مخاوفنا من تعدد الجيوش والمليشيات، وطلبنا منه التسليح وانضمام أبناء الجزيرة والبطانة إلى الجيش.
هل صحيح أن الدعم السريع اكتشف تواصلك مع الجيش فسارعت بالخروج عنه والإعلان عن قتالك بجانب الجيش رسميا؟كانت لديهم شكوك، وطبيعتهم قائمة على الشك في أي قيادة ليست من مجتمعاتهم، وتحدثوا معنا، وكنا نحاول كسب الوقت حتى نجنب أهلنا ردة فعلهم الإجرامية.
بالنظر إلى دوركم السابق كقائد في قوات الدعم السريع، هل ترون أن ذلك يستوجب الندم والاعتذار وربما طلب المغفرة؟الاستغفار عبادة، والتوبة مطلوبة في كل وقت، لكننا مشينا في طريق كنا نظنه صحيحا، ورجعنا منه، وهذا أكبر معنى للتوبة، ولعبنا دورا مهما في هزيمة هذه المليشيا حينما تبين لنا خطأ موقفنا.
هل يمكن أن تمثل أمام المحكمة إذا تمت مقاضاتك في الحق الخاص؟الجميع سواسية أمام القانون، وأتمنى أن تتسع دائرة تطبيق القوانين دون حرج، ولا مانع لدي من المثول أمام أي محكمة متعلقة بالحق الخاص.
كيف تنظر إلى ما يتردد عن محاولة الاتحاد الأوروبي فرض عقوباته عليك بجانب قائد قوات الدعم السريع حميدتي وشقيقه؟ليس لدينا ما نخشاه، نحن قوة عسكرية منضبطة، وما نقدمه لشعبنا وأمتنا من حراسة لأرضنا وحماية لعرضنا، لا نخشى فيه شيئا، شبابنا قدموا أرواحهم في سبيل وطنهم وقضيتهم، فلن يُخيفنا فرضُ عقوبات أو غيره.
متى كانت آخر مرة تواصلت فيها مع حميدتي؟
انقطع التواصل منذ انضمامي للقوات المسلحة، وقبل ذلك كنت على تواصل دائم معه.
قبل الانضمام للدعم السريع، أين كان يعمل كيكل؟تاجر ومزارع.
ما السيناريو الذي يتوقعه كيكل لنهاية الحرب، وهل يتوقع لها نهاية وشيكة ربما؟ إعلانالحرب انتهت.. نحن نحتفل الآن.. وقريبا جدا سيتم حسم المليشيا في دارفور وجنوب كردفان.
كيف ترى مستقبل درع السودان، ومستقبل كيكل بعد انتهاء الحرب؟نحن أبناء الوطن وتحت إمرة القوات المسلحة والقائد العام، وما يسري على غيرنا يسري علينا، شاركنا في هذه المعركة لا نرجو مكافأة ولا نطلب مكسبا، وعندما تنتهي الحرب ويحل السلام، سنتفرغ لمعركة البناء الوطني وإزالة آثار الحرب.