في خطوة لافتة تأتي في سياق إقليمي ودولي يشهد تحولات متسارعة على مستوى التوازنات العسكرية والإستراتيجية، أعلنت وكالة تسنيم الإيرانية عن بدء مناورات بحرية مشتركة بين روسيا والصين وإيران في ميناء تشابهار.

 

الحدث لا يقتصر على بعده العسكري، بل يتداخل مع سياقات سياسية واقتصادية تعكس أولويات الدول المشاركة فيه، خاصة في ظل تصاعد الضغوط الغربية على هذه القوى وسعيها لتعزيز شراكاتها الدفاعية في مواجهة التحديات المتزايدة.

 

يتزامن إجراء هذه المناورات مع مرحلة دقيقة من التوترات المتزايدة بين إيران والولايات المتحدة، حيث تواجه طهران ضغوطا متصاعدة تتعلق ببرنامجها النووي وقدراتها الصاروخية، إلى جانب العقوبات الاقتصادية التي تستهدف مفاصل اقتصادها.

 

وتضفي التهديدات الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترامب بشن عمل عسكري ضد إيران إن استمرت برفض التفاوض، على المناورات بعدا إضافيا يتجاوز الأبعاد العسكرية التقليدية إلى رسائل سياسية واضحة.

 

موقع المناورات

 

كما يضفي الموقع الذي اختير لتنفيذ هذه المناورات بعدا إستراتيجيا خاصا، فميناء تشابهار، المطل على المحيط الهندي، لا يمثل مجرد قاعدة بحرية إيرانية، بل يعد نقطة محورية في المشروعات الاقتصادية الإقليمية، كما يتمتع بأهمية جغرافية تجعله مركزا لطرق التجارة الدولية والطموحات اللوجستية الإيرانية.

 

وفي ظل هذه الاعتبارات، يبرز تساؤل حول ما إذا كان اختيار هذا الموقع يعكس توجهًا لتعزيز النفوذ البحري الإيراني، أو أنه يحمل في طياته رسائل أوسع تتجاوز الحدود الإقليمية لتشمل موازين القوى العالمية.

 

وبالنظر إلى الظروف الدولية الراهنة، فإن هذا التطور يثير اهتمام الأوساط السياسية والعسكرية، حيث يتزامن مع عزلة دولية متزايدة تواجهها روسيا نتيجة حربها في أوكرانيا، إلى جانب التنافس الحاد بين الصين والولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادي.

 

هذه العوامل مجتمعة تضع المناورات البحرية الثلاثية في سياق أوسع من مجرد تعاون عسكري، لتشكل حدثًا يحمل أبعادًا متعددة على المستويين الإقليمي والدولي.

 

ردا على تهديد ترامب

 

ويرى القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني حسين كنعاني مقدم أن هذه المناورات في تشابهار تأتي ردا على تهديدات ترامب بشن هجوم على إيران، لافتا إلى أنه على ترامب أن يعلم أن إيران ليست وحيدة والدول الحليفة مثل روسيا والصين حاضرة إلى جانبها، وأن شن هجوم عسكري على إيران يعني الهجوم على الصين وروسيا، على حد قوله.

 

كما أوضح في حديثه للجزيرة نت، أنه بناء على الاتفاقيات طويلة المدى بين إيران والصين (25 سنة) وروسيا (20 سنة) والتي تتضمن بعض التعاون العسكري والأمني والمخابراتي كما تضم مناورات ثلاثية مشتركة بين البلدان الثلاثة ووفقا لجدول معين، تنظم مناورات كل فترة معينة بين هذه البلدان.

 

وأردف كنعاني "أن رسالة هذه المناورات واضحة وهي أن دول آسيا القوية ومنها الصين وروسيا وإيران وكذلك الدول الراغبة بالتعاون لتأمين أمان المنطقة قادرة على فعل ذلك".

 

أهمية جيوستراتيجية

 

من جهة أخرى، وفي حديث للجزيرة نت، أكد خبير الأمن الدولي عارف دهقاندار أن اختيار ميناء تشابهار لإجراء المناورات المشتركة بين إيران والصين وروسيا ينبع من الأهمية الجيوستراتيجية لهذه المنطقة.

 

وأوضح أن تشابهار، باعتباره الميناء الإيراني الوحيد المطل على المحيط، يوفر وصولا مباشرا إلى المياه الحرة، ويقع في موقع إستراتيجي بالقرب من المحيط الهندي، ما يجعله نقطة محورية في التحكم في طرق التجارة البحرية وبوابة حيوية للوصول إلى أسواق آسيا الوسطى.

 

وأضاف دهقاندار أن تشابهار يُعد جزءًا من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، كما يكتسب أهمية خاصة لروسيا التي تسعى إلى توسيع وجودها في المياه الدافئة، كما أشار إلى أن وجود هذه القوى الثلاث في تشابهار قد يحمل رسالة معينة إلى واشنطن وإدارة ترامب، لاسيما في ظل اعتبار الهند شريكا إستراتيجيا للولايات المتحدة في شبه القارة الهندية.

 

وفيما يتعلق بتوقيت إجراء النسخة السابعة من المناورات المشتركة "حزام الأمن البحري 2025″، أشار دهقاندار إلى أن هذا التوقيت يحمل دلالة مهمة، حيث تأتي هذه المناورات في ظل تزايد التهديدات الإسرائيلية والأميركية بشن هجوم عسكري على إيران للحد من برنامجها النووي.

 

العصا والجزرة

 

وأوضح أن هذا التصعيد الإقليمي، إلى جانب سياسة "العصا والجزرة" التي يتبعها ترامب، يزيد من تعقيد المشهد، مما يجعل هذه المناورات بمثابة إشارة إلى استعداد طهران لمواجهة أي تهديدات محتملة.

 

ومع ذلك، شدد دهقاندار على أن هذه المناورات لا ينبغي تفسيرها على أنها مؤشر على تشكل تحالف شرقي ضد الغرب، مؤكدًا أن روسيا والصين، كقوتين عالميتين، لديهما إستراتيجيات ومصالح خاصة بهما، وينبغي تحليل سلوكهما في إطار المنافسة بين القوى الكبرى.

 

وأضاف أن إيران، باعتبارها قوة إقليمية، لها دورها الخاص في المعادلات الدولية، وينبغي لها، خاصة في المجال العسكري، أن تعتمد على قدراتها الذاتية بدلًا من التعويل على القوى الكبرى.

 

وخلص دهقاندار إلى أنه رغم تصاعد التوترات بين الصين والولايات المتحدة خلال فترة حكم ترامب، فإن إقامة هذه المناورات لا تعني بالضرورة تشكيل تحالف رسمي ضد الغرب، بل تمثل نموذجًا للتعاون البراغماتي بين الدول الثلاث وفقًا لمصالحها المشتركة.

 

واعتبر أن رد الفعل الهادئ من قبل إدارة ترامب على هذه المناورات يؤكد أنها لا تُشكل تهديدًا حقيقيًا للولايات المتحدة.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: هذه المناورات روسیا والصین إلى أن

إقرأ أيضاً:

تصاعد التوترات بين إيران والولايات المتحدة.. رسائل متبادلة ومخاوف من مواجهة عسكرية محتملة.. ومحللون: تهديدات ترامب "مناورات" غير جدية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تتوالى التصريحات من المسؤولين الإيرانيين في طهران حول رفضهم تلقي رسالة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدعو إلى مفاوضات نووية، لكن تصريحات المرشد الأعلى علي خامنئي ووزارة الخارجية والسفير الإيراني لدى الأمم المتحدة سعيد إيرواني تشير إلى ردود غير مباشرة على هذه الرسالة المفترضة.

يبدو أن الرسالة التي يُزعم أن ترامب بعث بها تحمل مزيجًا من التهديدات والإغراءات، كما أن الردود الإيرانية توحي بإمكانية التفاوض شريطة أن تقتصر المحادثات على الملف النووي فقط. وأوضح إيرواني أن إيران قد تشارك في محادثات مع الولايات المتحدة فقط لإثبات سلمية برنامجها النووي.

وفي السياق ذاته، أعرب محللون سياسيون وإعلاميون عن ارتباكهم حيال نهج ترامب غير التقليدي، حيث وصف المحلل السياسي علي بيكدلي تصريحات ترامب بأنها تُحدث حالة من الحيرة وتفتقر إلى البروتوكولات الدبلوماسية، مشيرًا إلى أن ترامب يحاول فرض أسلوب قائم على إظهار القوة وترك الجانب الآخر في حالة ارتباك دون معرفة كيفية الرد.

من جهة أخرى، نشر السفير الإيراني السابق في الرياض محمد حسيني مقالًا في صحيفة "شرق" الإصلاحية، حذر فيه من احتمالية حدوث هجوم عسكري وشيك من الولايات المتحدة وإسرائيل على إيران، مشيرًا إلى عدة مؤشرات على ذلك، بما في ذلك تقارير تشير إلى تسريع إيران لعملية تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تُعتبر قريبة من إنتاج سلاح نووي، وتراجع عمقها الاستراتيجي في المنطقة، واستخدام روسيا لإيران كورقة مساومة في مفاوضاتها حول أوكرانيا.

في الوقت ذاته، أشار المحلل الإيراني علي حسين قاضي زاده، المقيم في لندن، إلى أن ترامب يدرك أن الإيرانيين لن يقبلوا بالتفاوض تحت الضغوط، لكنه يسعى فقط إلى إظهار إيران كطرف رافض للحوار.

وفي مقابلات محلية، صرّح الدبلوماسي السابق فريدون مجلسي بأن رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي يبدي قلقًا من احتمال تحويل برنامج إيران النووي إلى أغراض عسكرية، كما أشار إلى مخاوف غربية من انتشار الأسلحة النووية في المنطقة مع رغبة دول مثل الإمارات والسعودية وتركيا في تطوير برامجها النووية.

أما رئيس لجنة العلاقات الخارجية السابق في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، فقد وصف تهديدات ترامب بأنها مجرد "مناورات فارغة"، معتبرًا أن الوقت الحالي ليس مناسبًا لإيران للتفاوض معه.

في الوقت نفسه، أعرب المعلق السياسي في التلفزيون الإيراني حسن هاني زاده عن اعتقاده بأن تصريحات ترامب حول "الحرب أو المفاوضات" هي مجرد تهديدات غير جدية، بينما يرى الدبلوماسي الإيراني السابق في لندن، جلال ساداتيان، أن ترامب قد يخفف موقفه تجاه البرنامج النووي الإيراني، لكنه من غير المرجح أن يغير نهجه العام في التعامل مع طهران.

يبدو أن المنطقة تتجه نحو مرحلة جديدة من التصعيد الدبلوماسي وربما العسكري، في ظل غموض وتوتر متزايدين بين إيران والولايات المتحدة.

 

 

مقالات مشابهة

  • التوازنات العسكرية والإستراتيجية تستعرض عضلاتها في المياة الإيرانية... رسائل مناورات إيران وروسيا والصين..
  • إيران تستضيف مناورات "حزام الأمن 2025" البحرية المشتركة مع روسيا والصين
  • تصاعد التوترات بين إيران والولايات المتحدة.. رسائل متبادلة ومخاوف من مواجهة عسكرية محتملة.. ومحللون: تهديدات ترامب "مناورات" غير جدية
  • ترامب يقلل من أهمية المناورات العسكرية بين إيران وروسيا والصين
  • ترامب يعلق على مناورات "خليج عمان" بين إيران وروسيا والصين
  • إيران تجري مناورات عسكرية بحرية بمشاركة روسيا والصين
  • مناورات بحرية بين إيران وروسيا والصين
  • ضمن الحزام الأمني.. مناورات بحرية مشتركة بين إيران وروسيا والصين
  • مناورات بحرية مشتركة بين إيران وروسيا والصين تبدأ غدا الاثنين