مفتي الجمهورية: الزعم بأن الإنسان مجبر على المعصية باطل لهذه الأسباب
تاريخ النشر: 11th, March 2025 GMT
أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن البلاء سنة إلهية، وهو في حقيقته اختبار وتمحيص وتهذيب، وليس عذابًا في كل حال.
واستشهد بقوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ • الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ • أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (سورة البقرة، الآيات 155–157).
جاء ذلك خلال حديثه الرمضاني اليومي، حيث أشار أن من الأسئلة التي كثيرًا ما تتردد في أذهان الناس: لماذا خلق الله تعالى البلاء؟ ولماذا يكون العذاب أبديًّا رغم أن الجُرم محدود في الزمن؟
وأوضح المفتي أن الابتلاءات تختلف وتتنوّع، وقد يظنها الإنسان ظلمًا أو شرًّا، لكنها في ميزان الله عدلٌ وخيرٌ مطلق، وإن خفي وجهه علينا. وضرب مثالًا بما دار بين موسى عليه السلام والخضر، حيث بدا في الظاهر أن أفعال الخضر غير مبررة، ثم انكشف في النهاية وجه الحكمة الإلهية.
وأضاف أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نبّه إلى أن الابتلاء علامة على القرب من الله، فقال: "أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه"، وفي الحديث الآخر: "إذا أحبّ الله قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط."
كما تطرّق إلى السؤال عن أبدية العذاب رغم أن الذنب مؤقت، فأوضح أن العقوبة لا تُقاس بزمن الفعل، بل بخطورته وآثاره، تمامًا كما أن بعض الجرائم في الدنيا قد تقع في لحظة واحدة، ويُحكم على صاحبها بالسجن فترة طويلة.
وأكد أن من كفر بالله أو جحد رسله باختياره، فإن إرادته في الكفر دائمة، ولو عاد إلى الدنيا لعاد إلى ما نُهي عنه، كما قال تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ۚ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (سورة الأنعام، الآية 28)، لافتًا إلى أن هذا الكفر ليس اضطرارًا، بل اختيار مستمرّ، يستحق صاحبه عذابًا دائمًا، وذلك من تمام عدل الله تعالى، إذ الجزاء من جنس العمل، كما قال تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (سورة الرحمن، الآية 60)، وقوله تعالى: {مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} (سورة فصلت، الآية 46).
الإجبار على المعصيةوبيّن المفتي، ردًّا على من يزعم أنه مجبر على المعصية، أن هذا زعم باطل لا دليل عليه، لأن الله أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وبيّن الطريق، وأعطى الإنسان العقل والحرية في الاختيار، كما قال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (سورة النساء، الآية 165)
وفي ختام حديثه، أكد مفتي الجمهورية أن: البلاء قد يكون نعمة، والعذاب الأخروي هو عدل إلهي، لا ظلم فيه، قائم على علم الله بما تُخفيه القلوب وتُثبته الأفعال.
ودعا إلى أن نرضى بقدر الله، ونسلّم لحكمته، فهو اللطيف الخبير، الذي لا يظلم أحدًا، ولا يُحاسب إلا بعد البيان والتمكين.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الإفتاء المعصية العذاب مفتي الجمهورية الابتلاءات المزيد مفتی الجمهوریة
إقرأ أيضاً:
بعض الأباء يمارسونه.. مفتي الجمهورية: العقوق لا يقتصر على الأبناء فقط
أكَّد الدكتور نظير عياد مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم أن العلاقة بين الوالدين وأبنائهم يجب أن تُبنى على الاحترام المتبادل والشعور بالمسؤولية والوفاء بالحقوق والواجبات، محذرًا من خطورة العقوق الذي يُعد من كبائر الذنوب، ويؤدي إلى تفكُّك الأُسر وانعدام المودة داخل المجتمع.
وأوضح، خلال حديثه الرمضاني اليومي مع الإعلامي حمدي رزق ببرنامج "اسأل المفتي" الذي يذاع على فضائية صدى البلد، أن الحديث عن عقوق الأبناء للآباء لا يجب أن يُغفل في المقابل العقوق الذي قد يمارسه بعض الآباء تجاه أبنائهم، مشيرًا إلى أنَّ هناك بعض الممارسات التي تؤدي إلى ظلم الأبناء، مثل: التمييز بينهم دون مبرر، أو حرمانهم من حقوقهم المشروعة كالميراث، أو الإهمال في تربيتهم وتوجيههم.
وأشار إلى أن العادات والتقاليد الخاطئة لعبت دورًا خطيرًا في تفكيك الروابط الأسرية، إذ قد تؤدي إلى حرمان البنت من الميراث أو التفضيل بين الأبناء دون سبب شرعي؛ مما يولِّد الغلظة والقسوة في النفوس، ويخلق بيئة غير مستقرة داخل الأسرة.
واستشهد بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين رفض الشهادة على تفضيل أحد الآباء لابن من أبنائه دون وجه حق، قائلًا: "اذهب فأشهد على هذا غيري، فإني لا أشهد على جور"، وهو دليل واضح على رفض الشريعة للظلم والتمييز غير المبرر داخل الأسرة.
وتطرَّق المفتي إلى تأثير الثقافات الدخيلة والاتجاهات الفكرية الحديثة التي لا تتناسب مع القيم الإسلامية، مشيرًا إلى أن بعض الأبناء يتأثرون بأفكار تتعارض مع تعاليم الدين الحنيف؛ مما يدفعهم إلى التمرد على الأصول الشرعية وقطع صلة الرحم.
وأكَّد أن الإسلام لا يبرر بأي حال من الأحوال القطيعة بين الأبناء وآبائهم، مستشهدًا بقول الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}، موضحًا أن البر بالوالدين لا يسقط حتى وإن كان الأبوان مقصرين في بعض الأحيان.
وأشار المفتي إلى أن شعور الأبناء بعدم الاهتمام أو الإهمال العاطفي من قِبل والديهم قد يكون أحد أسباب العقوق، خاصة في ظل الظروف الاجتماعية التي قد تدفع بعض الآباء إلى التخلي عن دورهم التربوي، مثل الزواج بامرأة أخرى وإهمال الأبناء من الزوجة الأولى؛ مما يؤدي إلى شعور هؤلاء الأبناء بالحرمان العاطفي والنفسي.
وضرب مثالًا بما حدث في زمن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما جاءه رجل يشكو عقوق ابنه، لكن الابن كشف أن والده هو من قصر في حقه منذ صغره ولم يحسن تربيته ولم يختر له اسمًا حسنًا، فقال له عمر: "جئت تشكو إليَّ عقوق ابنك، وأنت الذي عققته أولًا!"، في إشارة واضحة إلى أن مسؤولية الوالدين لا تقتصر على الإنجاب فقط، بل تشمل التربية والتوجيه السليم بل وحتى اختيار الاسم الحسن.
وتحدَّث المفتي عن ظاهرة التقليد الأعمى وتأثيرها السلبي على الأبناء، موضحًا أنَّ الكثير من الشباب والفتيات ينقادون وراء الموضة والثقافات الدخيلة دون تفكير؛ مِمَّا قد يؤدي إلى تصادم بين الأجيال داخل الأسرة، مشددًا على ضرورة التمييز بين التقليد الإيجابي الذي يؤدي إلى التطور، والتقليد السلبي الذي يهدم القيم والأخلاق.
وشدَّد المفتي على أن برَّ الوالدين ليس مجرد عرف اجتماعي، بل هو عبادة وطاعة لله، مشيرًا إلى قول الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، وأن إحسان الوالدين يمتد أثره إلى الحياة الدنيا والآخرة، حيث يترتب عليه البركة في الرزق والعمر والتوفيق في الحياة، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من سرَّه أن يُمدَّ له في عمره، ويُزاد له في رزقه، فليَصِلْ رحمه».
ودعا مفتي الجمهورية الآباء والأبناء إلى الحفاظ على صلة الرحم، والالتزام بالقيم الإسلامية السمحة التي تدعو إلى الرحمة والمودة والعدل داخل الأسرة، محذرًا من خطورة التفكك الأسري وآثاره السلبية على المجتمع.
وأجاب الدكتور نظير عياد، عن مجموعة من الأسئلة التي وردت من المشاهدين حول قضايا فقهية متنوعة، حيث أكد أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أمر مباح وجائز شرعًا، موضحًا أن الاستعانة بالنبي عليه الصلاة والسلام أو بأي مقام أو عمل صالح للوصول إلى رضوان الله تعالى أمر لا حرج فيه.
وأضاف أن من دلائل المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم استحضاره في الأقوال والأفعال والتوجُّه إلى الله به، مستشهدًا بقول الله تعالى الذي قرن فيه اسمه باسم النبي صلى الله عليه وسلم، مشيرًا إلى أن هناك بعض الاتجاهات التي تشددت في هذا الأمر خوفًا من الوقوع في الشرك، إلا أن الأمر على خلاف ذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى عصم هذه الأمة من الشرك.
وفيما يتعلق بالتوسل بالأولياء والصالحين، أوضح فضيلة المفتي أن الأصل فيه الجواز، ما دام القلب ينظر إليهم نظرة محبة وتوقير، ويرى أنهم سبيل يوصل إلى مرضاة الله دون أن يملكوا نفعًا أو ضرًّا بذواتهم، مشيرًا إلى أن محاولة حمل الناس على رأي بعينه في هذه المسألة فيه نوع من التشدد، حيث إن القاعدة الفقهية تقول: "لا يُنكر المختلف فيه، وإنما يُنكر المتفق عليه"، وبالتالي فإن لكل شخص الحق في الأخذ بأيٍّ من الآراء الفقهية التي يراها مناسبة، ما دام التوسل يتم في إطار المشروع الذي شرعه الله تعالى.
وحول سؤال عن الفدية في رمضان، أوضح المفتي أن من تلزمه النفقة هو المسؤول عن إخراج الفدية لمن يعولهم، مثل الأب تجاه أبنائه وزوجته، أما من يملك ذمَّة مالية مستقلة، فعليه إخراج الفدية بنفسه، مؤكدًا أن الفدية تختلف عن الكفارة في الأحكام الفقهية.
وبشأن فلسفة الميراث في الإسلام، فقد أكَّد المفتي أن توزيع الميراث في الشريعة الإسلامية يقوم على العدالة المطلقة، مشيرًا إلى أن الإسلام لم يميز الرجل على المرأة بشكل مطلق، حيث توجد حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل، وأخرى ترث فيها أكثر منه، وأحيانًا ترث المرأة ولا يرث الرجل.
وأوضح أن الحالات التي يرث فيها الرجل أكثر من المرأة محدودة، وهي في إطار فلسفة توزيع الميراث وفقًا للاعتبارات العمرية والاجتماعية، حيث إن الرجل مطالب بالإنفاق على الأسرة والمهر وتجهيز البيت، بينما المرأة غير مطالبة بذلك؛ مما يحقق التوازن في الحقوق والواجبات.
وبشأن هبة ثواب قراءة القرآن الكريم للأحياء، أوضح المفتي أن الأَولى أن يقرأ الإنسان القرآن لنفسه، غير أن بعض العلماء أجازوا إهداء الثواب للآخرين، خاصة في حال الوفاة، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من استطاع أن ينفع أخاه بعمل خير فليفعل». وأكد فضيلته أن قراءة القرآن الكريم ينبغي أن تكون عادة مستمرة لحفظ مكانته في القلب والبيت والعمل.
وأكد المفتي أهمية الالتزام بآداب قراءة القرآن الكريم وحفظ مكانته في حياة المسلمين، مشيرًا إلى أنه سيتناول المزيد من هذه القضايا في الحلقات المقبلة، داعيًا الله تعالى أن يتقبل من الجميع صالح الأعمال.