الكوار وعمي التاريخ في دار حياد
تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT
قبل نشوب الحرب بسنين قلنا أن الدولة السودانية وحكومتها ممتلئتان بالعيوب حد السقف ولكن في كل الظروف ليس الحل في التعويل علي ميليشيا همجية وغزاة أجانب.
والان في هذه الحرب لا يعني الوقوف مع حق الدولة السودانية ومؤسساتها في الوجود أن هزيمة الميليشيا الغازية سيعقبه واقع سوداني مثالي. من المؤكد أن عالم ما بعد الجنجويد سيكون مليئا بالمشاكل والتحديات والعيوب والانتهاكات وسيكون من واجبنا مقاومتها والسعي لتأسيس سودان معافي مدركين أن بناء دولة عملية معقدة تحتاج لعقود واحيانا قرون.
لذلك يدهشنا من ينتظرون إنتهاكات الجيش الآن أو في فترة ما بعد الميليشيا لمهاجمة المدافعين عن الدولة السودانية كمبرر لحيادهم تجاه غزو أجنبي علي رماح ميليشيا إبادة جماعية وعنف جنسي واسع النطاق. هذه العقلية تتبني عمليا عيوب الدولة السودانية وقبل وبعد الحرب للتبرير للحياد تجاه الغزاة وهكذا يصير الموقف من السيادة الوطنية وضد االهمجية قابلا ن للتفاوض حسب الظروف. وهنا يصير رفض الغزو والهمجية قضية إختيارية سياقية وليست قضية مبدئية.
في الحرب العالمية الثانية حارب الشيوعيون بكل دولهم ومدارسهم جنبا إلي جنب مع الدول الرأسمالية لهزيمة النازية لأنها أشد خطرا وهمجية من الرأسمالية. ولم يكن في توحيد جيوش الشيوعيين مع الراسمالية أي اعتراف منهم بقبول مطلق بالرأسمالية ولا نسيان لعيوبها قبل أو بعد الحرب. كان الموقف فقط هو أن النازية لو انتصرت ستعيد المجتمع قرونا للوراء ما يعني أن النضال من أجل العدالة والكرامة الإنسانية سيبدأ مجددا من منصة أدني كثيرا من منصة النضال من داخل نظم رأسمالية في مرحلة حضارية وإنسانية أعلي بما لا يقارن.
وفي عقود من الصراع ناضل كل اليسار الفلسطيني جنبا إلي جنب مع الحركات الإسلامية لتحقيق حلم دولتهم وإنهاء الإحتلال. وفي انتخابات الجامعات يخوضها اليسار في لستة موحدة مع الأحزاب الإسلامية لإدراكهم إنها لحظة وطنية وليست مذهبية. وهذا التحالف المرحلي لا يعني أن اليسار الفلسطيني قد تبني وجه نظر الأحزاب الإسلامية حول الحجاب أو الحدود أو أي شيء آخر.
العمل المشترك بين أصحاب الخلفيات الأيديلوجية المختلفة سنة راتبة وليس بدعة كما يعتقد طهرانيو السياسة السودانية في يومنا هذا الذين تهمهم بتولية أخلاقية سطحية النقاء أكثر من مصير شعب وأمة.
ومن فضل الحزب الشيوعي السوداني أنه كان قد أعلن في أيام حكم البشير رفضه لأي غزو غربي للسودان، علي نهج غزو العراق، واعلن استعداده للانخراط في الدفاع عن السودان لو حدث هذا الغزو في أيام البشير. ولا أعتقد أن قول الحزب الشيوعي هكذا قد تغاضي عن إجرام البشير السابق واللاحق. ولا يعطي قوله هذا أي أحد حق المزايدة عليه بأي جرم ارتكبه البشير قبل أو بعد. أيضا لن يحق لاحد المزايدة علي المدافعين عن الدولة السودانية بأي أخطاء يرتكبها الجيش أو حلفائه أثناء أو بعد هذه الحرب.
وهذا التوجه ليس حكرا علي الحزب الشيوعي فكل الأحزاب المختلفة تتحالف معا لتحقيق هدف مرحلي. فقد تحالفت جل أحزاب السودان سابقا في التجمع الوطني أو نداء السودان أو قوي الحرية والتغيير أو تقدم. ولم يكن التحالف المرحلي يعني أن الحزب الجمهوري قد لبس جناح أم جكو وامن برسالة المهدي ولم يعن أن الحزب الشيوعي قد أمن بالرسالة الثانية من الإسلام ولا أن ود الفكي قد أعتنق القرنقية ولا أن التكنوقراط المستنيرين تبنوا أوراد السيد علي الميرغني. لذلك لا أدري مشروعية تفسير الدفاع عن الدولة السودانية كتماه مع حكم عسكري أو أخواني أو غيره. هذا كوار إما عن فساد فكر أو سوء نية.
المسكوت عنه في خطاب الحياد هو الافتراض الضمني إنه موقف يضمن عدم انتصار أحد طرفي النزاع وان أجسام ديمقراطية مثالية سترث الأرض حينها. وهذا وهم غليظ. هذه الحرب أما أن ينتصر فيها الجيش أو الجنجويد وسيكون للمنتصر القدح المعلي في تشكيل مشهد ما بعد الحرب.
القوي الوطنية المثالية لن ترث السلطة بعد الحرب لو أنتصر الجيش أو الجنجويد أو اتفقا علي اقتسام الكيكة. وفي كل الأحوال عليها مواصلة النضال من أجل الديمقراطية والعدالة. الخيار الواقعي أمامها هو ما إذا كانت تفضل مواصلة النضال من منصة إحتلال أجنبي جنجويدي يفكك الدولة وأسس المجتمع أم من منصة يعلو فيها كعب الجيش السوداني الذي خبرته وعاشت في ظله منذ الإستقلال وصارعته.
كان موقف الشيوعية العالمية إنها تفضل مواصلة النضال في ظل نظم رأسمالية لان درك النازية يعني النضال لعقود أو قرون فقط للعودة لنقطة راسمالية ما قبل هتلر. وكذلك موقف اليسار الفلسطيني إنه يفضل النضال من داخل دولة مستقلة ينازع فيها الاسلاميين والليبراليين من داخل دولة يحتاجها الجميع بغض النظر عمن يسود في مرحلة ما.
خلاصة القول أن الوقوف مع الدولة السودانية لا يعني الذهول عن أي انتهاكات من قبل الجيش أو من معه قبل أو بعد الحرب فلا داعي للمزايدة إلا إذا كان المزايد يعتقد أن الجنجويد هم الحل. واجب الجميع التصدي للغزو الأجنبي الجنجويدي ومن ثم مواصلة النضال الجماعي من أجل كل تفاصيل التنمية والحكم الرشيد.
معتصم اقرع
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدولة السودانیة مواصلة النضال الحزب الشیوعی النضال من بعد الحرب الجیش أو من منصة أو بعد
إقرأ أيضاً:
الحمد لله، الجيش أثبت في النهاية إنّه شغّال بي خطّة
عشرات الإشاعات طلعت أثناء الحرب؛
من محاولة انقلابيّة واعتقال ضبّاط؛
لي خيانة في محور وين؛
لي تنظيرات الناس الساي المركّبين مكنة مونتغومري؛
للشغّالين أصحى يا جيش؛
الجيش ما ردّ على أيّ كلام أو انتقاص؛
إنّما كذّب الكلامات بالعمل؛
وخيّب ظن كلّ الراجينّه يفشل وينكسر من جوّة؛
الناس مجّدت شجاعة الشهيد محمّد صدّيق، ربّنا يعلّي مقامه ويتقبّل شهادته، لمن قال بمشي أستلم المصفاة؛
لكن الأيّام أثبتت إنّه استلام المصفاة أصعب بي كتير من مجرّد شجاعة مقاتلين، واحتاج لي مجهود كبير ولفّة طويلة لقطع خطوط إمداد العدو، واحتاج لي فتح جبهات كتيرة عشان تشتّت الفزع، وكلّ قوّة من الميليشيا تبقى في داب روحها؛
يعني احتاج يجرجروا الميليشيا لحدّي سنجة عشان يقدروا يفكّكوا تماسكها؛
كذلك فالناس احتفت بشجاعة الشهيد شاع الدين، ربّنا يعلّي مقامه، لمن رفض ينسحب من تمبول؛
لكن الأيّام بيّنت إنّه تحرير تمبول محتاج جولات كتيرة لحدّي ما الميليشيا تتشتّت والفزع يقيف؛
وقصاد الشهيدين البتعرفهم ديل فيه آلاف الشهداء الاستبسلوا وانت ما سمعت بيهم، فقط لأنّهم ما بخدموا الأجندة السياسيّة البتحاول تبيّش الجيش وتجرّم قيادته؛
في المقابل؛
لمن البرهان كان هادي وبهدّي في الجنود بعد سقوط حاميات، أو انسحابها على الأصح بأقلّ خسائر في الجنود، الناس اتّهمته بالفشل وكانت بتنادي بي عزله؛
لمن قال “ما تسمعوا سنجة والزوبعة دي، أنا شايف الانتصار قدّامي، والناس الدخلوا ديل ما فيهم زول برجع”، أو كما قال، الناس كانت بتشتم فيه؛
لمن العطا كان بيقول أبعدوا جدار جدارين من البيوت الفيها الميليشيا، عملوها تريقة؛
ونفس الناس البتتريق دي هي الجات دوّرت اسطوانة طيران الجيش البضرب الأبرياء؛
حصل وللا ما حصل؟!
الحمد لله، الجيش أثبت في النهاية إنّه شغّال بي خطّة؛
ما بداها مع الحرب؛
بل من السور الخرساني البناه حول القيادة، وتحطّمت عنده أحلام حميدتي وأولياؤه؛
المدرّعات صمدت سنتين تحت الحصار، وانفتحت بعدها لتحرّر المنطقة المحيطة، بالتنسيق مع المتحرّكات القادمة؛
الأبيّض صمدت سنتين، لنعرف بعدها إنّها كانت بتجهّز جيشها ومطارها في انتظار الإمداد عشان تتقدّم لتحرير دارفور؛
كادوقلي محاصرة سنتين، ما بين الجنجويد والحلو، لتنفتح في الوقت المناسب على الدلنج، وتفشل خطّة إعلان عاصمة الجنجويد البديلة في كاودا؛
الفاشر صامدة سنتين، لتبدأ في الانفتاح مؤخّراً؛
البعض يقدّر قتلى الجنجويد بخمسائة ألف؛
والبعض يتحدّث عن مليون؛
الجيش فقد الآلاف؛
أكثر من ألف في كلّ واحد من الأسلحة المحاصرة: القيادة، الإشارة، المدرّعات، المهندسين؛
لكن الواضح إنّه قصاد كلّ شهيد في الجيش “بقرُش” معاه أكثر من ١٠ هلكى من الملاقيط؛
وانت ما جايب خبر؛
دايرهم ينتهوا سريع عشان تشوف البفوز منو، وترتّب أمورك على كدا؛
بتحسب فاضل ليك كم جنيه، بتمشّيك كم شهر؛
والجيش هناك بحسب فاضل ليه كم جندي؟!
أبداً؛
بحسب فاضل في العدو كم جندي وكم مسيّرة وكم طلقة وكم معنويّات عشان ينهزم؛
لأنّه الجيش ما خاتّي أيّ احتمال لخسارة الحرب دي؛
لأنّه خسارة الحرب دي بتعني نهايته ونهاية السودان كلّه!
أكتفي بهذا القدر من التذكرة؛
وبعد كدا حاول براك تتذكّر؛
كنّا وين وبقينا وين؛
والفضل، من بعد الله، لجيشنا، والقوّات المساندة البتفاتل في صفّه؛
نجاح يستحق أن يُدرّس والله في إدارة الحرب دي؛
على كلّ المستويات؛
من الحفاظ على حياة الجنود؛
لتدريب قوّات مساندة في زمن قياسي؛
للحفاظ على الذخيرة والتموين تحت الحصار الطويل؛
لي تأمين سند من دولة عظمى في مجلس الأمن؛
لي تأمين دول مجاورة صديقة وسط محيط من الدول المتآمرة ضدّنا؛
لي توفير حد أدنى من خدمات الدولة في الظروف الصعبة دي؛
لي توفير إمداد من السلاح المطلوب ضد عدو ميزانيته مفتوحة؛
الحاجات دي ما ساهلة، أقرب للمعجزة؛
وفي الوقت دا أكيد برضو فيه آلاف الجنود المجهولين الاشتغلوا في سد الحوجات، توفير العلاج، ترحيل الأسر، تفكيك الذراع الإعلامي للميليشيا، الخ؛
بالإضافة لمئات الآلاف من المغتربين الما بخلوا بأيّ جنيه في حسابهم على أسرهم الممتدّة، واجتهدوا في توفير مأوى للقدروا يصلوهم من الأهل؛
فأنا ما داير أقول الجيش براه الحارب في الحرب دي؛
لــــــــــــكـــــــــــن؛
الجيش براه المبتلى بي ناس بتنكر فضله؛
ياريت الناس تسيب الجحود عشان ما ينزل عليها غضب الله؛
والله جيشنا دا بتمنّوه وما يلقوه؛
بجدّد ثقتي في الجيش السوداني وقيادته العبروا بينا في التجربة الصعبة دي؛
وبدعو الجميع لتجديد ثقتهم، والابتعاد عن كلام المنافقين والذين في قلوبهم مرض والمرجفين.
عبد الله جعفر
١٠ مارس ٢٠٢٥