الطبلاوي.. آخر المقرئين الكبار وصاحب التلاوة النادرة في جوف الكعبة
تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT
يظل صوت الشيخ محمد محمود الطبلاوي أحد الرموز التي تقترن بشهر رمضان الكريم في ذاكرة المصريين والعالم الإسلامي، حيث اعتادت البيوت على استقبال صوته العذب في ليالي الشهر الفضيل، ليصبح جزءاً أصيلاً من الأجواء الروحانية.
إنه الصوت الذي جمع بين هيبة الشيخ الحصري، وخشوع الشيخ المنشاوي، وعذوبة الشيخ محمد رفعت، وعبقرية الأداء للشيخ محمود علي البنا، لكنه تفرّد بنبرته الخاصة التي جعلته آخر جيل المقرئين الكبار، حتى وُصف عبر الصحف المصرية بأنه "آخر حبّة في مسبحة القرّاء العظام".
وُلد الشيخ محمد الطبلاوي في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 1934 بحي ميت عقبة بالجيزة، وقد سبقت ولادته بشرى في المنام رأتها والدته، حيث جاءها جدّه ليخبرها بأنها ستلد ولداً سيكون حاملًا لكتاب الله.
ومنذ نعومة أظافره، بدأ والده تحقيق هذا الحلم، فألحقه بـكُتّاب القرية وهو في الرابعة من عمره، بل دفع لشيخ الكتّاب ضعف الأجرة المعتادة، حرصاً على أن يحظى ابنه بعناية خاصة.
وبالفعل لم تمضِ سوى سنوات قليلة حتى بزغ نجمه، فختم القرآن الكريم وهو في التاسعة من عمره، وذاع صيته بين أهل قريته، حتى أصبح يُدعى لإحياء المناسبات، وتلقى أول أجر له كمقرئ، حيث منحه عمدة القرية خمسة قروش، فذهب بها إلى السوق واشترى الطعام لأسرته في لفتة عكست أصالته ونبله منذ الصغر.
الانطلاق وحلم الإذاعةمع تقدّمه في العمر، ازداد تألق الشيخ الطبلاوي، وأصبح مطلوباً في مختلف المناسبات، سواء في حفلات الزواج أو المآتم، وصار اسمه معروفاً بين علية القوم، لكنه كان يحمل حلماً أكبر وهو القراءة في إذاعة القرآن الكريم مثل شيوخ عصره الكبار، محمد رفعت ومصطفى إسماعيل.
لكن هذا الحلم واجه صعوبات، حيث تم رفضه تسع مرات متتالية من قبل لجنة الاستماع، بسبب اعتماده على الإحساس الفطري في التلاوة دون دراسة المقامات الموسيقية.
ومع شعوره بالإحباط، قرّر الابتعاد عن حلم الإذاعة، حتى كتب عنه الكاتب الراحل محمود السعدني مقالًا بعنوان "أين أنت يا طبلاوي؟"، متسائلًا عن سبب عدم انصمامه إلى الإذاعة رغم موهبته الاستثنائية.
وفي النهاية، جاءت اللحظة الحاسمة عندما تم استدعاؤه مرة أخرى، وعند نطقه "بسم الله الرحمن الرحيم" فقط، وافقت اللجنة بالإجماع على انضمامه، ليُصبح مقرئاً رسمياً للإذاعة المصرية في عام 1970، وينطلق صوته إلى العالم الإسلامي، ليُسمع في ملايين البيوت، خاصة خلال شهر رمضان، حيث صار من أبرز الأصوات التي تُرافق لحظات الإفطار والسحور.
لم يكن الطبلاوي مجرد قارئ إذاعي، بل أصبح نجماً في سوق الكاسيت، حيث بيعت تسجيلاته بأرقام قياسية، لدرجة أنه نافس كبار مطربي السبعينيات والثمانينيات في المبيعات. وقد حكى في أحد لقاءاته أنه كان يؤمن بأن القارئ الناجح يجب أن يكون كريماً معطاءً، وألا يسعى خلف المال، بل يخلص للقرآن، وهي فلسفة جعلته محبوباً بين جمهوره، ورمزاً للصدق والإخلاص في التلاوة.
ومن المحطات الفريدة في حياة الشيخ الطبلاوي، أنه كان أول قارئ مصري يتلو القرآن داخل جوف الكعبة المشرفة، بعدما اختاره ملك السعودية خالد بن عبد العزيز لهذه المهمة خلال مراسم غسل الكعبة السنوية.
وقد وصف الشيخ هذه التجربة بأنها من أعظم لحظات حياته، قائلاً: "لقد شممت ريح الجنة وأنا أقرأ القرآن في جوف الكعبة في رمضان".. وحصل بعدها على قطعة من كسوة الكعبة الشريفة كتذكار.
وفي موقف آخر، روى الطبلاوي عن حادثة نجاته من الموت، حين قُدّم له فنجان قهوة مسموم أثناء إحدى التلاوات، لكنه في كل مرة كان يمد يده لتناوله، كان الفنجان يبتعد عنه، وكأنه محجوب عن يده، حتى جاء أحد العاملين وتناوله بدلًا منه، ليسقط ميتاً في الحال، بحسب تصريحات الشيخ.
على مدار حياته، سجّل الشيخ الطبلاوي أكثر من 2300 تلاوة، بالإضافة إلى مصحف مرتل ظلّ يطالب بإذاعته على إذاعة القرآن الكريم في مصر، لكنه سُجّل لصالح الكويت والسعودية. كما قدّم العديد من الابتهالات الدينية التي ما زالت تُبث حتى اليوم، مثل: "يا صاحب الهم"، و"يارب قد فسد الزمان"، و"أنا يا إلهي نحو عفوك مرتكن".
أما على المستوى العالمي، فقد سافر لأكثر من 100 دولة لنشر صوت القرآن، وحكم في المسابقات القرآنية الدولية، ونال تكريمات من رؤساء وزعماء العالم، كما كان مقرئاً رسمياً للجامع الأزهر لمدة 30 عاماً.
ولم يكن الشيخ الطبلاوي بعيداً عن الأوساط السياسية والفنية، فقد ربطته صداقة قوية بالرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، الذي كرّمه مراراً، وكان يُحب سماعه، كما طلبه الرئيس الراحل محمد حسني مبارك لتلاوة القرآن في عزاء حفيده محمد علاء مبارك.
أما في عالم الفن، فقد كان مقرباً من الموسيقار محمد عبد الوهاب، وكانت تجمعه علاقات طيبة بـأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، كما كان محباً لصوت سعاد محمد، وتلقى منهم جميعاً مكالمات إشادة وثناء على تلاواته.
في النهاية، وكأن القدر أراد أن يُكمل الشيخ الطبلاوي رحلته مع رمضان حتى آخر لحظة، فقد اختاره الله لجواره وهو صائم في شهر رمضان المبارك لعام 2020، حيث رحل عن عمر ناهز 86 عاماً، ليبقى اسمه خالداً في قلوب محبيه، ويظل صوته يتردد في أرجاء البيوت العربية ليُضيء ليالي الشهر الكريم.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل صناع الأمل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية رمضان 2025 شهر رمضان الشیخ الطبلاوی
إقرأ أيضاً:
محافظ القليوبية يشهد احتفالية تكريم حفظة القرآن الكريم بقرية كوم اشفين
أكدَّ المهندس أيمن عطية، محافظ القليوبية، على دعم المحافظة وترحيبها لتنظيم ورعاية مسابقات القرآن الكريم التي تخلُق نوعًا من أنواع المنافسة الحميدة والتشجيع على حفظ القرآن الكريم بين أطفال وشباب المحافظة مع دورهم في المستقبل القريب في استكمال مسيرة بناء الوطن.
جاء ذلك خلال مشاركة "محافظ القليوبية" احتفالية تكريم حفظة القرآن الكريم بقرية كوم أشفين مركز قليوب.
بدأت الاحتفالية بالسلام الوطني لجمهورية مصر العربية أعقبها تلاوة من كتاب الله الحكيم تلاها الفائز بالمركز الأول عُمر محمد سيد، هذا وقد أقيمت المسابقة لعدد 800 مُتسابق على مستوى مركز قليوب مابين ثلاثة مستويات المستوى الأول حفظة القرآن الكريم كاملًا، والمستوى الثاني حفظة الـ 15 جزء، والمستوى الثالث حفظة الـ 7 أجزاء، وقد فاز بالمسابقة 294 مُتسابق، وقد حصُل على رحلة عمرة ومبلغ مالي عدد 6 متسابقين الفائزين بالمركز الأول، وأشرف على المُسابقة عددً من مشايخ الأزهر والأوقاف.
وفي كلمته هنأ "محافظ القليوبية" جموع الحاضرين والمتسابقين الفائزين في المسابقة بمناسبة شهر رمضان، وأنَّ شهر رمضان شهر يضُم العديد من الاحتفالات فاحتفلنا معًا يوم 7 رمضان بذكرى تأسيس جامع الأزهر الشريف، ويوم التاسع من رمضان الاحتفال بيوم الشهيد، ويوم العاشر من رمضان احتفلنا بذكرى انتصارات الجيش المصري العظيم، وهذا اليوم يتواكب مع احتفالنا بتكريم أبناءنا من حفظة القرآن الكريم، مثمنًا الجهد الأكبر للآباء والأمهات على رعايتهم لأبنائهم وحثهم على حفظ كتاب الله، مثمنًا الجهود المبذُولة ولكُل المُساهمين في دعم حفظة القرآن الكريم، وتبني ورعاية مثل تلك المواهب وحثهُم على بذل كل الجهد في الحفظ والمُثابرة عليه، داعيًا إلى ضرورة تعظيم الفائدة من حفظ القرآن الكريم من خلال تدبُر معانيه والعمل بتعاليمه السمحة والتحلي بالسلوكيات الحميدة التي حث عليها القرآن في العبادات والمعاملات، مُعبرًا عن بالغ سعادته وسروره بتواجده وسط هذه الكوكبة من الحفظة.
أكد المحافظ على أهمية أن يكون حفظ القرآن حافزًا على العطاء والعمل بكل جد وتفانٍ من أجل تقدُم وطننا الغالي مصر.
وفي السياق ذاته توجه "المحافظ" بالشكر والتقدير لكل من ساهم في هذا الحفل داعيًا الله عز وجل أن يجعل هذا العمل وكل حرف تعلمه حفظة القران في ميزان حسناتكم، واختتمت الاحتفالية بتكريم "محافظ القليوبية" للفائزين بالمراكز الثلاثة والتقاط صورة تذكارية معه.
جاء ذلك بحضور اللواء إيهاب سراج الدين السكرتير العام للمحافظة، واللواء طارق ماهر السكرتير العام المساعد، واللواء وائل طاهر رئيس مركز ومدينة قليوب، والمستشار مسعد عبد المقصود أمين عام حزب مستقبل وطن، والمهندس محمود مرسي أمين قطاع الصناعة بحزب مستقبل وطن وراعي الاحتفالية، والنائب مصطفى النفيلي أمين التنظيم بحزب مستقبل وطن وعضو مجلس الشيوخ، والنائب درويش مرعي عضو مجلس النواب، والنائب سمير بيومي عضو مجلس الشيوخ، والأستاذ الدكتور سيف الدين حسين الأستاذ بكلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر.