#خواطر_رمضانية
د.#هاشم_غرايبه
بعد قرن من خداع الأمة بوهم تحقيق التقدم والرخاء، كشف المتصهينون العرب اللثام عن وجوههم الكالحة، فالمهمة التي طالبهم أسيادهم المستعمرون بأدائها وهي اجتثاث الروح الجهادية في الأمة مستحيلة، ومن الصعب التمويه عليها .
ولما كان الشرع الذي يدّعون أنهم يطبقونه يدينهم ويثبت مخالفتهم لمنهج الله، ولأن القرآن الكريم غير متاح تحريفه، لذلك يلجؤون الى استئجار ضمائر بعض شيوخ الضلال من مفتي السلاطين، لأجل اقتطاع بعض النصوص من سياقها، لتغطية أفعالهم بغطاء شرعي، ولتنفيذ مآربهم، لتبرير معصية ولاة الأمور لأوامر الله الواردة في كتابه.
سأورد مثالين مشهورين كثر الإستشهاد بهما من قبل أبواق أنظمة الإستسلام ومروجي العملية السلمية، أولهما قوله تعالى:” وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ”، وتفسيره: لا يكونن ما تفعلوه بإرادتكم سببا لهلاككم، لكنهم كانوا يستعملونه لتبرير عدم مقاتلة العدو بسبب تفوقه العسكري، باعتبار ذلك إلقاء بالنفس الى التهلكة وكأن شرط دخول المعركة تأمين التفوق العسكري مسبقا.
ذلك هو من باب لي أعناق الآيات لتخدم غرضا غير الذي أنزلت فيه، ولو كان التفوق شرطا لدخول المسلمين المعركة، ما حارب المسلمون قط، فقد ظلت موازين القوة الميدانية في غير صالحهم على الدوام، وخاض جيشهم الذي يبلغ ثلاثة آلاف مقاتل معركة مؤتة ضد جيش الروم وهي القوة العظمى آنذاك وكان عديد قواتها مائتي ألف، أي سبعين ضعف قوة المسلمين، غير هيابين من التهلكة التي كانت بحسب المعايير البشرية مؤكدة، لكن كان أملهم بالنصر بناء على القانون الإلهي، والذي انتصروا بموجبه في كل مرة أتموا معاييره، وهي: قوله تعالى “كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ” [البقرة:249] و “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ ينصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” [محمد:7].
أما النص الكامل للآية الكريمة التي يستشهدون بها لتبرير تخاذلهم واستسلامهم للعدو فهي: “وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين” [البقرة:195]، واتفق المفسرون على أنها نزلت في قوم من الأنصار قالوا إن الله قد أغنى إخواننا المهاجرين، فلم تعد من حاجة للإنفاق عليهم، فلنهتم بشأننا ويكفي ما أنفقناه عليهم، ولو فعلوا ذلك لضعفت قوة المسلمين وتغلب عليهم المشركون، ووقع خطر هلاك المهاجرين والأنصار.
إذاً فهي جاءت في سياق الحث على الإنفاق في سبيل الله، لأنه ينجي الإنسان من سوء العاقبة، ويؤكد ذلك ما سبق النص المذكور وما تلاه، فقد سبقتها الآية التي تدعو المسلمين الى الرد على العدوان بالمثل وعدم الإستكانة وبغض النظر عن تكافؤ القوى “فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ” [البقرة:194].
المثال الثاني قوله تعالى: “وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا”، والتي اعتبروها مجيزة لتوقيع معاهدات السلام الدائم مع العدو الصهيوني، التي تقر له استيلاءه على فلسطين، وتلغي حق استعادة ما احتله.
لكن معنى الآية مختلف، إذ يفيد بجواز المهادنة والتوقف عن القتال إن تحقق الهدف وهو صد المعتدي، بدليل الآية التي سبقتها: “وأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ..” [الأنفال:60]، لأن الإسلام شرع الجهاد (بنوعيه: الدفع والطلب) كعقيدة دفاعية (ترهبون به)، وليس بهدف الغزو واحتلال ديار الآخرين، أي أن الجنوح الى السلم ليس (خيارا استراتيجيا)، بل بعد انتهاء الغرض من القتال وتحقق انكفاء العدو، لكنها لا تلغي الإستعداد والإعداد وابقاء خيار اللجوء الى القوة قائما، وليس خيار الاستسلام بالتطبيع وتوسل رحمة العدو.
وتؤكد هذه الآية للمسلمين المبدأ الأساسي في التجهز والإعداد والإنفاق في سبيل ذلك، وعدم القلق من المبالغ الباهظة التي يتطلبها الحشد والتجهز، لأن مردود ذلك سينعكس عليهم عزة وكرامة وامتلاك لمقدراتهم، لأنها كانت ستذهب من أيديهم، وما نراه حاضرا يثبت ذلك، فكل أموال النفط الهائلة تذهب للغرب المتسلط، بفعل خنوع العرب لهم وانصياعهم لأوامرهم، ولن يتركوهم إلا وخزائنهم خاوية.
وعليه فإلقاء الأمة في التهلكة، وبأجلى صوره يتمثل بهذا التخاذل عن بناء القوة الرادعة للعدو المعتدي، وقبض اليد عن الانفاق على المجاهدين، مقابل اطلاقها في التعالي في البنيان ومظاهر البذخ الفارغة، مع تقبل الرضوخ والاستكانة لغطرسة أعداء الأمة.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: خواطر رمضانية هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
أمسية رمضانية في إب تأكيداً على الجهوزية لمواجهة العدو الصهيوني
الثورة نت/..
اكد المشاركون في الأمسية الرمضانية الرابعة بمحافظة إب، على الجهوزية لمواجهة العدو وإسناد سكان قطاع غزة الذين يتعرضون لأبشع الجرائم والمجازر والحصار الجائر منذ 15 شهرا .
وأدان المشاركون في الأمسية، برئاسة محافظ إب عبدالواحد صلاح، الجرائم التي ترتكبها الجماعات التكفيرية بحق المدنيين العزل في سوريا .
وناقشت الأمسية، بحضور أعضاء مجلس النواب، أمين مخارش وعبده الشاوش ونبيل الحبيشي وأكرم الصيادي، ومساعد قائد المنطقة العسكرية الرابعة اللواء حمود شتان، ووكلاء المحافظة، سبل تعزيز أداء المكاتب الحكومية وخطة عملها خلال الفترة المتبقية من الشهر الفضيل.
وتطرقت الأمسية، التي ضمت أعضاء المجلس المحلي والمكتب التنفيذي بالمحافظة والمشايخ والشخصيات الاجتماعية، إلى التحديات التي تواجه المحافظة في قطاعات الأشغال والطرق والنظافة والمياه والكهرباء، وسبل تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين.
ونوه المحافظ صلاح بموقف قائد الثورة ، الشجاع والحكيم في إسناد ونصرة ابناء غزة ، مؤكدًا جهوزية أبناء المحافظة لأي تطورات أو تبعات لهذا الموقف المشرف.
وأشاد بالدور البطولي للقوات المسلحة ومستوى التطور في قطاع التصنيع الحربي ، مشيرا إلى أهمية إحياء برامج شهر رمضان وتعزيز الارتباط بالهوية الايمانية .
وتطرق إلى الإنجازات التنموية التي تحققت للمحافظة في مجالات الطرق والمياه والزراعة والصحة والتعليم والنظافة، إلى جانب حل قيادة المحافظة العديد من القضايا الاجتماعية .
وأكد المحافظ صلاح ضرورة مواصلة التعبئة العامة ، منوها بالجهود المبذولة في إقامة الدورات التأهيلية العسكرية والثقافية ضمن حملة “طوفان الأقصى”.
ووجه المكاتب التنفيذية بتسهيل معاملات المواطنين، وتخصيص يوم الاثنين من كل أسبوع للالتقاء بهم والاستماع إلى شكاواهم.
وأكد أن أبناء محافظة إب على قلب رجل واحد، مما جعلها نموذجًا يحتذى به في تقديم الخدمات والتعاون مع الأجهزة الأمنية.
ودعا صلاح جميع مكونات المجتمع إلى دفع أبنائهم للالتحاق بالمدارس الصيفية التي تستهدف تنشئتهم على الثقافة القرآنية، كما دعا التجار إلى إخراج زكاتهم خلال الشهر الكريم.
تخللت الأمسية عدد من الكلمات التي ركزت على ترسيخ الهوية الإيمانية وتعزيز قيم البذل والتكافل الاجتماعي خلال الشهر الكريم، معتبرة شهر رمضان محطة إيمانية للتزود بالعبادات ومراجعة النفس.