صحيفة البلاد:
2025-05-01@14:07:21 GMT

حياتي بين عالمين

تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT

حياتي بين عالمين

اخترت هذا العنوان، لأنه يليق بالحياة التي عشتها من فجر الطفولة، إلى ضحى الشباب، حياتي التي تشبه نهراً ينبع من وسط الأحراش والغابات والمرتفعات الوعرة، لتحتضنه قبيل مصبِّه في البحر، مدينة ناعمة، تنبض شوارعها بالحياة والفن والترف.
حياتي بين الصباح والمساء، بين حارة اليمن ومدارس الثغر النموذجية،
بين عيال الحارة، وأبناء الذوات، بين وليد ونبيل وأسامة صباحا، وحمتو والحلة مساء.


بين درس العزف على الكمان في المدرسة، ومساعدة خالة رحمة، وهي تعيد غنماتها الثلاث من أطراف الحارة إلى صندقة الغنم، لأتفرغ بعدها لمقاضي الرباط، حيث تعودت أن أذهب بين المغرب والعشاء، إلى رباط باناجة في حارة البحر، لمعرفة حاجات السيدات من ساكنات الرباط من خبز، أو سجائر، أو دواء، أو شئ من الطعام، أو البسكويت، وأعود لهن بأكياس صغيرة، وقروش قليلة، هي ما يبقى من الريالات التي استلمها منهن، لشراء المقاضي. يرحمهن الله جميعا.
أتذكر أمام هذا، ما تعودناه في النهار، عندما ينتهي اليوم الدراسي في مدرستنا الثغر، نخرج جميعا الى مطعم المدرسة، حيث نجلس على كراس وثيرة، في طاولات مجهزة بالأطباق والشوك والملاعق، ويقف خلفنا المباشرون ( السفرجية )، وأغلبهم رجال من النوبة بثيابهم البيضاء، يقدمون لنا أصناف الطعام بدءا بالشوربة، ثم السلطة، ثم الوجبة الرئيسية، وبعد ذلك يطوفون علينا بأطباق الحلا، ثم ننصرف الى بيوتنا في باصات المدرسة المريحة .
وأذكر فيما أذكر، مصافحتي وأنا في سن العاشرة، للعم صالح أبو طالب في الحارة الشقاوي الذي كان يعمل في البحر، وأذكر كم كانت يده خشنة شعرت يومها أني صافحت تمساحا !وأمام هذا اذكر أني كنت ضمن فريق استقبال رئيس جمهورية السودان، نتدرب على حفظ نشيد الترحيب، وصافحت حينها رئيس جمهورية السودان الأول بعد الاستقلال الرئيس اسماعيل الازهري يرحمه الله ،وأذكر لليوم كم كانت يدة ناعمة كالحرير يفوح منها عطر العود الذي بقي أثره في يدي ليومين متتالين.
ويبقى في خاطري عن الحارة، ذكرى سيتي عقادة والتي لم تكن أكبر العجائز سنا في الرباط، بل كانت أكثرهن بؤساً وفاقة، التي كنت أعرف طلبها الذي لم يتغير: شريكة بالزبدة ب ٤ قروش، تقسمها نصفين: تغمسه مساء للعشاء، وتبقي النصف الثاني لتغمسه صباحا في الماء لإفطارها.
هكذا توزعت صباحات طفولتي ومساءاتها بين ترف المترفين وكدح الكادحين، ولن أحدثكم كيف تسنّى لولد الناس الغلابة من أهل حارة اليمن، أن يلتحق بمدارس الثغر النموذجية، لأن
وراء ذلك سراً أخبئه عسى أن يأتي الوقت لأبوح لكم بذلك السر، ولكن ليس المهم ذلك السر،
وإنما المهم سر آخر، كنت أحرص على أن اخبئ عن صباحاتي أسرار المساءات، وأكتم عن مساءاتي أخبار الصباح ، أفصل صباحاتي عن مساءاتي ، أقيم بين رفاق الدرب وزملاء الدرس جدارا عاليا، فلا يعلم هؤلاء عن أولئك شيئا، ولا يعرف أولئك عن هؤلاء شيئا ، وتعلمت أن أحيا مع كل فريق باعتباري واحدا منهم ، ولد الحارة و إبنا من أبناء الذوات ، لم يستأثر فريق من الفريقين بي، ولم يمل قلبي لجهة من الجهتين ، تعلمت من هؤلاء كما تعلمت من أولئك .
ومرَّ العمر على ذلك الشأن، وها أنا على مسافة نصف قرن من تلك الحياة، أحتفظ في غرف قلبي السرية، بالعالميْن معا ، أبناء الذوات وأولاد الحارة٠
ولكن في زحمة كل الذكريات، لا أنسى فضل العم عبدالقادر نصيف، إبن الأفندي محمد نصيف، صاحب أكبر مكتبة شخصية في العالم العربي يومها ، يرحم الله العم عبدالقادر كان يعيرني من وقت لآخر ما يتوفر لديه من كتب في الأدب والتاريخ، قرأتها مبكراً كلها ، وأترحم عليه كلما تذكرته في ثوبه الأبيض، وعمامته الحلبية!

S@bogary.com

المصدر: صحيفة البلاد

إقرأ أيضاً:

صحفي بغزة: مساكين هؤلاء الجنود أرهقهم قصفنا

كتب الصحفي رامي أبو جاموس أنه لا يقرأ اللغة العبرية، ولكنه يطلع بانتظام على المواقع التي تترجم وسائل الإعلام الإسرائيلية، وقد وجد فيها أن قادة الجيش الإسرائيلي يقولون إن الجيش منهك بعد 19 شهرا من الحرب في غزة.

وقال في مذكرته على موقع أوريان 21 التي نال بها جائزة الصحافة المكتوبة وجائزة غرب فرنسا ضمن جائزة بايو لمراسلي الحرب، إن رد فعله الأول على هذه المعلومات هو الضحك، ثم تساءل هل تعب الجلاد من كثرة الضرب؟ وهل هؤلاء الجنود على علم بما يفعلون؟

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نيويورك تايمز: بعد هجوم كشمير هندوس يعتدون على مسلمين بالهندlist 2 of 2مسؤولان أميركيان سابقان يحثان ترامب على وقف دعم حصار غزةend of list

وتابع أبو جاموس "أتخيل معاناة هؤلاء الجنود المساكين، من طياري المقاتلات المنهكين من إلقاء أطنان القنابل التي تدمر المنازل وتقتل عائلات بأكملها، ومن مشغلات المسيرات (غالبا من النساء) من القتلة اللائي تعبت أصابعهن من الضغط على الزر الذي يشعل النار في الخيام والمدارس كما في ألعاب الفيديو، ناهيك عن مشغلي طائرات المراقبة الذين أرهقت أعينهم من التجسس علينا، ثم أصحاب الدبابات الذين ملت أيديهم من إطلاق القذائف التي تمحو أحياء بأكملها.. مساكين هؤلاء الجنود، مرهقون من قصفنا ومراقبتنا، ومن معاقبتنا. وإذا كان الجلاد متعبا جدا فماذا يجب أن يقول الضحية؟".

إعلان

ماذا يقول من يعيشون تحت المسيرات؟

وتساءل الكاتب ماذا يجب أن يقول عشرات الآلاف من الناس الذين أجبروا على الانتقال من مكان إلى آخر للمرة الألف؟ وماذا يجب أن يقول من يعيشون تحت الخيام في ظروف مروعة.. لم يأكلوا ولم يشربوا لأكثر من شهرين؟ وماذا يجب أن يقول أهل غزة الذين يتعرضون للقصف ليلا ونهارا؟

ماذا يجب أن تقول النساء والأطفال المصطفون على أمل الحصول على طبق من العدس أو الأرز أو للذهاب إلى الحمام؟ وماذا يجب أن يقول رجال يقضون أيامهم في محاولة العثور على عمل صغير أو نوع من المساعدة؟ وماذا يجب أن يقول من فقدوا عائلاتهم وأطفالهم ومنازلهم وأعمالهم؟ ماذا يجب أن يقول مبتورو الأطراف والمشوهون الذين فقدوا بصرهم؟

ثم ماذا يجب أن يقول من يعيشون هذه المعاناة كل ثانية، وسط ضجيج الطائرات المسيرة المتواصل، ولا يجدون مكانا آمنا يلجؤون إليه؟ فقد كان جيش الاحتلال يقول "من أجل سلامتكم انتقلوا إلى المناطق الإنسانية" التي لا توجد، ولكنه تخلى عن هذا الوهم.

ماذا يجب أن يقول المرضى والجرحى الذين يعانون من السرطان والتهاب الكلى والسكري ولم تعد لديهم العلاجات اللازمة؟ وماذا يجب أن يقول أطباء الطوارئ الذين يعملون 24 ساعة يوميا تقريبا؟ وما الذي يجب أن تقوله الممرضات وهن يواجهن باستمرار رؤية أسوأ الفظائع التي يرتكبها الجلاد "المنهك" ويرين كل يوم أجساد الأطفال الممزقة وقطع الرؤوس؟".

ويتذكر أبو جاموس شهادة طبيب الطوارئ الفرنسي رافائيل بيتي المنهك نفسيا بعد أشهر في غزة، فقد قال إنه لم يشاهد أبدا ما شاهده في غزة، وهو مقتنع أنه لن يشاهده مرة أخرى، وهو لا يفهم لماذا يظل العالم صامتا، وأصبح يشك في بقية البشرية.

المجازر تستمر والإسرائيليون يصورون أنفسهم

ويتابع أبو جاموس أن أهل غزة وصلوا حد الإرهاق، ولا أحد يستطيع أن يتحمل ما يعيشونه بين الموت والحياة، وأسوأ ما يعانونه هو عدم القدرة على حماية عائلاتهم، ورؤية أحبائهم يعانون دون القدرة على توفير العلاج لهم.

إعلان

ويضيف "ثم أفكر في هؤلاء الجنود "المنهكين"، فهم يقضون شهرين أو 3 في الميدان قبل أن يستريحوا. وهم ليسوا جياعا ولا عطاشا. وعندما ينتهون من عملهم في "حماية إسرائيل" الذي تقوم على قتل أكبر عدد ممكن من الناس في غزة، يعودون إلى ديارهم بهدوء".

"هؤلاء الجنود -كما يقول الكاتب- يسافرون، ويغيرون محيطهم لأنهم ليسوا على ما يرام من الناحية النفسية. ونحن نعيش إبادة جماعية، جسدية ونفسية وإعلامية وعسكرية. وهذا يحدث أمام أعين العالم أجمع، ولا أحد يتحرك".

أما نحن -كما يقول الكاتب الغزاوي- فقد عشنا في قفص لمدة 19 شهرا، ولا يمكننا تغيير الهواء. خلفيتنا الوحيدة هي الدمار الشامل، والدماء التي تسيل من أجساد الأطفال والأسر الممزقة، وفكرة أن عائلات بأكملها لا تزال ترقد تحت الأنقاض. فقدنا إنسانيتنا. أسوأ شعور هو الشعور بالتعب من الإذلال. لقد سئمنا من الخوف، ومن الإجبار المستمر على الانتقال، ومن العيش تحت الخيم، ومن عدم العثور على طعام لابن جائع، تعبنا من رؤية أحبابنا وأصدقائنا يموتون كل يوم دون القدرة على دفنهم، لتبقى جثثهم على الأرض تلتهمها الحيوانات".

"سئمنا هذا الشعور بالعجز، ومن تخلي الجميع عنا، من الشعور بأننا لم نعد بشرا، كما قال وزير الحرب الإسرائيلي السابق الذي أطلق علينا لقب "حيوانات بشرية"، هذا الشعور يأكلنا من الداخل ويدمر القوة التي تبقى فينا".

وختم الكاتب بالدعاء ساخرا، بإجازة سعيدة في تايلند للجنود الذين يحتاجون إلى تغيير المشهد، وقال "أنا أفهمهم. لقد سئموا جدا من قتلنا وتدميرنا وإذلالنا. آمل أن يستمتعوا بتدليك تايلندي، وأتمنى أيضا أن يشعروا يوما ما بالندم ويخرجوا من الصمت". "سوف نجد السعادة مرة أخرى وسنبقى على أرضنا. وسوف يتحول هذا التعب إلى شجاعة وقوة لإعادة بناء كل شيء".

مقالات مشابهة

  • أصعب فترة في حياتي.. جوري بكر تعلن اعتزالها السوشيال ميديا
  • صحفي بغزة: مساكين هؤلاء الجنود أرهقهم قصفنا
  • دراسة: أقراص الملح تحسّن أداء الرياضات في الأجواء الحارة
  • الملحن وليد سعد ينشر رسالة حب لزوجته: أول وآخر حب في حياتي
  • هؤلاء القوم همّتهم في التخريب تفوق شهوتهم في النهب والسرقة!!
  • شاركت في باب الحارة وليالي روكسي.. وفاة الفنانة السورية سمر عبد العزيز
  • رضا عبد العال: الخطيب احسن لاعيب شوفته في حياتي والصورة معاه شرف
  • كارثة صحية تهدد أطفال شبوة.. الإندومي في قفص الاتهام!
  • مرة تغلبني الكتابة
  • مسؤول حزبي يدعم هؤلاء