أسبوع ساخن مرت به سوريا مؤخرا، كادت أحداثه أن تعصف بالقلوب خصوصا مع استدعاء ما جرى مع الثورة المصرية من ثورة مضادة وانقلاب دموي لا تزال مصر تعاني من آثاره، ولعلي لا أبالغ إن قلت إنها سوف تعاني لعقود بسبب التمرد الذي مهد للانقلاب في 2013.
ولأنني كواحد من بين ملايين عايشوا التمرد المصنوع على أيدي جهاز المخابرات في عام 2012 ثم الانقلاب العسكري الذي أجهز على ما تبقى من الثورة المصرية العظيمة يوم الثالث من تموز/ يوليو 2013، فقد وضعت يدي على قلبي ولا زلت خوفا وقلقا على التجربة السورية في ظل مخاطر عديدة وتحديات جسام؛ لعل أخطرها استعادة الأمن والقضاء على فلول النظام الدموي القاتل.
عبر برنامجي اليومي (التعليق السياسي) على قناتي على يوتيوب ومنذ هروب بشار الأسد ورفاقه، علقت محذرا من تكرار التجربة المصرية، فلا يصح أن نترك سوريا تواجه نفس المصير الذي لاقيناه من قبل، بعض الأشقاء في سوريا كتبوا إليّ معاتبين أن سوريا ليست مصر وأن الأوضاع مختلفة. ومرت الأيام وثبت أن الثورة المضادة لا دين لها ولا ملة، وأنها صُنعت لتواجه ثورات الشعوب الحرة، وهي عملية ديناميكية تحدث وستحدث في أي مكان قامت فيه ثورة في عالمنا العربي المنكوب.
التمرد الذي وقع وتمت السيطرة عليه ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج عملية تحريض مستمرة منذ سقوط المجرم بشار سواء من جهة فلول النظام أو من دولة إيران التي خسرت سوريا وأظنها خسرتها للأبد، أو من بعض متطرفي الحكم في العراق، ناهيك عن الدعم السياسي من دولة الكيان الصهيوني
فرضت الثورة السورية كلمتها في بداية الأمر وكنت أحذر، وكان البعض يقول ما لهذا الرجل يتحدث في أمر من المستحيل أن يحدث، وكيف يحدث وقد سيطرت الثورة وقدمت دول الجوار الدعم وعاد المهاجرون وكل شيء على ما يرام؟ لكن شيئا ما كان يؤرقني ولا يزال.
قلت مناشدا منذ الأسبوع الأول للثورة أن يضرب الثوار بيد من حديد على يد كل من تسول له نفسه بالخروج على النظام الجديد، وعلى الجميع احترام الثورة وأن تُحكم الثورة قبضتها على مقاليد الأمور في البلاد، وأن يشعر المتآمرون بالخطر قبل أن يفكروا في التحرك ضد الثورة، البعض راهن على أن شيئا من هذا لن يحدث، ولكن للأسف حدث ويمكن أن يحدث لأن الثورات لها أعداء ومتضررين كثر، والثورة السورية ليست استثناء.
حدث التمرد في محافظات الساحل التي يصفها البعض بأنها مناطق العلويين من أتباع النظام، ونجح المتمردون في إشعال النيران وكادوا أن يجروا الثورة إلى ما لا تحمد عقباه، كان كل شيء مرتبا وجاهزا؛ بداية من الاعتداء وقتل جنود الأمن والشرطة وبالتالي توسيع دائرة الاشتباك، ثم تصوير بعض الأحداث ونشرها لتتحرك الكتائب الإلكترونية بالأخبار الكاذبة مطعمة ببعض الأخبار الصحيحة؛ من سقوط مدنيين بطريقة أو بأخرى، وهو أمر مرفوض بالكلية، ثم عقب ذلك تتحرك دكاكين حقوق الإنسان في الخارج وهي تحمل أخبارا مفبركة عن مقتل امرأة ثبت أنها لم تمت وأعلنت ذلك بنفسها، ثم تتحرك القنوات العربية والعبرية ثم يتم تصعيد الأمور ليدلي وزير خارجية أمريكا بتصريح ومسئولون في الاتحاد الأوروبي بتصريح آخر، ثم تنطلق كتائب التمرد المصرية المدعومة عربيا في شن حملة تشويه الثورة السورية عربيا وعالميا باعتبار أنها ثورة مجموعة من القتلة والمجرمين والإرهابيين المسلحين.
التمرد الذي وقع وتمت السيطرة عليه ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج عملية تحريض مستمرة منذ سقوط المجرم بشار سواء من جهة فلول النظام أو من دولة إيران التي خسرت سوريا وأظنها خسرتها للأبد، أو من بعض متطرفي الحكم في العراق، ناهيك عن الدعم السياسي من دولة الكيان الصهيوني.
تحالف المتضررين من الثورة السورية والثورات العربية عموما يضم دولا عربية لها ثأر مع الشعوب الحرة التي تسعى للتعبير عن إرادتها واختيار من يحكمها عبر الصناديق، ويضم إيران الحالمة باستمرار الوضع الذي كانت عليه قبل الثورة السورية من السيطرة على العراق وسوريا ولبنان وتهديد دول الجوار، ودولة الكيان التي ترى في الثورة السورية تحديا جديدا لها في ظل التقارب السوري التركي، ودولة الإمارات التي ترى في الثورات وفي الاسلاميين عموما تحديا وجوديا، والنظام المصري الذي جاء على ظهر دبابة موّلتها دول الخليج ودعمتها دبلوماسيا وسياسيا دولة الكيان الصهيوني.
لست متشائما ولكنني واقعي للغاية، فطموحات إيران لا تزال قائمة، وأحلام الكيان الصهيوني لا تزال مستمرة، ورغبات دولة الإمارات والنظام في مصر هي رغبات محمومة ومسمومة ومشئومة، ويجب التعامل مع كل هذه الأمور باليقظة والحذر
وقعت الواقعة وحدث الاشتباك الدموي الذي راح ضحيته بعض الأبرياء، ما استوجب فتح تحقيق واسع من أجل الوقوف على الأسباب والنتائج بدقة ومحاسبة المخطئين. وهنا لا بد من توجيه التحية للرئيس أحمد الشرع على تحركاته الواعية والمنضبطة والقوية في آن معا، فقد أمر بالقضاء على التمرد والتحقيق في المخالفات واستمرار التواصل مع الفرقاء في "قسد"، ومحاولة احتواء غضب أو تمرد الدروز في الجنوب، وأرسل وزير خارجيته ليشارك في اجتماع دول الجوار السوري في الأردن ليضمن دعمهم للموقف الرسمي السوري، وتحدث إلى الشعب بخطاب مسئول ومتزن وقوي، وخطب في الناس يعد صلاة الفجر في أحد مساجد دمشق ليكون قريبا من الشعب متحاورا معه ومتضامنا مع أحزانه بسبب سقوط بعض الأبرياء.
الأخبار الجيدة ليست فقط في القضاء شبه المبرم على تمرد محافظات الساحل الغربي للبلاد، بل في توقيع اتفاق بين الدولة ومظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية المعروفة باسم "قسد"، اتفاق يسمح باندماج جنود "قسد" في الجيش السوري الجديد، وبذلك تكون الثورة السورية قد استعادت بالسلم حوالي 27 في المئة من مساحة سوريا، وهي مساحة غنية بالنفط والزراعة كانت تدعمها أمريكا بأموال طائلة وصل مجموعها إلى ما يزيد عن نصف مليار دولار. إن توقيع هذا الاتفاق بعد أحداث التمرد يعطي رسالة للجميع في الداخل والخارج أن الثورة تمضي في طريقها بقوة وثبات، وهي قادرة على مواجهة التمرد بالقوة إن تطلب الأمر، وقادرة أيضا على مد يد السلام والتعاون مع الشركاء الذين يريدون العودة إلى جادة الصواب. ومن بين الأخبار الجيدة أيضا أن اجتماعا عقد بين قيادة الدولة والدروز في جنوب سوريا. على الدولة العادلة أن تبسط "سيطرتها" وليس "بطشها" على جميع الأراضي السورية.
لست متشائما ولكنني واقعي للغاية، فطموحات إيران لا تزال قائمة، وأحلام الكيان الصهيوني لا تزال مستمرة، ورغبات دولة الإمارات والنظام في مصر هي رغبات محمومة ومسمومة ومشئومة، ويجب التعامل مع كل هذه الأمور باليقظة والحذر، فلا وقت للنوم حتى لا تتحول الثورة إلى كابوس لا قدر الله.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا الثورة التمرد سوريا تمرد تحديات ثورة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکیان الصهیونی الثورة السوریة دولة الکیان لا تزال من دولة
إقرأ أيضاً:
قلق الأقليات في سوريا يتحول إلى رعب
قبل بضعة أعوام، وفي الفترة التي بلغت فيها الحرب الأهلية في سوريا ذروتها على الأرض، انتشرت وثيقة ما يسمى بـ“نداء العلويين” للمندوب السامي الفرنسي في فترة الانتداب الفرنسي لسوريا ولبنان خلال ثلاثينات القرن الماضي. كان الوضع على الأرض غيره الآن. الدولة السورية قبل بضعة أعوام، أو دولة بشار الأسد، كانت قد بدأت باستعادة قوتها بعد تدخلات جوية حاسمة من روسيا وانتشار وتسليح أرضييْن من إيران. نتائج الحرب كانت تبدو محسومة لصالح نظام الأسد، وأن ما بقي هو مسألة وقت. بقيت الأمور تراوح مكانها نسبياً، وعلى عادة الأسد في عدم إدراكه لعامل الوقت وترك الأمور دون حسم، تصرف النظام على أساس أن الحرب شيء مركون يمكن العودة إليه وحسمه ساعة يشاء. الوقت، كما صرنا نعرف الآن، كان ضد الأسد، وجاءت عوامل إقليمية إضافية لتغير معطيات الأزمة بشكل مذهل. ينبه الأطباء في العادة إلى التأثيرات الجانبية للأدوية، ويحذرون من بعضها، وعلى المريض أن ينتبه. مريضنا السوري لم ينتبه إلى خطورة الأعراض الجانبية، وشهدنا انهيار النظام على نحو يصعب تصديقه.
المقاتل العلوي المحسوب على نظام الأسد، والذي كان يفترض أن يربح الحرب، خسرها. الرئيس بشار الأسد وأفراد عائلته لاجئون الآن في موسكو. وبعد أسابيع من الهدوء النسبي، تقف سوريا على أعتاب مرحلة مختلفة من الصراع الأهلي. وبعد أن كان توزيع وثيقة “نداء العلويين” قبل أعوام غريباً، باعتبار أنه يشير إلى ضعف العلويين، يبدو النداء اليوم واقع حال خطيراً يجسد أن العلويين ضعفاء بالفعل وأنهم إنما كانوا يحتمون بهيكل الدولة السورية ضمن كيان أفرزته مرحلة تكوين الدول في ما بعد الحرب العالمية الأولى.
كان البيان أشبه بدعوة إلى انضواء أقليات بلاد الشام في هيكل يحميها. كان شيوخ الطائفة العلوية إنما يعبرون عن قلق تاريخي تناقلوه اجتماعياً وعبروا عنه سياسياً. قلق الأقليات هذا بقي حاضراً بين العلويين حتى وهم يربحون الحرب ويسيطرون على الدولة السورية ولديهم من يدعمهم على مستوى دولة مهمة مثل روسيا أو دولة إقليمية كبرى مثل إيران. ما نعرفه تاريخياً أن المندوب السامي الفرنسي عمل عكس ما طلبه شيوخ العلويين ولم يترك مجالا لتحول “سنجق اللاذقية” إلى دولة “جبل العلويين”. سوريا الكبرى الواقعة تحت الانتداب الفرنسي هي الضامن الأفضل من وجهة نظر الفرنسيين. واعتبر الفرنسيون أن الإجراء الوحيد الذي ينبغي اتخاذه هو منح لبنان الاستقلال، وأن ما تبقى من الأرض يكفي لإقامة دولة قابلة للحياة، قادرة على حماية الأقليات فيها، وأن تتمكن من امتصاص قلق هذه الأقليات.
لم تتمكن الدولة العربية السورية التي ورثت دولة الانتداب من امتصاص قلق الأقليات. وبدخول عوامل كثيرة في المنطقة، والأهم منها على وجه الخصوص عامل الإسلام السياسي، تغيرت سوريا القومية العلمانية إلى مشروع سياسي قلق خصوصاً لو أخذنا بعين الاعتبار أن سوريا أصبحت ساحة صراع واضحة بين “الإمبراطوريتين” القديمتين فارس (إيران) والدولة العثمانية (تركيا). بيان مشايخ العلويين كان ينظر بعيداً في المستقبل إلى درجة تبعث على الحيرة في قدرة المشايخ على استقراء أن الأمور لا تتغير، بل إن كل ما يحدث هو أنها تهدأ لتعود وتنفجر ثانية. العلويون بدعوتهم إلى استقلال دولة “جبل العلويين”، إنما كانوا يريدون أن ينقذوا أحفادهم وأحفاد “أعدائهم” ممن تتكوم جثامينهم اليوم في أحراش غرب سوريا، مقتولة أو مقتولة ومحروقة بالمئات في مشهد أوهم البعض نفسه بأنه لن يحدث.
قلق الأقليات الذي كان يفوح من البيان الذي يعود إلى قرن من الزمن الآن تقريباً هو تشخيص بأن الوضع السياسي والاجتماعي والطائفي في سوريا لم يكن ناضجاً بما يكفي لترْك الأقليات تتعايش مع بعضها البعض، على أمل الوصول إلى لحظة هدوء إنسانية تجنبنا المشاهد المريعة التي يتم توزيعها اليوم عبر المنصات الاجتماعية.
لعل المندوب السامي الفرنسي آنذاك ارتأى ألّا يؤسس دولة جبل العلويين لأنه بذلك سيخلق دولة سورية عربية سنية من دون امتداد على الساحل، وأن ساحل سوريا اليوم الذي يمتد من جنوب تركيا إلى مقتربات الحافة الشمالية من لبنان يمكن أن يتعايش مع الكتل البشرية والحياة الاقتصادية في مناطق تاريخية معروفة بانفتاحها وتسامحها مثل دمشق وحلب وحمص. ما حدث أن المشروع ازداد تعقيداً ووصلنا إلى مرحلة مخيفة من القتل الوحشي وتصفية الحسابات بدعوات طائفية وأقلوية.
كان لافتاً البيان المشترك الذي أصدرته الكنائس السورية لبطاركة الروم الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس والروم الكاثوليك، وما قاله الأكراد عن دعوتهم السلطة الجديدة إلى التحرك لمنع ما يحدث من قتل، وأن نسترجع ما سمعناه من الدروز خلال الأسابيع الماضية. المسيحيون والأكراد والدروز لديهم قدرات تاريخية استثنائية في التقاط إشارات الخطر القادمة التي ستداهم المنطقة. هؤلاء صنفوا دائما كأقليات، ومع الحس الأقلوي، يأتي الاستشعار. وقبل مئة عام تقريباً كان العلويون “أقلية” لهذا كان لديهم ما يكفي من المبررات الاجتماعية والسياسية لكتابة البيان وتوجيهه إلى المندوب السامي الفرنسي. لكن إحساسهم كأقلية تآكل بعد استيلاء حزب البعث على السلطة في سوريا، واستحواذ الرئيس حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار على السلطة بواجهة سياسية قومية عروبية طوّعت إلى حد كبير البلاد لتخدم سلطة العائلة العلوية. نسي العلويون أنهم أقلية، وها هم يدفعون ثمناً غالياً لذلك.
ثمة صدمة كبرى مما يحدث الآن. انتشرت الصور الكاريكاتيرية للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وهو يجلس إلى جوار الرئيس السوري السابق بشار الأسد ويحاول “الغش” وهما يؤديان امتحاناً واحداً. الشرع كان ينسخ طرق الأسد. وأخطر ما صدر عنه هو اعتباره عمليات قتل المدنيين بالمئات على أساس طائفي أو على الهوية أمراً متوقعاً. إلى هذا المستوى تصل الاستهانة في بلادنا بالأرواح. لا نريد أن نوجه أصابع اللوم، لكن من الواضح أن التعامل مع الموت في منطقتنا يتم كفقرة حياتية عادية. وأمام تصريحات الشرع ينعقد لسانك ولا تستطيع الرد. وإذا كنت محظوظاً، فإنك تستدعي ما يقوله رجل دين مسيحي أو شيخ قبلي كردي أو زعيم درزي واعٍ، لتحاول أن تذكّر الشرع ومن معه بأن ما يحدث ليس قضاء وقدراً على الجميع أن ينساق إليه طائعاً.
إلى أي مدى يستطيع الشرع المتحسب لاضطرابات ما بعد الاستيلاء على السلطة أن يحتوي قلق الأقليات؟ من الصعب الرد على هذا التساؤل. لأن من أبرز الردود التي يتم الترويج لها عبر مؤسسات إعلامية قريبة من هيئة تحرير الشام والرئاسة الانتقالية أن الدولة ستضرب وتبطش. بعض الإجابات التي سمعناها كانت معدة مسبقاً ولم يلتفت من صاغها إلى القيام ببعض التحويرات كي لا تتطابق بين قائليها حتى وإن اختلفت المنابر.
هذا القلق الذي يسود الأقليات هو بالضبط ما تحتاجه إيران. إنها تصنع من مكونات الأقليات أغلبيتها الخاصة بأن تستقطب الخائفين وتقدم نفسها كحامٍ لهم. هناك كتلة بشرية شيعية معتبرة، مشكلتها بالطبع أن القائمين عليها إيرانيون وهذا ليس في صالح تحويلها إلى كتلة أغلبية. هذا ما يزيد الحيرة لدى من يدينون لها بالولاء خصوصاً مع إصرار عمائم هذه الكتلة على أنهم فرس. ضع جانباً الحديث عن أنهم من آل البيت فهذه تفاصيل من نوع آخر يعرف من يذهب إلى إيران أن البلد إنما يعتز بفارسيته، بل ويزداد اعتزازاً بتصنيف نفسه على أنه بدوره “أقلية”.
لم تنجح بالطبع تجربة الأقليات والتجانس في ما بينها في لبنان، إذا مارس حزب المستضعفين -أي حزب الله- غطرسته الخاصة ونسي وهو في ذروة الصراع أن عليه أن يكون جزءاً من نسيج اجتماعي يتحمل الآخر ويتقبله بعيداً عن لغة التخوين أو التخويف التي يدفع اليوم ثمنها غالياً.
ما يقال عن حزب الله يمكن أن يقال عن التشكيلة الواسعة من ائتلاف الأحزاب والميليشيات في العراق. حجم الأخطاء التي مورست باسم أو بحق الأقليات كبير جدا، إلى درجة أن من الصعب الإتيان بتوصيف مختلف، يتقدم أو يتأخر. هذه ميليشيا شيعية تتحرك لمئات الكيلومترات بين جنوب العراق وشماله لتبسط سيطرتها على قرية مسيحية بدعوى حمايتها من تخويف داعش، في حين أن الجميع يعلم ما هو الهدف الحقيقي.
ما نعيشه في سوريا في هذه اللحظات الاستثنائية هو مرحلة خطرة جداً تلخص الفوضى التي تعمّد الإسلام السياسي بوجهيه السني والشيعي، صنْعها وتوزيعها على المنطقة ليحولها من قلق الأقليات على وجودها -وهو قلق مشروع- إلى رعب من مصير مظلم كما ترويه لنا المشاهد القادمة من مناطق الساحل السوري.