كتب سعيد مالك في" نداء الوطن": أصدر مجلس الوزراء قراراً قضى بالموافقة على مشروع قانون الموازنة العامة للعام/2025/
أسئلة عدّة طُرحت نتيجة هذا القرار أهمّها:
هل هذا المرسوم قابل للطعن؟ وأمام أيّ مرجع؟
هل شروط الطعن متوافرة؟
وما يُمكن أن يكون القرار المتوقع؟
بالنسبة إلى السؤال المتعلّق بقابلية هذا القرار للطعن أم لا، وأمام أي مرجع؟ نُشير إلى أن المادة الأولى من قانون إنشاء المجلس الدستوري نصّت على أن مهمّة المجلس الدستوري مراقبة دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوّة القانون، كذلك المادة/18/ من نفس القانون.
بالتالي، هذا القرار يقبل الطعن أمام المجلس الدستوري وليس أمام مجلس شورى الدولة. والإثبات على ذلك قرار شورى الدولة رقم 43/2000 الذي اعتبر أن المرسوم الذي يحمل في طيّاته مضموناً تشريعياً يخرج عن اختصاصه.
وبالنسبة إلى السؤال عن شروط الطعن في القرار متوافرة أم لا؟
نصّت المادة/86/ من الدستور أنّه إذا لم يبتّ مجلس النواب نهائياً في شأن مشروع الموازنة قبل الانتهاء من العقد العادي، فرئيس الجمهورية بالاتّفاق مع رئيس الحكومة يدعو المجلس فوراً لعقد استثنائي يمتدّ لغاية نهاية كانون الثاني. وبحال انقضاء المهل، فلمجلس الوزراء أن يتّخذ قراراً، يُصدر بناءً عليه رئيس الجمهورية مرسوماً يجعل بموجبه مشروع الموازنة مرعياً ومعمولاً به.
حدّدت المادة /32/ من الدستور مواعيد العقدين العاديين. أمّا العقد الاستثنائي هو الذي يدعو إليه رئيس الجمهورية بالاتّفاق مع رئيس الحكومة، إمّا بمبادرة منه، وإمّا بناءً لطلب الأكثرية المُطلقة من مجموع النواب. وإمّا بناءً على الدستور حيث يكون رئيس الجمهورية مُلزماً بدعوة مجلس النواب للانعقاد بدورة استثنائية للقيام بموجبٍ مُحدّد. كاستكمال دراسة مشروع الموازنة وإقراره.
بالإضافة إلى الدورتين العاديّتين والدورات الاستثنائية، نصّ الدستور أيضاً على الاجتماعات الحُكميّة، حيث يلتئم المجلس عند وقوع حدثٍ مُعيّن، للقيام بمهمّة يتطلّبها هذا الحدث.
ونصّ دستور قبل الطائف على اجتماعات حُكميّة للمجلس، وذلك قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية (المادة/73/) كذلك في حال خلوّ سدّة الرئاسة (المادة/74/) وعند انتخاب مجلس نواب جديد لانتخاب هيئة مكتب المجلس (المادة/44/).
وبعد الطائف، أضاف التعديل الدستوري الحالة المنصوص عنها في المادة/69/ من الدستور، التي تنصّ أنه عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مُستقيلة، يُصبح مجلس النواب حُكماً في دورة انعقاد استثنائية، حتى تأليف حكومة جديدة ونَيلها الثقة. إضافةً إلى حالات أُخرى.
بالتالي، فإن حكومة الرئيس ميقاتي والتي اعتُبرت مستقيلة مع بدء ولاية المجلس النيابي الحالي عام/2022/ أوجبت على المجلس النيابي أن يبقى مُنعقداً بصورةٍ حُكمية من تاريخ 1/6/2022 حتى تاريخ نيل حكومة الرئيس سلام الثقة بتاريخ 26/2/2025.
مما يُفيد، أنه لم يكن بالإمكان دعوة مجلس النواب للانعقاد بدورةٍ استثنائية تمتّد من مطلع العام/2025/ حتى نهاية شهر كانون الثاني منه، لاستكمال دراسة الموازنة، كَون مجلس النواب كان مُنعقداً أساساً بدورةٍ حُكميّة استمرّت حتى تاريخ 26/2/2025.
فالهدف من الدعوة إلى دورة استثنائية هو الترخيص للمجلس النيابي بالالتئام والمُناقشة توصُّلاً إلى الإقرار. بالتالي، لا سبيل لهكذا دعوة، ما دام المجلس النيابي كان مُنعقداً حُكميّاً وبمُقتضى الدستور؟
أمّا القول بأن المجلس النيابي كان هيئة ناخبة وليس تشريعية، فنحن نؤيّد هذا الرأي. لكنّه عاد إلى دوره التشريعي بعد التاسع من شهر كانون الثاني، تاريخ انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية.
بالخُلاصة، لا أعتقد أنّ المجلس الدستوري سيأخذ بأي طعن ممكن أن يُقدّم بمرسوم الموازنة، لأن شروط المادة/86/ من الدستور متوافرة. على أمل أن نحظى بموازنة عام/2026/ أكثر عدالةً وإنصافاً، سيما للشرائح الشعبية والكادحة.
مواضيع ذات صلة ماكرون: التوصّل لهدنة في أوكرانيا ممكن خلال أسابيع Lebanon 24 ماكرون: التوصّل لهدنة في أوكرانيا ممكن خلال أسابيع
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: المجلس الدستوری المجلس النیابی رئیس الجمهوریة تجاری مع الصین مجلس النواب من الدستور فی لبنان
إقرأ أيضاً:
هكذا غيّر العصر تقاليد رمضان في لبنان (صور)
رمضان في لبنان كان دائمًا يحمل نكهة خاصة، تمتزج فيها الروحانية بالتقاليد العائلية والاجتماعية التي تعكس صورة لبنان المتنوع. فلطالما اجتمع اللبنانيون، بمختلف طوائفهم، الى مائدة الإفطار، وفي الأسواق والقرى التي تنبض بالحياة في هذا الشهر الفضيل، ما جعل رمضان مناسبة تتجاوز البعد الديني لتصبح جزءًا من الهوية الثقافية اللبنانية. لكن اليوم، ومع الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالبلاد، تغيّرت ملامح رمضان في لبنان، فلم تعد الأجواء هي نفسها، ولم تعد العادات كما كانت. الحرب والانهيار الاقتصادي وتردي الوضع المعيشي جعلت الكثيرين يكافحون لتأمين أبسط متطلبات الإفطار. أسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكل جنوني، والقدرة الشرائية للمواطنين تراجعت إلى مستويات غير مسبوقة، مما حوّل مائدة رمضان من فرصة للالتقاء والفرح إلى عبء ثقيل على كاهل العائلات.في السابق، كانت الشوارع والأسواق تعج بالناس الذين يتسوقون استعدادًا للإفطار، أما اليوم، فالمشهد مختلف تمامًا. المحال التجارية تشكو من قلة الزبائن، والبائعون يواجهون صعوبة في تصريف بضائعهم بسبب ارتفاع الأسعار. حتى التقاليد الرمضانية التي كانت تُضفي أجواء خاصة على هذا الشهر، مثل المسحراتي والاحتفالات الليلية، تراجعت بشكل كبير نتيجة الظروف المعيشية القاسية، خاصة بعد الحرب الطاحنة التي استنزفت من مالية البلديات.
مبادرات فردية وجماعية
وعلى الرغم من الاوضاع الصعبة التي يمرّ بها اللبنانيون، إلا أنّ صورة القرى الرمضانية التي تملأ شوارع بيروت وطرابلس وعكار وعددا آخر من القرى عكست روح الصمود التي يتمتع بها هذا الشعب، خاصة وأنّ معظم هذه القرى بُنيت بجهود إمّا فردية من قبل أشخاص ميسورين، أو من خلال تعاون كبير بين الجمعيات الاقتصادية والاجتماعية والبلديات وسكان القرى، حيث ترجم هذا التعاون بإنشاء قرى رمضانية تستقبل مئات وآلاف الأشخاص، بالاضافة إلى تحويل هذه القرى إلى مصدر رزق على مدار هذا الشهر الفضيل، إذ يقوم اللبنانيون باستئجار كوخ صغير داخل هذه القرى حيث يتم عرض المنتجات المحلية، أو تقديم خدمات الطعام خلال فترة الافطار، وهذا ما تشهده بيروت على سبيل المثال، إذ يؤكّد أحد القائمين على إحدى القرى الرمضانية أن بيروت لوحدها تستقبل يوميا أكثر من 5000 زائر من اللبنانيين، هذا عدا عن الزوار الذين فقط يقصدون المطاعم للإفطار.
وأشار لـ"لبنان24" إلى أنّ هذه القرى حرّكت العجلة الاقتصادية في العاصمة، حيث تقوم الجهات المعنية بجولات رقابية دائمة على الأسعار لضمان حماية المستهلك، لافتًا إلى أنّ المدينة تنبض فعليا بالحياة بعد أشهر من صور القصف والنار والدمار التي قتلت روح البهجة داخلها.
ومن بيروت إلى طرابلس، لم تتوان جمعية تجار لبنان الشمالي عن دعم أنشطة رمضان ، من خلال تزيين الشوارع بحلل مميزة، وهذا ما يميز لبنان عن باقي الدول العربية، إذ تولي الجهات المعنية اهتماما خاصا بالزينة الرمضانية حيث تضاء الشوارع والساحات العامة بالفوانيس والهلال والزينة الرمضانية الملونة المتنوعة الأحجام والاشكال.
وعلى الرغم من تغير العصر، فمع قدوم شهر رمضان المبارك، تتجدد في لبنان بعض العادات والتقاليد الرمضانية القديمة التي تأبى الاندثار رغم تغير الأحوال الاجتماعية وهجرة الشباب وضعف الروابط الأسرية. في مدن كصيدا وطرابلس، لا تزال الفرق الصوفية تحيي ليالي رمضان بمواكب جوالة تجوب الشوارع، تصدح فيها الأناشيد والقصائد الدينية والمدائح النبوية، وسط أجواء تعبق بالروحانية والفرح. هذه الفرق، التي لطالما كانت جزءًا من المشهد الرمضاني، تضفي لمسة من الأصالة والحنين إلى زمن كانت فيه الأحياء تكتسي بحلة رمضان التقليدية، حين كان الشهر الفضيل مناسبة لتعزيز أواصر المحبة والتواصل بين الأهالي.
ومن بين التقاليد التي لا تزال حاضرة، رغم التغيرات الحياتية، ما يُعرف بـ"سيبانة رمضان"، وهي عادة متوارثة في بيروت، حيث تخصص العائلات نزهة على شاطئ العاصمة في الأيام الأولى من الشهر، يجتمعون خلالها حول موائد غنية بالمأكولات التقليدية والحلويات، احتفالًا بقدوم رمضان. ورغم أن الزمن أحدث تحولًا كبيرًا في أنماط الحياة، فإن بعض الطقوس الرمضانية لا تزال عالقة في الوجدان، كظاهرة "المسحراتي"، ذلك الرجل الذي كان يجوب الشوارع بطبلته لإيقاظ الصائمين في وقت السحور، مرددًا عباراته الشهيرة: "اصحى يا نايم وحّد الدايم... رمضان كريم".
ومع أن هذه العادة شهدت تراجعًا كبيرًا واقتصرت على بعض القرى والمدن الصغيرة، فإن مظاهر التكافل الاجتماعي في الشهر الفضيل لا تزال حاضرة بقوة. ففي مختلف المناطق اللبنانية، تقوم الجمعيات الخيرية بإعداد "موائد الرحمن" لإفطار الفقراء والمحتاجين، بينما يحرص البعض على توزيع وجبات "إفطار صائم" على المارة، لترسيخ قيم العطاء والتضامن في هذا الشهر الذي يحمل معاني الرحمة والمودة.