بقلم: اللواء الدكتور سعد معن الموسوي ..

في زحمة الحياة وتسارع إيقاعها يبدو الجار كظلٍّ بعيدٍ نحياه دون أن نراه نحفظ اسمه دون أن نطرق بابه ونلتقيه صدفةً دون أن نتذكر متى كانت آخر مرة جمعتنا معه مائدة أو حديثٌ عابرٌ عن الحياة.
لكنّ رمضان بشعائره وروحه يعيد ضبط إيقاعنا يبطّئ عجلة الأيام لنلتفت إلى من جاورونا العمر قبل الدار إلى من نسمع صوت أذانهم في بيوتنا قبل أن نسمعه في المساجد إلى من تقاسمنا معهم جدرانًا لم تفصل قلوبنا، بل قرّبت أرواحنا.

يأتي يوم الجار العالمي في الأسبوع الأخير من شهر أبريل كفرصةٍ لإعادة الحياة إلى هذه الروابط لتعميق العلاقات بين الجيران وإحياء روح التعاون والتضامن في المجتمعات.
لا يكون هذا اليوم مجرّد احتفالٍ عابر بل مناسبةً لاستعادة ما فقدته المدن الحديثة من دفء العلاقات ولتذكير الناس بأن الجار ليس مجرد شخصٍ يعيش بقربنا بل جزءٌ من نسيج حياتنا اليومية.
في بعض الأماكن يتم تنظيم فعاليات مثل تناول الطعام المشترك أو الأنشطة الجماعية التي تعزز الشعور بالانتماء غير أن رمضان في البيئة العراقية يجعل من هذه الممارسات عادةً يومية حيث تصبح الموائد جسورًا تمتدّ بين القلوب وتتجلى معاني الجيرة بأبهى صورها من خلال تبادل الطعام والعزائم في مشهدٍ يعكس القيم الإسلامية التي حثّ عليها النبي الأكرم حين قال: “الجار قبل الدار”.

من منظورٍ نفسيّ، الجيرة الطيبة تساهم في التخفيف من التوتر وتخلق بيئةً آمنةً يشعر فيها الإنسان بالطمأنينة فحين يدرك أنّ خلف جدار منزله من يسأل عنه ومن يتفقد حاله ومن يهبّ لمساعدته عند الحاجة يتراجع القلق ويقلّ الإحساس بالعزلة التي صارت سمةً للعصر الحديث.

التفاعل الإيجابي مع الجيران يزيد من الشعور بالانتماء ويعزز الصحة النفسية ويُعيد إلى المجتمعات شيئًا من إنسانيتها المفقودة.
أما اجتماعيًا فإحياء هذه المناسبة لا سيّما في رمضان هو فرصةٌ لردم الفجوات التي صنعتها الحياة العصرية بين العائلات ولإعادة بثّ الدفء في شرايين المجتمعات التي بدأت تفقد صلتها ببعضها.
إنّ مجرّد مشاركة الإفطار مع جارٍ قد يكون وحيدًا أو طرق بابٍ لم يُطرق منذ زمن
أو تبادل طبقٍ بسيط كفيلٌ بأن يعيد ترميم العلاقة ويُحيي مودةً كادت أن تذبل.

في عالمٍ يزداد انشغالًا قد يكون الإعلام هو الوسيلة الأكثر تأثيرًا لإعادة تسليط الضوء على أهمية الجيرة وتحويل يوم الجار العالمي إلى مبادرةٍ واسعةٍ تصل إلى كل بيت.
منصات التواصل الاجتماعي قادرةٌ على إحياء هذا المفهوم من خلال حملاتٍ تذكّر الناس بقيمهم وتسلط الضوء على المبادرات المجتمعية وتدعو إلى مشاركة قصص الجيران الذين صنعوا فارقًا في حياة بعضهم.

وفي الحديث النبويّ الشريف: “تهادوا تحابّوا” تكمن معجزةٌ صامتة قادرةٌ على اختصار المسافات وتبديد الخلافات وإعادة وصل ما انقطع.
ليس مطلوبًا أن تكون الهدية فاخرة فربّما وردةٌ تُطرق بها الأبواب أو قطعة حلوى تُهدى لطفل الجيران كفيلةٌ بزرع بذرةٍ من المحبة تنمو مع الأيام.

في شهر الرحمة وفي زمنٍ باتت فيه العلاقات هشّةً كزجاجٍ تكسّره التفاصيل الصغيرة لنُعيد للجار مقامه ولنُحيِ قلوبنا قبل موائدنا.
فربّما كان الجار هو العائلة التي لم نخترها لكنه كان الامتحان الحقيقيّ لإنسانيتنا

اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي

د. سعد معن

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات

إقرأ أيضاً:

ندوة الشيوعي

بالأمس جهاز الأمن والمخابرات الوطني يقتحم دار الحزب الشيوعي بمدينة عطبرة ويفض ندوة كانت بداخله، ويقوم بإخلاء الدار من الحاضرين، ويسيطر على الدار. ليصدر الحزب بيانًا منددًا فيه بالحادثة. في تقديرنا الندوة عبارة عن جس نبض للأجهزة الأمنية، الحزب يرى انكسار بندقية حميدتي، وعجز أحزابه الرديفة من سند تلك البندقية، ونتيجة لذلك ظلامية مستقبله في السودان. فإذا تساهلت الأجهزة الأمنية ومرت الندوة بسلام، سوف يفتح باب جهنم الفوضى من جديد، ليرقص الساقطون والساقطات فوق جثث معركة الكرامة على أنغام (حاجة آمنة اتصبري)، وكذلك (عيوشة عيوشة تشرب من الشارع، تأكل من الكوشة)، وغيرها وغيرها. ثم يكتمل حريق الوطن بالكامل بالعصيان المدني؛ لأن كوادره بالخدمة المدنية التي زرعها باسم الشرعية الثورية أيام الحمادكة فاقت حد الوصف، وهي حميدتي آخر في السودان، يجب حسمها بسوخوي القانون اليوم قبل الغد. وخلاصة الأمر وبقراءة ما بين سطور الندوة أثبت الشيوعي بأنه في وادٍ والشعب في وادٍ آخر، وليعلم خونة الأوطان بأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، كما أكد البرهان بأن المجد للبندقية، ومن ثم بداية شوط معركة الكرامة الثاني (البناء) في الانتظار، وبعدها الباب مفتوح للجميع بإقامة الندوات السياسية، أما الآن لا وألف لا، وليس معنى ذلك منع حرية التعبير، ولكن تقديم الأولويات وفقًا لواقع الحال أمر ضروري.

د. أحمد عيسى محمود
عيساوي
الخميس ٢٠٢٥/٥/١

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • ندوة الشيوعي
  • السباق الدوري الثاني للخيول العربية الأصيلة… حضور جماهيري لافت ومشاركات متنوعة وواسعة
  • حين يكون الصمت حديث الروح
  • بمشاركة 64 جواداً.. انطلاق السباق الدوري الثاني للخيول العربية الأصيلة
  • عمال الإمارات: عيدنا كل يوم في بلاد زايد
  • حملة "دوووس"..لعبة الحياة التي تُعيد القيم المفقودة للشباب المصري من طلاب إعلام عين شمس
  • "في ظِلال الحياة"
  • شقق بـ 15 مدينة جديدة.. «الإسكان» تعلن موعد حجز وحدات مشروع ديارنا
  • ضبط المتهم بالاعتداء على عامل بسلاح أبيض لخلافات الجيرة فى أبو النمرس
  • اقليم كوردستان يدخل موسوعة غينيس من بين المجتمعات الأكثر وعياً بالصحة