لجريدة عمان:
2025-03-12@06:16:37 GMT

النوستالجيا أو خبرة الحنين

تاريخ النشر: 11th, March 2025 GMT

«النوستالجيا» Nostalgia كلمة شائعة في معظم اللغات الأوروبية باعتبارها مستمدة من أصل يوناني قديم، وهي تعني في العربية «الحنين»، وبذلك فإنها تشير إلى مفهوم بالغ الاتساع وشائع أيضًا في كثير من الأدبيات الخاصة بالعلوم الإنسانية. ولذلك فإنني لا أريد أن أتطرق إلى شيء يتعلق بهذا المفهوم في إطاره النظري، وإنما أريد أن أقتصر في مقالي هذا على تناوله من حيث هو خبرة شعورية واعية، في نوع من التحليل الذي هو أقرب إلى التحليل الفينومينولوجي (الظاهراتي) للخبرات الشعورية.

أشهر ظواهر أو تجليات هذه الخبرة تتمثل في شعور «الحنين إلى الوطن»، وهذا هو المعنى الحرفي المباشر للجذر اللغوي للكلمة المركبة في أصلها اليوناني. ولكن الكلمة لها أيضًا ظلال من المعاني المرتبطة بحالة «الألم المقترنة بالحنين إلى الوطن»؛ فالحقيقة أن الشعور بالحنين هنا هو خبرة شعورية عميقة تنطوي على نوع من المعاناة المقترنة بمشاعر الافتقاد والاشتياق والتوق.

وتلك مشاعر شائعة يعرفها أكثر الناس حينما يعانون هذه الخبرة في الغربة عن الوطن. غير أن هذا الشعور يتمثل على نحو أكثر خصوصية في الحنين إلى الموطن أو الحي الذي نشأنا فيه، والحنين إلى البيت الذي نسكنه، بل إلى أركان معينة من البيت أحيانًا (ولعلنا نذكر في هذا الصدد خبرة التوق هذه حينما نتردد أحيانًا على الفنادق الفارهة التي نسكنها في بلدان بعيدة: إذ إننا نتوق أيضًا إلى فراشنا الأصلي الحميم مهما كانت رفاهية فراش الفنادق، وهو الفراش الذي لا نكاد حتى نذكره بعد أن نفارقه!). وهذا كله مما يدخل في إطار «جماليات البيت» التي تناولها جاستون باشلار في كتابه الشهير «جماليات المكان»، وفي إطار جماليات العيش أو السكن والإقامة في فلسفة هايدِجر.

ولعل هذا يذكرنا بتلك الصلة الحميمة بين هيدجر وكوخه، وهو ما جعله لا يحتمل البقاء في أرقى المناصب الأكاديمية في المدينة، ليعود إلى كوخه الحميم الكائن في «الغابة السوداء» بألمانيا: تلك البقعة من الأرض الأثيرة لديه، والتي أثرت كثيرًا في رؤيته الفلسفية للوجود والعيش. وهذا يعني ارتباط الزمان بالمكان في خبرة الحنين إلى الموطن، وهو ما يعني في النهاية ارتباط جغرافيا الأرض والمكان بالتاريخ؛ فالجغرافيا لا يمكنها فهم الأرض أو المكان بشكل مجرد من أساليب العيش فيه).

***

السؤال الذي ربما يطرأ على الأذهان الآن، هو: هل يمكن التماس هذه الخبرة أيضًا في عوالم لا إنسانية أخرى من قبيل عالم الحيوان على سبيل المثال. يمكننا أن نتعرف على ذلك من خلال الخبرة أيضًا، أعني إذا كانت لدينا خبرة أو مشاهدات حية ما لعالم الحيوان. يمكننا أن نلاحظ من خلال مشاهداتنا لسلوك الحيوانات في هذا الصدد، ومن خلال ما نقرؤه عن مَلَكاتها الإدراكية، أن هذه الخبرة لا تُوجد إلا لدى الحيوانات العليا، أعني تلك الحيوانات التي يكون لديها قدرة ما على الإدراك والشعور والحياة الاجتماعية.

ونحن نلاحظ ذلك في حالة الشمبانزي على سبيل المثال حينما نشاهد سلوكياته في حدائق الحيوان، حيث نجده غالبًا متأملًا حزينًا وكأنه يتوق إلى موطنه الأصلي الذي كان ينعم فيه بالحرية والدفء العائلي. كما أننا نلاحظ ذلك أيضًا في سلوك بعض الكلاب الأصيلة؛ ولذلك يعرف مَن قاموا بتربية بعض من نوعية هذه الكلاب أنها لديها الذاكرة والشعور؛ وبالتالي فإنها لديها وعيًا ما بالزمان والمكان، ولنقل على نحو «بالمكان الزماني»، أعني «بالمكان الأليف».

وربما يزيد قائل علينا بقوله: بل إننا يمكن أن نلاحظ ذلك أيضًا خارج عالم الحيوان، كما في عالم الأسماك. أفلا نلاحظ ذلك- على سبيل المثال- في هجرة أسماك السالمون أو عودتها إلى موطن نشأتها، بأن تقطع آلاف الأميال عبر المحيط لكي تصل إلى الأنهار الدافئة التي يمكن أن تتوالد فيها قبل أن تجوب المحيط من جديد؟!

لكن السؤال الذي يبقى بعدئذ أكثر أهمية وإلحاحًا، هو: ما الفرق بين الإنسان والحيوان هنا، أعني فيما يتعلق بخبرة الحنين؟ الحقيقة أنه على الرغم من كل ما ذكرناه من وشائج قربى في الحالتين، باعتبار أن بعض الحيوان ليس عاريًا عن الإدراك، ومن ثم عن شكل ما من أشكال الوعي- على الرغم من ذلك، فإن هناك فرقًا كبيرًا بين الحالتين: لأن الحنين في حالة الحيوان يكون مرتبطًا بالحنين إلى المكان أو الأشخاص الذين ارتبطوا في ذهنه بالمكان الذي كان يفي بالوفاء بحاجاته الفسيولوجية وبغريزته وبأمنه في البقاء.

ويتضاءل هذا الارتباط بالمكان كلما هبطنا في سلم الموجودات الحية، بحيث يتحول هذا الارتباط إلى نوع من الارتباط الغريزي بالمكان الذي يمكن من خلاله حفظ النوع واستمراره، وهذا ما نجده في هجرات بعض الحيوانات والطيور والأسماك إلى أماكن معينة في أوقات معينة من السنة معلومة لديها.

لا شك في أن التحليل الوارد في هذا المقال يعلِّمنا ألا نقلل من شأن الحيوان كما لو كان عاريًا عن أية مشاعر وعواطف وإدراك. ومع ذلك، فإننا ينبغي أن نعترف في الوقت نفسه بأن خبرة الحنين تظل «خبرة زمانية واعية» في عالم الإنسان وحده، أعني خبرة تظل ماثلة في الوعي الإنساني باعتبارها خبرة وجودية قد يعايشها في حاضره، ويمكن أن يستدعيها لتأمله في أزمنة وأمكنة مختلفة. وهذا هو فحوى تأويلي لظاهرة أو خبرة الحنين.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه الخبرة الحنین إلى

إقرأ أيضاً:

أين تنشأ عملات البيتكوين؟ السر الذي لم يُكشف بعد

نشر موقع "شيناري إيكونومتشي" تقريرًا سلّط فيه الضوء على لغز مصدر عملات البيتكوين على الإنترنت، متسائلاً عن المواقع الفعلية للنظام الذي يدعم هذه العملة الرقمية، وموضحًا كيف أن هذه العمليات تتم عبر "الطرق السريعة" للإنترنت التي تديرها أنظمة مستقلة، والتي تشمل شركات التكنولوجيا العملاقة مثل أمازون وجوجل.

وتساءل الموقع، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أين تقع عُقَد البيتكوين وفقًا لتوزيع شبكات إيه إس إن، التي تُشكل "الطرق السريعة" للإنترنت العالمية؟ وتُظهر الأبحاث كيف يتم ضمان إخفاء الهوية داخل هذه البنية التحتية. ولكن، من أي جزء من الإنترنت تنشأ البيتكوين فعليًا؟ لا يتعلق الأمر هنا بالمحافظ الرقمية، بل بالبنية التحتية التي تجعل هذه العملة المشفرة قابلة للتشغيل.

فمن أي جزء من الإنترنت العام تأتي البيتكوين؟ وما الذي يعنيه ذلك حقًا؟ لفهم الصورة الكاملة، دعونا نحلل مرجعيات إيه إس إن ودورها في توزيع عُقَد البيتكوين.

بطاقة هوية الإنترنت
أوضح الموقع أنه يمكن تخيل الإنترنت كشبكة طرق عملاقة، حيث تنتقل البيانات من نقطة إلى أخرى، ولكي يعمل كل شيء بسلاسة، هناك "طرق سريعة" رئيسية تُدار من قبل شركات كبيرة، تُعرف باسم الأنظمة المستقلة (AS)، وكل نظام مستقل لديه رقم تعريف فريد يُعرف باسم إيه إس إن، وهو بمثابة بطاقة هوية لهذا النظام.

تتم إدارة هذه الأنظمة المستقلة من قبل مؤسسات كبرى تقدم خدمات الوصول إلى الإنترنت أو الخدمات الإلكترونية، مثل:
·   مزودو خدمات الإنترنت (ISP): وهم الشركات التي توفر لنا الاتصال بالإنترنت في المنازل أو المكاتب، مثل كومب كاست أو هيتزنير أونلاين جي إم بي إتش.
·   عمالقة التكنولوجيا: مثل أمازون أو جوجل؛ حيث تدير هذه الشركات مراكز بيانات ضخمة لتشغيل خدمات الحوسبة السحابية التي نستخدمها يوميًا.
·   شبكات الخصوصية: مثل شبكة تور، المصممة لجعل التصفح عبر الإنترنت مجهول الهوية.
في كل مرة نتصفح فيها الإنترنت، يمر اتصالنا عبر واحد أو أكثر من هذه الأنظمة المستقلة، التي يتم التعرف عليها من خلال رقم إيه إس إن الخاص بها.

عُقَد البيتكوين: أعمدة الشبكة
أشار الموقع أن عقد البيتكوين هي أجهزة كمبيوتر خاصة تشارك بشكل نشط في شبكة البيتكوين، وهي ليست مجرد أجهزة مستخدمين عاديين، بل تؤدي مهام أساسية لضمان عمل هذه العملة المشفرة، مثل:

·التحقق من المعاملات: في كل مرة يُرسل فيها شخص ما البيتكوين، تقوم العُقَد بفحص المعاملة للتأكد من أنها صالحة وتُطابق القواعد الصارمة للنظام.
·حفظ سجل البيتكوين: تحتفظ العُقَد بنسخة كاملة من جميع المعاملات التي حدثت على الإطلاق في شبكة البيتكوين، فيما يُعرف بـ البلوكشين. هذا السجل يعمل بمثابة دفتر حسابات عام وثابت لا يمكن تغييره.
·نشر المعلومات: عندما تتم إضافة معاملة جديدة أو كتلة جديدة من المعاملات إلى البلوكتشين، تتولى العُقَد مهمة نشر هذه المعلومات عبر الشبكة بالكامل، مما يضمن أن الجميع على اطلاع دائم بآخر التحديثات.
بعبارة أخرى، تُعد عُقَد البيتكوين الركائز الأساسية التي تدعم البنية الكاملة للنظام. بدونها، لن تكون الشبكة قادرة على العمل.
أين تقع عُقَد البيتكوين؟ تحليل منصة نيوهيدج

أشار الموقع إلى أن منصة نيوهيدج تقوم بتحليل توزيع أنشطة التعدين وعُقَد البيتكوين، حيث أنتجت رسمًا بيانيًا يوضح انتشار هذه العُقَد عبر مختلف شبكات إيه إس إن، التي تمثل البنية التحتية الأساسية للإنترنت، أو ما يُعرف بـ "الطرق السريعة" الرقمية. يعتمد هذا التوزيع على أرقام إيه إس إن الخاصة بكل شبكة، مما يُتيح فهماً أعمق لكيفية انتشار البنية التحتية للبيتكوين.

ويبرز المخطط الدائري، الذي يحمل عنوان "عُقَد البيتكوين بحسب إيه إس إن"، خريطة غير تقليدية لمواقع هذه العُقَد. فبدلاً من عرض التوزيع الجغرافي لها، يركز هذا التحليل على الشبكات المستقلة (إيه إس إن) التي تستضيف أكبر عدد من عُقَد البيتكوين، مما يمنح نظرة فريدة على البنية التحتية الرقمية التي تدعم تشغيل الشبكة.

هيمنة شبكة تور (64.03%): أكبر نسبة من الرسم البياني تحتلها شبكة تور. هذا الرقم مهم جدًا، حيث إن شبكة تور صُممت لضمان إخفاء الهوية أثناء التصفح على الإنترنت. حقيقة أن أغلبية عُقَد البيتكوين تعمل داخل تور تشير إلى أن الكثير من مشغلي العُقَد يسعون إلى العمل بسرية تامة. قد يكون ذلك مرتبطًا بعوامل مثل:
الخصوصية الشخصية
الأمان ضد المراقبة
تجنب الملاحقات القانونية في بعض الدول التي تفرض قيودًا على البيتكوين
حصص أصغر لكن مهمة لبعض إيه إس إن المحددة: بعض الشبكات المستقلة تستحوذ على نسب أصغر لكنها لا تزال مؤثرة، ومنها:
هتزنير أونلاين جي إم بي إتش 4.22 %
أو في إتش ساس 2.02 %
غوغل كلاود بلاتفورم 1.93%
أمازون -02  1.68%
كوم كاست-7922 1.40%
وهذه الشبكات تمثل شركات معروفة تقدم خدمات مثل:
استضافة المواقع والخوادم (مثل هتزنير وأو في إتش)
البنية التحتية السحابية (غوغل كلاود وأمازون إيه دابليو إس)
توفير الوصول إلى الإنترنت (كوم كاست)
هذا يوضح أن جزءًا من عُقَد البيتكوين مُستضاف على بنية تحتية تجارية تقليدية، وليس فقط على شبكات خاصة أو مجهولة.

حصة "أخرى" كبيرة (21.29%): ما يقرب من ربع العُقَد تقع ضمن فئة "أخرى"، هذا يشير إلى أن هناك تنوعًا كبيرًا في الشبكات المستقلة التي تستضيف عُقَد البيتكوين، والتي قد تشمل:
شركات استضافة صغيرة
شبكات خاصة
أنظمة غير معروفة أو غير مُعرَّفة بسهولة
هذه الفئة أكثر غموضًا، مما يجعل تحليلها أكثر تعقيدًا، لكنها تؤكد أن شبكة البيتكوين ليست محصورة فقط في مقدمي الخدمات الكبار، بل تمتد أيضًا إلى شبكات لامركزية أصغر يصعب تتبعها.

لذلك؛ يمكننا القول إن 85% من العُقَد تعمل بشكل مجهول الهوية. وهذا أمر مفهوم؛ حيث توجد دول لا تنظر بعين الرضا إلى استهلاك الطاقة المرتبط بنشاط التعدين، أو حيث يكون البيتكوين نظريًا محظورًا.

التداعيات والتأملات
ولفت الموقع إلى أن هذا يفتح لنا نافذة مثيرة للاهتمام بعالم البيتكوين، فهو يُظهر لنا أنه على الرغم من فكرة اللامركزية التي ترتبط عادةً بالعملات المشفرة، إلا أن بنية البيتكوين التحتية تظل مركزة جزئيًا في شبكات محددة، بما في ذلك شبكة تور، التي تضع تركيزًا قويًا على إخفاء الهوية.

فهم توزيع عُقَد البيتكوين حسب إيه إس إن أمر مهم لعدة أسباب:
· اللامركزية: يساعدنا هذا التحليل في تقييم مدى لامركزية شبكة البيتكوين فعليًا. فإذا كانت غالبية العُقَد مركزة في عدد قليل من الشبكات المستقلة (إيه إس إن)، فقد تصبح الشبكة أكثر عرضة للمشاكل أو للرقابة.

· المرونة: إن التوزيع المتنوع للعُقَد بين شبكات إيه إس إن مختلفة يجعل الشبكة أكثر مقاومة للأعطال أو الهجمات المحتملة.

· الخصوصية وإخفاء الهوية: إن النسبة العالية من العُقَد الموجودة على شبكة تور تثير تساؤلات مثيرة حول دور إخفاء الهوية داخل منظومة البيتكوين.

واختتم الموقع تقريره بالتأكيد على أنه نسبة ضئيلة جدًا من معاملات البيتكوين تُستخدم لأغراض إجرامية، لكن القدرة على البقاء مجهول الهوية هي ضمان الحرية للجميع. وهذا شيء لا يفهمه، ولا يمكن أن يفهمه، البنك المركزي الأوروبي.

للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)

مقالات مشابهة

  • أين تنشأ عملات البيتكوين؟ السر الذي لم يُكشف بعد
  • مشاهدة أفراس النهر تحت الماء.. 12 معلومة لا تعرفها عن تطوير حديقة الحيوان
  • مشروع قانون العمل يلزم بإصدار شهادة خبرة للعامل
  • الزراعة تعلن الموعد النهائي لافتتاح حديقة الحيوان.. هل سيكون بعيد الفطر؟
  • باحثة بجامعة بنها تحصل علي تدريب متقدم وتبادل للخبرات العلمية في قسم علوم الحيوان بمدينة لاريسا باليونان
  • شركة تكامل القابضة توفر وظائف شاغرة
  • عضو بالحزب الجمهوري الأمريكي: ماسك ليس لديه خبرة في إدارة الحكومة
  • الإعلان عن موعد افتتاح حديقتي الحيوان والأورمان في معرض برلين الدولي للسياحة
  • سبتمبر المقبل.. افتتاح حديقتي الحيوان والأورمان بعد الانتهاء من أعمال التطوير