ثورة النماذج اللغوية: التوظيفات الخطرة للذكاء الاصطناعي في الإرهاب البيولوجي
تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT
في صيف عام 1990، قامت ثلاث شاحنات برش سائل أصفر على عدة مواقع في طوكيو وضواحيها، بما في ذلك قاعدتان للبحرية الأمريكية، ومطار ناريتا، والقصر الإمبراطوري. وكان وراء هذه الهجمات جماعة “أوم شينريكيو” (أوم الحقيقية)، وهي طائفة يابانية تهدف إلى إحداث انهيار شامل للحضارة الحالية تمهيداً لظهور مجتمع جديد يرتكز على مبادئها الدينية.
كان هدف جماعة أوم في هجوم صيف عام 1990 هو أن يحتوي السائل الأصفر الذي تم رشه على سم البوتولينوم، وهو أحد أكثر المواد السامة بيولوجياً؛ ومع ذلك، لم يُسجل أي قتلى نتيجة لهذه الهجمات. من بين الأسباب المحتملة لفشل الهجمات، كان افتقار أوم إلى معرفة حاسمة، خاصة فيما يتعلق بالفرق بين نشر بكتيريا “كلوستريديوم بوتولينوم” وبين نشر “السم البوتولينومي” القاتل الذي تنتجه تلك البكتيريا. كما أنه من غير المؤكد ما إذا كانت الجماعة قد تمكنت من الحصول على الشكل السام للمنتج، وهناك عوامل أخرى قد تكون أسهمت في فشل الهجوم.
لو كان لدى جماعة أوم شينريكيو أو أي جماعة خبيثة مشابهة الوصول إلى أدوات الذكاء الاصطناعي الحديثة، مثل برنامج “تشات جي بي تي”، لربما تجنبت ارتكاب هذا الخطأ وغيره. يُعد برنامج “تشات جي بي تي” متميزاً في الإجابة عن الأسئلة وتقديم المعرفة، بما في ذلك موضوعات مثل إنتاج سم البوتولينوم. وإذا كان لدى أوم شينريكيو إمكانية الوصول إلى هذا البرنامج، هل كان من الممكن أن يتذكر الناس هجمات صيف عام 1990 على أنها أسوأ حادثة إرهابية بيولوجية في التاريخ؟
تتمتع تطورات الذكاء الاصطناعي بإمكانات كبيرة في تحسين مجالات مثل العلوم والصحة، وتغيير طريقة العمل والتعليم، بالإضافة لتطبيقاتها في علم الأحياء التي أسهمت في حل مشكلة طي البروتين وتطوير الأدوية. لكن انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الهندسة البيولوجية يثير خطراً، حيث قد تستخدمه جهات ذات نيات سيئة لإحداث تأثيرات مدمرة. كما تناولت الأدبيات فإن نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) مثل “تشات جي بي تي”، بالإضافة إلى أدوات التصميم البيولوجي المدعومة بالذكاء الاصطناعي، قد تزيد بشكل كبير من المخاطر المرتبطة بالأسلحة البيولوجية والإرهاب البيولوجي.
ثورة نماذج اللغة الكبيرة:
النماذج اللغوية الكبيرة قد تسهم بشكل خاص في زيادة إمكانية الوصول إلى الأسلحة البيولوجية. ففي تمرين حديث أُقيم في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، استغرق برنامج “تشات جي بي تي” ساعة واحدة فقط لإرشاد طلاب غير متخصصين في العلوم حول مسببات الأمراض الوبائية المحتملة، موضحاً الخيارات المتاحة لطرق اكتسابها من قبل أي شخص يفتقر إلى المهارات اللازمة لإنشائها في المختبر.
قصة افتقار أوم شينريكيو للمعرفة حول الفرق بين “كلوستريديوم البوتولينوم” و”سم البوتولينوم” ليست حالة فريدة. فقد واجهت برامج الأسلحة البيولوجية السابقة تحديات بسبب نقص الأفراد المؤهلين. على سبيل المثال، كان رؤوف أحمد، الذي بدأ دراسته في مجال الميكروبات، قد قاد جهود تنظيم القاعدة في مجال الإرهاب البيولوجي. وفي 2001، استخدم خبرته العلمية لمحاولة الحصول على الجمرة الخبيثة، لكن تم القبض عليه في ديسمبر من نفس العام، دون أن يُعرف مدى تقدم محاولاته. ومع تطور برامج الدردشة الآلية، قد تساعد هذه التقنيات عن غير قصد الأفراد ذوي النيات الخبيثة على تحسين مهاراتهم لإحداث الضرر.
لكن، إلى أي مدى يمكن أن يتعلم المرء من مساعد مختبر يعتمد على الذكاء الاصطناعي فقط؟ في نهاية المطاف، لصنع مسببات الأمراض أو الأسلحة البيولوجية، لا يتطلب الأمر فقط المعرفة النظرية التي يمكن لمستخدم نماذج اللغة الكبيرة تقديمها، بل يحتاج أيضاً إلى معرفة ضمنية عملية. من الصعب تحديد مدى تأثير هذا “الحاجز المعرفي الضمني” ومدى قدرة برامج مثل “تشات جي بي تي” على تقليصه؛ ومع ذلك، هناك حقيقة واضحة: إذا جعلت برامج الدردشة الآلية والمساعدون المدعومون بالذكاء الاصطناعي عملية إنشاء وتعديل العوامل البيولوجية أكثر سهولة، فمن المحتمل أن يحاول المزيد من الأفراد القيام بذلك. وكلما زاد عدد المحاولات، زادت احتمالية نجاح البعض في النهاية.
يُعد “تشات جي بي تي” بداية فقط لنماذج اللغة والذكاء الاصطناعي التي تُحدث ثورة في كيفية توجيه العلماء للروبوتات المعملية. قريباً، ستتمكن أنظمة الذكاء الاصطناعي من تنفيذ الأفكار وتصميم الاستراتيجيات بشكل مستقل؛ مما يسهم في تسريع أتمتة العلوم وتقليل الحاجة إلى العلماء في المشروعات الكبيرة؛ ومن ثم تسهيل تطوير الأسلحة البيولوجية بشكل سري.
إرهاب معزز بالذكاء الاصطناعي:
مع التقدم السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، لم يعد الإرهاب البيولوجي والكيميائي مجرد تهديد نظري، بل أصبح احتمالاً متزايد الخطورة. إن توافر نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، قد يفتح الباب أمام فاعلين غير حكوميين، بما في ذلك الجماعات الإرهابية، لاستغلال هذه التقنيات في تطوير أسلحة فتاكة بسهولة غير مسبوقة.
1- ديمقراطية الوصول إلى التكنولوجيا: يمكن أن تصبح المواد العلمية التجريبية أدوات قوية في أيدي الجهات الخبيثة، حيث توفر وسيلة لنقل معلومات يصعب العثور عليها، لكنها متاحة للجمهور بنقرة زر واحدة. قد تؤدي هذه “الديمقراطية” في الوصول إلى المعرفة العلمية المتعلقة بتصنيع الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية إلى تعزيز فعالية الأنشطة الإرهابية بشكل كبير. وهذا يسهل على الإرهابيين فهم الأبحاث العلمية بشكل أفضل، وربما استغلال الخبرات الفنية اللازمة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تقلل المواد العلمية التجريبية من اعتماد الإرهابيين، خاصة الأفراد المنفردين منهم، على “الوسطاء” الذين ينقلون المعلومات، وعلى المجموعات عبر الإنترنت التي تنشر روابط للبرامج التعليمية أو المجلات التي تحتوي على تعليمات حول كيفية تصنيع العوامل الكيميائية والبيولوجية. كما يمكن أن تخلق فرص “افعل ذلك بنفسك” التي توفرها هذه المواد تحديات إضافية أمام أجهزة إنفاذ القانون في الكشف عن الأنشطة الإرهابية؛ مما يسهل على الإرهابيين اكتساب المعرفة العلمية ذات الاستخدام المزدوج.
رغم الفرص التي قد توفرها نماذج اللغة الكبيرة للإرهابيين؛ فإن تأثيرها المباشر في الأمن الكيميائي والبيولوجي يبقى محدوداً بسبب تعقيدات إتقان العمليات الكيميائية وعلوم الحياة؛ ومع ذلك، قد يسهم التقدم التكنولوجي بمرور الوقت في تسهيل الوصول إلى التجارب العلمية للأفراد الذين يمتلكون الموارد والمعرفة؛ مما يساعد على تطوير الخبرات اللازمة لتصميم العوامل الكيميائية والبيولوجية.
2- خطر تطور نماذج اللغة الكيميائية: نماذج اللغة الكيميائية أصبحت أداة فعّالة لتوليد جزيئات ذات خصائص مرغوبة، مثل تصميم جزيئات سامة تستخدم في تصنيع العوامل الكيميائية. أظهرت الدراسات أن هذه النماذج يمكن توجيهها لتصميم نظائر لغاز الأعصاب VX، الذي استخدمته جماعات إرهابية مثل أوم شينريكيو في 1994. هذا يثير احتمال سعي جماعات إرهابية أخرى لاستخدام مثل هذه العوامل؛ مما قد يساعد نماذج اللغة الكيميائية على تطوير المعرفة اللازمة لذلك.
كذلك، يمكن لهذه النماذج دعم اكتساب المعرفة حول العوامل البيولوجية، مثل توفير معلومات حول المعدات المعملية أو علم الوراثة العكسي لفيروس الأنفلونزا. كما يمكن إساءة استخدام برامج مثل ProtGPT2 وProGen لتصميم البروتينات والسموم مثل الريسين لتجاوز تقنيات الكشف، وهو ما قد يكون مثيراً للقلق نظراً للاهتمام السابق من جماعات مثل القاعدة وداعش بتسليح الريسين.
3- أجهزة تخليق الحمض النووي والتقنيات الناشئة المبتكرة: تُظهر التطورات في إنتاج الحمض النووي الاصطناعي كيف تواصل التقنيات الناشئة تغيير مشهد المخاطر. حالياً، يُراجع معظم مزودي خدمات تخليق الحمض النووي عملاءهم وطلبات التخليق بشكل طوعي، لكن الجيل الجديد من أجهزة التخليق المكتبية قد يغير هذا الوضع. هذه الأجهزة تمكن المختبرات من طباعة الحمض النووي دون الاعتماد على المزودين التجاريين؛ مما يصعب مراقبة الإنتاج. مع تحسن التكنولوجيا، قد يتمكن الأفراد أو المجموعات الصغيرة من الوصول إلى قدرات كانت محصورة في الحكومات والمختبرات المتقدمة؛ مما يقلل الحواجز أمام الجهات الفاعلة في هندسة مسببات الأمراض ويزيد من خطر الأوبئة.
تتمثل المخاطر المحتملة في تقصير الشركات التكنولوجية الرائدة في تنفيذ الإجراءات اللازمة، مثل عدم فحص أوامر الحمض النووي بشكل كافٍ أو عدم مراقبة تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. كما أن المبادئ التوجيهية الحالية والرقابة غير كافية؛ مما يخلق وضعاً مقلقاً حيث قد يصبح مستقبل البشرية مرهوناً بعدد قليل من المختبرات المتطورة التي تلتزم طواعية بأفضل الممارسات، رغم أنها لم تُحدد بوضوح.
4- أدوات التصميم البيولوجي: بينما قد تسهم نماذج اللغة الكبيرة في تعزيز حدود قدرات التصميم البيولوجي في المستقبل؛ فإن أدوات الذكاء الاصطناعي المتخصصة تحقق ذلك بالفعل في الوقت الراهن. تشمل هذه الأدوات نماذج طي البروتين مثل AlphaFold2 وأدوات تصميم البروتين مثل RFdiffusion. يتم تدريب هذه الأدوات عادةً على بيانات بيولوجية، مثل التسلسلات الجينية. وقد تم تطويرها من قبل العديد من الشركات والباحثين الأكاديميين لمواجهة التحديات الكبرى في مجال التصميم البيولوجي، مثل تطوير الأجسام المضادة العلاجية. ومع تزايد قدرة هذه الأدوات؛ فإنها ستتيح تحقيق العديد من الإنجازات المفيدة، مثل ابتكار أدوية جديدة تعتمد على بروتينات مبتكرة أو تصميم فيروسات مخصصة.
لكن مثل هذه القدرات التصميمية المتقدمة قد تسهم أيضاً في زيادة المخاطر البيولوجية. ففي الحالات القصوى، قد تمكّن أدوات التصميم البيولوجي من ابتكار عوامل بيولوجية تحمل خصائص غير مسبوقة. وقد افترض البعض أن مسببات الأمراض الطبيعية تتسم بتوازن بين قابليتها للانتقال ودرجة فتكها، بينما قد لا تخضع مسببات الأمراض المصممة لهذه القيود التطورية. من المحتمل أن تتمكن جماعات إرهابية من تصميم فيروس وبائي أكثر فتكاً بكثير من أي شيء يمكن للطبيعة إنتاجه؛ مما يرفع احتمالية تحول أدوات التصميم البيولوجي من تهديدات كارثية إلى تهديدات وجودية حقيقية. بالإضافة إلى ذلك، قد تتيح هذه الأدوات ابتكار عوامل بيولوجية تستهدف مناطق جغرافية أو مجموعات سكانية معينة.
على المدى القريب، قد تمثل القدرات التصميمية الجديدة تحدياً للتدابير الحالية التي تهدف إلى التحكم في الوصول إلى السموم الخطرة ومسببات الأمراض. غالباً ما تركز تدابير الأمن الحالية على قوائم محظورة من الكائنات الحية الخطرة أو فحص التسلسلات الجينية المعروفة التي تشكل تهديداً؛ ومع ذلك، قد تمكن أدوات التصميم من إنشاء عوامل أخرى ذات خصائص خطرة مماثلة لا تستطيع هذه التدابير التعرف عليها أو اكتشافها.
الخبر السار هو أن الإمكانات المتقدمة التي توفرها أدوات التصميم البيولوجي، على الأقل في البداية، من المحتمل أن تظل محصورة في أيدي عدد محدود من الخبراء الحاليين الذين سيستخدمون هذه الأدوات لأغراض مشروعة ومفيدة؛ ومع ذلك، فإن هذا الحاجز في الوصول قد يزول مع تزايد كفاءة أدوات التصميم البيولوجي إلى حد يمكن فيه الحصول على مخرجاتها مع الحد الأدنى من الاختبارات المعملية الإضافية، ولاسيما مع تحسين قدرة نماذج لغة الذكاء الاصطناعي على التفاعل بشكل كفء مع هذه الأدوات. بالفعل، يتم ربط نماذج اللغة بأدوات علمية متخصصة للمساعدة على أداء مهام معينة، بحيث يتم تطبيق الأداة الأنسب تلقائياً على المهمة المطلوبة؛ ومن ثم، قد تصبح إمكانات التصميم البيولوجي متاحة بسرعة لعدد كبير جداً من الأفراد، بما في ذلك الأطراف ذات النيات السيئة.
آليات الحد من المخاطر:
ما الذي يمكن فعله للحد من المخاطر الناشئة عن تقاطع الذكاء الاصطناعي مع البيولوجيا؟ هناك جانبان رئيسيان يجب التركيز عليهما: تعزيز تدابير الأمن البيولوجي العامة وتطوير استراتيجيات لتخفيف المخاطر المرتبطة بأنظمة الذكاء الاصطناعي الجديدة.
1- تدابير الأمن البيولوجي: في مواجهة القدرات المتزايدة لتصميم البيولوجيا، يُعد فحص تخليق الجينات الشامل خطوة أساسية للأمن البيولوجي. يتمثل التحدي في إنتاج اللبنات الجينية الأساسية التي تحول التصاميم الرقمية إلى عوامل مادية، وهناك شركات متخصصة في ذلك. منذ 2010، أوصت الحكومة الأمريكية بفحص طلبات العملاء لضمان الحصول على المواد الجينية من قبل الباحثين الشرعيين. ورغم أن بعض الشركات تقوم بهذا الفحص طواعية؛ فإن العديد منها ما يزال لا ينفذه. وقد أظهر تمرين بجامعة ماساتشوستس للتكنولوجيا أن “تشات جي بي تي” قادر على تحديد هذه الثغرات وتوجيه كيفية استغلال ضعف أمن سلسلة التوريد.
نحتاج إلى قاعدة إلزامية لفحص منتجات الحمض النووي الاصطناعي، وهي لا تتعارض مع مصالح الشركات، حيث كانت الشركات الرائدة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تقوم بذلك طواعية وتدعو إلى وضع قاعدة تنظيمية لضمان السلامة. ويجب أن تشمل هذه القاعدة أجهزة تخليق الجينات المنتشرة وأن تكون مرنة لتشمل فحص العوامل المثيرة للقلق. كما يجب أن تشمل قواعد مماثلة لفحص العملاء في مقدمي الخدمات الآخرين الذين يؤدون دوراً حاسماً في التحول من الرقمي إلى المادي، مثل المنظمات البحثية التعاقدية.
2- تعزيز حوكمة الذكاء الاصطناعي: إلى جانب تدابير الأمن البيولوجي العامة، هناك حاجة لتدخلات خاصة بالذكاء الاصطناعي، مع التركيز على تخفيف المخاطر المرتبطة بنماذج اللغة الكبيرة. فهذه النماذج قد تسهم في تقليل الحواجز لإساءة الاستخدام البيولوجي وتطور قدراتها بسرعة. من التحديات الرئيسة أن القدرات الخطرة قد لا تظهر إلا بعد إصدار النموذج؛ لذلك، التقييمات المبدئية ضرورية لضمان أن النماذج لا تحتوي على قدرات خطرة عند إصدارها، وينبغي أن تتم من قبل جهة مستقلة لضمان اتخاذ الشركات التدابير اللازمة. كما أن إصدار النماذج عبر واجهات منظمة مثل “تشات جي بي تي” يتيح تحديث الضمانات، بينما يشكل إصدار نماذج مفتوحة المصدر خطراً كبيراً؛ لأن الضبط الدقيق يمكن أن يُزال بسهولة.
بشكل عام، يثير التأثير المحتمل لأدوات الذكاء الاصطناعي في مخاطر إساءة الاستخدام البيولوجي سؤالاً عميقاً: من يجب أن يكون لديه الحق في الوصول إلى القدرات العلمية ذات الاستخدام المزدوج؟ بالنسبة لصناع السياسات الذين يسعون للإجابة عن هذا السؤال، من الضروري أن يأخذوا في اعتبارهم وجهات النظر المتنوعة من مختلف التخصصات والمجموعات السكانية والمناطق الجغرافية. سيتطلب هذا التوصل إلى مقايضات صعبة بين فتح المجالات العلمية المتعلقة بمسببات الأمراض، وإنفاذ القانون، ومراقبة تدفقات البيانات المتعلقة بالأنشطة غير المشروعة، مع زيادة خطر إساءة الاستخدام.
من المنطقي أن نماذج اللغة مثل “تشات جي بي تي” لا تقدم إرشادات مفصلة لإنشاء سلالات خطرة من الإنفلونزا الوبائية؛ لذلك، قد يكون من الأفضل ألا تقدم الإصدارات العامة لهذه النماذج إجابات تفصيلية حول الموضوعات ذات الاستخدام المزدوج. على سبيل المثال، نموذج “Claude 2” من شركة Anthropic يوفر حاجزاً أعلى مقارنة بـGPT-4 في هذا السياق. في الوقت نفسه، يجب أن توفر هذه الأدوات التدريب المناسب للعلماء لدعم تطوير الأدوية واللقاحات الجديدة. وهذا يتطلب آليات وصول متباينة، مثل التحقق من هوية العلماء عبر الإنترنت للوصول إلى الأدوات المتعلقة بالسلامة البيولوجية وتصميم اللقاحات.
ختاماً، مع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، يصبح من الضروري مواجهة التحديات التي قد تنشأ عن إساءة استخدام هذه التقنيات، خاصة في مجالات مثل الهندسة البيولوجية والأسلحة الكيميائية. ورغم أن التطورات الحديثة في نماذج اللغة الكبيرة وأدوات التصميم البيولوجي قد فتحت آفاقاً جديدة للعلوم والصحة؛ فإنها في الوقت ذاته تحمل تهديدات وجودية إذا وقعت في الأيدي الخطأ. فالتحرك السريع من صناع السياسات يعزز السلامة ويتيح الاستفادة من مزايا الذكاء الاصطناعي.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
«الذكاء الاصطناعي» يشكل مستقبل عقارات الإمارات
يوسف العربي (أبوظبي)
فتحت تقنيات الذكاء الاصطناعي آفاقاً جديدة تشكل مستقبل القطاع العقاري في الإمارات، بالتزامن مع التوسع في استخدام الصور عالية الدقة في التصميم والتسويق العقاري، من خلال استخدام الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، بحسب مطورين عقاريين في الدولة.
وأكد هؤلاء لـ «الاتحاد»، أن التحليلات التنبئية تمثل حالياً أداة استراتيجية قوية تساعد المطورين في استشراف اتجاهات السوق، وفهم تفضيلات العملاء، وصياغة حملات تسويقية معتمدة على البيانات، فيما يسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين إدارة المشاريع العقارية على المستوى التشغيلي، إلى جانب دوره الفاعل في تعزيز الاستدامة، وترشيد استهلاك الطاقة.
وأضافوا أن المباني الذكية المزودة بأنظمة تعمل بالذكاء الاصطناعي، يمكنها خفض استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى %30، ما يتماشى مع لوائح المباني الخضراء في الإمارات، كما تعمل روبوتات المحادثة على تحسين تجربة العملاء، من خلال تقديم رؤى فورية، وتوصيات استثمارية مخصصة، وتسريع إتمام المعاملات بسلاسة.
عنصر حيوي
من جانبه، قال شون ماكولي، الرئيس التنفيذي لشركة «ديفمارك»: إنه بالنسبة للمطورين العقاريين، فإن الذكاء الاصطناعي فتح آفاقاً جديدة من الإمكانات، حيث أصبح بالإمكان تصميم وتسويق المشاريع بشكل أكثر دقة وكفاءة، وتوفر الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي الآن صوراً ثلاثية الأبعاد عالية الواقعية، مما يعزز قدرة المشترين على تصور العقارات بشكل أفضل.
وأضاف أن ذلك يعد عنصراً حيوياً، خاصة في المشاريع تحت الإنشاء، حيث يتيح للمشترين، بما في ذلك المستثمرون الدوليون، القيام بجولات افتراضية تفاعلية، مما يتجاوز القيود الجغرافية.
ولفت إلى أنه بالنسبة للتحليلات التنبؤية، فهي تمثل أداة استراتيجية قوية تساعد المطورين في استشراف اتجاهات السوق، وفهم تفضيلات العملاء، وصياغة حملات تسويقية معتمدة على البيانات.
وقال إنه في «ديفمارك» يعتبر الذكاء الاصطناعي أداة محورية تمكن الشركة من تقديم استراتيجيات موجهة وفعالة للمطورين، مع تحسين التجربة العامة للمشترين، حيث إنها ليست مجرد تقنية عابرة، بل تمثل عنصراً رئيساً لتشكيل مستقبل صناعة العقارات.
إدارة المشاريع
من ناحيته، أكد حسين سالم، الرئيس التنفيذي لشركة أوهانا للتطوير العقاري، أن الذكاء الاصطناعي أحدث تحولاً كبيراً في قطاع العقارات، من خلال تحسين الكفاءة، وتحليل السوق، وتعزيز تجربة العملاء.
وأضاف أن المطورين العقاريين يعتمدون على التحليلات التنبئية المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتقييم مستوى الطلب، وتحديد الأسعار المثلى، والتنبؤ بالاتجاهات المستقبلية، وفي مجال التسويق والمبيعات، تتيح الجولات الافتراضية المدعومة بالذكاء الاصطناعي والتصورات ثلاثية الأبعاد للمستثمرين من جميع أنحاء العالم استكشاف العقارات عن بُعد.
ولفت إلى أنه على المستوى التشغيلي، يسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين إدارة المشاريع، وتعزيز الاستدامة، وترشيد استهلاك الطاقة، فالمباني الذكية المزودة بأنظمة تعمل بالذكاء الاصطناعي يمكنها خفض استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 30%، ما يتماشى مع لوائح المباني الخضراء في الإمارات، كما تعمل روبوتات المحادثة والخدمات الرقمية على تحسين تجربة العملاء، من خلال تقديم رؤى فورية، وتوصيات استثمارية مخصصة، وتسريع إتمام المعاملات بسلاسة.
وقال إنه في «أوهانا للتطوير»، يتم دمج الذكاء الاصطناعي بشكل فعال في العمليات لتعزيز الكفاءة والارتقاء بتجربة العملاء ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، سيؤدي دوراً أكبر في تطوير عقارات مستدامة قائمة على البيانات، وتركز على احتياجات العملاء، ما يسهم في إعادة تعريف مفهوم الحياة العصرية.
تحسين الاستثمارات
من ناحيته، أكد علي مسلم بو منصور، المدير العام في «أوبجكت ون»، أن الأنشطة العقارية ساهمت بنسبة 7.6% في الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات العام الماضي، مما دفع المطورين والمستثمرين ومديري العقارات إلى التوجه بشكل متزايد نحو الذكاء الاصطناعي لتعزيز الكفاءة، وتحسين الاستثمارات، وتحسين تجارب المستأجرين.
وقال: إن 80% من شاغلي العقارات والمستثمرين والمطورين يخططون لزيادة ميزانياتهم الخاصة بالتكنولوجيا في السنوات الثلاث المقبلة، وهو اتجاه يتماشى مع أجندة الإمارات الرقمية الطموحة.
ونوه بأن الذكاء الاصطناعي بدأ بالفعل في إعادة تشكيل عمليات العقارات بعدة طرق، فبالنسبة لمالكي العقارات الذين يديرون محافظ تأجير واسعة، يمكن للأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي استخراج الشروط المالية وشروط الامتثال الرئيسية من العقود المعقدة، مما يوفر رؤى فورية حول هياكل الإيجار والاتجاهات السوقية.
وأضاف: تعمل المساعدات الذكية على تحسين تفاعلات المستأجرين، والتعامل مع طلبات الصيانة الروتينية، بل ودعم المفاوضات حول العقود من خلال تحليل البيانات التاريخية وظروف السوق في الواقع، ومن المتوقع أن يولد الذكاء الاصطناعي وحده بين 110 مليارات دولار إلى 180 مليار دولار من القيمة لصناعة العقارات العالمية، وتتبنى الشركات الإماراتية هذه التقنيات بسرعة.
ونوه بأنه من ناحية الاستثمار، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين اتخاذ القرارات من خلال تقييم المعاملات العقارية التي تصل قيمتها إلى مليارات الدراهم بسرعة، بالنظر إلى أن المعاملات التي تم تسجيلها في أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان في 2024 بلغت 893 مليار درهم، فإن هذا يعد مفيداً جداً في اتخاذ القرارات السريعة بدلاً من فرز البيانات المبعثرة يدوياً، يمكن للذكاء الاصطناعي تسليط الضوء على الفرص ذات القيمة العالية بناءً على التحليلات التنبئية عن طريق تصنيف البيانات غير المهيكلة، وتقديم قائمة بأهم العقارات المعروضة للبيع.
وأوضح: تعمل أدوات التصور المدعومة بالذكاء الاصطناعي على إعادة تعريف كيفية تفاعل الأشخاص مع المساحات، مما يسمح للمستأجرين المحتملين بتخصيص تصميمات العقارات بشكل افتراضي حتى يتمكنوا من فهم كيف ستبدو إذا انتقلوا إليها، وهذه الابتكارات لا تعزز فقط التفاعل مع العملاء، ولكنها تفتح أيضاً تدفقات إيرادات جديدة للمطورين وشركات العقارات.
وقال إنه مع استمرار الإمارات في توسعها الحضري السريع، من المتوقع أن يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في تشكيل مستقبل العقارات في الدولة، مما يجعل المدن أكثر ذكاءً، والاستثمارات أكثر حدة، وتجارب المستأجرين أكثر سلاسة.