سلط تقرير نشرته مجلة "فايننشال تايمز" البريطانية الضوء على تحركات الرياض وأبوظبي الرامية لإعادة تحديد علاقاتهما طويلة الأمد مع واشنطن وفي الوقت ذاته تعزيزها مع دول مثل الصين وروسيا.

وفيما يتعلق بالسعودية، تناول التقرير الاجتماع الذي عقد في جدة هذا الشهر وحضره مسؤولون من 42 دولة، بينها الصين، وتناول محادثات حول الحرب في أوكرانيا.

وقال التقرير، إنه بالنسبة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان فقد حقق الاجتماع نجاحا من دون شك، مضيفا أن التجمع الذي استمر لمدة يومين، وفر للأمير الشاب "مساحة مثالية لإبراز رؤيته للعالم من خلال تصوير المملكة كقوة صاعدة يمتد تأثيرها من الشرق إلى الغرب".

ولفت التقرير إلى أن هذه العقلية "تعكس الطموحات والثقة المتزايدة لدول الخليج الغنية بالنفط، التي عقدت العزم على رسم مساراتها الخاصة في عصر من الاستقطاب والديناميكيات العالمية المتغيرة".

التقرير ذكر أن السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، والإمارات، المركز التجاري المهيمن في المنطقة، يتجهان بشكل متزايد نحو الشرق.

ويبين التقرير أنه في كلا البلدين هناك رابط مشترك يتمثل بوجودة قادة "واثقين بأنفسهم وحازمين ولم يعودوا مستعدين لقبول المطالب الثنائية من واشنطن والمتمثلة بإما أن تكونوا معنا أو ضدنا".

يقول مدير الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إميل الحكيم إن الوقت الذي كان يتوقع فيه التوافق الكامل من هذين البلدين قد انتهى.

جسور جديدة

في البداية كان التحول في سياسة دول الخليج مدفوعا بالتجارة بشكل واضح، فبعد الصين، الشريك التجاري الأكبر للمنطقة، أصبحت الهند واليابان من المشترين الرئيسيين للنفط خام الخليجي.

بالمقابل تراجعت مشتريات النفط الأميركية من المنطقة على مدار الخمسة عشر عاما الماضية في أعقاب الطفرة في إنتاج الوقود الصخري في الولايات المتحدة.

ومع ذلك، يرى التقرير أن العلاقات مع القوى الآسيوية تطورت إلى ما هو أبعد من النفط، حيث أصبحت دول الخليج متعطشة للحصول على تقنيات جديدة، من الذكاء الاصطناعي والطاقة والخدمات اللوجستية إلى دعم خطط التنمية المحلية وتنويع الاقتصادات المعتمدة على النفط.

تنقل الصحيفة عن مسؤول إماراتي رفيع القول إن "علاقاتنا بالأسواق القائمة لا تتزعزع.. ولكن في الوقت نفسه ومن منظور أشمل فإن النمو الجديد خلال السنوات العشر أو العشرين القادمة سيأتي من الأسواق الكبيرة في آسيا وأميركا الجنوبية وربما بعض الأسواق الأفريقية ".

ليست الصين وحدها ما تركز عليه دول الخليج، فقد وقعت الإمارات اتفاقيات تجارة حرة في الأشهر الـ 18 الماضية مع ست دول، بما في ذلك الهند وإندونيسيا.

كذللك تسعى كل من الرياض وأبوظبي إلى الانضمام إلى مجموعة "بريكس" التي تشمل الصين والهند والبرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا. 

وينقل التقرير عن مسؤولين خليجيين القول إن "الخطوة منطقية بالنظر إلى أنماط التجارة العالمية، لكنها أيضا تمنح هذه الدول صوتا في شبكة دبلوماسية مهمة ومرحبة".

ويقول أنور قرقاش مستشار الرئيس الإماراتي إن "أي دولة تريد أن تكون ذات أهمية، وتريد الحصول على مقعد على الطاولة"، مضيفا: "نريد بناء جسور مع الجميع".

يشير التقرير إلى أن هذا التوجه المتمثل بالاتجاه شرقا أدى إلى تعقيد علاقات الدولتين الخليجيتين مع الولايات المتحدة، خاصة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.

يقول الدبلوماسي الأميركي السابق جيفري فيلتمان إن السعودية والإمارات، مثل تركيا والبرازيل "لا تريدان الاختيار بين الولايات المتحدة والصين ولا ترغبان في اختيار جانب على حساب الآخر في حرب أوكرانيا".

بالمقابل تنقل الصحيفة البريطانية عن المحلل السعودي علي الشهابي، الذي وصفته بأنه مقرب من الديوان الملكي، القول إنه يمكن أن تكون هناك تسويات إذا وافقت الولايات المتحدة على تحالف أمني مع المملكة، لكنه شدد في الوقت ذاته أن الرياض "ستقاوم أي ضغوط لتخفيف العلاقات مع الصين".

وأضاف: "لن تتخلى السعودية عن الجسور التي بنتها مع دول مثل روسيا أو الصين، لأن هذه الجسور جزء لا يتجزأ من أداء الاقتصاد السعودي واحتياجات السوق طويلة الأجل للمملكة".

وأشار إلى أن "القيادة السعودية أكثر استقلالية في التفكير في الوقت الحالي مقارنة بقبل 10 سنوات، حيث كان هناك جيل كامل أكثر مراعاة للطلبات الأميركية".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة دول الخلیج فی الوقت إلى أن

إقرأ أيضاً:

بعد اللقاء الصيني الأمريكي في الرياض.. هل يتوسّع دور بكين في حرب اليمن؟

بالتزامن مع انطلاق مفاوضات مسقط بين وفد الحكومة الشرعية المعني بملف الأسرى والمعتقلين ووفد مليشيا الحوثي، عقد السفيران لدى اليمن الصيني شاو تشينغ والأمريكي ستيفن فاجن، لقاءً في العاصمة السعودية، الأحد الماضي، لمناقشة التسوية السياسية المتعثرة في اليمن.

عُقد هذا اللقاء الفريد من نوعه في مبنى السفارة الصينية في الرياض، بحضور المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينج، ورغم أهمية هذا اللقاء لم ترشح عنه الكثير من التفاصيل عن أجندته ونتائج النقاش الصيني الأمريكي بشأن الوضع في اليمن. الأمر الذي أطلق العنان لتحليلات المراقبين السياسيين.

غموض وتحليلات

الكثير من الغموض ما زال يحيط باللقاء الصيني الأمريكي في الرياض، وفي حين يربط بعض المراقبين هذا اللقاء بانعقاد جولة المفاوضات الأخيرة بين الحكومة والمليشيا الحوثية في العاصمة العمانية مسقط، يرى آخرون أنه مرتبط بسلسلة من المواقف الصينية والأمريكية إزاء مستجدات الوضع في الشرق الأوسط خاصة منذ ما بعد الاتفاق السعودي الإيراني الذي رعته الصين في مارس من العام الماضي.

ربطُ اللقاء الصيني الأمريكي بالجولة الحالية من مفاوضات مسقط يكمن وراءه اعتقاد المراقبين أن تفاهمات صينية أمريكية سبقت هذا اللقاء حول الدور الذي يمكن أن تلعبه بكين في التوسط لدى إيران للضغط على مليشيا الحوثي من أجل وقف هجماتها على السفن التجارية وتحييد تهديدها للملاحة الدولية في البحرين الأحمر والعربي، إضافة إلى إطلاق سراح موظفي الأمم المتحدة والموظفين السابقين في السفارة الأمريكية بصنعاء الذين اعتقلتهم مليشيا الحوثي في يونيو الماضي. ومن ناحية أخرى تذهب التحليلات إلى مطالبة الصين للولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل لإيقاف حربها على قطاع غزة لكي تتمكن من القيام بدور الوساطة لدى إيران ووقف الهجمات الحوثية على السفن.

الثقل السعودي واحتياطات الرياض

من دلالات لقاء السفيرين الصيني والأمريكي لدى اليمن في الرياض أن الثقل السعودي على المستوى الدولي أصبح قادراً على جمع مسؤولين من دولتين متنافستين لدرجة العداء، في أراضيها. كما تأخذ دلالات اللقاء إصرار السعودية على حشد موقف دولي موحد لدعم خارطة الطريق التي وضعت خطوطها الرئيسة واستكملها المبعوث الأممي لدى اليمن هانس غروندبرج. ويظهر الموقف السعودي الداعم بشدة لإنجاز تسوية سياسية في اليمن من خلال عدة إجراءات منها الاستمرار في دعم الميزانية الحكومية وتنفيذ مشاريع خدمية وإنسانية في المناطق المحررة من أجل امتصاص التصعيد بين الحكومة والمليشيا الحوثية، ولا سيما التصعيد الاقتصادي.

ورغم قدرة الرياض على تنظيم لقاء بين دولتين كبيرتين ومتنافستين بشدة كالصين وأمريكا وسعيها إلى إنجاز تسوية سياسية للحرب في اليمن، إلا أنها أيضاً تعمل على الاستعداد لجميع الخيارات للتعامل مع التعنت الحوثي والتساهل الإيراني في عدم الضغط على المليشيا الحوثية للجنوح إلى السلم. وتشير التحركات السعودية والصينية أن علاقة البلدين لا تقتصر على مراعاة الجانبين لمصالحهما السياسية، وأن تجاوب الرياض مع بكين في مساعيها لتهدئة التوتر مع طهران قد انعكس على تقوية هذه العلاقة في المجالين الاقتصادي والعسكري أيضاً.

ويرى مراقبون أن أحد جوانب الاستعدادات السعودية للتعامل مع أي تعنت حوثي أو تقلبات سلبية في العلاقة مع إيران، هو سعي الرياض إلى تقوية العلاقات العسكرية مع الصين. حيث قام وزير الدفاع خالد بن سلمان بزيارة إلى بكين في 25 يونيو الماضي التقى خلالها نظيره الصيني ونائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية. وقد ركزت المباحثات السعودية الصينية في هذه الزيارة بشكل رئيس على تعزيز "الشراكة الاستراتيجية الدفاعية"، الأمر الذي يؤكد اهتمام الرياض بتقوية استراتيجيتها الدفاعية ضد أي هجمات حوثية محتملة، خاصة بعد التهديدات الصريحة التي أطلقها زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي بمهاجمة السعودية على خلفية اتهامه لها بدعم قرارات البنك المركزي في عدن لوقف العبث الحوثي بالقطاع المصرفي. كما ناقش وزيرا الدفاع الصيني والسعودي جهود البلدين في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. في إشارة إلى موقفيهما المتقاربين إزاء ضرورة التهدئة في أوكرانيا وفي قطاع غزة. 

ومن أبرز القيادات العسكرية التي حضرت هذه المباحثات في بكين، من الجانب السعودي: قائد قوة الصواريخ الاستراتيجية، ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، ومن الجانب الصيني: نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة في اللجنة العسكرية المركزية، ومدير مكتب التعاون العسكري في اللجنة، مما يدل على نوعية الاحتياطات الدفاعية التي تسعى المملكة لتعزيزها بالتزامن مع سعيها لإنجاز تسوية سياسية للحرب في اليمن.

ويؤكد مراقبون أن الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع السعودي إلى الصين تعكس مدى تقدم التعاون العسكري بين البلدين في ظل اتفاق الشراكة الشاملة التي وُقعت أواخر 2022، وفي ظل تنامي العلاقات الاقتصادية بينهما لتصل خلال العام الماضي إلى أكثر من 110 مليارات دولار. وتمتد العلاقات العسكرية الصينية إلى العام 1988، حيث زودت الصين السعودية بصواريخ (دونغ فينغ 3)، وفي 2017 وقع الجانبان اتفاقية شراكة لتصنيع الطائرات المسيرة، وفي 2021 تم الاتفاق على مساعدة الصين للسعودية في تصنيع صواريخ بالستية، وصولاً إلى الاتفاق على تزويد السعودية بصواريخ متطورة من طراز yj21 التي تفوق سرعتها سرعة الصوت في 2022، وتنفيذ مناورات "السيف الأزرق" البحرية في أكتوبر 2023.

حضور صيني وتراجع أمريكي

ويعتقد محللون سياسيون أن تطور العلاقات السعودية الصينية سيمنح بكين حضوراً أكبر في المنطقة العربية مع تراجع الدور الأمريكي بسبب سياساتها الداعمة بشكل مطلق لإسرائيل، إضافة إلى أخطائها السياسية الفادحة في التعامل مع الأحداث الكبيرة وتخليها عن حلفائها العرب أمام التهديدات الإيرانية لاستقرار المنطقة. 

وبعد إنجازها اتفاق التقارب بين السعودية وإيران، تدخل الصين أكثر فأكثر في نطاق أحداث المنطقة العربية، فيما يرى محللون أن السفير الصيني الحالي لدى السعودية، تشانغ هوا، لعب دوراً كبيراً في عقد اللقاء الدبلوماسي الصيني الأمريكي بشأن اليمن، مستدلين بأن تشانغ هوا كان سفيراً للصين في اليمن لفترة طويلة، كما شغل منصب السفير الصيني في إيران والإمارات.

وفي مايو الماضي قال تشانغ هوا، في لقاء عقده مع إعلاميين بمنزله في الرياض، إن الصين ترى السعودية قوة مهمة في عالم متعدد الأقطاب وتضع تنمية العلاقات مع المملكة العربية السعودية أولوية في سياستها الخارجية الشاملة، وخاصة ضمن دبلوماسيتها في الشرق الأوسط. فيما يرجح المراقبون أن يأخذ الدور الصيني في الملف اليمني توسعاً ملحوظاً خلال الفترة القادمة.

مقالات مشابهة

  • اللجنة الدولية للحقوقيين: لا بد من الإسراع بإقرار قانون المصالحة الوطنية الشاملة في ليبيا
  • لماذا تخاف أوروبا من عودة ترامب إلى البيت الأبيض؟!
  • موعد مباراة السعودية والإمارات في نهائي بطولة غرب آسيا للشباب
  • صحيفة: صور جوية تكشف توسيع الصين لقواعد تجسس مشتبه بها في كوبا
  • صحيفة: صور جوية تكشف تهديدا غير مسبوق قرب الساحة الخلفية للولايات المتحدة
  • خلافات السعودية والإمارات المتصاعدة خلقت تعقيدات في طريق حل الأزمة اليمنية (ترجمة خاصة)
  • بعد اللقاء الصيني الأمريكي في الرياض.. هل يتوسّع دور بكين في حرب اليمن؟
  • رهان “أشباه الموصلات”.. إلى أين وصل سباق السعودية والإمارات؟
  • الرئيس الصيني: ندعم كازاخستان في الانضمام إلى "بريكس"
  • أمنستي تندد بفشل سلطات الإقليم في حماية النساء ضحايا العنف المنزلي