معضلة العراق المستعصية .. وعود لم تر النور والإرادة السياسية العائق الأكبر
تاريخ النشر: 11th, March 2025 GMT
بغداد اليوم - بغداد
يواجه العراق معضلة فساد مستعصية منذ عام 2003، حيث تحولت المحاولات الرسمية لمكافحته إلى صراع معقد تحكمه الإرادات السياسية والمصالح المتشابكة.
ومع اقتراب الأشهر الأخيرة من عمر حكومة محمد شياع السوداني، يبرز التساؤل حول مدى قدرتها على فتح ملفات الفساد الكبرى، أم أن الإرادة السياسية ستبقى العائق الأكبر أمام أي تحرك جاد في هذا الاتجاه؟
عقدان من الفساد.
منذ أكثر من 20 عاما يشهد العراق موجات متلاحقة من الفساد الذي تجذر في مفاصل الدولة، بدءًا من العقود الوهمية ومرورًا بتهريب النفط، وانتهاءً بسيطرة شبكات نفوذ على المناصب الإدارية العليا. ورغم وعود الحكومات المتعاقبة بمكافحة الفساد، إلا أن غياب المحاسبة جعل من العراق واحدًا من أكثر الدول تأثرًا بهذه الظاهرة وفق تقارير دولية.
يؤكد عضو لجنة النزاهة البرلمانية، باسم خشان لـ"بغداد اليوم"، أن مكافحة الفساد تتطلب إرادة سياسية حقيقية، مشيرًا إلى أن "الحكومة الحالية نتاج للطبقة السياسية ذاتها التي تحكم البلاد منذ سنوات، وبالتالي فإن فتح ملفات الفساد الكبرى لا يعتمد فقط على رئيس الوزراء، بل على توافق سياسي واسع".
ويضيف خشان أن غياب هذه الإرادة يجعل من غير المتوقع أن تشهد الفترة المتبقية من عمر الحكومة أي تحرك حقيقي ضد القيادات السياسية المتورطة في الفساد، مما يرسّخ الاعتقاد السائد بأن الملفات الكبرى ستبقى مغلقة إلى أجل غير مسمى.
الدعم الدولي لمكافحة الفساد.. واشنطن في المعادلة
في ظل تعقيدات المشهد الداخلي، يطرح البعض إمكانية الاستفادة من الولايات المتحدة لتعقب أموال الفساد المهربة إلى الخارج. المختص في الشأن المالي، ناصر الكناني، يرى في حديث سابق لـ"بغداد اليوم"، أن "أمريكا قادرة على تتبع أي دولار يخرج من العراق، مما قد يساعد في كشف قنوات تهريب الأموال". لكنه يشدد في الوقت ذاته على أن "القرار النهائي للقضاء على الفساد يبقى بيد القوى السياسية العراقية، والتي تكتفي برفع الشعارات دون إجراءات حقيقية".
هيمنة القوى المتنفذة و"حماية الفساد"
تكشف شهادات مسؤولين سابقين أن قضايا الفساد الكبرى غالبًا ما ترتبط بجهات سياسية رفيعة المستوى، ما يجعل محاسبة الفاسدين أمرًا شديد التعقيد. أحد أعضاء لجنة مراجعة السجلات الحكومية، تحدث لشبكة "ذا إنترناشيونال" بشرط عدم الكشف عن هويته، قائلاً: "أي تحقيق جاد في ملفات الفساد يقود في النهاية إلى شخصيات سياسية نافذة، فلا توجد سرقة كبيرة لم تحظَ بموافقة أو شراكة من جهات متنفذة".
ويرى المصدر أن المشكلة تتعمق مع الدرجات الخاصة، وهي المناصب العليا التي يعينها مجلس الوزراء، حيث يستحيل إزاحتهم دون موافقة مباشرة منه، ما يجعلهم محصنين حتى من قرارات الوزراء المعنيين. هذه البنية الإدارية تمنح الفاسدين حماية شبه مطلقة، خصوصًا إذا كانوا مدعومين من أحزاب نافذة.
استقرار محفوف بمخاطر سياسية
ويرى مراقبون، إن تورّط شخصيات سياسية كبيرة وأحزاب نافذة في عمليات الفساد في العراق، وتأسيس مافيات منظمّة تعمل بكل أريحية؛ حيناً بتجاهل أجهزة الدولة عنها، وأخرى بحماية أسلحة خارجة عن القانون، كما أن ارتباط عمليات الفساد في العراق بشبهات تنسيقٍ محكمٍ مع دول إقليمية، يجعل من أمر اجتثاثها أمراً ليس بالهين، إنْ لم يكن بالمستحيل في ظل طبيعة التركيبة القانونية والتنفيذية والتشريعية القائمة في العراق.
ويبقى الفساد في العراق ملفًا شائكًا يتطلب قرارات جريئة وإرادة سياسية غير مشروطة. وبينما تستمر التصريحات حول ضرورة الإصلاح، فإن غياب الإجراءات الملموسة يجعل مكافحة الفساد أقرب إلى شعار انتخابي منه إلى استراتيجية حقيقية. ومع اقتراب انتهاء ولاية الحكومة الحالية، يبدو أن الملفات الكبرى ستظل مغلقة، ما لم يحدث تحول جذري في معادلة الحكم والقرار السياسي في العراق.
وبين المطالب الشعبية بمكافحة الفساد، وغياب الإرادة السياسية، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن تحقيق توازن بين الحفاظ على الاستقرار السياسي ومحاربة الفساد؟ يرى مراقبون أن أي حملة حقيقية ضد الفساد ستؤدي إلى صدامات مباشرة بين الحكومة والقوى المتنفذة، وهو ما يجعلها معركة محفوفة بالمخاطر السياسية.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: بغداد الیوم فی العراق
إقرأ أيضاً:
سقوط الشقيقين حسون.. كيف تحولت الكويت إلى ملاذ آمن للفاسدين؟
11 مارس، 2025
بغداد/المسلة: كشفت النائبة عالية نصيف عن هوية الشقيقين عبد الأمير حسون علي طه ومحمد حسون علي طه، المتهمين بالاستيلاء على 124 مليون دولار من المال العام ضمن ما عُرف بقضية “سرقة القرن” التي هزت العراق، وذلك بعد استردادهما من الكويت في تطور لافت على صعيد مكافحة الفساد.
الشقيقان، اللذان كانا يعملان ضمن شركة “الفوارس للتجارة والمقاولات”، استغلا نفوذهما وعلاقاتهما لتسهيل الاستيلاء على الأموال العامة بآليات معقدة.
السلطات الكويتية لم تكتفِ بتسليم الشقيقين للعراق، بل أقدمت على إسقاط الجنسية الكويتية عنهما، في خطوة تعكس تشديد الإجراءات ضد المتورطين في قضايا الفساد العابرة للحدود. ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها إشارة قوية على تصاعد التعاون الدولي في مكافحة تهريب الأموال، خاصة بعد أن أصبحت الكويت محطة يلجأ إليها عدد من الفارين من العدالة في العراق.
ورغم أن استعادة الشقيقين تُعد إنجازًا للحكومة العراقية، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في استرجاع المبالغ المسروقة وتتبع مساراتها المالية، إذ تشير تقارير إلى أن قسماً من هذه الأموال قد تم تحويله إلى حسابات خارجية أو استثمارها في أصول يصعب تتبعها. كما أن القضية تُسلط الضوء على أهمية ملاحقة جميع المتورطين، بمن فيهم الشخصيات النافذة التي لا تزال طليقة.
بحسب بيانات هيئة النزاهة العراقية، فإن مجموع الأموال المستردة في قضايا الفساد الكبرى لا يتجاوز 5% من الأموال المنهوبة، ما يعكس حجم الفجوة بين استرداد المتهمين وبين إعادة الأموال المسروقة إلى خزينة الدولة.
ويشير مراقبون إلى أن مكافحة الفساد تحتاج إلى إجراءات أكثر صرامة، تشمل فرض عقوبات أشد على الفاسدين وعدم الاكتفاء بالملاحقات القضائية التقليدية.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts