سباق جديد نحو النووي.. هكذا سيستجيب حلفاء أميركا لسياسة ترامب
تاريخ النشر: 11th, March 2025 GMT
أنارت عودة دونالد ترامب إلى السلطة في أميركا العديد من إشارات الإنذار الحمراء في أوروبا التي يدعو قادتها اليوم إلى مظلة أمنية خاصة تعوض ما يبدو أنه تخل من قبل واشنطن عن التزامها بأمن القارة العجوز. وقد بدأت الدعوات تظهر في فرنسا وبريطانيا وألمانيا لإنشاء مظلة نووية أوروبية تحل محل المظلة الأميركية، لكن جدعون روز، زميل مجلس العلاقات الخارجية الأميركي يجادل في مقال نشره في مجلة "فورين أفيرز" أن الأمور لن تقف عن هذا الحد، فمع انهيار مظلة الحماية الأميركية القائمة منذ الحرب العالمية الثانية، أصبح من الصعب على القوى الإقليمية تفويض مهمة أمنها القومي إلى أي قوة حليفة مهما بلغت موثوقيتها، وهو ما يعني أن دول العالم سوف تبدأ في التسابق لحماية نفسها بنفسها، بدءا من تلك الدول التي طالما اعتبرت حلفاء تقليديين للولايات المتحدة.
وسوف تظهر تداعيات هذا السباق كأوضح ما يكون في الفضاء النووي، حيث يتوقع روز نشوب سباق تسلح نووي جديد أكثر شراسة بالأخص في شرق آسيا وأوروبا. وسوف تكون تايوان وأوكرانيا وكوريا الجنوبية واليابان ودول أوروبا وفي مقدمتها ألمانيا وبولندا ودول البلطيق والشمال الأوروبي على رأس المنخرطين في هذا السباق النووي الجديد الذي ينفتح اليوم بفعل سقوط الحواجز النفسية التي منعت الانتشار النووي لفترة طويلة.
نص الترجمة:
في حين تعمل إدارة ترامب الثانية على تفكيك عناصر حاسمة من النظام الدولي الراسخ منذ حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، يبدو أنها لم تفكر في بعض العواقب المحتملة الواضحة لأفعالها وأهمها إطلاق جولة جديدة من سباقات الانتشار النووي، هذه المرة ليس بواسطة "الإرهابيين" أو "المارقين"، ولكن من قبل بعض الدول التي كانت تُعرف سابقا بأنها "حليفة" للولايات المتحدة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الاستقلال أو الفناء.. هل يمكن لأوروبا مواجهة ترامب؟list 2 of 2جبريل الرجوب.. وقائع استبدال البزة العسكرية بشورت رياضيend of list إعلانإن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء قرنا من الزمان لن يمحو التهديد الوجودي الذي نواجهه اليوم: وهو الخبرة النووية واسعة النطاق والتكنولوجيا النووية السهلة والرخيصة نسبيا. إن نظام منع الانتشار الذي يمنع الاستحواذ الواسع النطاق على الأسلحة النووية هو "عمل طوعي من ضبط النفس الوطني المتزامن"، الذي تلتزم به البلدان لأنها تشعر بأمان أكبر مع هذا النظام مقارنة بوضعها بدونه. وينبع ذلك الأمان من أن نظام منع الانتشار النووي يختبئ داخل نظام دولي أوسع نطاقا تتحكم فيه قوة أميركية حميدة في المطلق. هذا النظام الدولي يقوم على شبكة من الشراكات التعاونية الدولية، تشمل مؤسسات تقوم إدارة ترامب بتقويضها حاليا مثل حلف الشمال الأطلسي (الناتو).
بيد أن الحقيقة التي يجب على الجميع إدراكها هي أنه إذا سقط النظام الدولي الليبرالي فسوف يسقط معه نظام منع الانتشار النووي. وسوف يشتعل السباق للحصول على الأسلحة النووية بين القوى التي كانت تعتبر نفسها صديقة للولايات المتحدة، والتي ستشعر بـ"اليتم" في غياب الضمانات الأمنية الأميركية، بل إنها ربما تشعر بالخوف من التعرض للإكراه الأميركي.
لقد جادل عالم السياسة كينيث والتز أنه حين يتعلق الأمر بانتشار الأسلحة النووية فإن القاعدة تكون "كلما توسع الأمر كان ذلك أفضل" نظرا لأن كافة المنافسات الدولية سوف تستقر بشكل دائم بفعل القدرة المتبادلة لمختلف القوى على إلحاق الدمار المؤكد بعضها ببعض. وربما يكون العالم اليوم على وشك اختبار تلك الفرضية وبالنظر لكون المرحلة الأكثر خطورة في عملية الانتشار هي الفترة التي تكون فيها البلدان على وشك عبور العتبة النووية، فمن المرجح أن تكون السنوات المقبلة محملة بالأزمات النووية ما لم تقرر إدارة ترامب تغيير مسارها.
نبوءة شارل ديغول"الأسلحة النووية الأميركية هي الضمانة الأساسية للسلام العالمي … ولكن القوة النووية الأميركية لا تستجيب بالضرورة في الوقت المناسب لجميع الاحتمالات المتعلقة بأوروبا وفرنسا. وبالتالي … قررنا تجهيز أنفسنا بقوة ذرية فريدة من نوعها".
الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول – عام 1963
خلال أربعينيات القرن العشرين، بدأ صناع السياسة الأميركيون في بناء نظام دولي قائم على القواعد في أعقاب 3 عقود من الحروب والأزمات الاقتصادية. وكان الدرس الذي استخلصوه من النصف الأول من القرن العشرين بسيطا وهو أن التصرف على أساس المصلحة الذاتية المجردة قصيرة الأجل غالبا ما يدفع البلدان إلى تبني سياسات اقتصادية تعتمد على إفقار الجيران وسياسات أمنية تفتقر إلى المسؤولية، وهو ما يؤدي بالتبعية إلى اضطرابات اقتصادية واجتماعية، وصعود الأنظمة الاستبدادية العدوانية، ويقود في نهاية المطاف إلى وقوع "مجزرة عالمية". وعلى أمل تجنب تكرار هذا النمط، قررت واشنطن محاولة التصرف على أساس المصلحة المستنيرة الطويلة الأجل بدلا من ذلك، ولعب لعبة السياسة الدولية كفريق جماعي، وهذا يعني العمل مع حلفاء من ذوي التفكير المماثل لبناء إطار مستقر وآمن يمكن للجميع النمو من خلاله معا، بلا خوف.
إعلانمنذ البداية، استند هذا النظام إلى قوة أميركية استثنائية، نُشرت نيابة عن ذلك "الفريق" ككل وليس عن الولايات المتحدة وحدها، ولم يعكس هذا التوجه إيثارا عاطفيا أو حتى نزعة إمبريالية جديدة بقدر ما نتج عن فهم لحقيقة مفادها أنه في العالم الحديث، يتعين التعامل مع الاقتصاد والأمن على مستوى يتجاوز الحدود الوطنية. لقد أدرك صناع السياسات الأميركيون أن الرأسمالية هي "لعبة ذات محصلة إيجابية" حيث يمكن للاعبين النمو معا بدلا من نمو بعضهم على حساب بعض وأن الأمن بين الأصدقاء يمكن أن يُخدم بشكل أفضل بدون تنافس محتدم. لذلك بدلا من استخدام قوتها المذهلة لاستغلال البلدان الأخرى -كما فعلت قوى مهيمنة سابقة- اختارت واشنطن تنشيط اقتصادات حلفائها ودعم دفاعاتهم، وخلق منطقة متنامية باستمرار من التعاون اللوكي (نسبة إلى جون لوك) داخل النظام الدولي الهوبزي (التنافسي – نسبة إلى توماس هوبز) الأوسع.
شكلت الأسلحة النووية تحديدا تحديا كبيرا لهذا النظام باعتبارها ذروة سنام أدوات الحرب وأكثرها بطشا وفتكا. وكان من المرجح أن البلدان التي تحصل على نصيبها من تلك الأسلحة سوف تتمتع بالاستقلال الإستراتيجي والقوة القسرية، في حين ستصبح الدول التي تُحرم منها فريسة لغيرها. ونتيجة لذلك، لم يكن من المستغرب أن تفكر العديد من الدول في الحصول على مثل هذه الأسلحة، كما يحدث عادة عندما تظهر تكنولوجيا عسكرية جديدة. غير أن الانتشار الشامل الأسلحة النووية جرى تجنبه بفضل حل غير تقليدي في الخمسينيات والستينيات، حيث بدا أن الولايات المتحدة قادرة على مواجهة أعدائها المسلحين نوويا من خلال الردع في حين تستخدم ترسانتها لحماية أصدقائها في الوقت نفسه، بما يلغي الحاجة إلى امتلاكهم برامج نووية مستقلة، ما يطلق عليه "الردع الموسع".
جرى تأمين هذه الترتيبات "الضمنية" من خلال معاهدة منع الانتشار النووي في عام 1970، والتي مكنت الأميركيين والسوفيات والبريطانيين والفرنسيين والصينيين من الاحتفاظ بترساناتهم النووية بما يسمح لـ"قانون الردع الموسع" بالاستمرار في العمل في حين تخلت الدول الأخرى الموقعة على المعاهدة عن حقها في امتلاك الأسلحة النووية. وكانت الصفقة منطقية وصمدت إلى حد كبير منذ ذلك الحين، حيث لم ينضم إلى النادي النووي بعد ذلك سوى إسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية.
إعلانعلى مدار تلك الفترة، حُصر النشاط النووي في دائرة القوى العظمى، تليها بعض الدول "المارقة" مثل كوريا الشمالية (التي اكتسبت القدرة النووية في عام 2006)، والعراق (الذي سعى إلى امتلاك ترسانة نووية)، وإيران (التي تقف الآن على أعتاب ذلك). ولكن في ضوء سياسات ترامب الأخيرة، فإن الحالتين النوويتين البريطانية والفرنسية اللتين كثيرا ما تم التغاضي عنهما تستحقان المزيد من تسليط الضوء. بدأت المملكة المتحدة أول برنامج للأسلحة النووية في العالم في عام 1941، ودمجته مع مشروع مانهاتن الأميركي بعد عامين، ولكن عندما توقفت واشنطن عن التعاون بعد الحرب، قررت لندن الاستمرار بمفردها واختبرت بنجاح أول قنبلة نووية لها في عام 1952. وفي الوقت نفسه تقريبا، بدأت فرنسا برنامجا نوويا عسكريا سريا في عام 1954، وأعلنت عنه في عام 1958، واختبرت بنجاح أول سلاح لها في عام 1960.
لماذا حصلت فرنسا على القنبلة النووية بينما كانت بالفعل تحت المظلة النووية الأميركية؟ لأن الرئيس الفرنسي شارل ديغول لم يكن يثق ببساطة في قدرة واشنطن على الوفاء بضماناتها الأمنية. في الحقيقة كان ديغول يعتقد أن مزاعم "الردع الموسع" مجرد خدعة وأنه لكي تكون باريس آمنة حقا في نظره، لم يكن لديها خيار سوى الحصول على قدرة نووية خاصة بها. وقد عبَّر ديغول عن هذا الاعتقاد صراحة في عام 1963 قائلا "تظل الأسلحة النووية الأميركية هي الضمانة الأساسية للسلام العالمي … ولكن القوة النووية الأميركية لا تستجيب بالضرورة في الوقت المناسب لجميع الاحتمالات المتعلقة بأوروبا وفرنسا. وبالتالي … قررنا تجهيز أنفسنا بقوة ذرية فريدة من نوعها"، وأطلق الفرنسيون عليها اسم "القوة الضاربة".
على مدى أجيال، سخر أغلب المحللين غير الفرنسيين من هذا المنطق، واعتبروه يعكس كبرياء ديغوليًا أو جنون ارتياب فرنسي مفرط وليس منطقا إستراتيجيا رصينا. ولكن بعد الأسابيع الأولى من إدارة ترامب الثانية، بدا هذا المنطق ثاقب النظر، وقليلون هم الذين يسخرون منه الآن.
"لا تستطيع أوكرانيا الدفاع عن نفسها ضد روسيا المسلحة نوويا بالأسلحة التقليدية، ولا توجد دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة، ستقدم لها ضمانة أمنية ذات مغزى. الأسلحة النووية الأوكرانية هي الرادع الوحيد الموثوق به في وجه العدوان الروسي".
عالم السياسة الأميركي جون ميرشايمر – 1993
مع نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي، تغيرت الصورة النووية بشكل كبير، حيث أصبحت احتمالات المواجهة بين القوى العظمى أكثر بعدا وبدت التهديدات الأكثر إلحاحا تأتي من تفرق الخبرات والمواد النووية السوفياتية ووصولها إلى بلدان أخرى أو حتى إلى قوة فاعلة "دون دولية". وأصبحت السيطرة على "الأسلحة النووية السائبة" مشكلة العصر الأكثر إلحاحا، والتي عولجت من خلال برامج مثل تلك التي أنشأها قانون "نون – لوغار" المنسوب إلى السيناتور الديمقراطي السابق سام نون ونظيره الجمهوري الراحل ريتشارد لوغار، والمصمم خصيصا للحد من التهديدات النووية التي خلفها انهيار الاتحاد السوفياتي.
إعلانوكانت بقايا الترسانة النووية السوفياتية المتمركزة في دولة أوكرانيا المستقلة حديثا قضية شائكة بشكل خاص، حيث ضغطت العديد من الدول على كييف لإعادة هذه الأسلحة إلى موسكو. وفي ظل عدم قدرتها على المقاومة، استجابت كييف للضغوط مضطرة وقامت بتسليم أسلحتها، لتُدون تلك الخطوة في مذكرة بودابست لعام 1994 وبموجبها انضمت بيلاروسيا وكازاخستان وأوكرانيا إلى معاهدة منع الانتشار النووي مقابل ضمانات الحماية من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا.
في ذلك الوقت، عارض الكثيرون تلك الخطوة وجادلوا أنها كانت متسرعة وخاطئة. من هؤلاء عالم السياسة الشهير جون ميرشايمر الذي كتب مقالا في مجلة "فورين أفيرز" عام 1993 جادل خلاله أن أوكرانيا سوف تحتاج في نهاية المطاف إلى مواجهة الانتقام الروسي وأن الحفاظ على قدراتها النووية كان هو الطريقة "الأقل إشكالية" للقيام بذلك. وكتب ميرشايمر قائلا "لا تستطيع أوكرانيا الدفاع عن نفسها ضد روسيا المسلحة نوويا بالأسلحة التقليدية، ولا توجد دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة، ستقدم لها ضمانة أمنية ذات مغزى. الأسلحة النووية الأوكرانية هي الرادع الوحيد الموثوق به في وجه العدوان الروسي". لكن المخاوف من الانتشار النووي تفوقت على المخاوف من الحروب المستقبلية، لذلك انتهى الأمر بأوكرانيا ما بعد الاتحاد السوفياتي إلى جيش تقليدي بحت.
لمدة عقدين من الزمان، لم يكن ذلك مشكلة كبيرة ما دامت كييف ملتزمة بعلاقتها الجيدة مع روسيا وبعيدة نسبيا عن الغرب. لكن كل ذلك تغير في عام 2014 حين قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، غاضبًا من تحول أوكرانيا المتزايد نحو الغرب، تلقين كييف درسا. وقتها، بدأت روسيا في تحريض الحركات الانفصالية في المقاطعات الأوكرانية الجنوبية والجنوبية الشرقية ذات السكان الناطقين بالروسية ثم أرسلت قوات روسية لإكمال المهمة، فاستولت بسرعة على شبه جزيرة القرم وأجزاء من مقاطعة دونباس. واستمر الصراع المنخفض المستوى والمفاوضات غير الحاسمة لسنوات بعد ذلك، حتى أطلق بوتين في عام 2022 "غزوا واسع النطاق" بهدف ضم أوكرانيا إلى روسيا مجددا أو في أدنى الأحوال تحويلها إلى "مستعمرة" وتنصيب حكومة "دمية" تتلقى الأوامر من موسكو.
إعلانونظرا للتفاوت في الحجم والقوة بين الطرفين المتحاربين، لم يتوقع أحد أن تتمكن أوكرانيا من مقاومة الهجوم الروسي، لكنها فاقت التوقعات في ذلك. وبمجرد أن اتضح أن كييف لن تسقط بسرعة، تحركت الولايات المتحدة وأوروبا لدعمها بكميات متزايدة من المساعدات العسكرية والاقتصادية. ومع مرور الأشهر والسنوات، تحول القتال إلى حرب استنزاف طويلة غرضها السيطرة على المواقع مع استمرار روسيا في الاحتفاظ بشبه جزيرة القرم ومعظم منطقة دونباس بينما تشبثت أوكرانيا بجزء من الأراضي الروسية بالقرب من كورسك. وظلت إدارة بايدن وحلفاؤها الأوروبيون ملتزمين بإبقاء كييف في القتال، لكن استعداد بوتين لإلقاء كل موارد بلاده الضخمة في المعركة منحه ميزة طفيفة تزايدت باستمرار.
ثم كانت عودة ترامب إلى البيت الأبيض. وخلال حملته الانتخابية، تعهد ترامب بإنهاء حرب أوكرانيا خلال يوم واحد فقط دون أن يقول الكثير عن كيفية فعل ذلك. ومع توليه منصبه، بدأت تفاصيل خطط إدارته في الظهور، ويبدو أنها تنطوي ببساطة على إجبار أوكرانيا على قبول مطالب روسيا وتشمل: التنازل عن الأراضي، والضعف العسكري، وتغيير الحكومة، وإعادة التوجه نحو الشرق. ومن الصعب أن نعرف إلى أي مدى سوف يصل ميل الإدارة الأميركية إلى موسكو، سواء بسبب الارتباك المحيط بما يبدو أنه تحول تاريخي في السياسة الخارجية الأميركية وكذلك بسبب التناقض في اتصالات إدارة ترامب. ولكن الأسابيع الأخيرة شهدت ما يكفي من التغييرات للبرهنة على أن الوعود الأميركية السابقة بالدعم، لأوكرانيا وغيرها، لم يعد من الممكن الوثوق بها بالكامل.
ومثل ديغول، ثبت أن ميرشايمر كان على حق. كان "الردع الموسع" خدعة، وكان الأشخاص الذين اعتمدوا عليه مغفلين. وهو ما يثير تساؤلا كبيرا بالنسبة إلى العديد من البلدان المعرضة للتهديد: لماذا لا نتبع الطريق الفرنسي ونؤمن أنفسنا من خلال تطوير أسلحتنا النووية الخاصة؟
إعلان من التالي؟الآن بعد أن أصبحت الولايات المتحدة حليفًا غير موثوق به، فإن أحد المسارات التي يمكن للدول التي تسعى إلى الحماية أن تسلكها هو توفير الموارد اللازمة للردع الموسع من مزوِّد مختلف. على سبيل المثال، قال المستشار الألماني المنتظر فريدريش ميرتس إنه "سيتحدث مع البريطانيين والفرنسيين حول ما إذا كان من الممكن تمديد حمايتهم النووية إلى ألمانيا"، وربما يفعل أعضاء آخرون في حلف شمال الأطلسي الشيء نفسه. ومن الواضح أن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منفتحان على الفكرة، ما يعني إمكانية ظهور رادع أوروبي قوي قريبا.
سيكون هذا تطورًا مفيدًا، ويساعد في استقرار الأمن الأوروبي في عالم ما بعد أميركا، لكن "خيانة" واشنطن سوف تلقي بظلال من الشك على جميع ترتيبات "الردع الموسع" في المستقبل، ما يجعل من السهل الاستغناء عنها بدلا من الاعتماد عليها. في الماضي، لم تكن لندن تثق في واشنطن للدفاع عنها، ولم تكن باريس تثق في واشنطن أو لندن. فلماذا تثق دول أخرى في لندن وباريس الآن؟ فبعد كل شيء: من العار أن يُخدع أحدنا مرتين.
وبالتالي، قد تُقرر بعض الدول متابعة برامجها النووية وتصنيع قنابلها الخاصة من أجل التحوط. ولكن مع كل القيود المفروضة الآن لمنع مثل هذه النتيجة، فلن يكون ذلك الطريق مفروشا بالورود، وسوف يعني لزاما بذل الجهد لتجميع الخبرة النووية الجادة، وحشد كميات كبيرة من المواد الانشطارية، وامتلاك القدرة على تصنيع الأسلحة المتطورة. وسوف يستغرق الأمر عدة سنوات من الجهود المتواصلة وسوف يكلف عشرات المليارات من الدولارات، لكن النجاح ممكن جدا في النهاية.
لقد بدأت إسرائيل برنامجها للأسلحة النووية في الخمسينيات، وتلقت الكثير من المساعدة من فرنسا. ويُعتقد أن الإسرائيليين طوروا قنبلتهم الأولى بحلول نهاية الستينيات، وأضافوا بضع مئات أخرى من القنابل والرؤوس النووية في العقود اللاحقة. وبعد مشاهدة عدوها اللدود الهند وهي تتجه إلى امتلاك الأسلحة النووية، بدأت باكستان برنامجها النووي السري في السبعينيات. وبعد الحصول على الكثير من المساعدة من الصين وكوريا الشمالية، اختبرت إسلام أباد بنجاح سلاحا نوويا في عام 1998.
إعلانمن جانبها اتبعت اليابان مسارًا مختلفا، حيث طورت قدرة نووية كامنة بدلا من القدرة الكاملة وهو ما يطلق عليه مجازا "قنبلة في القبو"، بما يعني امتلاك جميع الموارد لتجميع السلاح النووي بسرعة إذا لزم الأمر. منذ ستينيات القرن العشرين، تعهدت طوكيو بعدم امتلاك الأسلحة النووية، وعدم إنتاجها، وعدم السماح بوجودها على الأراضي اليابانية، ولكنها حازت في الوقت نفسه برنامجا متطورا للطاقة النووية المدنية، ومخزونات ضخمة من البلوتونيوم، وصناعة دفاعية محلية مثيرة للإعجاب. وبوسع أي حكومة يابانية أن تتخذ الخطوات النهائية نحو التسلح النووي في غضون أشهر، إذا كانت راغبة في تحمل تبعات ذلك داخليا وخارجيا.
فمن يا ترى أهم المرشحين لحوز السلاح النووي في المستقبل؟ إن المرشحَين الأكثر وضوحا هما أوكرانيا وتايوان، وهما دولتان مهددتان بوضوح من قبل جارين قويين مسلحين نوويا، وقد حاولت تايوان بالفعل امتلاك السلاح النووي مرتين، في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، ولكن الولايات المتحدة ضبطتها وأوقفتها في كل مرة. والمعضلة هنا هي أنه بمجرد أن تبدأ تلك الجهود النووية فقد تشن هذه الدول المجاورة هجوما قبل اكتمالها وهو ما يعني أن محاولة اكتساب الأمن (النووي) ربما تنقلب إلى حرب وقائية ينجم عنها دمار وطني. ولربما تواجه إيران مخاطر مماثلة إذا تحركت لتجاوز العتبة النهائية نحو التسلح النووي، الأمر الذي قد يؤدي إلى هجوم أميركي أو إسرائيلي قبل أن تتمكن من التأكد من اكتمال قوة ردعها.
وإذا استمر النظام القائم في التآكل، فمن المرجح أن تصبح كوريا الجنوبية أول قوة نووية جديدة في هذه الموجة من الانتشار. ورغم أن سول انضمت إلى معاهدة منع الانتشار النووي عام 1975 فإن بإمكانها الانسحاب منها في أي وقت إذا رأت أنها في حاجة إلى قدرة نووية مستقلة لصد التهديد القادم من جارتها الشمالية. وقد بدأ المسؤولون الكوريون الجنوبيون بالفعل في الحديث عن هذا الاحتمال، ومن المؤكد أن مثل هذه المناقشات سوف تشتد إذا اتخذت واشنطن أي خطوات نحو فك الارتباط مع سول. وإذا ما اتجهت سول إلى امتلاك الأسلحة النووية، فمن المرجح أن تحذو طوكيو حذوها، وفي نهاية المطاف قد تنضم أستراليا إلى هذه المسيرة، فتستأنف برنامج الأسلحة النووية الذي تخلت عنه في سبعينيات القرن العشرين.
إعلانفي أوروبا، كان بعض الجنرالات البولنديين يدرسون علانية فكرة تجاوز الاعتماد على فرنسا والمملكة المتحدة والحصول على قوة نووية خاصة بهم. وفي خطاب ألقاه في السابع من مارس/آذار أمام البرلمان البولندي، بدا رئيس الوزراء دونالد توسك مؤيدا للفكرة، وقال إن بولندا "يجب أن تسعى إلى أحدث الإمكانيات، بما في ذلك تلك المتعلقة بالأسلحة النووية والأسلحة غير التقليدية الحديثة"، مردفا بالقول "لم يعد من الممكن الاكتفاء بشراء الأسلحة العادية، الأكثر تقليدية". وفي الوقت نفسه، كان المسؤولون في دول الشمال الأوروبي ودول البلطيق يجرون محادثات حول التسلح النووي في السر (كانت السويد تمتلك برنامجا نوويا مستقلا حتى سبعينيات القرن العشرين).
لا شيء من هذا مؤكد بعد، وخاصة أن أحدا لا يعرف يقينا حتى الآن ما إذا كانت إدارة ترامب جادة بالفعل في التخلي عن التحالفات التي بناها أسلافها على مدى أجيال. ولكن إذا فعلت ذلك، فلا ينبغي لأحد أن يفاجأ إذا أعاد الحلفاء السابقون النظر في بعض الخيارات التي اتخذوها معتمدين على استدامة الحماية الأميركية. من السابق لأوانه التنبؤ بكيفية تطور هذا العالم الجديد الغريب، ولكن الحواجز النفسية التي حالت لفترة طويلة دون انتشار الأسلحة النووية ربما تكون سقطت بالفعل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان أبعاد امتلاک الأسلحة النوویة منع الانتشار النووی النوویة الأمیرکیة الولایات المتحدة النظام الدولی القرن العشرین فی الوقت نفسه الردع الموسع من المرجح أن إدارة ترامب هذا النظام إلى امتلاک النوویة فی النووی فی العدید من ما یعنی بدلا من من خلال وهو ما لم یکن فی ذلک فی حین من قبل فی عام
إقرأ أيضاً:
أوروبا قلقة من قدرة أمريكا منع إقلاع طائرات إف-35
يُدرك الدنماركيون جيداً أنّ احتمال استخدامهم طائرات إف-35، إذا ما أرادوا الدفاع عن جزيرة غرينلاند، ليست فكرة عملية، بل ولن يذهبوا حتى إلى هذا الحدّ، يقول أحد خبراء الصناعة العسكرية الجوية في فرنسا، فواشنطن ببساطة بإمكانها إبقاء تلك الطائرات على الأرض.
وفي أوروبا، اختار الكثيرون شراء الأسلحة من الولايات المتحدة، باعتبارها الحليف الموثوق، لكنّ الأمريكيين ما زالوا قادرين على فرض سيطرتهم على معظم هذه الأسلحة، والتحكم بها عن بُعد. وهو أمر يُثير قلق جيوش القارة القديمة، وبشكل خاص الجيش الفرنسي، الذي على النقيض من نظيره الأمريكي لا يحتفظ بأيّ سيطرة على أسلحته المُباعة.
وسط مساعي ترامب لضمها.. غرينلاند تجري انتخابات برلمانية - موقع 24يتوجه الناخبون في غرينلاند إلى صناديق الاقتراع، اليوم الثلاثاء، في ظل تحركات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لضم الجزيرة إلى الولايات المتحدة. التقنية الأمريكية والمُخاطرةومن خلال شراء الأسلحة الأمريكية، كانت جيوش أوروبا ودول أخرى تأمل في إقامة علاقات غير قابلة للقطيعة مع الولايات المتحدة. وفي الغرب، ولغاية وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض من جديد، لم يكن أحد يتصوّر حقّاً وجود أدنى مخاطرة.
يقول أحد قادة القوات البحرية الفرنسية ردّاً على سؤاله عن المنصّات الكهرومغناطيسية الأمريكية التي يتم تزويدها لحاملة الطائرات الفرنسية "بانغ"، إنّه في اليوم الذي لن تكون فيه الولايات المتحدة معنا، سنكون في عالم آخر، مُشيراً إلى أنّه بدون هذه التقنية، لن تتمكن الطائرات الفرنسية من الإقلاع.
الخبير في الشؤون الدفاعية، الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي نيكولاس باروت، يعتبر أنّ العالم قد تغيّر اليوم، فالرئيس الأمريكي مُستعد، برأيه، لدوس كل التحالفات، وهو ما جعل الشك والقلق يُسيطران على هيئة الأركان العامة الأوروبية.
والمخاوف كبيرة بالفعل ولا يُستهان بها، لأنّ الغرب، من خلال الإرادة الجيوسياسية، اختار الولايات المتحدة على نطاق واسع لاستكمال ترساناته العسكرية. ففي الفترة ما بين 2020 و2024، قدّمت الولايات المتحدة 64% من واردات الأسلحة إلى الأوروبيين، مُقابل (52%) في الفترة 2015-2019، كما يُشير معهد ستوكهولم في أحدث دراسة له.
منع أو تقليص!من الناحية التكنولوجية واللوجستية وحتى القانونية، تتمتع الولايات المتحدة بالقُدرة على التصرّف تجاه الدول التي تشتري أسلحتها. ففي الواقع فإنّ قانون ITAR الأمريكي، الذي ينطبق خارج الحدود الإقليمية على جميع المواد الحسّاسة التي تحتوي على مُكوّن من أصل أمريكي، يسمح لواشنطن بحظر الصادرات وإعادة التصدير وفرض العقوبات. فتسليم طائرات إف-16 إلى أوكرانيا من قبل دول ثالثة، مثل الدنمارك أو هولندا، يتطلّب موافقة الولايات المتحدة.
وبالإضافة لذلك، يضع الأمريكيون أيديهم على مخزون قطع الغيار للأسلحة التي يبيعونها. فأنظمة الدفاع الجوي الباتريوت لا فائدة منها إذا لم يتم تزويدها بالصواريخ. ولكن الأهم من ذلك هو أنّ الولايات المتحدة قادرة على منع أو تقليص استخدام المُعدّات الأكثر تقدّماً من الناحية التكنولوجية في أيّ وقت تقريباً من خلال روابط البيانات.
ولضرب هدفها بدقة، تستخدم صواريخ هيمارز، على سبيل المثال، إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي العسكري التي قد ترفض واشنطن مُشاركته لدول أخرى باعتها هذه الصواريخ. ويُوضح باروت نقلاً عن ضابط فرنسي كبير، "إنّه ببساطة رمز يُقدّمه الأمريكيون.. وبدونه، لا يزال من الممكن استخدام مركبات المدفعية لإطلاق تلك الصواريخ، ولكن بدقة أقلّ بكثير".
إف-35 الجيل الخامسوتضع مقاتلات الجيل الخامس من طراز إف-35 مستخدميها في اعتماد أكبر على الولايات المتحدة. ويؤكد اللواء السابق في الجيوش الفرنسية إيريك أوتليت، أنّ "هذا الاعتماد حقيقي حتى وإن كان من الصعب معرفة التفاصيل".
ويُشير إلى أنّ الصندوق الأسود في المُعدّات التكنولوجية الأمريكية غير قابل للوصول، لكن ومن الناحية الفنية، تستطيع الولايات المتحدة منع طائرة إف-35 من الإقلاع "إنها مثل سيارة تيسلا التي تحتاج إلى تحديث مُنتظم"، فبدون رابط البيانات الخاص بها، تُصبح الطائرة الأمريكية غير قادرة على الطيران.
ومن بين الجيوش الأوروبية، اختارت بلجيكا وإيطاليا والدنمارك ورومانيا وألمانيا الطائرات الأميركية، حيث طلبت أكثر من 200 طائرة من طراز إف-35. واليوم ترتفع الأصوات للتساؤل حول مدى الاستقلالية.
وحول ذلك يُحذّر رئيس قسم الدفاع والفضاء في شركة إيرباص مايكل شولهورن في مقابلة مع صحيفة ألمانية من أنّه "إذا استخدمنا الزيادة في الإنفاق الدفاعي لمواصلة شراء المنتجات من الولايات المتحدة، فإننا نزيد من اعتمادنا".
رئيس وزراء غرينلاند يتحدى ترامب - موقع 24أعلن رئيس وزراء غرينلاند، اليوم الأربعاء، أن "غرينلاند ملكنا"، ولا يمكن أخذها أو شراؤها، وذلك في تحد لرسالة وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قال فيها إن إدارته تدعم حق الجزيرة في تقرير مصيرها، ولكنه أضاف أن الولايات المتحدة ستستحوذ على المنطقة، "بطريقة أو بأخرى".وألمانيا بالذات ليست برأيه في وضع يسمح لها بالتفاخر بالاستقلالية، إذ لم يكن أمام برلين من خيار سوى استخدام مقاتلات إف-35 لاستبدال طائراتها القديمة، خاصة وأنّه من أجل حمل الأسلحة النووية الأميركية المُتمركزة على أراضيها، تحتاج القوات الجوية الألمانية إلى طائرات مُعتمدة من قبل الولايات المتحدة.