بغداد اليوم -  بغداد

يواجه العراق معضلة فساد مستعصية منذ عام 2003، حيث تحولت المحاولات الرسمية لمكافحته إلى صراع معقد تحكمه الإرادات السياسية والمصالح المتشابكة.

ومع اقتراب الأشهر الأخيرة من عمر حكومة محمد شياع السوداني، يبرز التساؤل حول مدى قدرتها على فتح ملفات الفساد الكبرى، أم أن الإرادة السياسية ستبقى العائق الأكبر أمام أي تحرك جاد في هذا الاتجاه؟


عقدان من الفساد.

. الضغوط السياسية وحدود التحرك الحكومي

منذ أكثر من 20 عاما يشهد العراق موجات متلاحقة من الفساد الذي تجذر في مفاصل الدولة، بدءًا من العقود الوهمية ومرورًا بتهريب النفط، وانتهاءً بسيطرة شبكات نفوذ على المناصب الإدارية العليا. ورغم وعود الحكومات المتعاقبة بمكافحة الفساد، إلا أن غياب المحاسبة جعل من العراق واحدًا من أكثر الدول تأثرًا بهذه الظاهرة وفق تقارير دولية.

يؤكد عضو لجنة النزاهة البرلمانية، باسم خشان لـ"بغداد اليوم"، أن مكافحة الفساد تتطلب إرادة سياسية حقيقية، مشيرًا إلى أن "الحكومة الحالية نتاج للطبقة السياسية ذاتها التي تحكم البلاد منذ سنوات، وبالتالي فإن فتح ملفات الفساد الكبرى لا يعتمد فقط على رئيس الوزراء، بل على توافق سياسي واسع".

ويضيف خشان أن غياب هذه الإرادة يجعل من غير المتوقع أن تشهد الفترة المتبقية من عمر الحكومة أي تحرك حقيقي ضد القيادات السياسية المتورطة في الفساد، مما يرسّخ الاعتقاد السائد بأن الملفات الكبرى ستبقى مغلقة إلى أجل غير مسمى.


الدعم الدولي لمكافحة الفساد.. واشنطن في المعادلة

في ظل تعقيدات المشهد الداخلي، يطرح البعض إمكانية الاستفادة من الولايات المتحدة لتعقب أموال الفساد المهربة إلى الخارج. المختص في الشأن المالي، ناصر الكناني، يرى في حديث سابق لـ"بغداد اليوم"، أن "أمريكا قادرة على تتبع أي دولار يخرج من العراق، مما قد يساعد في كشف قنوات تهريب الأموال". لكنه يشدد في الوقت ذاته على أن "القرار النهائي للقضاء على الفساد يبقى بيد القوى السياسية العراقية، والتي تكتفي برفع الشعارات دون إجراءات حقيقية".


هيمنة القوى المتنفذة و"حماية الفساد"

تكشف شهادات مسؤولين سابقين أن قضايا الفساد الكبرى غالبًا ما ترتبط بجهات سياسية رفيعة المستوى، ما يجعل محاسبة الفاسدين أمرًا شديد التعقيد. أحد أعضاء لجنة مراجعة السجلات الحكومية، تحدث لشبكة "ذا إنترناشيونال" بشرط عدم الكشف عن هويته، قائلاً: "أي تحقيق جاد في ملفات الفساد يقود في النهاية إلى شخصيات سياسية نافذة، فلا توجد سرقة كبيرة لم تحظَ بموافقة أو شراكة من جهات متنفذة".

ويرى المصدر أن المشكلة تتعمق مع الدرجات الخاصة، وهي المناصب العليا التي يعينها مجلس الوزراء، حيث يستحيل إزاحتهم دون موافقة مباشرة منه، ما يجعلهم محصنين حتى من قرارات الوزراء المعنيين. هذه البنية الإدارية تمنح الفاسدين حماية شبه مطلقة، خصوصًا إذا كانوا مدعومين من أحزاب نافذة.


استقرار محفوف بمخاطر سياسية

ويرى مراقبون، إن تورّط شخصيات سياسية كبيرة وأحزاب نافذة في عمليات الفساد في العراق، وتأسيس مافيات منظمّة تعمل بكل أريحية؛ حيناً بتجاهل أجهزة الدولة عنها، وأخرى بحماية أسلحة خارجة عن القانون، كما أن ارتباط عمليات الفساد في العراق بشبهات تنسيقٍ محكمٍ مع دول إقليمية، يجعل من أمر اجتثاثها أمراً ليس بالهين، إنْ لم يكن بالمستحيل في ظل طبيعة التركيبة القانونية والتنفيذية والتشريعية القائمة في العراق. 

ويبقى الفساد في العراق ملفًا شائكًا يتطلب قرارات جريئة وإرادة سياسية غير مشروطة. وبينما تستمر التصريحات حول ضرورة الإصلاح، فإن غياب الإجراءات الملموسة يجعل مكافحة الفساد أقرب إلى شعار انتخابي منه إلى استراتيجية حقيقية. ومع اقتراب انتهاء ولاية الحكومة الحالية، يبدو أن الملفات الكبرى ستظل مغلقة، ما لم يحدث تحول جذري في معادلة الحكم والقرار السياسي في العراق.

وبين المطالب الشعبية بمكافحة الفساد، وغياب الإرادة السياسية، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن تحقيق توازن بين الحفاظ على الاستقرار السياسي ومحاربة الفساد؟ يرى مراقبون أن أي حملة حقيقية ضد الفساد ستؤدي إلى صدامات مباشرة بين الحكومة والقوى المتنفذة، وهو ما يجعلها معركة محفوفة بالمخاطر السياسية.


المصدر: بغداد اليوم+ وكالات

المصدر: وكالة بغداد اليوم

كلمات دلالية: بغداد الیوم فی العراق

إقرأ أيضاً:

العقوبات الأمريكية على الفصائل العراقية .. المواطن في مأمن- عاجل

بغداد اليوم ـ بغداد

كشف المحلل السياسي، رعد المسعودي، اليوم الاثنين (10 آذار 2025)، عن تأثير العقوبات الأمريكية المفروضة على الفصائل في العراق، وهل سيمتد بشكل مباشر على الشعب.

وقال المسعودي، في حديث لـ"بغداد اليوم"، إن "العقوبات تستهدف قيادات وفصائل محددة، وهذه الفصائل ليست كبيرة من حيث بنيتها الاقتصادية أو تغلغلها في النظام المالي العراقي، وبالتالي فإن هذه العقوبات لا تشكل أي تأثير مباشر أو ثقل على المواطن، لأنها كانت موجهة ضد أسماء ومسارات محددة، ولم تشمل البنية الاقتصادية والمالية للدولة العراقية بشكل عام".

وأضاف أن "العقوبات المؤثرة فعليا على المواطن تتعلق بملفات عدة، أبرزها ملف الدولار وإمكانية تقليل تدفقه من الخزانة الأمريكية إلى بغداد، بالإضافة إلى ملفات أخرى تخص التسهيلات التي تقدمها الإدارة الأمريكية في مجالات متعددة".

وأكد أن "ما قد يضر المواطن بشكل مباشر هو حدوث صراع مفتوح بين الفصائل وواشنطن، إلا أن هناك حراكًا غير معلن بدأ قبل أربعة أشهر أسهم في التوصل إلى ما يشبه الهدنة، التي أوقفت عمليات استهداف الفصائل لأهداف أمريكية داخل العراق أو خارجه".

وأشار المسعودي إلى أن "العقوبات الأمريكية مفروضة أساسا على العديد من الفصائل المسلحة العراقية، وقد اتخذتها واشنطن خلال السنوات الماضية لأسباب متعددة، خصوصًا بعد حادثة ضرب المطار عام 2020".

ولفت المسعودي إلى أن "واشنطن، رغم ضغوطها الاقتصادية على العراق بهدف قطع سبل التعاون مع طهران، إلا أنها لا يمكنها الوصول إلى نقطة اللاعودة، وتسعى إلى خلق توازن بين مصالحها في العراق ومصالحها على مستوى الشرق الأوسط".

وأضاف أن "أوراق الضغط الأمريكية تهدف إلى دفع طهران للاتفاق على مسارات تتعلق ببرنامجها النووي وتدخلاتها في المنطقة، لكن بشكل عام، لا يبدو أن واشنطن تسعى إلى فرض ضغوط قد تؤدي إلى ارتدادات قاسية على الأسواق، لأن ذلك قد يشعل أزمة تمس مصالحها المباشرة، خصوصًا في قطاع الطاقة وغيره".


مقالات مشابهة

  • الملف الأسود.. إيرادات موازية للنفط تضيع خارج خزينة الدولة: 3 حلول مطروحة (تفاصيل) - عاجل
  • معضلة العراق المستعصية .. وعود لم تر النور والإرادة السياسية العائق الأكبر
  • عاجل - العراق بين واشنطن وطهران المتصارعتين.. وسيط مع وقف التنفيذ
  • العراق بين واشنطن وطهران المتصارعتين.. وسيط مع وقف التنفيذ - عاجل
  • العراق بين القوتين المتصارعتين.. وسيط مع وقف التنفيذ- عاجل
  • الحكومة العراقية تعزز خطط تأمين الكهرباء الصيف المقبل
  • العقوبات الأمريكية على الفصائل العراقية .. المواطن في مأمن- عاجل
  • بين الاستقرار الأمني والتحديات الاقتصادية.. عام أخير في مسيرة حكومة السوداني- عاجل
  • العملة الرقمية في العراق: أزمة الثقة.. العائق الأكبر