عربي21:
2025-04-16@03:11:28 GMT

هل من خيارات كفاحية فلسطينية أخرى؟!

تاريخ النشر: 11th, March 2025 GMT

سبقت مناقشة الاستنتاج الذي يقول إنّ عملية "طوفان الأقصى" بوصفها ذروة الفعل العسكري الفلسطيني منذ فجر الكفاح الفلسطيني إلى اليوم أثبتت انهيار الخيار العسكري الفلسطيني/ العربي في مواجهة "إسرائيل"، والخلاصة في هذه المناقشة أنّ هذا الاستنتاج أقرب إلى أن يكون موقفا مسبقا يحاول إثبات نفسه بالنظر من زوايا محددة تناسبه، متقاصرا عن نظرة أوسع وأكثر شمولا، وذلك لأنّ لهذه العملية جانبي نظر، الأوّل؛ ما فيها من نجاح فلسطيني في حدودها الزمانية والمكانية بما يؤكّد إمكان تحقيق الإنجاز العسكري على "إسرائيل"، والثاني تداعياتها المباشرة على الفلسطينيين بحرب الإبادة الجماعية التي دمّرت قطاع غزّة، كما يمكن للمقتصرين على هذا الجانب من النظر مساءلة حركة حماس وأنصار الكفاح المسلح عن الاختراق النضالي والسياسي الذي أمّله قادة العملية كما يمكن فهمه من خطاب قائد كتاب القسام في حينه محمد الضيف.



الجمع بين مجالي النظر ليس مستحيلا، بل هو الواجب للخلوص باستنتاجات صحيحة، وأمّا الاكتفاء بأحدهما فلا يزيد على كونه محاولة واضحة لتأكيد موقف مسبق، بيد أنّه، ومهما كانت هذه المواقف المسبقة، فما يمكن الخروج به من هذه العملية وتداعياتها، لا يختلف عمّا أمكن الخروج به من طول المسار الفلسطيني، فمهما كانت الخيارات الكفاحية للفلسطينيين فإنّ ما يعيق أيّا من هذه الخيارات، ويحول دون تطوير النضال الفلسطيني، هو سبب موضوعي واحد، لا يعني التركيز عليه إغفال الاعتبارات الذاتية سواء من حيث الخصوصيات التي تميز الحالة الفلسطينية عن التجارب الكفاحية العالمية التي أنجزت أهدافها التحررية، أو من حيث المسلكية السياسية والنضالية للقوى الفلسطينية الفاعلة.

مهما كانت الخيارات الكفاحية للفلسطينيين فإنّ ما يعيق أيّا من هذه الخيارات، ويحول دون تطوير النضال الفلسطيني، هو سبب موضوعي واحد، لا يعني التركيز عليه إغفال الاعتبارات الذاتية سواء من حيث الخصوصيات التي تميز الحالة الفلسطينية عن التجارب الكفاحية العالمية التي أنجزت أهدافها التحررية، أو من حيث المسلكية السياسية والنضالية للقوى الفلسطينية الفاعلة
هنا يمكن مناقشة مسألتين، الأولى أنّ جميع الخيارات الكفاحية للفلسطينيين لم تنجز أهدافها، وليس الكفاح المسلح وحده، فمشروع التسوية عمره الأدنى 32 عاما منذ توقيع اتفاقية أوسلو، وعمره الفعلي 51 عاما إذا عُدّ خطاب رئيس منظمة التحرير الراحل ياسر عرفات في الأمم المتحدة عام 1974 بدايته الحقيقية، والمعبّرة عما حظي به هذا المشروع من عناصر دفع ذاتية وموضوعية، ملخصة في جملة عرفات الشهيرة: "لقد جئتكم بغصن الزيتون في يدي، وببندقية الثائر في يدي، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي"، فقد كان مشروع التسوية مصحوبا بكفاح مسلح كلفته محتمله، وتاليا بانتفاضة شعبية واسعة، وبالرغم من أنّ هذا المسار حمل "إسرائيل" على الجلوس على طاولة واحدة مع منظمة التحرير، بما انتهى إلى صيغة السلطة الفلسطينية، فإنّ نتائجه السياسية كانت كارثية، وأتت على الضدّ من إنجازات الكفاح المسلح الصرفة.

لقد تمكن الكفاح المسلح من حشد طاقات الشعب الفلسطيني، وساهم في بلورة الهوية الوطنية الفلسطينية، ومثّل إطارا لتشكّل الفعل السياسي الفلسطيني، وفرض القضية الفلسطينية موضوعا ملحّا على الأجندة السياسية الإقليمية والدولية، وهو وحده ما حال دون طمس هذه القضية. في المقابل فإنّ مشروع التسوية فتّت ما أنجزه الكفاح المسلح، وحوّل الفلسطينيين إلى مجتمعات جغرافية بظروف متباينة بمصالح سياسية خاصة محكومة بإطارها الجغرافي الاستعماري، فأخرج الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 من المشروع الوطني الجامع، وأنهى فاعلية اللاجئين الفلسطينيين خارج فلسطين والذين كانوا عنوان هذه الكفاح لحقبة طويلة من الزمن، وأسس للانقسام الفلسطيني، علاوة على ما آلت إليه منظمة التحرير والفصيل القائد فيها، دون أن يكون لذلك أيّ مكسب سياسيّ للفلسطينيين يمكن الاعتداد به لتشييد خيار كفاحيّ عليه، فالتوحش الإسرائيلي الاستيطاني والأمني والعسكري في الضفة الغربية، يُفقد أيّ معنى لأيّ كيانية سياسية فلسطينية تأسست في إطار تعاقديّ مع الاحتلال.

فَشِلَ مسار التسوية أولا لأنّ الطبيعة الاستعمارية الخاصة لـ"إسرائيل" لا تحتمل الشراكة الكيانية على أرض فلسطين، فمجرد وجود دولة فلسطينية، ولو كانت محدودة ومنزوعة السلاح؛ هو نفي للكيانية الإسرائيلية بحسب الوعي الإسرائيلي، وثانيا لأنّ موازين القوى الإقليمية والدولية خادمة لـ"إسرائيل" بنحو كامل، وهذه هي المعضلة الجوهرية التي واجهت كفاح الفلسطينيين طوال تاريخهم، وهي المعضلة التي كانت تحول دائما دون قدرة الفلسطينيين على استثمار كفاحهم لأجل تحقيق إنجاز سياسيّ مباشر، بما في ذلك سلسلة الحروب والمواجهات التي حصلت في قطاع غزّة منذ نهاية الانتفاضة الفلسطينية الثانية وإلى "طوفان الأقصى".

أيّ خيار فلسطيني، لا يمكن له أن يفرض نفسه، دون أن يتوفّر على القدرة التي من شأنها تأطير الفلسطينيين وتنظيم كفاحهم وحشد طاقاتهم، فمهما كان الخيار الفلسطيني، حتى لو لم ينحشر في ثنائية الكفاح المسلح والتسوية، ومهما كانت أهدافه النهائية؛ التحرير الشامل أم حلّ الدولتين أم تفكيك الكيان الصهيوني، فإنّه لا يمكن أن يملك الفاعلية بلا أدوات نضالية واضحة ومؤثّرة
لم يكن لمسار التسوية أن ينجز أيّ شيء بلا دعم مبدئي وجذري، من دول ترى أمنها القومي في مرآة القضية الفلسطينية من حيث خطر المشروع الاستعماري الصهيوني عليها، وتجد أسبابا أخرى لدعم الفلسطينيين، تماما كما أنّ لداعمي "إسرائيل" الغربيين أسبابهم الثقافية علاوة على مصالحهم الاستراتيجية. لا يمكن للضحية المستكينة التي تتوسل عطايا العدوّ، الذي بتكوينه البنيوي غير قابل للعطاء أصلا، أن تتوقع دعما من أحد، أيّ أحد، فيكون من أهداف النضال تسييس المجتمعات التي تقترب ثقافيّا من الشعب الفلسطيني، والتأثير بهذا النضال على تفاعلات المنطقة، وقطع النضال الطريق على محاولة تصفية حقوق الفلسطينيين وطمسها، وهي أهداف لم تتحقق يوما إلا بالكفاح المسلح، وهذه واحدة من الأسباب التي تخلق تناقضا بين النضال الفلسطيني والمصالح الضيقة للنخب العربية الحاكمة قصيرة النظر.

إنّ أيّ خيار فلسطيني، لا يمكن له أن يفرض نفسه، دون أن يتوفّر على القدرة التي من شأنها تأطير الفلسطينيين وتنظيم كفاحهم وحشد طاقاتهم، فمهما كان الخيار الفلسطيني، حتى لو لم ينحشر في ثنائية الكفاح المسلح والتسوية، ومهما كانت أهدافه النهائية؛ التحرير الشامل أم حلّ الدولتين أم تفكيك الكيان الصهيوني، فإنّه لا يمكن أن يملك الفاعلية بلا أدوات نضالية واضحة ومؤثّرة، وهذه هي المسألة الثانية، وهي البحث في الأوضاع المادية التي يمكن منها استخلاص التنظير المناسب للخيارات الكفاحية للفلسطينيين، وإلا لتحوّل الكلام إلى محض تنظير ثقافي منفصل تماما عن الواقع.

يقول بعض نابذي خيار الكفاح المسلح، إنّ عدم التحاق مجتمعات الفلسطينيين في الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948 بعملية "طوفان الأقصى" دليل على وعيهم الفطري بمخاطر هذا الخيار، لكنهم أولا لا يقيمون أيّ تحليل للبنى السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية المؤطرة للوجود الاجتماعي وممكناته في هذه المناطق. إنّ هذه البنى هي نفسها التي تحول دون أيّ خيار آخر، بما في ذلك النضال الشعبي الجماهيري المدني الواسع والمؤثّر والعميق، ومن ثمّ، وهذا ثانيا، يمكن أن تُعكس مقولتهم عليهم وهي: هل يمكن القول إنّ امتناع هذه المجتمعات عن الانتظام في فعل نضاليّ شعبيّ واسع دليل على وعيها الرافض لهذا العمل؟! الإجابة هي لا، تماما كما هي لا فيما يخصّ خيار الكفاح المسلح.

إنّ الخيارات النضالية الأخرى أصعب من خيار الكفاح المسلح، من الناحية الإجرائية، فحشد مجاميع الشعب في فعل نضالي مدني مستمر وطويل وعميق ومؤثّر يحتاج موارد تعبوية وقدرات تنظيمية أضخم بكثير مما يحتاجه الكفاح المسلح، علاوة على شرط الظروف الموضوعية الخادمة وأهمها الشرط السياسي الذاتي، ومن ثمّ، ومهما كانت الآراء بخصوص الخيارات النضالية، فإنّها تحتاج تنظيرا أكثر وعيا بعموم الموقف، وأكثر إدراكا للمؤثرات المادية في الواقع الفلسطيني.

x.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني الكفاح المسلح النضالي الاحتلال احتلال فلسطين مقاومة الكفاح المسلح النضال مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة اقتصاد سياسة صحافة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکفاح المسلح ومهما کانت لا یمکن من حیث

إقرأ أيضاً:

د. علي جمعة: برنامجي الرمضاني لا يغير ثوابت الدين.. وهذا موقفي من الجهاد المسلح ضد إسرائيل (حوار)

حوار - محمود مصطفى أبوطالب:
تصوير: أحمد مسعد

ردّ الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق، عضو هيئة كبار العلماء، على زعم البعض من أن برنامجه الرمضاني "نور الدين والدنيا" يغير ثوابت الدين، مؤكدا أن البرنامج إحدى الأدوات العملية لتجديد الخطاب الديني.

وقال علي جمعة في حوار لمصراوي، إن ما جرى في السابع من أكتوبر هو حدث سياسي وإنساني كبير، له أبعاده الواقعية، وتداعياته الجيوسياسية، ويجب التعامل معه أولًا من هذا المنظور، كصرخة مقاومة في وجه الاحتلال والظلم، أما تحويله إلى علامة غيبية كبرى، فذلك أمر يحتاج إلى نصّ صريح أو اجتهادٍ مضبوطٍ بأدوات العلماء الراسخين، وإلى نص الحوار:

من أين جاءت فكرة البرنامجين الرمضانيين "نور الدين والدنيا"؟

جاءت فكرة برنامج "نور الدين" ومن بعده "نور الدين والدنيا" استجابةً للحاجة الملحّة إلى تجديد الخطاب الديني والتواصل الفعّال مع فئة الشباب، خاصةً في ظل التحديات الفكرية والتكنولوجية السريعة التي يواجهونها. في الموسم الأول، ركّز برنامج "نور الدين" على فتح حوار مباشر مع الأطفال والكبار، للإجابة على تساؤلاتهم الشائكة وتصحيح المفاهيم المغلوطة، بهدف تأسيس ثقافة الحوار والنقاش مع النشء والشباب، ومعالجة الفجوات التي قد يستغلها الفكر المتطرف للتغلغل بينهم.

أما في الموسم الثاني، فقد تم تطوير البرنامج ليصبح "نور الدين والدنيا"، مع التركيز بشكل خاص على فئة الشباب في المرحلة الإعدادية والثانوية، أي من عمر 12 إلى 18 عامًا، ويأتي هذا التوجه نظرًا لأهمية هذه المرحلة في تكوين الوعي الفكري والديني، ولما يواجهه الشباب فيها من تحديات فكرية وتكنولوجية متسارعة. يسعى البرنامج إلى تقديم خطاب ديني متجدد يراعي الواقع المتغير، ويوازن بين النصوص المقدسة والمستجدات العصرية، دون التفريط في الهوية الإسلامية أو المقاصد الشرعية

بالإضافة إلى ذلك، يهدف "نور الدين والدنيا" إلى سد الفجوة بين الأجيال الناتجة عن التطورات السريعة في مجالات الاتصالات والتكنولوجيا، من خلال تقديم محتوى ديني يربط الشباب بقيمهم الدينية والأخلاقية، بعيدًا عن أساليب التخويف والترهيب، مع التركيز على تعزيز مفهوم الحب في العلاقة بين العبد وربه، كما يتناول البرنامج قضايا متعددة، منها الفهم العميق للواقع، والمسائل العقائدية، ومقتضيات الحياة المعاصرة، مع التأكيد على أهمية الاستماع إلى أفكار الشباب وفتح المجال أمامهم للحوار، بدلاً من الاكتفاء بأسلوب التلقين.

⁠كيف تمت عملية اختيار الشباب والأطفال الذين شاركوا في البرنامج؟

في الموسم الأول من برنامج "نور الدين"، سعى الفريق إلى إشراك الأطفال في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، تحديدًا من الصف الرابع الابتدائي حتى الثاني الإعدادي. لتحقيق ذلك، قام فريق البرنامج بزيارات ميدانية إلى المدارس الابتدائية والإعدادية، حيث تم شرح فكرة البرنامج للطلاب وتوضيح أنه مخصص لهم للتعبير عن أنفسهم بحرية، دون خطوط حمراء أو وصاية، و تم اختيار الطلاب بناءً على استعدادهم للمشاركة والتفاعل، مع التأكيد على أهمية استماع آرائهم والإجابة على تساؤلاتهم.

أما في الموسم الثاني، "نور الدين والدنيا"، فقد تم التركيز على فئة الشباب في المرحلتين الإعدادية والثانوية، من عمر 12 إلى 18 عامًا، جاء هذا التوجه نظرًا لأهمية هذه المرحلة العمرية في تكوين الوعي الفكري والديني، ولمواجهة التحديات الفكرية والتكنولوجية السريعة التي يتعرض لها الشباب، وتم اختيار المشاركين بعناية لضمان تقديم محتوى يتناسب مع احتياجاتهم وتساؤلاتهم، مع الحرص على تقديم خطاب ديني متجدد يراعي الواقع المتغير ويوازن بين النصوص المقدسة والمستجدات العصرية، دون التفريط في الهوية الإسلامية أو المقاصد الشرعية.

⁠كيف تم اختيار الموضوعات التي تتم مناقشتها داخل البرنامج، ولماذا هذه الموضوعات بعينها؟

تم اختيار موضوعات برنامجي "نور الدين" و"نور الدين والدنيا" بناءً على رؤية علمية تربوية، استهدفت مخاطبة الواقع الفكري والنفسي للشباب من عمر 12 إلى 18 عامًا. وقد جاءت هذه الموضوعات نتيجة الإنصات المباشر لتساؤلاتهم اليومية، وتحليل التحديات التي يواجهونها في ظل الطفرات التكنولوجية وتعدد مصادر التأثير الفكري.

حرص البرنامج على مناقشة قضايا تمس وجدان الشباب، مثل علاقتهم بالله، وفهمهم للعقيدة، وتفسيرهم للوساوس والذنوب، وموقفهم من الخطاب الديني المتشدد، وجاء اختيار هذه الموضوعات تحديدًا لأنها تعبّر عن فجوة حقيقية بين النصوص الدينية والواقع المعاصر، وهو ما سعى البرنامج إلى ردمه بخطاب قائم على الرحمة، والفهم المقاصدي، والحوار البنّاء لا التلقين، والهدف من ذلك كله هو تقديم نموذج ديني يُعيد الثقة للنشء، ويؤصل لمعاني الحب الإلهي، ويفتح الباب أمام جيل جديد يملك أدوات الفهم ويتصل بالدين صلة رحيمة عاقلة، تعينه على بناء شخصيته ومجتمعه.

⁠هل هناك موضوعات كنت تود مناقشتها، ولم يحدث ذلك لضيق الوقت؟

في الحقيقة، بحمد الله وتوفيقه، تمكّنا في "نور الدين والدنيا" من تناول جلّ الموضوعات الجوهرية التي كنّا نرغب في طرحها، خاصة تلك التي تمس عقل وقلب الشباب، كالوساوس، وفهم الدين، والتعامل مع التقدم العلمي، ومواجهة التطرف، وأثر الحب الإلهي في تزكية النفس.

لكن بطبيعة الحال، اتساع المجال وتنوّع الأسئلة التي يطرحها الشباب يجعل بعض الجوانب بحاجة إلى مزيد من التوسّع والتفصيل، لا سيّما في قضايا مثل تكوين الهوية في العصر الرقمي، وتوازن المسلم بين الفردية والجماعة، وموقع الفنون والثقافة في الرؤية الإسلامية. هذه موضوعات حضرنا لمداخلها، وأشرنا إلى أطرافها، ونرجو أن يُتاح الوقت لاحقًا للتوسع فيها بما يليق بعمقها وأثرها في تشكيل وعي الجيل الجديد

إيه الموضوعات اللي المجتمع والشباب المصري في حاجة إلى الاستماع إليها والنقاش حولها؟

المجتمع المصري، لا سيّما شبابه، في حاجة ماسّة إلى فتح نقاشات صريحة وعميقة حول موضوعات تمسّ جوهر الإنسان في هذا العصر المتداخل، ومن أبرزها:

العلاقة بالله سبحانه وتعالى، وكيف تُبنى على المحبة لا على الخوف وحده، وعلى الرجاء لا على الرعب، الشباب بحاجة إلى أن يسمعوا أن الله رحيم كريم، وأن الدين جاء رحمةً لا عذابًا، وفقه الواقع، بمعنى كيف نعيش الدين في الحياة، لا في الكتب فقط، كيف نتعامل مع التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والسوشيال ميديا، والفن، والإبداع، دون أن نفقد هويتنا أو نخسر ديننا.

وأسئلة العقيدة التي ترد على الذهن دون خوف أو وصاية، كقضايا القدر، ووجود الشر، والحياة بعد الموت، والروح، وكيف نتعامل معها بعقل منفتح على النصوص، دون أن نُرهب السائل أو نُقصيه، والأمل والتخطيط للمستقبل، لأن هناك موجات من الإحباط والقلق باتت تملأ صدور الشباب، ويجب أن يوقنوا أن الإسلام يدعو للعمل، والنجاح، والبناء، وأن التفوق في الدنيا لا يتناقض مع الإيمان، بل هو من مقتضياته.

مفهوم النجاح الحقيقي، والقدوة، والهوية، وسط عالم يُصدّر لهم نماذج باهتة، نحن نحتاج أن نُعيد تقديم قدواتنا من الصحابة والعلماء والمصلحين بلغة هذا العصر، دون أن ننزع عنهم قدسيتهم ولا نحبسهم في التاريخ.

وأخيرًا: ثقافة الحوار وتقبّل الآخر، فإنها من ركائز الدين، وقد كانت حاضرة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم. الشباب بحاجة لأن يتعلموا كيف يختلفون بلا عداوة، ويتكلمون بلا تعصب، ويسمعون بلا أحكام مسبقة، وكل هذه الموضوعات ليست ترفًا، بل ضرورة، لأنها تُعيد بناء الوعي وتُقوّم العقل وتُسند القلب.

⁠هل برنامج "نور الدين والدنيا" وما يناقشه من موضوعات أحد أدوات تجديد الخطاب الديني؟

نعم، برنامج "نور الدين والدنيا" يُعد بالفعل إحدى الأدوات العملية لتجديد الخطاب الديني، ولكن ليس على طريقة التفكيك أو التجريب، بل على طريقة الفهم والتأصيل والتفعيل. نحن لا نغيّر في ثوابت الدين، بل نُجدد في كيفية عرضها، في ترتيب أولوياتها، وفي لغتها، لتخاطب الناس في زمانهم وواقعهم.

البرنامج يُجسّد هذا التجديد من خلال عدّة مسارات:

أولها: استحضار مقاصد الشريعة وربطها بحياة الناس اليومية، لا سيّما الشباب، وتقديم الدين كرافدٍ للسكينة والعقلانية والرحمة، لا كعبء نفسي أو خطاب ترهيبي.

ثانيها: فتح باب الحوار الحقيقي مع الجيل الجديد، والإصغاء لتساؤلاتهم دون خوف أو إنكار أو مصادرة، بل بالإقناع والرحمة والعلم.

ثالثها: توظيف أدوات العصر الحديث من إعلام، وتكنولوجيا، وشكل بصري، ولغة خطاب، لتقديم المعاني العميقة بلباس مألوف يفهمه الشباب ويأنس به.

رابعها: تفكيك التشدد والتطرف، وبيان أن الوسطية ليست ضعفًا، بل هي جوهر الشريعة، وأن الرحمة أصل، وأن الفهم السديد للنصوص يقطع دابر الغلوّ.

إذن، "نور الدين والدنيا" ليس مجرد برنامج إعلامي، بل هو نموذج حيّ لتجديد الخطاب الديني من داخل المنهج، لا من خارجه؛ نُحافظ فيه على النص، ونفهمه في ضوء الواقع، دون أن نفرّط في الدين، أو نتهرّب من العصر.

كيف تلقيت التعليقات على الحلقات؟

بحمد الله وتوفيقه، جاءت التعليقات على برنامج "نور الدين والدنيا" طيبة في جملتها، تبعث على السرور، وتدل على أن الرسالة قد بدأت تجد طريقها إلى القلوب والعقول. أكثر ما أسعدني هو أن كثيرًا من الآباء والأمهات قالوا إن أبناءهم صاروا يستمعون للدين وهم مبتسمون، مطمئنون، مرتاحو القلب، وأنهم لأول مرة يشعرون أن الخطاب موجه إليهم، بلغتهم، وبأسئلتهم هم، لا بأسئلة لا تخصّهم.

تلقّيت رسائل من شباب وفتيات قالوا إنهم وجدوا أنفسهم في الحلقات، وإنهم لمسوا صدقًا وواقعية، لا وعظًا منفصلًا عن حياتهم، وكان هذا هو المقصود من البرنامج منذ اللحظة الأولى: أن نُعيد بناء جسر الثقة بين الجيل الجديد والدين، وأن نُثبت لهم أن الإسلام ليس غريبًا عن زمانهم، بل هو الأصل الذي يعينهم على فهمه وتجاوزه.

كما سرّني أن فئة من المعلمين والمربين قد أشادوا بالبرنامج، وقالوا إن فيه أدوات تربوية، وأنه يصلح ليكون مادة للنقاش داخل الصفوف التعليمية، وهذا شيء نفخر به، لأن الدين لا ينبغي أن يُحبس في المنابر فقط، بل أن يُزرع في البيوت، وفي المدارس، وفي العقول.

كانت هذه الردود بالنسبة لي بمثابة بُشرى أن التجديد إذا انطلق من العلم والرحمة والفهم، فإنه يصل.

من خلال النقاش الذي دار.. كيف ترى الطريقة التي يفكر بها الأجيال المقبلة؟

ما خرجتُ من هذا البرنامج في موسميه، إلا وأنا أكثر يقينًا بأن الأجيال المقبلة تمتلك عقلًا حاضرًا، وذهنًا متقدًا، وقلبًا حيًّا، لكنها بحاجة إلى من يُحسن الخطاب إليها، ويثق في قدرتها على الفهم، ويُعاملها بندّية الاحترام لا منبرية الإملاء، رأيت فيهم رغبةً صادقة في فهم الدين، لا في رفضه، وتوقًا للحديث عن الله، لا للابتعاد عنه، لكنهم يريدون أن يكون الخطاب صادقًا، مُتصالحًا مع الواقع، لا منفصلًا عنه، وأن يُعرَض الدين بروحه الرحيمة لا بصورته المشوهة التي قدّمتها بعض التيارات المتشددة.

جيل اليوم يفكر بطريقة مختلفة عن الأجيال السابقة؛ فهو سريع، رقمي، بصري، لا يقنع بالمسلمات دون حوار، ولا يرتاح للتلقين من غير فهم، هو جيل يسأل كثيرًا، ويناقش كثيرًا، ويبحث بنفسه عن المعلومة، ويُحاور النص بذكاء، وإذا لم يجد عندك إجابة مقنعة، بحث عنها في مكان آخر.

والجميل فيه أنه إذا لمس الصدق، والإخلاص، والانفتاح، فإنه يُقبل، ويُحب، ويستجيب، وهذا ما لمسته بنفسي في مداخلاتهم، وتعليقاتهم، وطريقتهم في التفكير.

إنهم جيل الأمل، لا جيل الأزمة، بشرط أن نحسن التواصل معهم، وأن نقدم لهم الدين كما هو: نورًا ورحمة، عقلًا ومحبة، عبادة وعمارة، وإن لم نفعل، فسنتركهم فريسة لتطرف أو تفلّت، وكلاهما خطر على الفرد والمجتمع.

ما الذي تحتاجه الأجيال المقبلة؟

الأجيال المقبلة لا تحتاج إلى كثير من الكلام، بل إلى كثير من الفهم. إنها بحاجة إلى من يُحسن الإنصات لها قبل أن يُلقي عليها المواعظ، وإلى من يعاملها بالعقل والمحبة، لا بالوصاية والتخويف، هي أجيال نشأت في عصر متسارع، مفتوح، تتداخل فيه الثقافات، وتنهال فيه المعلومات من كل حدب وصوب، ولا يمكن مخاطبتها بأساليب عفا عليها الزمن، أو بمفاهيم لا تراعي مقتضى الحال.

ما تحتاجه هذه الأجيال في جوهره هو أربعة أمور:

ثقة حقيقية بها: أن نُؤمن بقدرتها على التفكير، والبحث، والتمييز بين الحق والباطل، بدلًا من معاملتها على أنها قاصرة لا تُحسن الفهم.

خطاب ديني عقلاني رحيم: يُقدَّم فيه الدين على أنه نورٌ للعقل، وراحةٌ للقلب، وسندٌ في الحياة، لا سيفٌ مسلّط على الرقاب، ولا عبء ثقيل على النفوس.

قدوة حقيقية تُجسّد القيم: لأن الشباب يتعلّمون بالعيون أكثر من الآذان، ويريدون أن يروا فينا ما نقوله لهم لا أن نسمعهم ما لا نطبقه.

مساحة حرة للحوار: حيث يُسمَح لهم بالسؤال، والتفكير، والاختلاف، من دون أن تُهدد هويتهم أو يُطعن في إيمانهم، فالدين لا يخشى السؤال، بل يحتضنه ويهديه.

باختصار، الأجيال المقبلة تحتاج إلى من يمشي معها لا أمامها، ويهديها بنور الرحمة لا بنار التخويف، ويأخذ بيدها إلى الله، لا يدفعها بعيدًا عنه.

ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي حملات للهجوم على البرنامج.. من وجهة نظرك ما سببها و من يقف ورائها؟

هذه الحملات وإن كانت مؤسفة إلا أنها ليست مفاجئة، بل هي متوقعة حينما يتحرك الخطاب الديني في اتجاه التجديد الحقيقي المبني على الفهم والرحمة والعقل. فعادةً، كل تجديدٍ يُربك أهل الجمود، ويُقلق من يتربّح من الخطابات المتشددة أو المنغلقة، ومن يقف وراء هذه الحملات – في الغالب – هم تيارات لم تتصالح بعد مع فكرة التطور، ولا تقبل أن يكون الدين في قلب العصر، ولا أن يُقدَّم للناس بلغة قريبة من قلوبهم وعقولهم. هؤلاء لا يطيقون أن تُفتح أبواب الحوار، ولا أن تُسقط الحواجز النفسية بين الشاب ودينه، لأن وجود هذه الحواجز يخدم رؤيتهم الضيقة.

البعض كذلك قد يهاجم بدافع سوء الفهم أو الاجتزاء، فيأخذون مقطعًا دون سياقه، أو عبارة دون مقصدها، ويبنون عليها حكمًا ظالمًا، وهذا نتيجة غياب الأمانة العلمية، أو غلبة التسرّع في الأحكام.

ومع ذلك، فنحن لا نلتفت إلى المهاترات، بل نلتفت إلى ما ينفع الناس ويمكث في الأرض. فالبرنامج ليس مشروعًا شخصيًّا، بل هو محاولة مخلصة لردّ الناس إلى ربهم، وإلى جوهر هذا الدين العظيم الذي يبدأ بـ "بسم الله الرحمن الرحيم"، ويقوم على الرحمة لا الغلظة، وعلى البيان لا الإكراه، وإذا كانت هذه الحملات تدل على شيء، فهي تدل على أن ما نقدّمه قد بدأ يُحرك المياه الراكدة، وأننا نسير على طريق صحيح، نسأل الله أن يكون خالصًا لوجهه الكريم.

بعيدًا عن البرنامج، ⁠كيف قرأت أحداث السابع من أكتوبر؟

أحداث السابع من أكتوبر لا تُقرأ بمعزل عن سياقها، ولا يمكن أن نُجتزئها من تاريخٍ طويل من الظلم والقهر والتعدي على الحق والكرامة، ما وقع في هذا اليوم من تحرك، هو في حقيقته صرخة في وجه الصمت الدولي، وتنبيهٌ صارخ بأن الاستهانة بحقوق الشعوب لا تصنع سلامًا، بل تُراكم الغضب، وتُمهّد لانفجاراتٍ لا تُحمد عقباها.

لقد ظلّ أهلنا في فلسطين – وعلى رأسهم أهل غزة – يُحاصرون ويُظلمون ويُقتلون لعقود، دون أن تُنصَف قضيتهم، أو تُعاد إليهم حقوقهم المسلوبة. وما رأيناه في السابع من أكتوبر لم يكن إلا نتيجة طبيعية لذلك الإصرار على تجاهل صوت المظلوم، وانحياز العالم لانتهاك الحق.

لكن من المهم أن نُدرك أن المواقف لا تُبنى على العواطف المجردة، بل على ميزان العدل والحق، والدين في جوهره مع المظلوم ضد الظالم، مع الإنسان ضد الجبروت، مع السلام الحق لا سلام الخضوع، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ننصر الحق حيث كان، وأن نقول كلمة العدل في وجه القوة الجائرة، لا أن نخضع لها أو نُزيّن أفعالها.

كما أنني أهيب بكل من يتناول هذه الأحداث أن يكون على قدر المسؤولية: أن يتحرى الحقيقة، وأن يُفرّق بين مقاومة مشروعة في وجه احتلال، وبين التعدي على الآمنين بغير وجه حق، فميزان الإسلام دقيق، لا يغفل عن دم، ولا عن ظلم، ولا عن صرخة.

وماذا بعد؟
الضمير الإنساني لا بد أن يصحو، وأن يتوقف العالم عن معايشة المذابح كأنها أمر معتاد. وأن تُعاد صياغة مفاهيم العدل والحرية والكرامة وفق ميزان واحد، لا كيلٍ بمكيالين.

⁠البعض يقول إنها بداية النهاية لإسرائيل.. ومن ثم تحقق إحدى علامات الساعة الكبرى؟

الحديث عن علامات الساعة ليس موضعًا للاجتهادات العاطفية أو التفسيرات اللحظية، بل هو باب دقيق من أبواب العلم، لا يُخاض فيه إلا بضبطٍ وفهمٍ لما ثبت في الكتاب والسنة. نعم، ورد في الأحاديث الصحيحة ذكر معارك فاصلة تكون في آخر الزمان بين المسلمين واليهود، لكن الربط المباشر بين كل واقعة سياسية معاصرة وعلامات الساعة هو ضرب من التسرّع في الفهم، وقد يؤدي إلى تشويشٍ في العقيدة أو انزلاقٍ في التأويل.

ما جرى في السابع من أكتوبر هو حدث سياسي وإنساني كبير، له أبعاده الواقعية، وتداعياته الجيوسياسية، ويجب التعامل معه أولًا من هذا المنظور، كصرخة مقاومة في وجه الاحتلال والظلم، أما تحويله إلى علامة غيبية كبرى، فذلك أمر يحتاج إلى نصّ صريح أو اجتهادٍ مضبوطٍ بأدوات العلماء الراسخين.

واعتاد بعض الناس، كلما حدث أمر جلل، أن يربطوه بعلامات الساعة، وهذا مدخل خطير، لأن علامات الساعة منها ما هو صريح معلوم كخروج الدجال، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام، ومنها ما هو مجمل أو غير محدد بزمن، ولا يجوز أن نُحمّل النصوص ما لا تحتمل، ولا أن نُفسّر السياسة بالغيبيات، فهذا يُضعف من قوة الموقف، ويُدخل الناس في دوامة من الانتظار السلبي، ونحن مأمورون بالعمل، لا بالانتظار، وبالنهوض لا بالتخمين، وبإقامة العدل لا التعلق بالأمنيات، فإن تحققت في الأحداث آيات، فهي علامات على سنن الله في الظالمين والمظلومين، لا بالضرورة علامات الساعة الكبرى.

وفي كل الأحوال، فإن زوال الظلم سنة من سنن الله في خلقه، وإن طال أمده، ودوام الاحتلال وهم، والحق لا يضيع إذا استند إلى مقاومة واعية، ورؤية ثابتة، لا إلى تعويل على الغيب دون عمل.

⁠ما يسمى اتحاد علماء المسلمين دعا إلى الجهاد المسلح.. ما رأي فضيلتكم؟

لابد أولًا أن نُقرّر أصلًا مهمًّا: أن الجهاد في الإسلام عبادة من أعظم العبادات، ومن أشرف المقاصد، لكن ككل عبادة،له ضوابط وشروط، وله سياق فقهي وسياسي لا يجوز القفز عليه. أما إطلاق الدعوات العاطفية إلى "الجهاد المسلح" في هذا العصر دون فقه الواقع، ولا اعتبار للمآلات، ولا التفريق بين حال القوة وحال الضعف، فهذا لون من ألوان الفوضى الخطابية التي أضرت بالأمة أكثر مما نفعتها.

ثم إن ما يُسمى بـ "اتحاد علماء المسلمين" قد تورط مرارًا في تسييس الدين، واستخدام لغة دينية لتأجيج مشاعر الغضب والانقسام، دون أن يقدم مشروعًا حقيقيًا لبناء الوعي أو إصلاح الواقع، بل كثير من فتاويه كانت سببًا في خراب دول، وتشريد شعوب، وسفك دماء بريئة، ولا تزال المنطقة تُعاني من آثارها إلى اليوم.

والدعوة إلى "الجهاد" بهذا الإطلاق – خاصة إن خرجت من كيانات لها ارتباطات سياسية مشبوهة – تُفقد المفهوم الشرعي جلاله، وتُحوله من عبادة إلى شعار، ومن فقه إلى إثارة، ومن ميدان مسؤول إلى فوضى تقضي على البنية الأخلاقية للأمة.

نحن لا نُنكر حق الشعوب في المقاومة المشروعة ضد المحتل الغاصب، فهذا حق قرره الشرع، واتفقت عليه المواثيق الدولية، لكننا نُفرق تمامًا بين المقاومة الراشدة المنضبطة، وبين تسليح الفوضى، وتسيير الجماهير دون وعي، تحت دعوى "الجهاد" التي باتت في أفواه البعض وسيلة لتبرير كل عنف، ولو طعن في خاصرة الأمة.

المطلوب اليوم ليس الخطاب الانفعالي، بل الخطاب العاقل المسؤول، الذي يُوجّه طاقات الأمة إلى البناء، ويُبقي المقاومة في موضعها الشرعي، ولا يختطفها لمشاريع حزبية أو أجندات سياسية لا تعبّر عن روح الإسلام، ولا عن مصلحة المسلمين.

ما الرسالة التي تريد أن توجهها.. لكل من "الشغل - القيادة السياسية - الأمة العربية؟

أولًا، للشعب المصري الكريم:

أقول لهم: اثبتوا، فإنكم على الحق، واصبروا، فإن الصبر مفتاح التمكين، واعلموا أن الله لا يُضيّع أجر من أحسن عملًا. تمسكوا بدينكم برحمة لا بغلظة، وبعقل لا بعاطفة مجردة، وبحبّ لا بخوف دائم. عودوا إلى القرآن بقلب محب، وإلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم بروح طالب النجاة، واعلموا أن الأخلاق هي الدين إذا نزل إلى الواقع، وأن الصدق في العمل، والإتقان في الحرفة، والرحمة في التعامل، من أعظم القربات.

ثانيًا، للقيادة السياسية:

نقول لهم: أنتم موضع عظيم من المسؤولية، وما من أحد وُلّي أمرًا من أمور الأمة إلا سُئل عنه بين يدي الله. سِيروا في الناس بالعدل والرحمة، واستوصوا بالشباب خيرًا، وادعموا التعليم الحقيقي، والتعليم الديني المتوازن، وكونوا عونًا لأهل الفقه والبيان في مواجهة الفكر المنحرف، فالمعركة اليوم ليست في السلاح وحده، بل في بناء الإنسان الذي يُفرّق بين الحق والباطل، ويعلم أين يضع قدمه، وكيف ينهض بوطنه.

ثالثًا، للأمة العربية والإسلامية كلها:
إننا نعيش مرحلة فارقة، تتكالب فيها القوى، وتتقاطع المصالح، وتُطمس فيها في الحقوق. وقد آن الأوان أن نعود إلى الجوامع لا إلى الفُرقة، إلى وحدة الكلمة لا إلى تمزيق الصفوف. أمتنا بحاجة إلى تجديد عقلها، وإحياء روحها، لا بصراعات داخلية، بل بتعزيز العلم، وتقوية العدالة، والرجوع إلى الدين في صورته المضيئة التي تنصر الحق، وتُعلي الإنسان، وتُقيم العمران.

رسالتي في مجملها: الرحمة، الرحمة، ثم الرحمة. فهذا الدين بُني على الرحمة، ونبينا بُعث رحمة، والقرآن كله دعوة إلى الرحمة، ومن فقدها، فقد لبّ الدين وروحه، مهما تكثرت صلاته أو تعاظمت شعاراته.
ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى، وأن يحفظ مصر وأهلها، وأن يجمع قلوب الأمة على الخير، وأن يجعلنا جميعًا من عباده الصالحين المصلحين.

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

نور الدين والدنيا علي جمعة الجهاد المسلح ضد إسرائيل

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الخبر التالى: البرلمان يوافق على تعديل اجتماع المجلس الأعلى للأجور ليصبح كل ٦ أشهر الأخبار المتعلقة "قرار متسرع".. دار الإفتاء ترد على دعوات الجهاد المسلح ضد إسرائيل أخبار علي جمعة: الدين هو العلم والعبادة منتهى التدين أخبار نشرة التوك شو| الرئيس السيسي يشيد بالفنان سامح حسين.. وتفاصيل الطرح الجديد أخبار نشرة التوك شو| علي جمعة يهاجم منصة "تيك توك".. والمفتي يوضح حالات الكذب أخبار

إعلان

إعلان

أخبار

د. علي جمعة: برنامجي الرمضاني لا يغير ثوابت الدين.. وهذا موقفي من الجهاد المسلح ضد إسرائيل (حوار)

روابط سريعة

أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلاميات

عن مصراوي

اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصية

مواقعنا الأخرى

©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا

تكلفة "تفويلة" البنزين لأرخص 5 سيارات بمصر في 2025 بعد الزيادة الأخيرة.. هل تواصل لجنة تسعير الوقود تحريك الأسعار في اجتماعها المقبل؟ "الأرصاد": ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة.. وهذا موعد الذروة تفاصيل غرق 798 فدانًا في المنوفية بمياه النيل.. ماذا حدث؟ - صور 27

القاهرة - مصر

27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • أمن سلا يعتقل المسلح المعتدي على نائب العمدة
  • د. علي جمعة: برنامجي الرمضاني لا يغير ثوابت الدين.. وهذا موقفي من الجهاد المسلح ضد إسرائيل (حوار)
  • الخارجية الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي بوقف جرائم إبادة وتهجير الفلسطينيين
  • رشوان: مصر وقطر تبذلان طوال الوقت ما يمكن أن يوفر المصلحة للقضية الفلسطينية
  • ضياء رشوان: مصر وقطر تبذلان ما يمكن أن يوفر المصلحة للقضية الفلسطينية
  • الرئيس الفلسطيني و نظيره الفرنسي يبحثان هاتفيا آخر المستجدات في الأراضي الفلسطينية
  • ثروت الخرباوي: جماعة الاخوان أنشأوا التنظيم السري المسلح سنة 1939
  • “هيغسيث” يلوح بـ “خيارات بديلة” حال تعثر “مفاوضات إيران”
  • المجلس الوطني الفلسطيني: استهداف مستشفى المعمداني يشكل فصلا جديدا في سياسة القتل الممنهج التي تنتهجها إسرائيل
  • جمهور أصالة أمام 3 خيارات حاسمة.. اسم الألبوم بانتظار التصويت